النائب عزمي بشارة في محاضرة جديدة: المقومات الأساسية لقوة القضية الفلسطينية وعدالتها- أقوى مما كانت قبل العدوان على العراق

النائب عزمي بشارة في محاضرة جديدة: المقومات الأساسية لقوة القضية الفلسطينية وعدالتها- أقوى مما كانت قبل العدوان على العراق
أكد النائب الدكتور عزمي بشارة،رئيس التجمع الوطني الديمقراطي،أن المقومات الأساسية لقوة القضية الفلسطينية،المعنوية أساساً،أقوى مما كانت قبل العدوان على العراق لأن هذا العدوان أظهر عدالة القضية الفلسطينية في خضم حاجة الولايات المتحدة لتمييز نظام صدام حسين وحاجة حركات الاحتجاج الى راية ترفع.وأضاف أن وضع سوريا يختلف تماماً عن وضع العراق،فهي لم تحتل أرضاً إنما أراضيها محتلة،وهي لا تملك أسلحة الدمار الشامل،إنما تطالب بتجريد الشرق الأوسط برمته من هذه الأسلحة، الأمر الذي يحرج الولايات المتحدة بمنطقها هي.
جاء ذلك في سياق محاضرة شاملة ألقاها بشارة،يوم الثلاثاء الأخير،في قاعة"أبو ماهر"في الناصرة،أمام حشد غفير من كوادر التجمع والحركة الوطنية،وتناولت المستجدات السياسية العالمية والإقليمية والمحلية بعد العدوان على العراق.

وقدم لمحاضرة بشارة الامين العام للتجمع الوطني الدمقراطي, عوض عبد الفتاح, الذي قال إن العدوان على العراق أثبت طروحات التيار القومي بخصوص هيمنة الغطرسة الامريكية وإن المطلوب هو المزيد من الالتفاف حول هذا التيار.وتناول بشارة التطورات،التي شهدها العالم في التسعينات وتمخضت اساساً عن نشوء امبراطورية جديدة هي الولايات المتحدة،وعن وضع أضحى فيه القانون الدولي خاضعاً لما تحدده الولايات المتحدة "وهكذا كان سلوكها طيلة الأزمة العراقية اذ لم يكن محكوماً بقواعد اللعبة الدولية انما هي التي حددتها. فالولايات المتحدة، وبحسب وزير دفاعها دونالد رامسفيلد، غدت ترى أن المهمة هي التي تحدد طبيعة التحالفات لتنفيذها وليس العكس".
وقال إن أهم "ميزات"نمط السلوك الاميركي الجديد هو انعدام التوازن وبالتالي غياب الردع الذي ميّز نظام "العالم القديم"، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي بما فيه الحرب الباردة، هذا فضلاً عن ان الحدود الوطنية للدول أصبحت نسبية ولم تعد "مقدسة"بنظر الولايات المتحدة كما كان القانون الدولي يرى "وقد ساهم في ذلك أن العدو الذي حُدد للاستهداف في الحرب الأميركية، بعد أحداث 11 أيلول 2001، هو الارهاب، وللارهاب لا توجد حدود بنظر امريكا. بمعنى أن طبيعة الخصم الذي حددته امريكا ساهمت في التحول الفكري الجاري الآن اي أنه من غير الممكن حماية الحدود في ظل وضع لا توجد للخصم المشار اليه حدود ". وتابع أن الحرب، بحسب المفهوم الاميركي، أصبحت شاملة بحجة أنه من غير الممكن منح الخصم اي حيز من المناورة، مهما يكن ضيقاً، فهو خصم غير عاقل بنظر الولايات المتحدة فيما اعتبر "الاتحاد السوفيتي" خصماً عاقلاً يحسب الحساب لكل خطوة يقوم بها، خلافاً لـ "الارهاب"الغيبي الطابع. "هذا ما يراه صناع القرار الاميركيون لتبرير سياستهم الجديدة"، قال بشارة.
وزاد بشارة أن عدد الضحايا من المدنيين في هذه الحرب، غير وارد البتة في حسابات الاميركيين وهذه الحسابات تنحصر فقط في فوائد الحرب أو اضرارها والمخاطر الكامنة فيها "لأن نظريتهم تقوم على اعتبار المصلحة أولاً ثم الهدف وثالثا الوسيلة". وقال بشارة إن الوهم، الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد حرب الخليج السابقة بأنه من الآن فصاعداً سيتم تطبيق القانون الدولي على الجميع بقيادة المارشال الاميركي، انهار تماما "الولايات المتحدة لم تتغير وتاريخها حافل بـ 250 تدخلاً عسكرياً في أرجاء العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية... نذكر جيداً أن الولايات المتحدة قصفت اليابان بقنبلتين ذريتين، في وقت تقدمت فيه اليابان باقتراح سلمي وهذا بهدف ترهيب الاتحاد السوفيتي.. إذاً حجم الارهاب الامريكي ليس جديداً..
دائماً قصف الاميركيون المدنيين، والجديد فقط أن عدد المدنيين الضحايا في عدوانها على العراق ربما اقل من مرات سابقة والمصيبة اننا لا نعلم كم عدد القتلى في هذه المجزرة ليس لأخلاقياتها إنما لقدراتها وطاقاتها العسكرية غير المسبوقة في شن حروب عدوانية قصيرة هي حروب مانعة وليست رادعة خلافاً للحروب الطويلة في فيتنام وكوريا"...وقال بشارة إن من يعتقد أن هذا السلوك الاميركي يعني انه بمقدور إسرائيل أن تحذو حذو حليفتها الكبرى دون عواقب فهو مخطىء.. انه نمط سلوك خاص بالامبراطورية الاميركية الجديدة... سلوك تتبنى فيه الولايات المتحدة نموذج "الضربات المانعة" على غرار الضربة الاسرائيلية المانعة بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 "الذي دانته الولايات المتحدة في حينه وغدا اليوم نموذجاً تتبناه". أضاف، مستدركاً، أن التوافق في الرؤى الاميركية والاسرائيلية يتجاوز التحالف العادي بين دولتين"فلكليهما تصور ايديولوجي مشترك حول الانظمة العربية وطبيعتها... التصور الذي كانت تتفرد به اسرائيل مع بعض العنصريين من الاستشراقيين أصبح فرضية مهيمنة على الادارة الاميركية... مثلاً أن القضية الفلسطينية ليست جوهر الصراع العربي- الاسرائيلي انما طبيعة الانظمة العربية وتناقضاتها وانه بالامكان حل قضايا اخرى من دون انتظار حل القضية الفلسطينية ولكن تبني الولايات المتحدة الفكر السياسي الاسرائيلي لا يعني ان اسرائيل تستطيع ان تحتل دولاً".وترى اسرائيل - تابع بشارة- ان الانظمة العربية،في معظم الاقطار العربية،لا يمكنها ان تكون حليفة استراتيجية للولايات المتحدة بسبب ازدواجية مواقفها، فهي من ناحية تتعاون مع الولايات المتحدة وفي الآن ذاته تتظاهر ضد الحرب لارضاء الرأي العام "أي أنها أنظمة تتبنى مواقف لا تستطيع الدفاع عنها سياسياً فخطابها مناقض لمسلكها ما يجعلها أنظمة هشّة لا يمكن أن تشكل تحالفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة".
وشكك بشارة في حرص الولايات المتحدة على أنظمة عربية تعتبر موالية لها، وقال إن الولايات المتحدة لم يعد يعنيها الاستقرار في هذه الأقطار "إنما يعنيها أولاً استقرار المصالح الاميركية". بكلمات أخرى قد تتدخل في حال فقدت هذه الأنظمة سيطرتها لكنها لن تكون العامل الاساس في استقرار هذه الأنظمة بل ستحضها على توفير الاستقرار بنفسها.ورفض بشارة التسليم بالمقولة إن الشعب العراقي لم يقاوم القوات الغازية لأنه عاش تحت نظام ديكتاتوري قمعي : هناك أمثلة كثيرة لمقاومة شعب رزح تحت أنظمة ديكتاتورية قاوم من أجل الوطن. الروس قاوموا، في أسوأ نظام توتاليتاري بقيادة ستالين لأنهم أملوا بقهر الغزاة. كل شعوب العالم القديم قاومت دفاعاً عن أوطانها. الروس قاوموا من منطلق وطني، على رغم علمهم أن مسلسل الاعدام والنفي لن يتوقف بعد انتهاء الحرب. قاوموا بفعل التعبئة.. في العراق اختلف الوضع. كان واضحاً للجندي العراقي ما ستؤول اليه هذه الحرب.. حرب جاءت بعد 13 عاماً من الحصار التجويعي ضد شعب بأكمله. وهذا انعكس جيداً على الجنود وعتادهم ومعنوياتهم..كانت مقاومة دون أمل. هذه هي الحقيقة وبهذا قد ترتبط الخيانة أو الصفقات او كلاهما وهي امور لا نعرفها.
"يضاف الى ذلك اننا لا نعلم بعضاً مما حصل.. يبدو أن فرقاً كاملة أُبيدت في عتمة الاعلام.. لا أحد يعرف وقد لا نعرف في المستقبل ايضاً عدد ضحايا هذه الحرب من العراقيين. وقد استخدمت اميركا، وليس العراق أسلحة الدمار الشامل في هذه الحرب.. لا علم لي بصفقات أو خيانة...قد يكون ذلك حصل كجزء من حالة التفكك بعد الضربة العسكرية الهائلة والقوة التكنولوجية الرهيبة... لم تكن لدينا أوهام بنصر عراقي. نعم توقعنا مقاومة أفضل تدفع فيها الولايات المتحدة ثمناً لعدوانها... لكننا لم نوهم أحداً بأسطورة صدام حسين كديكتاتور دموي أو قدرات جيشه ولم نكن مسؤولين عن المزاج المتقلب لدى البعض ولا عن الاساطير التي حيكت عن صدام".وقال بشارة إنه من غير الجائز أن تحدد حركة وطنية خطواتها أو مواقفها السياسية بحسب مزاج متغير "إنما بناء للموقف المبدئي الاخلاقي في موازاة التحليل العلمي العقلاني. واذا حافظت الحركة الوطنية على هذين المبدأين فستكون حركة غالبية المجتمع. نهاية الدنيا ليست في العدوان على العراق... وكأن نتائج العدوان تأتي لتنذر بنهاية القومية العربية. إن انظمة مثل نظام صدام حسين لم تساعد القومية العربية بل استخدمتها كأيديولوجية وكانت عبئاً عليها".
اضاف أنه ينبغي على التيار القومي الديموقراطي ان يكون عاقلاً وديموقراطياً وعقلانياً في مواجهة التطورات. وبمقدور هذا التيار أن يقود عملية تحوّل ديموقراطي في بلده "الهوية العربية المتماسكة هي الضمان ضد تحول اللعبة الديموقراطية الداخلية الى لعبة طوائف وقبائل.. نحن بحاجة لها ليس من أجل تحقيق الوحدة فحسب إنما اساساً لنتمكن من أن نكون مجتمعاً موحداً يمارس لعبة الديموقراطية القومية العربية فهي هويتنا الحديثة".
وقال إنه من الخطير بمكان أن يتسم موقف آخرين بالتشنج أو بالخيار بين "العودة للاصول أو الانفلات الكامل والتسليم بجبروت الولايات المتحدة والامتثال لاملاءاتها.. هذا يقلق حقاً لكننا ندرك أهمية تأكيد خطابنا ونحن على قناعة أن ملايين العرب في العالم يشاركوننا الرأي. وعلينا الحذر ممن يدعون الى التعددية على أسس عشائرية أو طائفية".وعن تداعيات الحرب على القضية الفلسطينية قال بشارة ان هناك محاولات للضغط على الفلسطينيين بأن يتعظوا، أي أن يقبلوا بالشروط الاميركية - الاسرائيلية "نعم هناك تيار اساسي في الشارع الفلسطيني يؤكد عُقم الانتفاضة ، وهذا التيار يحاول الان ان يحصد نتائج العدوان على العراق اي انه يحاول الاستقواء على شعبه بقوة الاخرين، بقوة العدوان ليثبت نظريته... وهنا في الداخل ثمة قوى سياسية عربية ترى الأمور بالمنظار ذاته.. أما نحن فنقول ان المقومات الاساسية لقوة القضية الفلسطينية المعنوية اساساً اقوى مما كانت قبل العدوان على العراق لأن هذا العدوان اظهر عدالة القضية الفلسطينية.. هناك تسليم بحقوق الشعب الفلسطيني وبحقه في اقامة دولته والصراع الان هو على الشروط، ومحظور الان التهاون، بمزاج جماهيري وإحباط حيال ما جرى في العراق، أو التفريط بثوابت هذه القضية انما ابداء المزيد من التماسك.
وعدم التفريط لا يعني الدعوة الى التصعيد إنما التحلي بقوة ارادة وصبر وتعقل وتماسك لأن القضية الفلسطينية قوية وعادلة ويجب ان يدار النضال بحكمة وعقلانية.. حتى شارون بدأ يتحدث عن احتمال اخلاء مستوطنات... وبرأيي ان الشعب الفلسطيني يقترب من تحقيق طموحاته ليس بفضل الولايات المتحدة انما بفضل نضاله وتضحياته".
"كذلك الأمر بالنسبة لسوريا. فالهجوم عليها متعلق بالمخطط الامريكي لإحكام هيمنته على المنطقة. وضع سوريا يختلف تماماً عن وضع العراق. سوريا لم تحتل ارضاً انما اراضيها محتلة وهي لا تملك أسلحة الدمار الشامل إنما تطالب بتجريد الشرق الأوسط برمته من هذه الأسلحة".
التهديدات لا تعني أن هناك عدواناً وشيكاً على سوريا.

التعليقات