نتائج الانتخابات للسلطات المحلية العربية: تعزيز القوى التقليدية والمحافظة على الاستقطاب الطائفي وتعميقه!

الحمائلية والطائفية شكلت العامل المركزي في هذه الانتخابات في ظل غياب البعدين السياسي والقومي

نتائج الانتخابات للسلطات المحلية العربية: تعزيز القوى التقليدية والمحافظة على الاستقطاب الطائفي وتعميقه!
في ظل غياب البعدين السياسي والقومي في انتخابات السلطات المحلية وتحالف بعض الحركات السياسية مع القوى التقليدية، بقيت الحمائلية والطائفية العامل المركزي في هذه الانتخابات. ولعل هذا اهم ما ميز نتائج الانتخابات الحالية للسلطات المحلية العربية.

حتى الاحزاب السياسية العربية التي خاضت هذه الانتخابات ابتعدت بمعظمها حتى عن طروحاتها وبرامجها هي وفضلت الدخول في تحالفات عائلية وطائفية.

ففي غالبية البلدات العربية تنافست قوائم غير سياسية وغير حزبية، قوائم هي عبارة عن تحالفات وصفقات بين مجموعات من العائلات. ولوحظ في هذه المعركة زيادة متصاعدة في عدد القوائم ذات الصبغة العائلية حيث نجد مرشحا لكل عائلة، وأحيانا تنقسم العائلة على نفسها بسبب الخلاف على المرشح لتخرج مرشحين لنفس العائلة!.

في هذه الانتخابات ازاحت بعض القوائم الواجهة الحزبية التي وضعتها امامها بالسابق لتظهر بوجهها العائلي والطائفي الصرف، مقارنة بالانتخابات السابقة حيث كان بالامكان مشاهدة قوائم انتخابية تتستر وكأنها حزبية وسياسية، بينما لم تكن الا مجرد تحالف بين الحزب الفلاني والعائلة الفلانية أو الطائفة الفلانية، الا ان حتى هذا المظهر العائلي والطائفي المقنع المتستر ، تراجع في الانتخابات الحالية لتظهر القوائم العائلة والطائفية الصرف دون حاجتها الى التخفي ولبس معطف الحزبية والسياسة.

ان مقارنة نتائج الانتخابات الحالية مع الانتخابات السابقة تدل على ان القوى العائلية التقليدية تثبت مواقعها بينما القوى السياسية اما تراجعت كما حدث مع " الاسلامية" ( خسرت ثلاثة مواقع ) واما راوحت في مكانها كما حدث مع الجبهة ( خسرت ثلاثة مواقع وربحت موقعين ) واما تقدمت قليلا كما حدث مع " التجمع " الذي تمثل في المجالس البلدية في سبعة مواقع جديدة وخسر التمثيل في موقع واحد. الناصرة هي "المدينة" العربية الوحيدة وبصفتها هذه فهي تكاد تخلو من العائلية والحمائلية. ولكن التصويت " الطائفي " جعل الناصرة في وضع لا يختلف عن باقي القرى والمدن العربية التي سيطرت فيها العائلية على الانتخابات، بل انه اشد خطورة لما للطائفية من اسقاطات على مجتمعنا العربي، وربما يشكل ذلك مؤشرا لصيرورات خطيرة تهدد مستقبل الأقلية الفلسطينية في الداخل.

في الانتخابات الأخيرة عام 1998 كادت التعصبات الطائفية في الناصرة تحرق البلد (وبالفعل اشتعلت النار، بل قل أُشعلت، في العديد من المحلات التجارية أو انها حطمت). كان واضحا في تلك المعركة استغلال الخلاف حول موقع شهاب الدين وتحويله الى مسألة طائفية. في تلك الانتخابات ادت المعركة بين " قائمة الناصرة الموحدة " من جهة و" الجبهة " من الجهة الثانية الى شرح طائفي. ( اكثر من 80 % من المسلمين صوتوا حينها للقائمة الموحدة وما يزيد عن 90% من المسيحيين صوتوا لقائمة الجبهة ) ورغم الاستقطاب الذي عصف بالناصرة جرى تحالف بلدي بين الاسلامية والجبهة لكن هذا التحالف ادى الى شل البلدية والبلد لعدة سنوات.

في الاسابيع الاخيرة التي سبقت هذه الانتخابات عادت الاجواء الطائفية الى سابق عهدها علما ان الفترة التي سبقتها كانت توحي باحتمال حدوث انعطاف ايجابي وتحويل المعركة الانتخابية الى معركة حول مستقبل الناصرة ومصلحة المدينة وأهلها.

وقد لجأ الطرفان ( الجبهة والموحدة ) الى تسخين الاجواء عمدا بقصد استقطاب الاصوات باللعب على الوتر الطائفي. فكان هناك تعكير للأجواء باختلاق خلافات ومعاركة (غوشة) طائفية سرعان من زادت من حدة التوتر في البلد وأعادتها الى استقطابها الطائفي.

القائمة الموحدة (الاسلامية) حاولت إحياء الخلاف حول موقع شهاب الدين وغذت النزعات الطائفية، والجبهة بدورها سارعت الى استغلال ذلك عبر " تحذير التجمعات المسيحية " من "خطر سيطرة الاسلامية" وافتعل الطرفان " طوشات " مصطنعة بغية الاستفادة من الاستقطاب انتخابيا .

هذا لم يمنع " الجبهة" من الاعلان انها ستتحالف مع القائمة الموحدة (بالرغم من الادعاء ان التحالف السابق كان السبب الرئيسي في شل البلدية وشل المدينة وتعطيل مشاريعها).

هكذا عاد الشرخ الطائفي ليلعب الدور الرئيسي في حسم نتائج الانتخابات فحصلت "الموحدة" على 8 أعضاء و" الجبهة " على 8 بينما حصلت " قائمة الناصرة معا " على عضو واحد لتظهر كعنصر غريب في ظل هذه الأجواء الطائفية.

هل ستتحالف " الجبهة " مرة اخرى مع " الموحدة " لتدخل البلد في سبات آخر لخمس سنين اضافية! من سينقذ الناصرة من طائفيتها وقواها التقليدية المحافظة؟!

" قائمة الناصرة معا " رفضت الدخول في اللعبة الطائفية فدفعت الثمن ..ربما كان بامكانها الحصول على انجاز اكبر لو نظمت نفسها بشكل افضل.كان من المتوقع ان يشكل بروز التجمع الوطني الديمقراطي وتعزيز قوته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (ضاعف تمثيله ثلاث مرات) عاملا مسرعا ومحفزا للتوجهات السياسية والوطنية وعاملا مانعا ضد التقوقعات العائلية والطائفية. حيث يمثل التجمع التيار القومي والسياسي الجديد في الداخل والذي استطاع طرح المواقف القومية والسياسية والديمقراطية لتجاريها غالبية الأحزاب حتى ولو بالشعار. لقد استطاع التجمع الوطني وخلال فترة قصيرة تثبيت مقولاته وطروحاته الفكرية على جدول الأعمال الجماهيري والسياسي.

اختار التجمع عدم المشاركة في هذه الانتخابات في العديد من المدن والقرى العربية بسبب الاستقطابات العائلية والطائفية ولرفضه الدخول في هذه اللعبة. وحاول في الاماكن التي تنافس فيها الابتعاد عن التحالفات على أساس طائفي وعائلي واضعا نموذجا جديدا. ولو قبل لنفسه الدخول فيها لكان بامكانه الحصول على تمثيل كبير جدا في اغلبية التجمعات السكنية العربية ولكنه لم يفعل ذلك، وبحق. ومع ذلك يبقى السؤال هل ساعد هذه الابتعاد على محاربة تلك الالتفافات والاستقطابات التقليدية والعائلية والطائفية؟!

يستطيع التجمع الوطني الديمقراطي ان يسجل لنفسه نجاحات في بعض المواقع المحلية والبلدية، حيث زاد تمثيله في السلطات المحلية . كما يضاف الى رصيده سبعة مواقع جديدة لم يكن ممثلا فيها سابقا. ولكن ذلك يعد تقدما بسيطا نسبيا الى جسامة المهام الاجتماعية والسياسية والى القوة التي منحته اياها الجماهير في انتخابات الكنيست الاخيرة.

ربما يحتاج التجمع الى قفزة نوعية على مستوى التنظيم وفي عمله الميداني والمحلي

ان الحزب الشيوعي هو الاقدم بين الأحزاب العربية وصاحب أكبر تجربة في الانتخابات البلدية. حيث شارك الحزب الشيوعي (أو الجبهة الديمقراطية) في جميع المعارك الانتخابية للسلطات المحلية العربية وفي جميع القرى والمدن.

الا ان سعي الحزب الشيوعي والجبهة الى الحصول على تمثيل في هذه السلطات بكل ثمن دفعه الى البحث عن صفقات وتحالفات مع العائلات وحتى الطوائف. ففي غالبية المدن والقرى والعربية تحالفت قوائم الجبهة أو انضمت أو دعمت قوائم عائلية. هكذا عملت الجبهة الديمقراطية على شرعنة هذه التوجهات بعد ان صبغتها بصبغة حزبية وسياسية.

اذا لم تقم الجبهة بتغير هذا التوجه فانها عمليا تقوم بدور تقليدي ومحافظ ولا تسعى الى تغير الواقع بل الى استغلاله لزيادة قوتها ليس الا ..

اما الحركة الاسلامية الشمالية ، فلم تخرج عمليا من حدود مدينة ام الفحم حيث معقلها الرئيسي واحجمت عن خوض الانتخابات في اماكن اخرى الا في حالات قليلة جدا ولم تحرز فيها انجازات ملموسة ...والحركة الاسلامية الجنوبية ضعف دورها كثيرا لينحصر تواجدها في عدد قليل من المواقع..

لم تطور الاحزاب السياسية في هذه الانتخابات دورها وحدث بالمجمل تراجع للعامل السياسي والحزبي وطغت على الانتخابات صبغة العائلية والحمائلية وفي كثير من الحالات شكلت هذه الصبعة عامل ضغط كبير على هذه الاحزاب واضعة العراقيل امام نشوء حراك اجتماعي مدني حزبي وسياسي وطني وعصري ، مجتمعنا اليوم ،في امس الحاجة اليه..

التعليقات