103 أعوام على وعد بلفور.. أهم المحطات التاريخية حتى 2020

تُصادف اليوم الذكرى الـ103 لوعد بلفور وجرى ذلك في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، والذي منحت بموجبه بريطانيا التي لا تملك أرض فلسطين للحركة الصهيونية.

103 أعوام على وعد بلفور.. أهم المحطات التاريخية حتى 2020

تُصادف اليوم الذكرى الـ103 لوعد بلفور وجرى ذلك في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، والذي منحت بموجبه بريطانيا التي لا تملك أرض فلسطين للحركة الصهيونية.

وتأتي الذكرى، هذا العام، وسط تزايد المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وتهدد بتصفيتها. فالاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع، وخاصة مع إعلان دول عربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، دون انسحاب الأخيرة من الأراضي التي احتلتها عام 1967.

وكانت القيادة الفلسطينية، تعوّل في إقامة الدولة المستقلة على تنفيذ المبادرة العربية لعام 2002، والتي تربط "تطبيع العلاقات" مع الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كما تهدد "صفقة القرن"، وهي خطة سياسية أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية العام، بتصفية القضية الفلسطينية، حيث تضغط على الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم، التي أقرتها قرارات الشرعية الدولية.

وقال مراقبون فلسطينيون، لوكالة "الأناضول"، إن خطة ترامب، تتقاطع مع وعد بلفور، من حيث أهدافها القائمة على إضاعة الحقوق الفلسطينية.

وعد بلفور

في يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا آنذاك، جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، رسالة عُرفت فيما بعد باسم "وعد بلفور".

وجاء في نص الرسالة إن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".

اللود أرثر بلفور (1848 - 1930)

وزعم بلفور في رسالته، أن بريطانيا ستحافظ على حقوق القوميات الأخرى المقيمة في فلسطين، وهو ما لم تلتزم به. وتزامن الوعد، مع احتلال بريطانيا، لكامل أراضي فلسطين التاريخية، خلال الحرب العالمية الأولى.

وبعد مرور عام، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتها عليه، لتتبعها موافقة أميركية رسمية عام 1919، ثم لحقت اليابان بالركب في ذات العام.

وخلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917- 1948)، عملت لندن على استجلاب اليهود من كافة دول العالم، وتنظيمهم، وتقديم الدعم لهم، لتأسيس دول إسرائيل.

وفي حوار سابق أجراه "عرب 48" مع الباحث د. جوني منصور قال إن "مصطلح وطن قومي هو أوسع بكثير من مصطلح دولة، وحدوده أوسع من حدود سياسية لدولة، والقصد هو أن كل يهودي في العالم عليه أن يشعر أن له ‘وطن قومي‘، لأن كل يهودي في العالم لديه دولة هي الدولة التي يسكن فيها، وقد تقاطع ذلك مع ما تسميه الصهيونية بـ‘كيبوتس غالويوت‘ (تجميع الشتات)".

أهداف بريطانيا

يرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد المجيد سويلم، أن وعد بلفور جاء لتحقيق جملة من الأهداف التي سعت إليها بريطانيا آنذاك، لإنجاح مشروعها الاستعماري في الشرق الأوسط.

وقال سويلم للأناضول إن "وعد بلفور كان خطة لتقسيم المنطقة العربية، وزرع كيان يفصل بلاد الشام عن مصر".

واستكمل "اعتقدت بريطانيا آنذاك أن الوحدة العربية تشكّل خطرا على مشروعها الاستعماري المستقبلي الذي كانت تخطط له، منذ توقعيها لاتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916، لتقسيم الشرق الأوسط بينها وبين فرنسا".

ويضيف سويلم أن هذا الوعد جاء ضمن سياق رغبة بريطانيا، في "التخلص من التواجد اليهودي في الغرب"، إضافة إلى الاستفادة منه في تقسيم المنطقة العربية.

مهاجرون يهود في أحد موانئ فلسطين عام 1947 (أرشيف البلماح)

لكن سويلم، يؤكد أن الفلسطينيين، لم يستسلموا للمؤامرات طوال العقود الماضية، وما زالوا يناضلون للحصول على حقوقهم.

كما يرى أن "المشروع الصهيوني معزول من الناحية السياسية رغم حالة التطبيع العربي مع إسرائيل".

تطبيق الوعد

في عام 1917 احتلت القوات البريطانية القادمة من مصر، القسم الجنوبي من فلسطين من سيطرة العثمانيين، وفرضت عليها حكمًا عسكريًا.

وفي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 دخل قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند اللنبي مدينة القدس، وهو ما أثار مشاعر الابتهاج في أوروبا وأميركا إذ وقعت القدس لأول مرةٍ تحت سيطرة الأوروبيين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 1187 بعد طرد الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي.

وكانت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية، قد اتفقت على تقسيم بلاد الشام بينها في اتفاقية سايكس-بيكو السرية في 16 أيار/ مايو 1916 بين الأطراف الثلاثة.

وجرى الاتفاق على أن تكون منطقة فلسطين (من بئر السبع جنوبًا إلى عكا شمالًا تقريبًا) منطقةً دوليةً، ولكن بعد انتهاء الحرب عَدَلَتْ بريطانيا عن هذا البند من الاتفاقية فقد أرادت إنشاء معبر أرضي متصل بين الخليج العربي وميناء حيفا، فضلًا عن هدفها تأسيس دولة صهيونية في فلسطين.

وفي نيسان/ أبريل 1920 اجتمع مندوبو "دول الاتفاق" (أي فرنسا وبريطانيا، بعد خروج روسيا منه) المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في مدينة سان ريمو الإيطالية فيما سُمّيَ "مؤتمر سان ريمو" لتعديل اتفاقية سايكس-بيكو وتقرير الشكل النهائي لتقسيم الأراضي التي احْتُلت من الدولة العثمانية.

وفي هذا المؤتمر اتفق الطرفان على منح فلسطين لبريطانيا وتعديل المتفق عليه سابقًا. وفي عام 1922، أقرت عُصبة الأمم، الانتداب البريطاني على فلسطين.

وفي قراءة سابقة لوعد بلفور، قال محسن صالح، مدير عام "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (فلسطيني مقره في لبنان)"، إن بريطانيا أثناء احتلالها لفلسطين، قامت بتطبيق الشق الأول من وعد بلفور بإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين".

لكنها لم تلتزم بشقه الثاني الذي يتضمن عدم الإضرار بحقوق الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون في ذلك الوقت نحو 92% من السكان وفق التقديرات البريطانية نفسها، وفق صالح.

وفي عام 1948، أثناء خروج بريطانيا من فلسطين، سلّمت الأراضي الفلسطينية لمنظمات صهيونية مسلّحة. وارتكبت تلك المنظّمات مجازر بحق الفلسطينيين، وهجّرتهم من أراضيهم لتأسيس دولتهم عليها، فيما عُرفت هذه الحادثة فلسطينيا بالنكبة.

ووقعت ثلاثة أرباع فلسطين آنذاك تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين حكمت الأردن الضفة الغربية وخضع قطاع غزة للإدارة المصرية.

وبعد 19 عاما (أي في سنة 1967) احتلت إسرائيل الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة مع شبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، خضعت المدن الرئيسية في الضفة الغربية (بدون القدس) وقطاع غزة، "للحكم الذاتي" الفلسطيني تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية.

بين بلفور وترامب

ويعتقد المحلل السياسي وديع أبو نصار، أن وجه الشبه بين وعد بلفور وخطة ترامب يكمن في أن الجهتيْن لا تملكان الأرض، لكنهما يقدّمانها هدية لمن لا يستحق.

وقال أبو نصار لوكالة "الأناضول" إن "بريطانيا أعطت اليهود أجزاء من فلسطين، وهي لا تملك الأرض وكان قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين (عام 1920)، واليوم واشنطن تعطي إسرائيل القدس وأجزاء من الضفة وهي لا تملكها".

وتابع: "هذه الخطوات السياسية، وضعت إسرائيل في حالة عداء مع مئات الآلاف من العرب والمسلمين (على الصعيد الشعبي)، فنتيجتهما عكسية".

إلى جانب آخر، فإن الظروف التي عاشتها المنطقة العربية خلال وعد بلفور، وخطة ترامب تكاد تكون متشابهة. وأكمل قائلا: "العرب في أضعف حالاتهم، وهم مهمّشين ومشتتين وبدون رؤية إستراتيجية سياسية، وبدون خطط لمواجهة المؤامرات".

بن غوريون وألون ويدين (أرشيف الجيش الإسرائيلي)

وكما سعى وعد بلفور إلى تفكيك المنطقة العربية، فإن خطة ترامب، تهدف كذلك لتحقيق نفس الهدف من خلال توسيع حالة التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل.

ويعتقد أبو ناصر أن "التطبيع وإعادة بلورة إسرائيل في المنطقة العربية، من شأنه أن يحافظ على السيطرة والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط".

ويقول إن ذلك الهدف، يتفق أيضا مع وعد بلفور، والذي سعى للحفاظ على الوجود البريطاني في الشرق الأوسط، معتبرا الخطتيْن جزءا من صراع القوى الكُبرى على المنطقة.

وضمن خطة "ترامب"، اعترفت واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقطعت مساعداتها عن الفلسطينيين ووكالة "أونروا"، وأغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها، واعتبرت الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية شرعيا، واعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.

أثناء توقيع الاعتراف بـ"سيادة" إسرائيل على الجولان المحتل (أ ب)

كما ألغت الخطة القيود التي كانت تمنع استخدام المساعدات الأميركية المخصصة للتعاون العلمي في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية ومرتفعات الجولان، وسمحت لإسرائيل بضم 30% من الضفة الغربية إضافة للقدس الشرقية، وأخيرا قادت واشنطن عملية التطبيع العربي مع إسرائيل.

ورغم ذلك، إلا أن أبو نصّار يرى وجود عدد من الاختلافات في ظروف إصدار الوعد البريطاني، والخطة الأميركية، حيث يكمن أبرزها في "الوضع السياسي لليهود".

التعليقات