النائب زحالقة يتحدث لـ"بي بي سي" عن الإنتفاضة الثالثة وإمكانية الحرب وفرص اليسار الفلسطيني

-

النائب زحالقة يتحدث لـ
رامي رحيم | بي بي سي - لندن

لم يكتف النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي جمال زحالقة في ختام محاضرته في معهد الدراسات الأفريقية والشرقية سواس في لندن، بتوقع اندلاع انتفاضة ثالثة، وهو ما كان كفيلا بإشعال القاعة تصفيقا حارا. بل اختار أن يضيف إلى التوقع تساؤلا: من الذي سيقود هذه الانتفاضة؟

زحالقة أجاب بشكل غير مباشر عن هذا السؤال، حين اعتبر ان هناك فراغا في النظام السياسي الفلسطيني، وأن أغلبية الشعب الفلسطيني لا تشعر ان القوتين الرئيسيتين في الساحة السياسية، فتح وحماس، تمثلانه.

انطلاقا من هذه النقطة، شدد زحالقة على أن هذا الوضع يمثل فرصة تاريخية أمام قوى اليسار في المجتمع الفلسطيني، لها أن تنقض عليها لو امتلكت الإرادة السياسية.

بحث أكاديمي

كلمة زحالقة الذي يقود حزب التجمع الوطني الديمقراطي في اسرائيل جاءت أمام ندوة حملت عنوان "اليسار في فلسطين واليسار الفلسطيني"، ونظمتها الجعمية الطلابية الفلسطينية في المعهد. استضافت الندوة عددا من الأكاديميين والسياسيين والناشطين العرب والاسرائيليين، تحدثوا كل انطلاقا من مجال اختصاصه عن اليسار وتاريخه في فلسطين.

وبين المواضيع العديدة التي شملتها الندوة "اليسار اليهودي في فلسطين في أوائل القرن الماضي، وعلاقته باليسار الفلسطيني"، إضافة إلى التوتر بين الأفكار والتوجهات اليسارية الشيوعية من جهة، والنزعات القومية، عربية كانت أو يهودية، من جهة أخرى.

أما زحالقة، فقد توسع في كلمته بشرح حالة الفصل التي يعيشها الشعب الفلسطيني: فـ"اللاجئون منفصلون عن أرض فلسطين، وغزة منفصلة عن العالم كله، والضفة الغربية منفصلة عن القدس وعن غزة وعن فلسطينيي الشتات وفلسطينيي الداخل"، إضافة إلى الفصل الداخلي بين أبناء الضفة بسبب الحواجز العسكرية والجدار.

* تسجيل صوتي للمقابلة




"الحب مؤامرة"

بعد ذلك انتقل إلى الحديث عن القانون الاسرائيلي الذي يمنع الأزواج من جانبي الخط الأخضر، أي من الضفة الغربية واسرائيل، من العيش سوية، واصفا ذلك بأنه شكل من أشكال الفصل الذي يتعدى السياسة والجغرافية ليصل إلى الحياة الشخصية. ورأى زحالقة أنه بالنسبة للمؤسسة الاسرائيلية، فإن "الحب بين رجل وامرأة فلسطينيين يشكل تآمرا على الدولة".

الفصل وضرورة مقاومته بكل تجلياته شكل إذا محور كلمة النائب العربي في الكنيست ورئيس حزب التجمع الديمقراطي. وقد التقيته على هامش الندوة، فكان هذا الحوار:

* توقعت اندلاع انتفاضة ثالثة. بناء على أية معطيات؟

- ما يحدث في الضفة الغربية هو أنه هناك هدوء ولكن يمكن أن يغرر هذا الهدوء بالناس لأن ما يحدث خلف هذا الهدوء هو حالة غضب وحالة احتقان تزيد يوما بعد يوم ولا بد أن تنفجر. إذا راجعنا الانتفاضات السابقة الكثيرون اعتقدوا أنه لن تكون هناك انتفاضة ولكن كفى أن يكون هناك ما يشعل هذه الانتفاضة حتى اندلعت بقوة.

باب المفاوضات الذي أعطاه الشعب الفلسطيني فرصة أُغلق تماما ولا يوجد أي تحرك في هذا المجال، وباعتقادي أن الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال لا يمكن أن يصبر طويلا. الشعب الفلسطيني التقط أنفاسه بعد الانتفاضة الثانية والأرضية جاهزة لانتفاضة ثالثة.

* في الضفة؟

- في الضفة الغربية بالأساس، وباعتقادي أن هذه الانتفاضة ستأخذ شكلا مختلفا عن الانتفاضات السابقة.

* أي شكل ستتخذ؟ هل نتحدث عن عصيان مدني أو انتفاضة حجارة أو انتفاضة معسكرة؟

- نحن نعرف كيف تبدأ الانتفاضات ولكن لا أحد يعرف كيف تنتهي. للتذكير الانتفاضة الثانية بدأت كانتفاضة سلمية ولكن القمع الاسرائيلي حولها إلى انتفاضة عسكرية وجرت عسكرة هذه الانتفاضة.

هناك تحركات ودلائل على أن النضال ضد الاحتلال لم يتوقف وكان هناك عمليات عسكرية وهناك تزايد في النضال المدني والشعبي ضد الاحتلال الاسرائيلي. باعتقادي أن هذه الانتفاضة هذه المرة ستكون انتفاضة شعبية وجماهيرية وليس فقط أعمال عسكرية.

* ولكن السلطة الفلسطينية لها موقف واضح من موضوع الانتفاضة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث مؤخرا عن التوقعات المتزايدة احتمال حدوث انتفاضة، وقال إنه لن يسمح بذلك ولن يوافق على أي شكل من أشكال الانتفاضة. فعلى من تكون الانتفاضة؟ هل تكون انتفاضة على السلطة الفلسطينية؟

- يعني هناك غضب من الواقع. الفلسطينيون غاضبون. هناك استفزازات اسرائيلية مستمرة في القدس وفي الخليل وفي أماكن أخرى، وما حدث في الخليل في الاسابيع الأخيرة وما يحدث في بلعين وما يحدث في أماكن كثيرة هو دليل أن هذه كلها بشائر ودلائل على أننا أمام تغيير في الواقع وأن الهدوء لن يستمر في الضفة الغربية. من الصعب أن نحدد التوقيت ولكن الأرضية جاهزة. بالمناسبة تقديرات الكثير من المحللين الاسرائيليين تقول إن الانتفاضة على الأبواب.

* ولكن أليس هناك احتمال في ظل موقف السلطة أن تتخذ الانتفاضة شكل الاشتباك الفلسطيني-الفلسطيني في حال استمر موقف السلطة على أنها تعارض أي انتفاضة؟

- أ نا لا أريد أن أدخل في التاريخ. لم تقرر القيادة الفلسطينية في يوم من الأيام أن تبدأ الانتفاضة. الانتفاضة بدأت شعبيا من القواعد وفرضت نفسها على القيادات، وهذا ما سيحدث هذه المرة.

* المعروف أن الكثير من الجدل السياسي يدور حول تاريخ الاتنفاضتين، خاصة الأولى، والاستثمار السياسي لها. متى تتوقف الانتفاضة لو حدثت ويبدأ الاستثمار السياسي، ومن يقرر الأهداف السياسية المحددة للانتفاضة لو حدثت؟

- يجب أن يكون هناك استثمار سياسي للانتفاضة وإلا فقدت المعنى وأصبحت بلا معنى. الأفق السياسي مطلوب وباعتقادي أن انتفاضة بدون أفق سياسي هي مجرد طحن للدماء.

* ماذا يكون الهدف السياسي في انتفاضة في الظروف القائمة الآن؟

- الهدف السياسي بإعتقادي يجب أن يكون اجبار اسرائيل على الخروج من الضفة الغربية وأيضا إنهاء الاستيطان. هذه امور قابلة للتحقيق إذا تظافرت جهود فلسطينية جدية في هذا الموضوع. السؤال هل القيادة الفلسطينية جاهزة لاستثمار الانتفاضة؟ نحن لا نرى باستثمار الانتفاضة أمرا سلبيا، بالعكس تماما. إذا كانت هناك قيادة فلسطينية يمكن أن تستثمر الانتفاضة لتحقيق انجازات للشعب الفلسطيني. هذا هو السؤال الكبير.

أنا اعتقد أن لليسار دورا مهما جدا. نحن في سباق مع الزمن، على اليسار أن ينظم صفوفه وأن تبنى جبهة وطنية فلسطينية عريضة لمواجهة الاحتلال واستثمار الانتفاضة بشكل صحيح مع افق سياسي واضح ومطالب عينية.

* قلت بالأمس إنه لا يمكن العمل سياسيا في الضفة دون اخذ اللاجئين في عين الاعتبار أو العمل السياسي في الداخل دون أخد الضفة وغزة في عين الاعتبار. يعني تطالب بوحدة الفلسطينيين إن كانوا لاجئين أو في أراضي 67 أو 48 ما هو الهدف السياسي والشعار السياسي الذي يمكن أن يوحد كل الفلسطينيين في مختلف هذه الأماكن؟

* لا يوجد شعب في العالم يعيش مثل الشعب الفلسطيني. حالة انقسام. اللاجئون مفصولون عن الوطن، الضفة مفصولة عن القطاع، القطاع مفصول عن كل العالم، القدس مفصولة عن الضفة، الفلسطينييون في الداخل مفصولون عن الضفة والقطاع والشتات، هذه حالة لا مثيل لها في العالم ، باعتقادي أن واجب الحركة الوطنية الفلسطينية أن توحد هذا الشعب من الناحية السياسية حتى لو لم تستطع أن توحده جغرافيا. الهدف الذي يجتمع حوله الفلسطينيون هو المحافظة على الكيان الوطني ووحدة الشعب الفلسطيني وعلى الكيان الفلسطيني فنحن شعب واحد.

والهدف السياسي هو أيضا أن يكون هناك نهاية للصهيونية لأن الصهيونية هي التي سببت هذه المآسي للشعب الفلسطيني. والافق الديمقراطي يجب أن يكون حياة مشتركة بين اليهود والعرب بدون صهيونية.

* يعني هل تتحدث عن الدولة الواحدة؟ أن يتوحد الفلسطينيون في الداخل والخارج وفي الـ67 والـ48 حول شعار دولة واحدة في كل فلسطين التاريخية؟

- يعني بنهاية المطاف، وعلى المدى الاستراتيجي أعتقد أن هذا هو الحل لكن هذا ليس بديلا للنضال ضد الاحتلال أو حتى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. يمكن الوصول إلى دولة واحدة مباشرة ويمكن الوصول إليها من خلال محطة الدولتين.

* كيف ترى مستقبل عرب الداخل في دولة اسرائيل في ظل تصنيفكم من قبل جزء كبير من المجتمع الاسرائيلي وأيضا الطبقة السياسية على أنكم تشكلون تهديدا ديموغرافيا للدولة؟

- ليس تهديدا ديمغرافيا فقط ، رئيس الشاباك الاسرائيلي قال إننا التهديد الاستراتيجي بالـ التعريف لإسرائيل كدولة يهودية، ونحن نعترف بأننا تهديد استراتيجي للعنصرية والظلم وحتى للصهيونية لأننا نتحداها. نحن في صراع على مدى عشرات السنين وهذا الصراع سيستمر.

من يعتقد أنه سيكون هناك حل لقضيتنا نحن في الداخل منفصل عن حل القضية الفلسطينية فهذه أضغاث أحلام. قضيتنا مرتبطة عضويا بالقضية الفلسطينية وجزء لا يتجزأ منها ولهذا السبب الحل عندما سيكون حل، سيكون في إطار القضية الفلسطينية.

* قلت في السابق إن الدعوة للولاء لاسرائيل هي دعوة للانتحار الجماعي بالنسبة لعرب الداخل. هل يمكن أن تفسر هذا التصريح؟

- لأن اسرائيل قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني ونحن نخسر ذاتنا حين نضطر إلى إعلان الولاء للدولة العبرية. وبالمناسبة أرادوا أن يسنوا قانونا للولاء لاسرائيل وأنا أعلنت أننا سنقوم بعصيان مدني إذا فعلا طلب من المواطنين الفلسطينيين في الداخل أن يفعلوا ذلك واضطرت المؤسسة الاسرائيلية إلى التراجع عن مثل هذا القانون بعد أن تحول الرفض له والتهديد بإعلان عصيان مدني إلى موقف الجماهير الفلسطينية في الداخل كلها من خلال لجنة المتابعة العليا لنا في الداخل.

* تطرحون مطلب المساواة ومطلب دولة لجميع أبنائها وهذا مطلب يبدو بديهيا ولا يفترض أن يثير الكثير من الجدل السياسي. كيف تفسر أولا الغياب شبه الكامل للتأييد لكم بين اليهود في اسرائيل، وثانيا غياب التأييد العام في العالم لكم على أساس أنكم أقلية تعامل من قبل الدولة على أنها تشكل تهديدا لها؟

- أولا المؤسسة الاسرائيلية تمنح امتيازات لليهود في فلسطين ولا أحد يتنازل عن هذه الامتيازات إلا إذا اضطر أو أجبر أو فرض عليه هذا الأمر. هذا أولا ولهذا السبب هذه الفكرة لا تحظى بتأييد كبير من اليهود. ولكن أعتقد أن على المدى البعيد من حق كل طفل يهودي وكل طفلة أن يعيشوا في سلام وفي حرية وفي ديمقراطية بلا صهيونية كما يعيش اليوم البيض في جنوب افريقيا بعد نهاية نظام الأبارتايد (الفصل العنصري).

من الناحية الدولية أعتقد أن اسرائيل مدللة من قبل المجتمع الدولي لسببين: الأول هو عقدة الذنب في أوروبا بسبب المحرقة ضد اليهود، والسبب الثاني أن اسرائيل استطاعت وبخدعة كبيرة جدا ربما الخدعة الأكبر في القرن العشرين أن تعرض نفسها كدولة ديمقراطية وكواحة للديمقراطية في صحراء الديكتاتوريات العربية.

ونحن نقوم بدورنا في فضح هذه الصورة وتشويهها وإظهار حقيقة العنصرية الاسرائيلية التي يجب أن تواجه وأن تفضح.

* يطرح بين الحين والآخر كلام عن احتمال تبادل للأراضي وتبادل للسكان بين اسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. إذا وافقت السلطة على المفاوضة على ذلك أو حتى على القبول به، ماذا سيكون موقفكم؟

- نحن نرفض ذلك لأن اسرائيل تريد أن تضم القدس وتضم المستوطنات إليها وفي المقابل تُضم بعض القرى الفلسطينية في الداخل إلى السلطة الفلسطينية. هذه مساومة مرفوضة. نحن لا نقبل مبادلة القدس بأم الفحم. هذا أولا. ثانيا الهدف الاسرائيلي هو إضعاف الفلسطينيين في الداخل وهذا ليس في مصلحاة الشعب الفلسطيني ولا في مصلحة النضال ضد الحركة الصهيونية....

* ولكن هل تخشون أن تقبل السلطة الفلسطينية بذلك؟

- حتى الآن هناك تطمينات وتوضيحات من قبل كل القيادات الفلسطينية بما فيها الرئيس أبو مازن بأنهم لن يقبلوا بمثل هذا العرض.

ولكن إذا طرح هذا الأمر مستقبلا فنحن نرفضه وهناك اجماع على رفض مثل هذا العرض لأن فيه تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في مناطق الـ67 وأيضا محاولة لضرب الأقلية الفلسطينية في الداخل التي لها دور وطني واستراتيجي وهي ذخر للشعب الفلسطيني والأمة العربية.

* يتزايد لكلام حول احتمال نشوب حرب في المنطقة قد تكون بين لبنان اسرائيل وهناك أيضا كلام عن احتمال أن تتوسع وتشمل سوريا وحتى إيران. كيف يمكن أن يتأثر عرب الداخل بحرب جديدة في المنطقة؟

- أنا شخصيا لا أعتقد أن هناك حربا على الأبواب. هناك تهديدات اسرائيلية وهذه التهديدات ربما تزيد في الفترة القريبة في محاولة لجر العالم لفرض عقوبات على إيران ليس اكثر.

واسرائيل تحلم أن تصل هذه العقوبات إلى عقوبات على الوقود وهو بمثابة إعلان حرب على إيران التي تستورد 60 بالمئة من استهلاكها للوقود من العالم رغم أنها تصدر النفط الخام وتستورد البنزين وغيره من العالم. فالحرب ليست على الأبواب.

في كل الأحوال نحن مررنا بهذه التجربة خلال العدوان على لبنان والعدوان على غزة وخرجت جماهيرنا بشعرات ومئات الألوف تتظاهر ضد العدوان الاسرائيلي.

نحن في حالة صراع مع المؤسسة الاسرائيلية وهناك اجماع بين أهلنا على معارضة الحروب العدوانية الاسرائيلية، حتى لو حرضوا علينا وحتى لو أرادوا ان يفرضوا علينا بعض العقوبات.

نحن كالشوكة في حلقهم، إذا بالغوا في فرض العقوبات علينا هذا سينفس تماما صورة اسرائيل كدولة ديمقراطية في العالم.

واسرائيل تعرف أنها ستخسر من هذا الأمر. ولهذا السبب هي مضطرة أن توازن بين رغبتها بالانتقام منا من جهة واضطرارها أن تحافظ على صورتها كدولة ديمقراطية أمام العالم الذي يمنحها هذه المكانة الدولية.

التعليقات