18/02/2022 - 20:11

التنمر الالكتروني يدفع إلى الانتحار في كوريا الجنوبية

شهدت كوريا الجنوبية العديد من حالات الوفاة بسبب الانتحار على خلفية الإهانات والمضايقات عبر الإنترنت، فيما يفلت مرتكبوها من العقاب.

التنمر الالكتروني يدفع إلى الانتحار في كوريا الجنوبية

(توضيحية - pixabay)

شهدت كوريا الجنوبية العديد من حالات الوفاة بسبب الانتحار على خلفية الإهانات والمضايقات عبر الإنترنت، فيما يفلت مرتكبوها من العقاب.

وتتسبّب أزمة التنمر الإلكتروني في كوريا الجنوبية بمزيد من الوفيات في أوساط المشاهير ومنهم نجوم البوب الكوري، مثل المغنية سولي، وكذلك بين الأشخاص الأقل شهرة كلاعب كرة طائرة أنهى حياته في أوائل شباط/فبراير.

ويمكن لمتنمرين عبر الانترنت في كوريا الجنوبية أن يدمّروا حياة الآخرين من دون أن يرفّ لهم جفن، إذ أن التمييز على أساس الجنس شائع في هذه الدولة الآسيوية، في حين لا يتردد المرشحون للرئاسة مثلا في السخرية من النسوية، وتكثر عبر منتديات الإنترنت المنشورات التي تنطوي على عدائية ضد المرأة.

وتمثل "يوتيوب" المنصة المفضلة لشنّ هجمات من هذا النوع. وحظي مقطع فيديو يهاجم الناشطة كيم جو-هي مثلا بمئات الآلاف من المشاهدات، ونُشرت آلاف التعليقات عليها انطوى عدد منها على تهديدات بالقتل.

وقالت كيم، وهي ممرضة "أشعر دائماً أنني بخطر"، مضيفةً "لدي شعور بأنّ الأمر لن ينتهي أبدا ما لم أضع حدّاً لحياتي وأختفي".

وانتحر في أوائل شباط/فبراير لاعب الكرة الطائرة كيم إن-هيوك بعد تعرضه للسخرية عبر الإنترنت عبر عدد كبير من التعليقات العدائية والشائعات التي أشارت إلى أنّه مثليّ.

وفي كانون الثاني/يناير، أنهت الناشطة عبر "يوتيوب" بي. جاي. جامي حياتها، بعدما تعرّضت مدى سنوات لمضايقات إذ اتُهمت بأنّها "نسوية تكره الرجال". وانتحرت والدتها عام 2019 أيضا بسبب تعرّضها كذلك لإساءات عبر الإنترنت.

ويلاحظ خبراء أنّ حسابات "يوتيوب" المعادية للنسوية في كوريا الجنوبية، والتي يبلغ غدد متابعيها مئات الآلاف، تستفيد من المضايقات.

وأكدت الباحثة في جامعة بنسلفانيا، جينسوك كيم، أنّ "الناشطين المشهورين عبر يوتيوب يجذبون الانتباه أكثر عندما ينشرون مقاطع فيديو يشجبون فيها النسوية ومناصريها".

وتشكل النساء أو الأقليات الفئتين الأكثر عرضة للاعتداءات، ويساهم غياب قانون مناهضة التمييز في كوريا الجنوبية في ترك الضحايا من دون حماية.

وقالت كيم عن معظم الضحايا وتحديدا بي. جاي. جامي إنّ "هذه الاعتداءات ليست عشوائية، إذ يُتّهم الأشخاص بأنهم نسويون، أو بالمثلية الجنسية".

ووقعت نساء أخريات لديهنّ جمهور واسع ضحايا "استقاء معلومات شخصية"، إذ نشر مستخدمو "يوتيوب" ذكور معلوماتهنّ الشخصية عبر الإنترنت واتّهموهنّ بـ"كره الرجال".

ويلجأ بعض نجوم "يوتيوب" إلى الظهور في بث مباشر خلال تعقبهم ضحاياهم ويوجهون إليهن تهديدات بالاغتصاب والقتل، بهدف تسجيل مزيد من نسب المشاهدة وبالتالي رفع عائداتهم من الإعلانات.

وذكرت كيم "يواصلون إنتاج محتوى مثير ومفعم بالكراهية من أجل تحقيق أرباح".

وتتعرض النساء المشهورات للمضايقات منذ سنوات في كوريا الجنوبية، حيث متوسط سرعة الوصول إلى الإنترنت هو الأعلى في العالم.

وانتحرت عام 2008 الممثلة تشوي جين-سيل بعدما تعرضت للتنمر عبر الإنترنت إذ انتشرت مزاعم بأنها مرابية.

كذلك انتحرت عام 2019 نجمة البوب الكوري غو هارا بعد تعرضها لـ"الانتقام الإباحي" من عشيق سابق. أما صديقتها سولي، وهي مغنية أيضا، فوضعت حدا لحياتها بعد تعرّضها لإساءات عدّة من بينها عدم ارتداء حمالة صدر.

وأثارت حالات الانتحار البارزة التي تلت حملات التنمّر عبر الإنترنت، موجات من التضامن والعرائض دعت السلطات إلى إقرار تشريعات لمواجهة هذه الانتهاكات. ولكنّ شيئا لم يتغيّر في الواقع، ولم يصل سوى عدد قليل من التحقيقات إلى نتيجة.

وتسجّل كوريا الجنوبية التي تعتبر مجتمعا شديد التنافسية تسوده الضغوط والتوتر، واحدا من أعلى معدلات الانتحار في البلدان المتقدمة.

وقال الصحافي المستقل الذي يعيش في سيول رافاييل رشيد إنّ كل شخص "يُنظر إليه على أنّه مختلف عمّا هو سائد قد يتعرض للتنمّر وقد يواجه صعوبة في التعافي منه".

وأضاف أنّ "ضحايا التنمر عبر الإنترنت الذين تأذّت سمعتهم يشعرون بأنّ لا مكان لديهم للهروب وأنّ المجتمع لا يمكن أن يتقبّل وجودهم".

واعترفت كيم جو-هي، المناضلة في الحركات النسوية، بأن فكرة الانتحار راودتها، وتضيف بأن من يتعرض لهذا النوع من التمّر "يشعر بأنّ الجميع تخلوا عنه".

وتعتبر أنّ الانتحار حتمي ما دام القانون والعدالة عاجزين أمام المتنمرين، لافتةً إلى أنّ "التنمّر عبر الانترنت لا يتوقف إلّا عندما يموت ضحاياه".

التعليقات