ما التأثيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة في إدراكنا للوقت؟

يعاني الكثير من الناس من الانفصال والعزلة، وهذا من النتائج الأخرى لإدراكنا المتغيّر للوقت، فعلى الرغم من حقيقة أنّنا مرتبطون أكثر من أيّ وقت مضى، فإنّ العديد من الناس يقولون إنّهم يشعرون بالوحدة والانفصال عن الآخرين

ما التأثيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة في إدراكنا للوقت؟

(Getty)

لطالما كان للتكنولوجيا تأثير عميق على كلّ جانب من جوانب حياتنا تقريبًا، بما في ذلك إدراكنا للوقت، ونظرًا لأنّها أصبحت مرتبطة هذا الارتباط بنا ، فقد توصّلنا إلى توقّع أنّ كلّ شيء يجب أن يحدث بسرعة وكفاءة أكبر.

وعلى الرغم من حقيقة أنّ التكنولوجيا قد مكّنتنا من القيام بالمزيد في وقت أقلّ، يشعر الكثير من الناس أنّ لديهم وقتًا أقلّ من أيّ وقت مضى، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أنّ التكنولوجيا أوجدت توقّعات ومطالب جديدة في عصرنا، ولكنّ هذا أيضًا بسبب أنّها غيّرت الطريقة الّتي نفكّر بها بشأن الوقت، كما خلصت دراسة نشرت في مجلّة "علم النفس التجريبيّ" أنّ الأشخاص الّذين تمّ إعدادهم للتفكير في الوقت كمورد محدود كانوا أكثر عرضة للشعور بضغط الوقت.

ومن أهمّ الطرق الّتي غيّرت بها التكنولوجيا إدراكنا للوقت، هي زيادة السرعة الّتي يمكننا من خلالها التواصل والوصول إلى المعلومات، فمع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ والأجهزة المحمولة، أصبح بإمكاننا الآن التواصل مع الأشخاص والوصول إلى المعلومات من أيّ مكان في العالم في أيّ وقت من النهار أو الليل، وقد خلق هذا توقّعًا بالتوافر المستمرّ والاستجابة، وجعل من الصعب علينا بشكل متزايد قطع الاتّصال واستغلال الوقت لأنفسنا.

ووفقًا لدراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث يشعر 36% من الأميركيّين أنّهم متّصلون بالإنترنت "باستمرار"، بينما يقول 44% إنّهم يتّصلون بالإنترنت عدّة مرّات في اليوم، وقد جعل هذا المستوى من الاتّصال الدائم أصعب على المستخدمين، حيث يزيد الشعور بالإرهاق والتعب وعدم التركيز.

(Getty)

والطريقة الأخرى الّتي غيّرت بها التكنولوجيا تصوّرنا للوقت هي خلق شعور بالإلحاح حول كلّ ما نقوم به، فمع القدرة على إرسال رسائل فوريّة وإجراء عمليّات شراء فوريّة والوصول إلى المعلومات على الفور، أصبحنا دائمًا في مكان نتوقّع فيه إشباعًا فوريًّأ للرغبات، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة "أبحاث المستهلك" أنّ الأشخاص الّذين تمّ إعدادهم للتفكير في مهمّة ما قبل الانخراط بها كانوا أكثر ميلًا لإدراك الوقت على أنّه يتحرّك بسرعة، وهو ما يشير إلى أنّ التكنولوجيا لم تغيّر تصوّرنا للوقت فحسب، بل إنّها جعلتنا أيضًا نتوقّع حدوث كلّ شيء بسرعة وكفاءة، بغضّ النظر عن الظروف.

ويعاني الكثير من الناس من الانفصال والعزلة، وهذا من النتائج الأخرى لإدراكنا المتغيّر للوقت، فعلى الرغم من حقيقة أنّنا مرتبطون أكثر من أيّ وقت مضى، فإنّ العديد من الناس يقولون إنّهم يشعرون بالوحدة والانفصال عن الآخرين، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أنّ التكنولوجيا خلقت طرقًا جديدة لنا للتواصل، ولكنّها غيّرت أيضًا الطريقة الّتي نتواصل بها مع بعضنا البعض، حيث قالت دراسة نُشرت نتائجها في "مجلّة العلاقات الاجتماعيّة والشخصيّة" عام 2018، أنّ الأشخاص الّذين تواصلوا بشكل أساسيّ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أفادوا بأنّهم أقلّ ارتباطًا بالآخرين من أولئك الّذين تواصلوا بشكل أساسيّ من خلال التفاعلات وجهًا لوجه، وهو يشير إلى أنّ التكنولوجيا قد خلقت طرقًا جديدة لنا للتواصل مع الآخرين، ولكنّها أيضًا جعلت من الصعب علينا تكوين علاقات ذات مغزى والشعور بالارتباط بالآخرين، كما وجدت دراسة نُشرت في "مجلّة الأعمال وعلم النفس"، أنّ الموظّفين الذين عانوا من مستويات عالية من ضغط الوقت وانخفاض مستويات التحكّم في عملهم أبلغوا عن مستويات أعلى من الإرهاق وانخفاض مستويات المشاركة في وظائفهم.

وبحسب خبراء، فقد أدّى اعتماد الإنسان المتزايد على التكنولوجيا إلى خلق توقّعات ومطالب جديدة في عصرنا، كما أنّه جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة من أجل إيجاد الوقت لنفسه، حيث غيّر هذا النظام العالميّ الطريقة التي نفكّر بها بشأن الوقت، كما خلق إحساسًا متزايدًا بفقر الوقت والانفصال في الحياة الشخصيّة والمهنيّة.

التعليقات