ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 12) /د.مصطفى كبها

-

ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 12) /د.مصطفى كبها
كان لاشتعال الاحداث في فلسطين الوقع الكبير على النفوس في البلاد العربية، فقد تشكلت في عواصم هذه البلدان ومدنها المهمة لجان تضامن وإغاثة كانت أهمها اللجنة التي تشكلت في العراق، والتي جمعت الأموال وجندت المتطوعين للذهاب إلى فلسطين واقترحت إيفاد ضابط عربي متمرس على رأس قوة متطوعين عربية على أن يقود الثورة العربية في الداخل.

وقد وقع الاختيار على فوز الدين القاوقجي،(وهو من مواليد مدينة طرابلس في الشمال اللبناني، ولد عام 1890، خدم في الجيش العثماني وقد حصل على وسام الشرف من الطراز الرفيع على مشاركته في الحرب ضد الطليان في ليبيا عام 1911.

شارك في الثورة السورية عام 1920 وعمل مستشاراً عسكرياً للملك ابن سعود كما وعمل محاضراً في الأكاديمية العسكرية في بغداد.

شارك في ثورة 1936 في فلسطين وتولى القيادة لفترة قصيرة ثم عاد إليها عام 1948 قائداً لجيش الإنقاذ التابع للجامعة العربية ).

مكث القاوقجي في البلاد خمسة وستين يوماً ( وصلها في 22 آب وغادرها في 13 تشرين الأول 1936 ) جاعلاً من منطقة المثلث الكبير ( جنين - نابلس - طولكرم ) مركزاً لعملياته، وقد أقام ثلاثة مراكز قيادية على رؤوس الجبال العالية المشرفة في جبل حريش (صانور )، المنطار (بلعا ) وكفر صور. وقد خاض الثوار تحت قيادته أربع معارك هامة هي معركة المنطار، معركة جبع، معركة بيت أمرين ومعركة كفر صور، وعنها سنفصل لاحقاً.

عند قدوم فوزي القاوقجي، كان عبد الرحيم الحاج محمد القائد الأبرز لفصائل الثورة في منطقة طولكرم، وقد كان أحد ثلاثة قادة اجتمعوا بالقاوقجي في الأيام الأولى لقدومه قرب كفر اللبد وذلك في تاريخ 1936 . 8 . 29 ، وقد شارك في هذا الاجتماع بالإضافة له كل من فخري عبد الهادي ويوسف أبو درة .

عن هذا اللقاء حدثني عطية نايف غزالة من كفر اللبد والذي كان شاهد عيان عليه فقال: " التقى عبد الرحيم الحاج محمد وفوزي القاوقجي في خلّة الأسود في كفر اللبد. في ذلك اليوم قام أهل البلد بذبح 12 ذبيحة وتقديم الخروج ( طعام مكون من النواشف بيض، لبن، جبن، زعتر وزيتون ). جاء فوزي ومعه فخري عبد الهادي، حلاّ في البداية في ساحة الجامع وقد جلسا على الحرامات هناك ومن ثم طلبا من والدي ( المختار ) أن يدلهم على موقع مشرف وفيه أشجار فدلّهم على الخلّة القبلية ( خلّة حنون والأسود ) وقد وضعوا الحراس على رؤوس الجبال.

في اليوم الثاني اشترى أهل كفر اللبد 12 رأس غنم وقاموا بذبحها هناك وقد تولت نساء القرية عملية الطبخ فطبخن الرز المفلفل واليخنية ( بندورة وبصل ولحمة ). أما فوزي القاوقجي فقد صنع له الشيخ محمود الحاج يوسف مسخّن (محمّر ) من 15 دجاحة وقد حملت السدر (الطبق ) الكبير حمدة عبد الله الخليل وتناوله الحراس منها وقدموه للقادة وقد كان عبد الرحيم معهم " .
1. معركة المنطار: جرت هذه المعركة في 1936 .9 .3 . قام القاوقجي واركان حربه بالتخطيط لهذه المعركة تخطيطاً محكماً، يستغل الإلتفاف الحاد في ليّة بلعا ( ذلك الإلتفاف الذي أرعب الجنود البريطانيين فأطلقوا عليه اسم "زاوية الأشباح " ).

وضع الثوار حاجزاً على الطريق العام وكمنوا من جانبي الشارع، من أعلى جبل المنطار في الشمال وحتى جبل الشّعب وخربة أبو خميش، في الجنوب. أشرف عبد الرحيم محمد على الكمائن جنوبي الشارع ، حيث رابطت معظم الفصائل الفلسطينية التي شاركت في المعركة، في حين تمركزت فصائل المتطوعين العرب، وبعض الفصائل الفلسطينية، بقيادة فوزي القاوقجي وفخري عبد الهادي، شمال الشارع.

وقد وصفت المصادر الإرشيفية البريطانية هذه المعركة حيث قالت: " في 1936 .9 . 3 ، وفي حين كانت جلسة لمجلس الوزراء البريطاني منعقدة لبحث ما يحصل في فلسطين، وصلت إلى هناك برقية مستعجلة، تتحدث عن معركة تحصل في تلك الأثناء بين نابلس وطولكرم، وقد تم فيها إسقاط طائرتين بريطانيتين، وقتل طياران كانا في داخلهما، في حين اضطرت طائرتان أخريتان، إلى الهبوط الإضطراري، بعد أن أصيبتا وقد جرح أحد طياريها.

وقد طالب الجنرال بيرس، القائد الانجليزي في المنطقة، إذناً بقصف القرى التي خرج منها الثوار.

لقد أعد الثوار للمعركة إعداداً جيداً وقد بدأوها الساعة السادسة والنصف صباحاً، بضرب قوة بريطانية كانت في طريقها إلى عنبتا، بعد أن كانوا قد أقاموا عدة حواجز من الحجارة على الشارع العام، وزرعوا الألغام على مسافة طويلة من الطريق، بشكل أوقف قوات النجدة التي جاءت من الاتجاهين ( من نابلس ومن طولكرم). ولم تستطع هذه القوات الوصول إلى بلعا إلا بعد ساعات، وذلك بعد استعمال الطائرات والقصف المركز من مدافع "البوم - بوم ". وقد قتل في المعركة بالاضافة للطيارين، جندي مشاة واحد، وجرح ضابطان، وجنديان آخران.

وعند فحص باقي الجثث تبين أن الثوار تكبدوا أحد عشر قتيلاً: فلسطينيان وتسعة من البلاد العربية الأخرى " . (6\315\733 . C.Oׂ).

أما الشهيدان الفلسطينيان، فقد كانا خليل بدوية من يافا( كان خليل حين استشهاده فتى في التاسعةعشرة من عمره وقد كان طالباً في كلية الفنون الجميلة في القاهرة. عاد إلى البلاد عند نشوب الثورة واشترك في معركة بلعا وقد قتله البريطانيون عندما حاول تشغيل الالغام التي لم تنفجر ) ومحمد بلعاوي من بلعا ( قتل محمد البلعاوي بقذيفة طائرة غربي كفر اللبد ، وحسب رواية عطية نايف غزالة فقد وضعه البريطانيون على كومة من القش والبلاّن واضرموا في جثته النار ).

كانت معركة المنطار أنجح المعارك التي خاضها القاوقجي ضد البريطانيين أما باقي المعارك فقد فقد كان نجاحه فيها محدوداً وذلك لفقدانه عنصر المفاجأة الذي ميّز المعركة الأولى. وعن ذلك سنفصل في الحلقة التالية ....

التعليقات