رحلات إلى الجذور .. والبحث عن معنى للنكبة..

-

رحلات إلى الجذور .. والبحث عن معنى للنكبة..
تأتي "الرحلات إلى الجذور" التي تنظمها جمعية الثقافة العربية، في إطار المساهمة في بلورة هوية ثقافية منفتحة على الواقع والتاريخ، ترتكز على أسس إنسانية وديمقراطية، وتتجاوز الإنغلاق والنزعات القبلية، والمساهمة في النقاش المستمر لمضمون "هويتنا الثقافية"، بما يتلاءم مع انتمائنا القومي ومع الإنفتاح على ثقافات الشعوب المختلفة، ومساعدة الشباب على التعرف إلى تاريخهم وحضارتهم، ومساعدتهم في تطوير شخصية مبادرة واعية لحقوقها وواثقة بنفسها، مما يساعدهم على تطوير تفكير نقدي، وتعزيز التواصل مع الفلسطينيين في الوطن والشتات، والمساهمة في دعم النشاط الثقافي، الأدبي، الفني، الإعلامي، ضمن معايير تحافظ على الإنتماء، الإبداع، الرقي والتواصل الإنساني العام، والتشديد على أهمية دور المدارس وسائر المؤسسات التعليمية التربوية خصوصاً ضمن واقع أقلية قومية، والمساهمة في إعادة النظر في مناهج التعليم السائدة، ومحاولة طرح البديل، وتشجيع الأكاديميين على إقامة أطر تتناسب وتخصصاتهم وتمكنهم من القيام بدورهم في المجتمع، وتساعدهم في رفع مستواهم الثقافي والتواصل فيما بينهم لمناقشة الأمور التي تهمهم.

كان من المتوقع أن تبدأ 4 حافلات صباح يوم الجمعة (12/05/2006) أول "الرحلات إلى الجذور"، وهو اليوم الأول من ثلاثة أيام. إلا أن الدقائق الأولى كانت كفيلة بأن تسارع "جمعية الثقافة العربية" التي نظمت الرحلات، إلى الإتصال بشركات المواصلات وحجز حافلة أخرى وأخرى، حتى وصل العدد إلى 13 حافلة خلال ساعتين، لم أتابع بعدها العد..


عشرات الحافلات انطلقت يومياً خلال الأيام الثلاثة، الجمعة والسبت والأحد (12/05/2006-14/05/2006)، والتي ستستمر في الاسابيع القادمة، أقلت الآلاف من مختلف القرى والمدن الفلسطينية في الداخل، في الجليل والمثلث والنقب، في طريقها إلى مدينة الناصرة، حيث نظمت جمعية الثقافة العربية معرض صور فوتوغرافية من سنوات 1862 لغاية 1948،عن النكبة والتهجير، وصور تروي قصة فلسطين قبل النكبة، تروي قصة المدينة الفلسطينية بكل مكونات المدينة الفلسطينية الحضارية والثقافية كالمدراس والكليات والفرق الموسيقية، في حيفا ويافا والناصرة وعكا وصفد وطبرية والقدس وبيت لحم وغزة والخليل..

وصور لمحطات نضالية مهمة في حياة الشعب الفلسطيني مثل ثورة 1936، وصور أخرى لمناضلين أمثال محمد جمجوم.. باختصار كانت الدقائق التي يمضيها الناظر في معرض الصور كفيلة بأن تعيده إلى أجواء النكبة بكل أحداثها وآثارها وأبعادها، وتقذف بكم هائل من المعلومات التاريخية في ذهن الناظر، فضلاً عن التفاعلات، بكل الشحنات التي يتركها، مع صورة لأعواد المشانق المنصوبة للمناضلين الأبطال من أبناء شعبنا، هنا، وصورة أخرى لقرية كانت تعيش عيشة وادعة وبين عشية وضحاها جرى محوها تماماً عن الخريطة، هناك... ومئات الصور الأخرى هنا وهناك..


كان معرض الصور المحطة الأولى، في "الرحلات إلى الجذور"، تخلله شرح عن المعرض قدمته مديرة الجمعية، د.روضة عطا الله، كما تخلله توزيع كراس خاص أعدته جمعية الثقافة العربية "رحلات إلى الجذور – خاص للذكرى الثامنة والخمسين للنكبة".

وقد اشتمل الكراس على المسارات التسعة لرحلات الجذور، وهي موزعة كالتالي:

المسار الأول - قانون (قضاء طولكرم) ومجدل الصادق وهي من قرى الرملة، والمزارية (المزيرعة).
المسار الثاني – الغابسية والكابري واقرث
المسار الثالث – عكا والمنشية والبصة
المسار الرابع – عين غزال وإجزم وجبع وصرفند
المسار الخامس – لوبية وحطين وطبريا
المسار السادس – كفر برعم وكفر عنان وسبلان والصفصاف
المسار السابع – الخصاص والخالصة ويردا
المسار الثامن – هونين والنبي يوشع وقدس
المسار التاسع – يافا عروس البحر واللد والرملة


بعد المعرض انطلقت الحافلات إلى المسارات المخططة، المسارات التسعة الممتدة من جنوب البلاد حتى شمالها، رافقها مرشدون لم يكلوا ولم يملوا من عناء الشرح والخوض في التفاصيل والأرقام والتواريخ، خاصة وأن غالبية المشاركين في الرحلات كانوا من الأجيال الناشئة؛ الشباب والطلاب والأطفال برفقة ذويهم..

كانت التفاصيل التي قدمها المرشدون كثيرة ومذهلة، إلا أن قصة النكبة والتهجير كانت تتكرر في كل التفاصيل وإن اختلفت الأسماء والأرقام.. هنا ارتكبت مجزرة سقط فيها ستون شهيداً وهناك سقط سبعون ... هنا اغتصبت خمس فتيات فلسطينيات وهناك عشر.. هنا قصفت القرية وأجبر أهلها على الهجيج ... لم يبق من هذه القرية سوى الكنيسة، وهناك لم يبق سوى الجامع.. هنا جرى محو القرية وآثارها عن الخريطة تماماً.. هذا الزيتون وهذا التين وهذا الصبار وهذه الحجارة تعود لهذه القرية... هنا وقعت معركة.. وهنا سقط الشهداء.. وفي هذا البئر ألقيت الجثث.. هنا كبلوا وهنا أطلقت عليهم النار.. هنا ... وهناك...

وكان من اللافت أن ينصرف الشباب الصغار إلى رحلة البحث عن الأسماء الأصلية، دلاتا أصبحت "دلتون"، والصفصاف أصبحت "سفسوفة"، وفراضية أصبحت "فارود"، وطلحة أصحبت "تل حاي"، وكنارة أصبحت "كنيرت"...

وكان من اللافت أيضاً أن تستمع من الأطفال في سنوات الكف الواحدة من عمرهم ينطقون بلثغة طفولية بكلمات مثل النكبة والقرى المهجرة وحق العودة وفلسطين..

بقي أن نقول أن كراس "الرحلات إلى الجذور" قد اشتمل على مقال "في البحث عن معنى ..للنكبة" للدكتور عزمي بشارة، كان قد كتب قبل 8 سنوات.. ومن الجائز الإفتراض أن المقالة ستكون عصية على الفهم لبعض الأجيال الناشئة، إلا أنه من المؤكد أنهم سيبدأون الآن في البحث عن معنى للنكبة...



.

التعليقات