الإعلانات... من العصور القديمة إلى الذكاء الاصطناعي

وجد باحثون طرقًا عديدة استُخدمت فيها الإعلانات في العصور القديمة، مثل الطريقة الإغريقيّة التي تتمثّل بلافتات خارج الحوانيت، أو الطريقة المصريّة في المناداة على البضاعة في الأحياء والأسواق، وهي الطريقة ذاتها التي عُرفت عن العرب ما قبل الإسلام وبعده

الإعلانات... من العصور القديمة إلى الذكاء الاصطناعي

(Getty)

لا تقتصر الإعلانات على العصر الحديث فقط، وإنّما تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، والتي كانت في معظمها تظهر وتنتشر بطرق بدائيّة، من أجل الترويج للسلع والخدمات والتواصل، ومرّت هذه الإعلانات بمراحل عديدة، تطوّرت من خلالها، حتّى وصلت إلى الشكل الذي نعرفه اليوم في وقتنا الحاليّ.

ومن أبرز وأوّل مراحل الإعلان، هي التي ظهرت في العصور القديمة، والتي تسمّى بـ"إعلانات المناداة"، حيث كان البائعون يصيحون في الأسواق القديمة من أجل الإعلان عن منتجاتهم وبيعها، وشيئًا فشيئًا، وفي العصور الوسطى، تطوّرت الإعلانات مع ثورة الطباعة، بعد اختراع آلة الطباعة الميكانيكيّة عام 1439، ومع انتشار هذه الآلات بشكل هائل في أوروبا، أخذت الإعلانات تتطوّر وتتقدّم بشكل كبير.

يشير عدد من الباحثين، إلى أنّ أوّل إعلان في التاريخ (في العالم القديم)، هو الإعلان الهيكليّ، والذي عُرف أنّه كان يظهر على الجدران الهيكليّة للمدن الأثريّة.

وأولى الملوك البابليّون الإعلانات أهميّة خاصّة للإعلانات، إذ كان الإعلان في حينه يمثّل النوازع البشريّة للحصول على النفوذ والمال، فكانوا يدوّنون مجريات الحروب بالإضافة إلى إنجازاتهم، على الألواح الطينيّة، كما كانوا يقومون بحفظها في أماكن العبادة، ويُعرف كذلك أنّ أوّل شكل من أشكال لافتات المتاجر، استخدمه البابليّون والإغريق والرومان، من خلال استخدام الرموز المنحوتة على الأحجار أو الأخشاب، للتدليل على المهن التي يقومون بها في حوانيتهم.

وعرفت الحضارات القديمة مختلف أشكال الإعلانات التجاريّة، إذ وجد علماء آثار بعض أوراق البردى في مصر، والتي كانت تمثّل إعلانًا، يعلن فيه أحد تجّار مصر عن بيع العبيد، كما كشف بعض العلماء في العراق، عن بعض اللقى التي يعود تاريخها إلى 1800 سنة قبل الميلاد، كُتبت عليها بعض الإرشادات للمزارعين في كيفيّة بذر محاصيلهم وريّها وعلاجها من الآفات، والتي تشبه إلى حدّ كبير، النشرات الإرشاديّة للمزارعين، والتي تصدر عن مختلف وزارات الزراعة في العالم.

البداية

إعلان من العصور الوسطى (أرشيف)

ووجد باحثون طرقًا عديدة استُخدمت فيها الإعلانات في العصور القديمة، مثل الطريقة الإغريقيّة التي تتمثّل بلافتات خارج الحوانيت، أو الطريقة المصريّة في المناداة على البضاعة في الأحياء والأسواق، وهي الطريقة ذاتها التي عُرفت عن العرب ما قبل الإسلام وبعده، وفي بلاد ما بين النهرين، كان التجّار يعلّقون شعاراتهم الدعائيّة (أشبه بالماركات) في الأسواق، لتمييزها عن السلع الأخرى، كما كان الرومان يضعون في ساحات روما ألواحًا حجريّة مربّعة الشكل مكتوب عليها بعض الإعلانات التجاريّة.

ويعرف عند علماء الآثار، أنّ أوّل صحيفة مكتوبة بخطّ اليد صدرت في روما، تحت اسم الأحداث اليوميّة، واستخدمت الحكومات كذلك الإعلانات للفت انتباه الناس، من خلال الأوامر الحكوميّة المكتوبة على اللفائف، والمناداة عليها باستخدام الأبواق، لضمان وصولها إلى أكبر عدد من الجماهير، ومع مرور السنوات، تحوّلت الإعلانات من مجرّد وسيلة للدعاية ولفت الانتباه، إلى وسيلة ترفيه أيضًا في العصور الحديثة، والتي شكّلت تغيّرًا نوعيًّا في التعاطي مع الإعلانات.

في أوائل القرن السادس عشر، بدأت الجرائد بالظهور، وبدأ مفهوم المطبوعة بالانتشار في إيطاليا وألمانيا وهولندا وبريطانيا، فمثلًا، صحيفة "ديلي كورانت" التي انطلقت عام 1702، بدأت بنشر الإعلانات المدفوعة، والتي كانت تساهم في تكاليف الطباعة والترويج، حيث روّجت هذه الإعلانات للكتب والأدوية، وسمحت الإعلانات لاحقًا بطباعة الفواتير اليدويّة والبطاقات الترويجيّة، ومع عام 1802، أصبحت صحيفة "لا بريس" الفرنسيّة، أوّل الصحف في العالم تعتمد على الإعلانات المدفوعة، من أجل تمويلها وزيادة ربحيّتها، ثمّ قلدتها معظم الصحف الموجودة آنذاك، وأصبحت هذه الطريقة الرائجة في صناعة الإعلانات، ولا تزال مستخدمة حتّى يومنا هذا.

من الراديو والتلفزيون إلى مواقع التواصل

(Getty)

أُنشئت المحطّات الإذاعيّة الأولى من قبل مصنّعي المعدّات اللاسلكيّة في بريطانيا، ثمّ أدرك القائمون على هذه المحطّات، أهميّتها كأسلوب إعلانيّ جديد، وبلغت ذروتها مع الحرب العالميّة الأولى والثانية، إذ كلّف الرئيس روزفلت إنشاء مجلس إعلانات الحرب، ثمّ أدّى ظهور التلفزيونات في الخمسينات - بعد الحرب العالميّة الثانية - إلى توسيع مفاهيم الإعلان، لتدخل في تخصّصات ومهن كثيرة ومتنوّعة، مثل الملابس والسفر والبيع بالتجزئة والفنادق والسياحة وغيرها… بالإضافة إلى استخدام الإعلانات كوسيلة حكوميّة للترويج لإستراتيجيّاتها، خاصّة أثناء الحرب الباردة، إذ استخدمت الولايات المتّحدة الأميركيّة حملات مثل "قطار الحريّة" أو "الحملة الصليبيّة من أجل الحريّة"، بالإضافة إلى رعاية الحكومة لعدد من العلامات التجاريّة، خاصّة شركات التبغ، التي كانت تروّج إلى أنّ تدخين السجائر يمكن أن يعتبر صحيًّا، ولا يتسبّب بأيّ أمراض، من خلال حملات إعلانيّة متطوّرة، لتشجيع المراهقين على التدخين، وزيادة في عدد المدخنين الجدد، عن طريق إعلانات تدّعي تصوّرات خاطئة عن التدخين.

ظلّت الإعلانات تدور في نفس المفهوم الذي كانت عليه قديمًا، حتّى جاءت مواقع التواصل الاجتماعيّ، وغيّرت اللعبة تمامًا في جذب الجماهير المستهدفة، فمثلًا، موقع فيسبوك، الذي يستضيف أكثر من ربع عدد سكّان العالم، أصبح يوفّر الفرصة الكبرى للمعلنين في الوصول إلى الجمهور الهدف، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء الإعلانات، وتحسينها، من خلال التعرّف على الأشخاص وما يفضّلونه، فمثلًا، يمكن للشركات استخدام الذكاء الاصطناعيّ لتقييم وتحليل الأشخاص الذين يتصفّحون مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، للحصول على معلومات الأشخاص، ويمكن أيضًا، استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الإعلانات الشخصيّة من خلال التحديد الفرديّ للأشخاص الذين يحبّون المنتجات الخاصّة بشركة ما، على سبيل المثال.

وهناك عدّة إجراءات تستخدمها الشركات في تحسين إعلاناتهم، ومساعدة المسوّقين في اكتساب المزيد من الأفكار الإعلانيّة، من خلال الاعتماد على بيانات العملاء التي يتمّ تجميعها، كما يساعد الذكاء الاصطناعيّ المسوّقين في تحليلاتهم ورؤاهم الإعلانيّة وفهم جمهورهم بصورة أفضل، للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة منهم، من خلال الاعتماد على خوارزميّات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات.

التعليقات