قيود صارمة على إعلانات شركات التبغ: كيف بدأت هذه القصّة؟

تعود إعلانات التدخين إلى سنوات طويلة ماضية، حيث التدخين عادة شائعة بين الناس لعدّة قرون، ومع ذلك، لم تبدأ صناعة التبغ في تسويق السجائر إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، باعتبارها "وسيلة مريحة وعصريّة"

قيود صارمة على إعلانات شركات التبغ: كيف بدأت هذه القصّة؟

(Getty)

أعلنت نيوزلندا قبل أسابيع، عن قانون يمنع الأجيال القادمة من شراء التبغ، وذلك ضمن مجموعة قوانين لمكافحة التدخين، والذي يعتبر من أشدّ القوانين صرامة حول العالم. وهذه القوانين، تشمل حظر بيع التبغ لأيّ شخص من مواليد عام 2009 وما بعده.

وتناقش عدد من الدول إجراءات للحدّ من ظاهرة التدخين بين المواطنين، خاصّة بعد الدراسات المتتالية حول أضرارها وما تسبّبه للأجهزة الصحيّة في هذه البلاد من تكاليف لعلاج الحالات التي تنتج عن ظاهرة التدخين، ومن هذه الإجراءات، فرض غرامات على شركات التدخين، بالإضافة إلى وضع حدود للإعلانات التي تقوم بها الشركات في سبيل الترويج لمنتجاتها من التبغ، وهو ما تشهده دول كثيرة حول العالم الآن، من منع إعلانات هذه الشركات.

وتعود إعلانات التدخين إلى سنوات طويلة ماضية، حيث التدخين عادة شائعة بين الناس لعدّة قرون، ومع ذلك، لم تبدأ صناعة التبغ في تسويق السجائر إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، باعتبارها وسيلة مريحة وعصريّة للتدخين. في ذلك الوقت ، كان ينظر إلى التدخين على أنّه هواية غير ضارّة، وكان يسوق للسجائر كوسيلة للاسترخاء وتقليل التوتّر، ومع مرور الوقت، أصبح التدخين مرتبطًا بمجموعة من المشكلات الصحّيّة، وأصبحت السجائر غير مرغوب فيها بشكل متزايد. في هذه المقالة، سوف نستكشف تاريخ إعلانات التدخين في الولايات المتّحدة، وكيف تحوّلت السجائر إلى شيء غير مرغوب فيه على مرّ السنين.

ولإعلانات التدخين تاريخ طويل ومعقّد في الولايات المتّحدة، وفي حين أنّ إعلانات السجائر كانت ذات يوم مشهدًا شائعًا في المجلّات واللوحات الإعلانيّة والتلفزيون، فقد أصبحت منظّمة بشدّة في السنوات الأخيرة مع زيادة الوعي العامّ بالمخاطر الصحّيّة للتدخين، ونتيجة لذلك، أصبح التدخين شيئًا غير مرغوب فيه لكثير من الناس، وواجهت صناعة التبغ العديد من التحدّيات والقيود القانونيّة على ممارساتها الإعلانيّة، وبينما انخفضت معدّلات التدخين في الولايات المتّحدة، تواصل صناعة التبغ الترويج لمنتجاتها في أجزاء أخرى من العالم حيث اللوائح أقلّ صرامة.

في أوائل القرن العشرين، لم يكن تدخين السجائر هواية شعبيّة، وكانت صناعة التبغ تبحث عن طرق للترويج لمنتجاتها، وبدأت في تسويق السجائر كبديل مناسب وأنيق لأشكال أخرى من التبغ، حيث ظهرت في إعلانات السجائر المبكّرة صورًا لأطبّاء ومهنيّين طبّيّين آخرين يؤيّدون الفوائد الصحّيّة للتدخين، على سبيل المثال، ظهر في أحد الإعلانات في أوائل القرن العشرين طبيبًا يدخّن سيجارة ويقول: "لسنوات، أوصيت بالإبل لمرضاي الّذين يدخّنون." وعرضت إعلانات أخرى صورًا برّاقة لنساء يدخّن سجائر ورجالًا يدخّنون سجائر أثناء مشاركتهم في أنشطة ترفيهيّة مثل الصيد أو الجولف.

خلال عشرينيّات وثلاثينيّات القرن الماضي، أصبحت إعلانات السجائر أكثر تعقيدًا واستهدافًا، إذ بدأت الإعلانات في جذب مشاعر المستهلكين بدلًا من مجرّد الترويج للفوائد الصحّيّة للتدخين، وتضمّنت الإعلانات صورًا لأزواج سعداء يدخّنون السجائر ويستمتعون بصحبة بعضهم البعض، واستخدموا بعض الشعارات "الكاذبة" لجذب المستخدمين.

وبدأت صناعة التبغ أيضًا في رعاية أحداث مثل سباقات السيّارات وعروض الطائرات والأحداث الرياضيّة للترويج للسجائر لجمهور أوسع، حيث رعى مصنعو السجائر برامج إذاعيّة شهيرة، بما في ذلك برنامج Jack Benny و The Burns and Allen Show، وكانت الإعلانات عن السجائر سمة منتظمة لهذه البرامج.

وبحلول الأربعينيّات والخمسينيّات من القرن الماضي، أصبحت إعلانات السجائر أكثر تعقيدًا، حيث ظهرت الإعلانات من مشاهير مثل رونالد ريغان ولوسيل بول وجون واين، وهم يؤيّدون السجائر، واستخدموا شعارات مثل "المزيد من الأطبّاء يدخّنون الجمال أكثر من أيّ سيجارة أخرى" للترويج للفوائد الصحّيّة المفترضة للتدخين، بالإضافة إلى ذلك ، بدأت إعلانات السجائر في استهداف فئات سكّانيّة محدّدة، مثل النساء، مع إعلانات تتميّز بتصميمات أنثويّة وألوان الباستيل، وخلال الستّينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي، بدأ الوعي العامّ بالمخاطر الصحّيّة للتدخين في الازدياد، وخضعت إعلانات السجائر لمزيد من التدقيق، ومع عام 1964، صدر تقرير الجراح العامّ عن التدخين والصحّة، والّذي خلص إلى أنّ التدخين سبب لسرطان الرئة ومشاكل صحّيّة خطيرة أخرى، وأدّى التقرير إلى انخفاض في إعلانات السجائر، حيث أصبح المعلنون أكثر وعيًا بالآثار السلبيّة للتدخين، وأصبح الجمهور أكثر وعيًا بالمخاطر الصحّيّة.

وعلى الرغم من انخفاض إعلانات السجائر، استمرّت صناعة التبغ في الترويج للسجائر من خلال وسائل أخرى، على سبيل المثال، رعى مصنعو السجائر أحداثًا مثل الحفلات الموسيقيّة والأحداث الرياضيّة، واستخدموا مواضع المنتجات في الأفلام والبرامج التلفزيونيّة للترويج للسجائر لجمهور أوسع، بالإضافة إلى ذلك ، بدأت شركات السجائر في إدخال منتجات جديدة مثل السجائر منخفضة القطران والسجائر الخفيفة، والّتي تمّ تسويقها على أنّها أقلّ ضررًا من السجائر التقليديّة.

ومع حلول التسعينيّات، ازداد الوعي العامّ بالمخاطر الصحّيّة للتدخين بشكل أكبر، وتعرّضت إعلانات السجائر لانتقادات متزايدة، وفيّ في عام 1998، تمّ التوصّل إلى اتّفاقيّة التسوية الرئيسيّة بين صناعة التبغ و 46 ولاية أمريكيّة، والّتي فرضت قيودًا على إعلانات السجائر، وطالبت الصناعة بدفع مليارات الدولارات كتعويض للولايات.

ومنذ تسعينيّات القرن الماضي، تمّ تنظيم إعلانات السجائر بشدّة في الولايات المتّحدة. يتعيّن على شركات السجائر تضمين تحذيرات صحّيّة على منتجاتها، ونتيجة لهذه التغييرات، انخفضت معدّلات التدخين بشكل ملحوظ في الولايات المتّحدة على مدى العقود القليلة الماضية، ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فقد انخفضت نسبة المدخّنين البالغين في الولايات المتّحدة من 25% في عام 1990 إلى 14% في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك ، انخفض معدّل التدخين بين طلّاب المدارس الثانويّة من 36% في 1997 إلى 5% في 2019، وما زالت صناعة التبغ تواصل الترويج لمنتجاتها في أجزاء أخرى من العالم حيث اللوائح أقلّ صرامة.

التعليقات