طمرة: كورونا يحول دون وداع أبناء لوالدتهم

"أتدري كيف يحاصرك الألم لفراق ميت دون وداع أخير؟ أتعي لوعة الحرمان من احتضان جثمان الأم وتقبيل جبينها قبل الرحيل؟ حزن على حزن لا مواساة ولا لقاء بأحبة الفقيد، وكأنه لم يكن الحزن كاف لفراق أمي بل زاد عليه الحرمان

طمرة: كورونا يحول دون وداع أبناء لوالدتهم

"أتدري كيف يحاصرك الألم لفراق ميت دون وداع أخير؟ أتعي لوعة الحرمان من احتضان جثمان الأم وتقبيل جبينها قبل الرحيل؟ حزن على حزن لا مواساة ولا لقاء بأحبة الفقيد، وكأنه لم يكن الحزن كاف لفراق أمي بل زاد عليه الحرمان من تشييع جثمانها الطاهر ومن رؤية قبرها أو أن أسقيه بماء الياسمين، فيأبى شذى أمي إلا أن يحاصر ألمنا نحن الباكون فواح مسك علينا في حضرة هذا الحرمان، ليبث بنا الرضا بقدر الله".

بهذه الكلمات وبدموع منهمرة، نعى الأستاذ صبحي ذياب والدته الحاجة سميحة عبد القادر ذياب، من الحجر الصحي حيث يمكث في منزله بعد إصابته وعدد من أبناء عائلته بفيروس كورونا المستجد، من بينهم والدته التي تعرضت لعدوى الفيروس وتماثلت للشفاء فيما بعد، إلا أن الموت كان أقرب إليها بعد تعرضها لنوبة قلبية.

وسرد الابن الثاكل سيرة والدته في حديث لـ"عرب 48"، بالقول إنها "ولدت عام 1930 وقد عاشت حرب 1936، النكبة والنكسة، عرفت بصلابتها ومسؤوليتها منذ طفولتها، وقد تزوجت بوالدي المرحوم الحاج فهمي ذياب، وأنجبت 10 من الأبناء والبنات لتعيش أرملة بعدها لأبناء في جيل الصبا والشباب، حيث أحسنت تربيتهم وتعليمهم ومنهم المهندس والطبيب والمربي ومدير البنك ورجال أعمال، وبجمال روحها وإرادتها بثت بنا الحياة".

وتابع "أمي حتى في مماتها كان طيفها حاضرا في كل الأروقة، رغم أننا لم نتمكن من فتح بيت عزاء أو تشييع جثمانها بعدد قد اقتصر على أفراد، إلا أن الله اختار لها ملائكة تشيّع جثمانها، وبدلها ربنا بدعاء الناس لها بكل مكان بدل من بيت عزاء".

وأكمل حديثه "الله يرضى عليك يمّا، هي أكثر كلمة كانت ترددها أمي، فقد مكثت وإياها في المستشفى خلال فترة الإصابة بالكورونا، ليقدر الله أن أهتم بطعامها وترتيب ملابسها، إذ أنها كانت تشعر بالراحة معي وبعدم الغربة خلال فترة العلاج، وعندما شفيتُ تماما وعند مغادرتي للمستشفى ودعتني بكلمة الله يرضى عليك يما، والحمد لله على نعمة رضاها".

وختم ذياب حديثه باكيا وصابرا وجع فراق والدته بالقول "نحن في العائلة اتخذنا قرار الالتزام في البيت وعدم الخروج منذ إصابتي وشقيقي بفيروس كورونا، وذلك حفاظا منا على سلامة جيراننا وأهالي بلدتنا، فنحن عائلة كبيرة وبذلك فقد حاصرنا الوباء ومنعنا انتشاره في العائلة وبحمد الله وبمسؤولية تامة تعاملنا مع الأمر من أجل منع نقل عدوى الكورونا لأي شخص، وها نحن جميعا نتماثل للشفاء، كذلك والدتي إلا أنها توفيت بعد ذلك، كما أننا كعائلة اعتدنا على الاجتماعات الكبيرة قبل هذا الوباء، وجميعنا مترابطين ومتماسكين على قلب واحد، واليوم نتوجه للجميع بأن الكورونا أمر جدي، ومن هنا إذ نحذر من الاستهتار ونطالب بالالتزام بكافة التعليمات والاحتياطات، وهل أكثر من الموت واعظ لتتعظ وتعي بأن تحمي نفسك والجميع، كي لا نتألم جميعنا ونعيش هذه الأوضاع".

التعليقات