الأزمة الاقتصادية اللبنانيّة لم ترحم الفلافل!

في حال استمرت الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان على حالها، فإن "سندويتش (شطيرة) الفلافل"، الذي يتباهى به اللبنانيون منذ أن دخل مطبخهم خلال القرن التاسع عشر إبان الحملة العسكرية المصرية، قد يصبح حكرًا على الميسورين فقط!

الأزمة الاقتصادية اللبنانيّة لم ترحم الفلافل!

توضيحية (Pixabay)

في حال استمرت الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان على حالها، فإن "سندويتش (شطيرة) الفلافل"، الذي يتباهى به اللبنانيون منذ أن دخل مطبخهم خلال القرن التاسع عشر إبان الحملة العسكرية المصرية، قد يصبح حكرًا على الميسورين فقط!

عند أحد المداخل الرئيسية لشارع الحمراء النشط في العاصمة اللبنانية بيروت، يستند إحسان عثمان على جدار خارج محل الفلافل الذي يعمل فيه، ولديه ما يكفي من الوقت ليدخن سيجارتين على مهل، فلا زبائن ينتظرون ولا هاتف المحل يتلقى اتصالات لطلب "سندويتش الفلافل" الذي اشتهر بين اللبنانيين بأنه أحد أكثر الأطعمة اللذيذة المتاحة للميسورين والفقراء على السواء.

وَلّت تلك الأيام عندما كان بائع الفلافل لا يملك ترف الوقت حتى للنظر إلى وجوه الزبائن، الذين ينتظرون دورهم للحصول على شطائر الفلافل وهم يستمتعون بمشهد البائع المنهمك في رَصّ الخبز إلى جانب بعضه بعضا وتوزيع أقراص الفلافل المستديرة بعد هرسها، ثم وهو يحشو الشطيرة بشرائح البندورة الحمراء وقطع البقدونس الأخضر والكبيس المخلل بألوانه الزهرية والحمراء، قبل أن يضيف صلصة الطحينة، وكأنه فنان يرسم لوحة فنية.

قبل أزمة انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار في العام 2020، كان هذا المشهد عاديا في غالبية أحياء بيروت التي يكاد لا يخلو شارع رئيسي فيها من بائع للفلافل. ومع تراجع القدرة الشرائية لمئات آلاف اللبنانيين، فان ذلك بات يتلاشى الآن، مثلما اختفت من قبل مشاهد محل "فلافل فريحة" الأكثر شهرة في ذاكرة اللبنانيين الذين عاصروا فترة ما قبل الحرب الأهلية التي اندلعت العام 1975.

إلى هذا، يقول ماجد بلوط،ث الذي عايش تلك المرحلة وارتاد محل "فلافل فريحة" مرارا، إن العشرات كانوا ينتظرون دورهم أمام المحل الكائن في منطقة تعج بالحياة وبدور السينما والمسارح في ساحة البرج وسط بيروت طوال ساعات اليوم، من أجل الاستمتاع بمذاق الشطيرة فيما تفوح في الشارع كله روائح قلي أقراص الفلافل بالزيت، لجذب الزبائن.

اندثرت "فلافل فريحة" تحت أنقاض الحرب الأهلية، مثلما دفن الكثير من ذكريات المدينة ومعالمها، لكن شطيرة الفلافل ظلت صامدة. ويخشى كثيرون الآن أن يكون للازمة الاقتصادية الخانقة أثرا مدمرا في القضاء على "سندويتش الفلافل"، بعدما ارتفعت أسعار كل المكونات المستخدمة في طبخ هذا الطبق اللبناني المميز، المكون أساسا من الفول فيما يخلطه البعض بالحمص الذي يضاف إليه الثوم والبصل والبهارات مثل الكمون.

وفي أيام "فريحة" كان "سندويتش الفلافل" يباع بربع ليرة (25 قرشا)، لكن الحد الأدنى للأجور كان يبلغ 175 ليرة (كانت تعادل وقتها 80 دولارا) وهو مبلغ كان بحسب ما يقول ماجد، كان يكفي عائلة صغيرة شهريا.

أما الآن، وبحسب جولة على عدد من محلات بيع الفلافل في بيروت، فإن "سندويتش الفلافل" يباع بما بين 7 آلاف ليرة و 10 آلاف ليرة، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة التي تعادل بسعر صرف الدولار في السوق السوداء الآن أقل من 50 دولارا.

ويقول إحسان عثمان أمام محل "فلافل أبو الزيز"، الذي يعمل فيه، إنه قبل أيام "دخل رجل وطلب سندويتش فلافل، ولما عرف أنه مقابل 8 آلاف ليرة، امتنع عن شرائه، ثم غادر".

وأضاف: "صرت الآن أحرص أن أبلغ الزبون بسعر السندويتش، قبل أن أضع الأقراص في مقلاة الزيت".

يعمل عبد الله رباط منذ 13 سنة في مجال الفلافل. ومن خلف مقلاة الزيت، التي لم يكن بها أي قرص فلافل، يقول "صار سندويتش الفلافل العادي مقابل 10 آلاف ليرة"، بينما كان قبل الأزمة الاقتصادية مقابل 3500 ليرة، مشيرا إلى أن نسبة التراجع بعدد الزبائن وصلت إلى نحو 80 بالمائة.

وبرغم ذلك، يلفت رباط الذي يعمل في فرع لمحلات فلافل "كريم صهيون" الشهيرة في بيروت، إلى مفارقة تتمثل في أن قيمة الشطيرة الآن تعادل أقل من دولار، بينما كانت من قبل تعادل دولارين، ومع ذلك فإن الزبائن انكفأوا الآن عن شراء الفلافل متسائلا "كيف يمكن لموظف أن يشتري دزينتين (24 قرص فلافل) لعائلته من أربعة أشخاص مقابل 70 ألف ليرة؟! لم يعد هذا السندويتش للفقراء، واذا استمر هذا الوضع قد يختفي سندويتش الفلافل، ويصبح للميسورين فقط".

في أحد محلات "فلافل بربر" المعروفة في بيروت، يقول أحد العاملين إن كل المواد الأولية المستخدمة في صناعة قرص الفلافل والشطيرة الخاصة به، ارتفع سعرها، متندرا بحسرة أنه "لو أراد الموظف أن يأكل كل يوم سندويتش فلافل واحد فقط، فسينفق نصف راتبه الشهري تقريبا".

ويقول العامل الذي فضل عدم كشف هويته، إنه قبل الأزمة الاقتصادية، كان المحل يبيع أحيانا أكثر من ألف شطيرة فلافل يوميا، لكن الرقم لا يتعدى 100 الآن.

النار ليست موقدة تحت مقلاة الزيت. يدخل رجل إلى المحل ويسأل عن سعر الشطيرة فيشير له الموظف بأنه سبعة آلاف، فيغادر من دون أن ينبس ببنت شفة.

ويقول الموظف في "فلافل بربر" إن شيئا كهذا "لم يكن يحدث سابقا. كورونا والدولار ضربتا الفلافل ... والبلد كله".

التعليقات