تعليمات للمدارس العربية تمنع التوعية السياسية

لعبت وزارة المعارف الإسرائيلية، ولا زالت، دورًا تاريخيًا هامًا في طمس الرواية الفلسطينية لتاريخ بلادنا وشعبنا، وفرض هيمنة قسرية للرواية الصهيونية، بكل ما تحمل من تشويه سواء في كتب التدريس، وتكريس علاقات القوة من خلال سياسات التعيينات، والتي تهدف مجتمعة إلى إنتاج طالب عربي فاقد الهوية والانتماء جاهز للولاء للدولة اليهودية.

تعليمات للمدارس العربية  تمنع  التوعية السياسية

الصورة من ندوة ثانوية عرابة حول هبة القدس والأقصى- تصوير "الشمس"

 

حسن عبد الحليم



لعبت وزارة المعارف الإسرائيلية، ولا زالت، دورًا تاريخيًا هامًا في طمس الرواية الفلسطينية لتاريخ بلادنا وشعبنا، وفرض هيمنة قسرية للرواية الصهيونية، بكل ما تحمل من تشويه سواء في كتب التدريس، وتكريس علاقات القوة من خلال سياسات التعيينات، والتي تهدف مجتمعة إلى إنتاج طالب عربي فاقد الهوية والانتماء جاهز للولاء للدولة اليهودية.
بعد ذكرى “هبة القدس والأقصى” الأخيرة، والمشاركة الشبابية البارزة في مسيرة إحياء الذكرى، وبعد أن وردت معلومات لوزارة المعارف عن ندوة أقيمت في المدرسة الثانوية في عرابة البطوف حول الهبة، خرجت وزارة المعارف عن طورها واستدعت مدير المدرسة للمساءلة وأرسلت خطابًا للمفتشين والمديرين تحذّرهم فيها من تنظيم نشاطات ذات طابع سياسي أو تحريضي داخل المدرسة. ولكن هل توعية الطلاب لحدث تاريخي هام في مسيرة شعبهم هو نشاط سياسي؟ لا، حسبما يقول القانونيون، لكن الأمر يتعدى برأيهم تطبيق القوانين إلى الترهيب والردع.

تحذير وجلسة السماع لمدير ثانوية البطوف

استدعت الوزارة، يوم الأحد الماضي، مدير ثانوية عرابة سمير نصار إلى مكاتبها في “نتسيرت عليت”، وخضع لمساءلة حول الندوة التي نظمت في مدرسته. وذكرت مصادر مطلعة لـصحيفة “فصل المقال” أن مسؤولي الوزارة حذروا مدير المدرسة مما اعتبروه تجاوزًا للقوانين، وأرفق هذا التحذير لملفه. وأشارت المصادر إلى أن وزير التربية والتعليم غدعون ساعر- شخصيا- هو الذي شدّد ودفع باتجاه دعوة المدير لجلسة المساءلة ليكون عبرة للمديرين الآخرين.
مربٍ عربي من الجليل، حذّر من سياسة وزارة المعارف التي تسعى لتذويب الفوارق بين نشر الوعي والتحريض، بين التوعية السياسية والنشاط الحزبي، وقال إن سياسة الوزارة تهدف لردع مديري المدارس عن تنظيم نشاطات ذات طابع وطني، وترمي بذلك إلى فرض التجهيل على أبنائنا من خلال منعهم من الاستماع لمحاضرات أو المشاركة في ندوات حول شؤون تهمهم أو قضايا تؤثر على نمط تفكيرهم وانتمائهم بما لا يتفق مع سياسات التجهيل والتشويه.
وقال المربي إن المدارس اليهودية مفتوحة على مصراعيها للمحرضين على العرب دون رقيب أو حسيب. واستذكر تقريرا نشرته صحيفة “هآرتس” مطلع العام الجاري حول تفشي مظاهر العنصرية والكراهية للعرب في المدارس اليهودية وانتشار عبارات عنصرية كالـ “موت للعرب” وعبارات أخرى، دون أن تحرك الوزارة ساكنًا.
وقال المربي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن تلك المظاهر لم تقلق وزارة المعارف، ولم يقلقها الاستطلاع الذي نشر قبل شهور والذي يشير إلى أن نسبة عالية جدًا من الطلاب الثانويين اليهود يؤيدون عدم منح العرب حقوقهم الأساسية، ولا يضيرها أن تخرج المدارس الدينية القومية كبار غلاة التطرف والعنصرية والعداء المعلن للعرب، لكنها تخرج عن طورها لمجرد الحديث عن حدث يعتبر محطة هامة في تاريخ فلسطينيي الداخل.
وأكد المربي أنّ هذه السياسات هي نتاج العقلية العنصرية والخشية الدائمة لهزيمة مشروعهم في إنتاج “العربي الصالح” وفق مفاهيمهم. وأضاف المربي: هم ببساطة يخشون أن يعرف طلابنا أن السلطات واجهت المتظاهرين العرب بنيران القناصة مما أدى لسقوط 13 شهيدًا وعشرات الجرحى وتنصل السلطة من مسؤوليتها عن الجرائم وتبرئة القتلة!
وأضاف المربي: إن النشاطات في المدارس العربية ذات المضامين الوطنية والمتعلقة بتاريخنا ورموزنا تقض مضاجع القيمين على وزارة المعارف بما فيهم المسؤولين العرب. ففي الوقت الذي يفرض على طلابنا دراسة “المحرقة” والتاريخ اليهودي والرواية الصهيونية المشوّهة، يمنعون من تعلم تاريخهم الحقيقي ومحطاته ورموزه.
ودعا المربي مديري المدارس إلى الحصول على استشارة قانونية حول ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وأن لا تردعهم سياسات الترهيب والتجهيل عن القيام بدورهم اتجاه طلابهم، وعليهم أن يواجهوا أية ضغوط يتعرضون لها بالعقل والتدبير، والتوجه إلى المحاكم إذا اقتضى الأمر.
جمعية حقوق المواطن، عقبت على رسالة وزارة المعارف بالقول: “النشاط السياسي، كما عُرّف في الرسالة- أي توجيه الطلاب نحو منهج تفكير سياسي محدد، هو بالفعل عمل محظور قانونيًا. لكن الأمر لا يعني أن على المدرسة أن تشكّل جزيرة معزولة عن الأحداث السياسية الخارجية، العكس هو الصحيح، إذ ثمة ضرورة لتشجيع النقاش مع الطلاب حول الخلافات السياسيّة الآنيّة، وتعريفهم على المواقف السياسية المختلفة. هذا هو الضّمان الوحيد لتربية الطلاب على الديمقراطية، وعلى المشاركة في رسم صورة المجتمع الذي يعيشون في ظهرانيه”.

رسالة مفتش لواء الشمال


رسالة مفتش اللواء،”الوسط العربي”- التي وصلت للمفتشين وحولوها بدورهم لمديري المدارس، وقدمها بعضهم بملاحظات تشديد. تخلط الرسالة بين النشاط الحزبي والتوعية السياسية، بين تبيان الحقائق والتحريض.
وهذا نصها:
“لكل المفتشين: أود تذكيركم بالقوانين الإدارية. يُمنع بشكل قاطع تنظيم نشاطات “سياسية حزبية” (פוליטית) داخل المدرسة كندوات ومحاضرات أو أي نشاطات ذات طابع تحريضي، أو نشاطات من شأنها أن توجه الطلاب لفكر أو خط سياسي معين.
مع احرامي للجميع، لكن المدارس لن تكون حلبة سياسية لأي جهة أو حزب أو حركة سياسية، حتى لو كان النشاط بمبادرة السلطة المحلية. للأسف هناك عدد من مديري المدارس الذين لم يأخذوا تلك التوجيهات على محمل الجد ويتعاملون مع تلك الامور بطيب خاطر أو قلة مسؤولية.
أطلب من كل مفتش أن يهتم بنقل تلك التعليمات وإعادة التأكيد على التعليمات للمديرين في مناطق تفتيشه”.

زعبي: وزارة التربية تسعى لتحويل المفتشين والمديرين العرب إلى أدوات للإرهاب الفكري؟

في رسالة عاجلة إلى المستشار القضائي للحكومة، طالبت النائبة حنين زعبي بفحص قانونية أو بالأحرى عدم قانونية التوجيهات التي أرسلتها وزارة المعارف إلى المفتشين والمديرين العرب، والتي تتعلق بمنع قيام المدارس العربية بأي نشاطات وحوارات حول هبة القدس والأقصى.
ونصت رسالة وزارة المعارف التي وجهت إلى مديري المدارس، بشكل يفهم منه أن كل النشاطات ممنوعة، وليس فقط تلك التي تتعلق “بالتحريض”، إذ عنونت الرسالة التي تم إرسالها “منع نشطات سياسية”، وتم صياغة نص الرسالة بطريقة يفهم منها أن هناك منعا جارفا لكل النشاطات السياسية، حتى تلك القانونية منها، مع كلمة قصد أن تبدو اعتراضية وهامشية، وهي منع النشاطات “التحريضية”، حتى تقوم الوزارة بتغطية لا قانونية الرسالة.

زعبي: المعلومات التاريخية عن هبة القدس ليست تحريضًا


وفي رسالة أخرى وجهتها النائبة زعبي إلى وزير المعارف طالبته فيها بتوضيح التوجيهات التي وجهت للمدارس العربية، وفيما إذا كانت تتعرض بمنع جارف لكل النشاطات التربوية السياسية، أو فقط بتلك المتعلقة بـ”التحريض” أو العمل “الحزبي”، منوهة إلى أن مجريات أحداث الانتفاضة الثانية، ومعلومات حول مقتل 13 شاب فلسطيني من الداخل، لا يمكن أن تتحول لتحريض، إلا إذا اعتبرت إسرائيل التاريخ والمعلومات نفسها مواد تحريضية.، وهذا بحد ذاته خطير ويتطلب تقديم وزير التربية نفسه إلى المحاكمة.
وشددت الرسالة على أن قانون التربية والتعليم يمنع الدعاية الحزبية داخل المدارس، لكنه يسمح بل ويشجع انفتاح الطلاب على التعددية السياسية وعلى لقاء سياسيين ومفكرين وأدباء. بالتالي تعتبر توجيهات الوزارة لا قانونية، بل وتخريبية إذ تربي جيلا جاهلا منقطعا عن بيئته وغير واع بحقوقه، وهو النقيض الكامل لمسؤولية ودور المدرسة وجهاز التعليم.
وأضافت زعبي: بالإضافة لذلك تعتبر التوجيهات الأخيرة، حلقة من سلسلة توجيهات وسياسات تحاول فرض ثقافة قمع وتخويف على الهيئة التدريسية نفسها، بل وتحويل المفتشين والمديرين أنفسهم إلى أدوات للقمع الفكري.
وتنهي الرسالة بالتشديد على أنه من واجب المدارس العربية واليهودية معا، تدريس ما جرى في هبة القدس والأقصى، وفتح نقاش وحوار عن طريق الندوات والحاضرات التي تعتبر وسائل تربوية لا غنى عنها في جهاز تعليم يقوم بدوره ولا يتهرب من مسؤولياته.

 




 صورة عن الرسالة التي وصلت المفتشين والمديرين

التعليقات