"حكاية الخذلان" لوالدتي المعتقليّن حجازي وذياب من طمرة

الحكاية الحزينة الواحدة التي رسمت ملامح الحزن المشتركة على وجه عايدة حجازي والدة المعتقل صلاح حجازي وعايدة ذياب والدة المعتقل كمال ذياب من طمرة،

الحكاية الحزينة الواحدة التي رسمت ملامح الحزن المشتركة على وجه عايدة حجازي والدة المعتقل صلاح حجازي وعايدة ذياب والدة المعتقل كمال ذياب من طمرة، اللذيّن تم اعتقالهما بعد أسبوعين من مشاركتهما في مظاهرات الغضب التي شهدتها طمرة وسائر المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد، احتجاجا على ممارسات اليمين الفاشي التي تمثلت بتعذيب وحرق وقتل الفتى الشهيد محمد أبو خضير على يد مجموعة من المستوطنين في مخيم شعفاط شمال القدس المحتلة، باتت حكاية الاعتقال أكثر موجعة للوالدتين وولديهما المعتقليّن، لشعورهما بالخذلان من قيادات الأطر والهيئات الفاعلة محليا وقطريا ولكل من دعا للمشاركة في مظاهرة الغضب في طمرة، وذلك لتخلي الجميع عن ابنيهما المعتقلين منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وترك عائلتيهما في مواجهة القضاء الإسرائيلي والتهم التي نُسبت للشابين افتراءً وزورا، والجرح الذي لا زال ينزف جراء عدم اهتمام أية جهة مسؤولة بمصير ولديهما في حين تم متابعة ملف باقي المعتقلين من طمرة من قبل جهات عديدة بارزة ومسؤولة في المدينة إلى أن تم الإفراج عنهم، حسبما تقول الوالدتان.

تساؤلات استنكارية

'عرب 48' إلتقى والدتي المعتقلين صلاح وكمال من طمرة، بدأت عايدة ذياب حديثها عن ابنها كمال تصفه 'بالطيبة وحبه واحترامه للجميع وخدمته لكل من طلب معروفا'، وهنا تبدأ الكلمات تنزف وجعا من قلب أم يسكنه الخذلان والألم والشوق لفلذة كبدها، 'الجميع تخلى عن ولدينا صلاح وكمال، كانت صدمة موجعة أن أرى الجميع يلهث لمساعدة الشباب المعتقلين الآخرين من طمرة ولا أحد يسأل عن ابني وعن صلاح'.

وتعيد عايدة ذياب شريط الذاكرة للوراء إلى يوم المظاهرة، التي جرت في التاسع من يوليو/تموز، وقالت: 'طلبت من ابني في ذلك اليوم عدم التوجه للمظاهرة فنحن عائلة لم تتعامل مع السياسة ولا نمتلك الثقافة السياسية، ومع ابتداء المظاهرة السلمية على دوار الأقصى في طمرة توجهت أنا وابني محمود وكمال لنشارك بها، ومن ثم عدنا أدراجنا للمنزل، كانت ساعة إفطار في شهر رمضان، ابني محمود أخبرني بأنه ذاهب ليفطر في مطعم مع أصدقائه، أما كمال فبقي معي في البيت ينتظر موعد الإفطار، لمدة قصيرة لم أر ابني كمال، وإذا به عائد إلى البيت ليخبرني بأن الشرطة اعتقلت أخيه محمود أثناء توجهه للمطعم مع أصدقائه، وتم إطلاق سراح محمود بعد ثلاثة أيام من الاعتقال'.

اعتقال بعد 14 يوما من المظاهرة

وتابعت: 'تفاجأت وبعد 14 يوما من انتهاء المظاهرة التي كانت في طمرة بوصول قوات من الشرطة في ساعات الفجر لتعتقل ابني، وكانت الصدمة أن الشرطة التي وصلت كانت تمتلك كل التفاصيل عن ابني بأنه يعاني من مشكلة في العظم ويكره الظلام وتعرف أين غرفته، ولاحقا علمت بأن هناك من افترى على ابني ووشى بمعلومات خاطئة وكذب عن كمال'.

وفي نفس اليوم، لكن قبل موعد الإفطار بربع ساعة، وصلت قوات من الشرطة لبيت المعتقل صلاح حجازي، هرب صلاح ولكن أقنعته العائلة بأن يسلم نفسه لأنه لم يرتكب أية جريمة، كما قالت والدته عايدة حجازي: 'قام ابني بتسليم نفسه لاقتناعه واقتناعنا بأنه لم يرتكب أية جريمة، ولكن الصدمة كانت من الافتراء والتهم التي وُجهت لإبني بسبب أقوال عملاء كاذبين من طمرة'.

استياء يتبعه خذلان من التجاهل المجحف

تتساءل والدتا المعتقليّن عايدة ذياب وعايدة حجازي: ' كيف للمجتمع الطمراوي والعربي أن يتخلى عن أبنائنا في محنتهم؟ كيف لأهل بلدي أن يتجاهلوا قضية كمال وصلاح؟ لماذا هذا اللوم المتدفق ضدنا من قبل الأمهات والناس بأننا لم نرب أبناءنا؟ هل لأنه شارك في مظاهرة أصبح ابني منبوذا اجتماعيا؟ أين المسؤولون من كل ما يحدث مع إبني كمال ومع المعتقل صلاح حجازي؟ لماذا ملف المعتقلين أُغلق في جميع البلدات العربية؟ هل لهذا علاقة بتعاون رؤساء السلطات المحلية مع عائلات المعتقلين؟ أين أعضاء الكنيست العرب الذين توجهت إليهم برسائل خطية والتجاهل كان الرد الصافع لنا؟. تم إطلاق سراح جميع المعتقلين في طمرة وسخنين والناصرة إلا كمال وصلاح نكرهما الجميع ولم يسأل عنهما أحد'.

الاستياء والغضب من المجتمع الطمراوي بدا واضحا من حديث والدتي المعتقليّن، حيث تابعتا:' الإسلام والقرآن وسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام يرفضون النفاق والفتنة والنميمة والافتراء، بعض الناس انهال بالكذب والافتراء والتهم الباطلة على ولدينا كمال وصلاح وهما ضحية لعملاء كاذبين وشوا عليهما للشرطة والمخابرات'.

معاناة وألم خلال الاعتقال

لم تتمكن عائلات المعتقليّن من اللقاء بولديهما أو معرفة مكان الاعتقال في الأيام الأولى من الاعتقال، إلا أنه لاحقا تمت مشاهدتهم في إحدى الجلسات في المحكمة من مسافة بعيدة ومن وراء زجاج، ولاحقا سُمح لهم بلقائهما بشرط وجود المحامي في الجلسة واللقاء من خلف الزجاج، وقررت العائلات تعيين محام شخصي لكل معتقل، الأمر الذي سيكلفهم مبالغ طائلة'.

'الجهل في كيفية التصرف في حالات الاعتقال كان مربكا، ولم نجد من يقدم لنا الاستشارة، فنحن عائلتان لا نمتلك الثقافة السياسية، ولا ننتمي لأية حزب، ولم ندخل أبدا المحاكم أو نتعامل مع القضاء'، قالت الوالدتان.

وأشارت الوالدة عايدة حجازي إلى أن 'العائلة قررت بيع أرض كي تتمكن من دفع مستحقات المحامي بالإضافة للمصاريف المرافقة، بالرغم من أن الأرض التي قمنا ببيعها ذات قيمة عالية عند ابني، وتحدث دائما عن هذه الأرض بأنه سيبني عليها مطعما أو مصلحة خاصة به، ولكن للأسف حتى المصلحة التي بناها قبل اعتقاله بأشهر قمنا بتسليمها لشخص آخر، بعد أن تركنا مصالحنا نحن الأمهات وأزواجنا بالرغم من أمس حاجتنا للعمل'.

الضغط النفسي والاعترافات الباطلة

تعرض المعتقلان، بحسب أقوال الوالدتين، للضغوطات النفسية الشديدة خلال التحقيق، وأشارت عايدة حجازي أم المعتقل صلاح إلى أن 'صلاح كان يسألها في كل جلسة محاكمة لماذا تم إطلاق سراح جميع المعتقلين وأنا وكمال بقينا في المعتقل؟. كان يتساءل ودموع الخذلان على وجهه'. أما كمال ذياب فكان مستاء من تخلي المسؤولين عنه في طمرة وفي الداخل الفلسطيني، وقال لأمه خلال الزيارة الأخيرة: 'أماه يؤلمني هذا الصمت بحقنا، أماه توجهي للصحافة قد يصحو ضمير غائب، أماه حسبي الله ونعم الوكيل في كل من تخلى عنا وشارك بأكثر من مائة جلسة للمعتقلين الآخرين، ما هي جريمتنا أنا وصديقي صلاح حتى نتلقى كل هذا الظلم؟'. نقلت هذا الكلام الأم عايدة ذياب ودموعها منهمرة لا تتوقف لشوقها وحنينها لابنها الذي كان يسكن معها خاصة وأن بقية أفراد الأسرة يعملون ويسكنون في منطقة بئر السبع.

الجميع تخلى عنا وحسبنا الله ونعم الوكيل

لا تنفك العائلاتان من التواصل مع بعضمها لمتابعة ملف ابنيهما، فقد أصبحوا عائلة واحدة كما تقول الوالدتان: 'صديق الشدة أفضل من صديق الرخاء، وما بحس بالوجع غير صاحبه، كان صلاح وكمال يمارسان رياضة الخيل تقريبا بشكل يومي، وحلما ببناء مستقبل بعيد عن الشوائب، ولم يعلما بأن خيوط الكذب والافتراء من الناس قد تسقطهما في مستنقع من التهم الباطلة ليس إلا لمشاركتهما في مظاهرة شارك بها المئات، وهؤلاء لم يتعرضوا لما نتعرض له.. الأمل بالله لا يفارقنا، صلاح وكمال ليس لديهما أية سوابق، ولم يرتكبا أية جريمة ونثق بعدالة السماء وإن تخلى عنا الجميع فالله حسبنا ووكيلنا، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم'.

التعليقات