أبو يزيد ظلّ شاباً شامخاً حتى آخر لحظة/ عوض عبد الفتاح

-

 أبو يزيد ظلّ شاباً شامخاً حتى آخر لحظة/ عوض عبد الفتاح
هناك أناس يمدون الآخرين بالحياة والحيوية والأمل في حياتهم وفي مماتهم. وهناك من يكونون مصدراً لتثبيط العزائم وهدم المعنويات والتشجيع على تفريغ الحياة من المعنى.

هناك أناس يشيخون وهم في ريعان الشباب، يتوقف تفكيرهم وعطاؤهم ونشاطهم ويكتفون بالعيش على سطح الحياة، يقضون حياتهم بالقيل والقال وبالترف ودون تناول كتاب واحد، أو بالتقوقع في البيت بعد العمل حتى لو كان أبناء جلدتهم يعانون الأمرين ومجتمعهم يعاني الركود الثقافي والإجتماعي.

وهناك من تظل روح الشباب متوقدة في دمائهم وعروقهم وعقولهم ويشكلون حافزاً للنشاط والحركة عند الآخرين مدفوعين بالرغبة في الدفاع عن مجتمعهم وهويته وأخلاقه الجماعية.يغيظهم التخلف، ومظاهر التعصب الطائفي والعائلي الإنتهازية التي تشوّه وجه المجتمع.

رفيقنا المرحوم فريد سعيد، أبو يزيد، كان من هؤلاء الرجال الأقوياء الذين لم تنطفئ فيهم روح العمل الحميّة والمثل الأخلاقية إلا بالموت.

لقد مضى إلى العالم الآخر بعد 64 عام من الحياة الزاخر معظمها بالعطاء.

منذ أشهر قليلة توقف عن زيارة المكتب المركزي في حزب التجمع، التي كان يقوم بها مرة أو مرتين في الشهر، بسبب اشتداد المرض الذي كان قد بدأ عنده قبل عشر سنوات. بدأ تلك الزيارات، شبه المنتظمة منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما قرر أن يبادر مع بعض رفاقه إلى إعادة تنظيم الفرع في كفرياسيف ودبّ الحياة فيه مجدداً. كان يأتي بدون موعد مسبق. فقد يتصل بي إذا أنا موجود في المكتب.

أعيدت الحياة إلى الفرع، وتم بعث فرع للشباب وضم أعضاء جدد، برز منهم وجوه واعدة ويعتز بها. كان حريصاً على نجاح المبادرة وخاصة على مجموعة الشباب العصاميين والناجحين في تعليمهم.. والمتفوق منهم مثل شهم الياس وغيره، الذين انطلقوا ينشطون وينظمون الإجتماعات والندوات والمهرجانات وليتحول من أكثر فروع الشبيبة نشاطاً وحيوية لدى حزب التجمع. كان يقول لي " لا تنقطع عنا يا أبو أشرف نحن نتحرك بنفسك". أبدى حرصاً بالغاً للحفاظ على الشباب، رأيته مرة كيف إشتاط غضباً حين سمع عن تدخل أحد الأعضاء بصورة غير سليمة بشأن الشبيبة. أرادهم أن ينموا ويكبروا، ويواصلوا المسيرة ويغنوا الحياة الثقافية والسياسية في كفرياسيف وأن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع والحركة الوطنية في عموم الوطن.

جمع أبو يزيد الإشتراكات لفصل المقال، ووزع الجريدة، وحضر جميع النشاطات المحلية والقطرية التجمعية. لم يترفع عن أية مهمة طالما تخدم الهدف.

كان من الناس الذين يواجهون المرض اللعين بشجاعة وإرادة فولاذية. قبل ثلاثة أسابيع من وفاته.. زرناه في بيته، كان في سريره وغير قادر على تحريك جسده. ولكننا فوجئنا وهو يتناول الحديث معنا، وتبادل النكات والدعابة. وسأل عن الحزب وعن الشباب وعن كل ما يتعلق بالحركة الوطنية وكأنه في وضع صحي طبيعي. وسألنا إذا كان لدينا أخبار عن الدكتور عزمي.

كنت دائماً أقارنه مع الكثير من الشباب الذين يشيخون مبكراً (نشاطاً وعقلاً) ومع المربين الذين تقاعدوا مبكراً من عملهم، فقعدوا يقتلون الوقت ويبتعدون عن كل نشاط وعطاء.

خسرته عائلته مبكراً، زوجته أم يزيد، أبناؤه وبناته وأشقاؤه. وخسرته الحركة الوطنية وهي خسارة يعوضها جزئياً وجود هؤلاء جميعاً. وكذلك وجود البراعم التي اهتم أن تتفتح وتنمو، وتستمر الحياة، ليس كيفما اتفق، بل زاخرة بالمعاني والغايات الإنسانية.. حياة مليئة بالنضال والبناء والنجاح.

كان أبو يزيد يحب أن يكون في مهرجان الإفتتاح الكبير للمؤتمر الثاني لإتحاد الشباب الوطني الديمقراطي، الشهر القادم، ويرى بعض ما قدمه لشباب الحركة الوطنية، في قريته. لا شك أن البراعم التي رعاها ستواصل الحركة مستمدة القوة والعزيمة من أبي يزيد، وتبني المجد، وتقهر التدجين والأسرلة وتمضي إلى الحرية والسعادة.




التعليقات