عائلة الأسير ابراهيم بكري : لن يُرهبنا استفزازهم!

غادة أسعد| للم يتفاجأ والدا الأسير ابراهيم بكري (33 عامًا)- وهو صاحب أعلى حكمٍ بين أسرى الداخل (تسع مؤبدات وثلاثين عامًا)- عندما وصلا بوابة سجن جلبوع، يوم الأحد 17 تشرين الثاني الجاري، عندما تلقيا أمرا يمنعهما من لقاءِ ابنهما الأسير ابراهيم، فهي ليست المرة الأولى التي يتم معاقبة الأهل والابن الأسير معًا، إذ لا يكتفي السجّان ومَن يقف خلفه من الإدارة والمسؤولين، بعقابِ طرفٍ واحد، بل إنّ الحرمان من لقاءِ الأسير، هو أمرٌ قاسٍ والأقسى مِنه، معاقبةُ الإبنِ لأسبابٍ لا معنى لها، سوى أوامر "الشاباك".

عائلة  الأسير ابراهيم بكري : لن يُرهبنا استفزازهم!

لم يتفاجأ والدا الأسير ابراهيم بكري (33 عامًا)- وهو صاحب أعلى حكمٍ بين أسرى الداخل (تسع مؤبدات وثلاثين عامًا)- عندما وصلا بوابة سجن جلبوع، يوم الأحد 17 تشرين الثاني الجاري، عندما تلقيا أمرا يمنعهما من لقاءِ ابنهما الأسير ابراهيم، فهي ليست المرة الأولى التي يتم معاقبة الأهل والابن الأسير معًا، إذ لا يكتفي السجّان ومَن يقف خلفه من الإدارة والمسؤولين، بعقابِ طرفٍ واحد، بل إنّ الحرمان من لقاءِ الأسير، هو أمرٌ قاسٍ والأقسى مِنه، معاقبةُ الإبنِ لأسبابٍ لا معنى لها، سوى أوامر "الشاباك".

وفي الوقتِ الذي يخرجُ فيه الوالدان منذ ساعات الصباح الباكر ليلتقيا ابنهما من خلف الزجاج في نظرةٍ واتصالٍ هاتفيٍ قصير، يكون قرارُ الضابطة المسؤولة في السجن، ودون أن تكُف عن "تقليم أظافرها"، تلوّح برأسها أنّها لا تعرِف شيئًا سوى أنهما (الوالدان) ممنوعان من الزيارة، رغمّ أنها هي مَن حدّد موعد الزيارة خلال اتصالٍ هاتفي مِن العائلة بإدارة السجن.

وفي مراجعةٍ لأحداثٍ سابقة تبيّن أنّ إدارة مصلحة السجون قامت بنقل الأسير البكري من معتقل نفحة إلى معتقل جلبوع، قبل حوالي شهر ونصف على أثر عراك وقع بين والده وأحد الضباط حين قام والد الأسير بالاحتجاج على سياسة التفتيش العاري التي تنتهجها إدارة السجون بحق أهالي الأسرى، بما يشبه التنكيل بِهم، والمسّ بكرامتهم.

أما ما قاله مديرُ السجنِ الذي حضرَ لاحقًا، للوالديْن المشتاقين إلى لقاءِ ابنهما: "إنّها أوامر من الشاباك"، "لا تجعلونا نستعمِل القوة مِن قِبل جنديين قد يخرجوكما مِن هُنا".

الوالدان يقولان بثقةٍ وإيمان: "تعلمنا الصبر بمرور السنين، وأنّ السجّان والشاباك وظلمُ المُتسلّط لن يدوم، وأنّ الحق نصيرُ المظلومين، ونحنُ صامدون، وسنستعمل الحق والقانون لكسرِ جبروتهم، ومعنا كثيرون ممن يناصروننا، وعلى رأسهم المحامي فؤاد سلطاني، وكل أبناء شعبنا الذين يؤمنون بعدلِ قضيتنا".

يقول أبو إبراهيم: "هؤلاء هم مَن زارونا، وآزرونا في معاناتنا طوال الوقت، ومعهم لا نشعُر أنّنا وحيدون، فوراءنا شعبٌ لن يرضى الذل أبدًا".
أما الوالدة فتقول: "يحاولون إرضاخ أبنائنا وتحطيم معنوياتهم، لكنّ أفعالهم تزيدهم قوة وثباتًا، والحمد لله أنّ معنوياتنا عالية، وهذه العقوبات والسياسة الممنهجة، لن تزيدنا إلا إصرارًا على لقاءِ الأبناء رغمًا عن أنوفهم، والثبات في أرضنا".

قصة معاناة بدأت منذ العام 2002
كانت ليلة الثامن من آب في العام 2002 نقطة تحول في حياة محمد وملكة بكري، إذ خلّف هذا التاريخ المشؤوم أوجاعًا ومعاناة تمتد تفاصيلها إلى اليوم.

في بيتهما في بلدة البعنة، احتضنوا أبناءهما، وربوهما برمشِ العين، وأحبوهما واعتبروهما: مهجة القلب وقطعة من الروح، فكيف يكون الحال، عندما يغيب أحد الأبناء في غياهب السجون، ولا تقوى الأجساد على احتضان فلذة من روحها، فإنّ وجعًا يظلُ رفيق درب الوالديْن، ويظلان كُل مساءٍ يسبحان في سماء الوطن، علّ الانتظار الطويل ينتهي في موعدٍ قريب.

وقصة الزوجين محمد ابراهيم بكري وزوجته ملكة تحوي فصولاً كثيرة ما زالت أحداثها مستمرة ما دامَ العصفور سجينًا، في قفصٍ اختارَ سجانُه أن ينفرد فيه، حسب مزاجِ إدارة السجون. كانت البداية في بداية صيف 2002 عندما طوّقت قوات كبيرة من الشرطة معززة بما يزيد عن عشرين حافلة، بيت البكري في قرية البعنة، حيث قرع الباب، بعنفٍ، ما أدى إلى حالة ذعر وفوضى. وخرج الشاب ابراهيم البكري، ابنُ الواحد والعشرين عامًا، ففتح الباب للقوات المقتحمة التي قام أفرادها بعصب عينيه وعيني أبيه واقتيدا إلى مركز شرطة كرميئيل.

هناك، توجه ضابط المركز في كرميئيل إلى الوالد محمّد وطلب إليه الاطلاع على تفاصيل ما جرى بين ابنه ابراهيم وبين مجاهد حمادي (منفذ عملية الباص الذي أقلّ الطلبة المتوجهين إلى أحد المعاهد الدراسية في صفد- والذي قتل فيه تسعة اشخاص بينهم حمادي)، ولمّا لم يجد أية معلومات في جعبته ليقصها على المحقق، تم نقله الى سجن الجلمة، حيث مورست ضده وعلى مدى شهر، محاولات ضغط حثيثة لاستنطاقه بما ظنّوا لديه من معلومات. وقد أكدّ لهم ابو ابراهيم عدم سماعه عن أيةِ عملية، اللهم إلا عملية الليزر التي يحتاجها لتحسين نظره، فاتُهم بالجنون.

التقى الوالد وابنه في السجن، بعد شهرٍ كامل قضياه في التحقيقات. ظلّ ابراهيم صامتًا خلال اللقاء لا ينطق، ثم غابَ عنه، ليلتقي الوالد بياسين الذي قال له: "صار اللي صار يا عمي". فشعرَ ابو ابراهيم لحظتها بوجعٍ في القلب لم يعرفه من قبل.. وقال للمحقق: "هذا الشاب الذي قام بالعملية، عاش بيننا ثماني سنوات، وابن عمه متزوج من ابنة عمي، لقد عمل في الكهرباء مع اخوتي، ولم يظهر منه أي تصرف سيء، نعم لقد استضفناه في بيتنا، لكننا لم نعرف شيئًا عما يخططه".

وتابع أبو ابراهيم: "لأول مرة في حياتي أقاد الى السجون، لم اكن اعلم انّني في في عمري هذا، سأكون سجينًا أمنيًا أنا وابني وزوجتي".
عن الظلم يتحدث: "كان الشاب صديق ابني ويبيت في الطابق العلوي، حيثُ ينام ابراهيم، وكنا نقدّم واجبات الضيافة، كما هي عاداتنا وأخلاقياتنا، حوكمنا ظلمًا، لأنّ الإعلام الإسرائيلي ضخّم القضية وكتبت صحفهم "عائلة القَتَلة، قَتَلة أيضًا".

محمد ابراهيم بكري يقضي أربع سنوات في سجنٍ منزلي وسنة وراء القضبان
حدثني ابو ابراهيم عن تجربته المريرة في السجن فقال: "في العام 2006 قادوني إلى سجن كيشون-الرملة، وبادرني مأمور السجن بسؤال ايُ سجنٍ ستختاره، اعتقدتُ في البداية ان في سؤاله شيئا من الانسانية، لكنني لما قلتُ له اتمنى لو حولتني الى سجن سلمون او حرمون في الجليل، أجابني بامتعاض "قَتلة ولديكم طلبات؟!" عندها قلت له ارسلني حيثُ ما تشاء، فاختار سجن عتليت".

ملكة بكري: انتزعوني من عائلتي
وقالت ملكة بكري أم ابراهيم عن تجربتها الفريدة كأسيرة أمنية في السجون: "عشتُ بين نارين – نار السجن وعذاباته ونار انتزاعي من أبنائي في قمة احتياجهم لي، كان ابني علي في السابعة عشرة من عمره، توقف عن التعليم ولم يتقدّم لامتحانات البجروت، وكذا شأن حسين، الأصغر منه، والمأساة الكبيرة أنّ في حضني طفلاً في الخامسة من عمره، تركته يبكي بعادي، نُقلت الى سجن اللد – الرملة وبعد ستة أشهر خرجت في عطلة للقاء عائلتي".

تتابع: "كنتُ أتألم عندما يأتي أبنائي لزيارتي ويقف زوجي بعيدًا، لأنه سجينٌ سابق، باختصار تمكنت هذه السياسة من تحطيم أعصابنا، وبفضلهم أصبحتُ أول سجينة أمنية في قرية البعنة".

ابراهيم وياسين بكري - زينة الشباب
يلومني الوالد أنني فتحتُ الجرح النازف من جديد، فتقول الوالدة: "عوقبنا ودُمرت أحلامنا وحياتنا، لم تدخل الفرحة بيتنا منذ سنين، صحيح أنّه في عملية صفد سقط قتلى، لكننا نُقتَل كل ثانية، وعندما أذهب الى زيارة ابني أفكر كيف سيكون، مرتاحًا، متألمًا، جائعًا... ويبدو لي ان بيتنا مصابٌ بالوجع المزمن، يكفيني سجني، ودموعي التي ذرفتها، ماذا أنسى؟! هل أنسى دمعة جيراني، أبنائي، شقيقتي، ابنتي؟ نحن الذين سكنا في بيتنا منذ ثلاثين عامًا، لم نؤذِ أحد، ولم نعتد على جارٍ أو قريب أو بعيد، يجري في بيتنا ما جرى؟!" عن ابراهيم تقول: "هو زينة الشباب ويحلف الجميع بحياته وحياة ابن عمه ياسين".

وتابعت: "يحثني ابراهيم على الصبر، مثلما هو صابرٌ مؤمِنٌ بالله، وبانتظار بزوغ فجر الحرية، رغم معرفته أنه لن يخرج إلا بمعجزة، ولستُ ككل الأمهات اللواتي ينتظرن فرحة أبنائهن، كنتُ سابقًا لا أشارك الناس أفراحهم أو أتراحهم، كي لا أبكي، لكنني وجدتُ في الناس عزاءً لي، وما زلتُ أبكي ليس لما تراه عينايْ إنما لِما يشعر به قلبي من أسىً على فراق ابني الغالي ابراهيم وابن عمه ياسين".

وحدثني أبو ابراهيم عن مأساة السجناء الأمنيين: "كُنا قبل سنوات ندخل إلى ابننا ما يشاء من المأكولات التي نصنعها في البيت من زيتٍ وأرز وبرغل وزيتون، لكن الحال تغيّر بعد موجة الاختطافات للجنود، إذ مُنعنا من اصطحاب الأقرباء من الدرجة الثانية، ومن ادخال الملابس، فصرنا نضع في "الكانتينا" (تزويد السجناء بالاحتياجات)، مبلغًا ليسَ بقليل، وحُرمنا من احتضان ابننا أو ملامسته، لنستكفي بلقائه عبر الزجاج، وحتى الكتب صاروا يشددون عليها بشكلٍ كبير، ملأوا السجون بالبشر".  ويختم: "رغم غياهب السجن وظلمته إلا أنني أنتظر ليلةً يبزغ الفجر فيها باكرًا، ليخرج فيها الأحباء: ابراهيم وياسين، طليقين، ينعمان بالحرية، عندها فقط سأبتسم من قلبي".
 

التعليقات