تقرير "مدى الكرمل": في البرلمان الإسرائيلي يتنافسون على العداء للمواطنين العرب

-

تقرير
تشكل الأجواء السائدة في إسرائيل ضدّ المواطنين الفلسطينيّين حاضنة دافئة لزيادة وتسريع التهديد للمواطنين الفلسطينيين، وهذا التهديد لا يوجّه فقط ضد هويتهم القومية وذاكرتهم الجمعية، وليس فقط ضد حقوقهم الفردية والجماعية، بل يتجاوز ذلك إلى العنف الجسدي ضدهم. هذا وتؤكد مشاريع القوانين المتتالية، وسياسات الحكومة، كما استطلاعات الرأي، إلى وجود ثقافة سياسية عدائية تمنح الشرعية لتعامل الدولة والمجتمع اليهودي مع المواطنين الفلسطينيين وقياداتهم. هذا قسم من ابرز الاستنتاجات التي وردت في تقارير الرصد السياسي لمدى الكرمل للاشهر شباط-اذار ونيسان-ايار.

يؤكد تقريرا الرصد السياسي (الثامن والتاسع) اللذان صدرا حديثا عن مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، مدى الخطورة التي تتهدد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، ومدى الخطورة حتى على مجرد كونهم جماعة ("كولكتيف"). يتناول التقرير الثامن ممارسات كل من السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وخصوصاً تلك الممارسات التي تمس بالمكانة المدنية، والسياسية والاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين؛ أما التقرير التاسع فيعرض للتشريعات وسياسات الحكومة، لكنه وبشكل استثنائي، يتمحور حول حدث واحد وهو أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة.

يقول معد التقرير، الباحث إمطانس شحادة: "يوضح هذا الحدث الكثير عن مكانة الفلسطينيين في إسرائيل، وعن سهولة اتهام ممثليهم بالخيانة، وأنه يحظر عليهم التعبير عن موقف سياسي، و/أو قومي يتعارض مع الإجماع الإسرائيلي. فكل محاولة كهذه تشكل ذريعة لوضعهم خارج حدود اللعبة السياسية".

النواب اليهود يتنافسون على ابتكار قوانين معادية للمواطنين الفلسطينيين

تبذل السلطة التشريعية جهودا كبيرة بهدف تضييق حيز العمل السياسي للعرب ومنعهم من الحفاظ على سردياتهم القومية. كما يتنافس النواب اليهود فيما بينهم على ابتكار قوانين معادية للمواطنين الفلسطينيين والانتقاص من حقوقهم. ففي الفترة التي يوثق لها الرصدان الثامن والتاسع تم تقديم عدة اقتراحات قوانين كهذه والمصادقة على بعضها. ففي شهر أذار العام الحالي صادقت الكنيست في القراءة الأولى على قانون النكبة، والذي يسمح لوزير المالية بفرض عقوبات مالية ضد مؤسسات وتنظيمات عامة تشارك في إحياء يوم النكبة. ومن بين اقتراحات القوانين التي قُدمت خلال هذه الفترة نذكر: قانون "الخدمة القومية" الذي يهدف إلى تعزيز الهوية الإسرائيلية لدى الشبان والشابات العرب وخلق هوية مشوهة؛ قانون سلطة أراضي إسرائيل الذي يهدف إلى تكريس التمييز ضد المواطنين العرب وتعزيز تهويد النقب والجليل، تحت غطاء "منح تسهيلات ومكافآت" للجنود المسرحين ولمن يؤدي الخدمة "القومية"؛ قانون المواطنة والذي يهدف إلى توفير الأسس القانونية لمعاقبة المواطنين العرب وممثليهم حتى دون تقديمهم للمحاكمة أو إدانتهم.

الملاحقة السياسية للقيادات العربية

شهد العام الحالي ارتفاعا في العداء تجاه النواب والقيادات الفلسطينية في إسرائيل، إذ قامت الكنيست والحكومة والرأي العام بمهاجمة الأعمال والمواقف السياسية التي يتخذها النواب والقيادات الفلسطينية، والتي تعبر عن الهوية القومية وحرية التواصل مع العالم العربي. إذ تعمل الدولة والمؤسسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة على إسكات كل رغبة بإقامة علاقات مع الدول العربية، وخاصة تلك التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وكذلك كل موقف يعارض السياسة الإسرائيلية في المناطق المحتلة بعامة، ويعارض الحصار على غزة بخاصة،في زيارة وفد لجنة المتابعة العليا إلى ليبيا، والمشاركة في أسطول الحرية لفك الحصار على غزة.

يتناول تقرير الرصد التاسع حادثتين وقعتا خلال شهري نيسان وأيار. في الحالة الأولى ومنذ منذ بدء الزيارة، بدأت المطالَبات بمعاقبة النواب العرب الذين شاركوا في الوفد، فقد توجه النائب زفولون أورليف ("البيت اليهوديّ-المفدال") إلى لجنة الانتخابات المركزية مطالبا بمنع النواب المشاركين في الوفد من الترشح في الانتخابات المقبلة. أمّا النائب ميخائيل بن آري ("الاتحاد القومي")، فقد توجه إلى رئيس الكنيست، رئوفين ريفلين، مطالبا بإلغاء بعض حقوق النواب العرب المشاركين في الوفد. وقال: "النوّاب العرب الذين التقوا القذّافي يعملون منذ فترة طويلة ضدّ دولة إسرائيل، وهم يشكّلون عمليًّا طابورًا خامسًا داخل الكنيست".

محاولة إخراس الضحيّة: ردود الفعل حول المشاركة في أسطول الحرّيّة

وتيرة وحدة الهجوم على القيادات العربية تصاعدت على اثر قيام النائبة حنين زعبي (التجمع) والسيد محمد زيدان رئيس لجنة المتابعة والشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية الشمالية والناشطة لبنى مصاروة.بالمشاركة في أسطول الحرية ضمن وفد فلسطيني الداخل. ففي اعقاب هذه المشاركة شن الجهاز القانوني والسياسي والمجتمع الإسرائيلي هجوما عنيفا على النائبة حنين زعبي وأعضاء الوفد بشكل خاص وعلى الفلسطينيين في الداخل بشكل عام.

الهجوم بدأ حتى قبل تحرك الأسطول إلى غزة. اذ توجه النائب داني دنون (الليكود) إلى المستشار القانوني للحكومة، وطلب إليه توجيه الشرطة لاعتقال النائبة زعبي لدى وصولها إلى إسرائيل. كما توجه إلى لجنة الكنيست لبحث سحب جواز السفر الدبلوماسي من النائبة زعبي.

وخلال مناقشة مشاركة النائبة زعبي في اسطول الحرية في لجان الكنيست وفي الهيئة العامة هاجم النواب اليهود النائبة زعبي لمجرد تجرئها على التطبيق الفعلي لمعارضتها لسياسة الحصار على غزة، والانضمام إلى الاحتجاج الدولي الذي يرمي إلى إنهاء الحصار وإثارة الرأي العام حول المعاناة الإنسانية في غزة. وفيما يلي بعض تصريحات وردود فعل النواب اليهود والتي تصف مدى خطورة الوضع وشراسة التحريض العنصري العداء لكل ما هو عربي:

النائب يسرائيل حسون (كديما) وصف النائبة زعبي بمريقة الدماء، وأضاف أنّ جميع النوّاب العرب في الكنيست هم كذلك، وأنّهم يقودون شعبهم نحو الضياع؛ النائبة ميري ريغف (الليكود) قالت إنّ زعبي شريكة فعليّة في الجريمة، وإنّها انضمّت إلى إرهابيّين وإلى جريمة أخلاقيّة تجاه دولة إسرائيل. وقالت كذلك إنّ الأسطول الذي كان متوجّهًا إلى غزّة هو أسطول إرهابيّ، وإنّه من الواجب معاقبة النائبة زعبي، إذ "لسنا بحاجة إلى أحصنة طروادة في الكنيست"، وقالت ريغف للنائبة زعبي بالعربيّة: "روحي لغزّة يا خاينة". النائب يوحنان فلسنر (كديما) قال: "لا أتمنّى لك سوى أن تذهبي إلى غزّة لأسبوع على الأقلّ، لعلّنا نراك تتحدّثين هناك عن حقوق النساء وحقوق الأنسان وحقوق المواطن، ولنرَ ما سيحدث لك هناك! أسبوع واحد في غزّة، لعزباء في سنّ الثامنة والثلاثين، ولنرَ كيف سيتعاملون معك هناك". النائب آريه بيبي (هبايت هلئومي) قال: "وجود النوّاب العرب تحقير هو لجميع نوّاب الكنيست". وقالت النائبة يوليا شملوف-بيركوفيتش (كديما): "أنتم جواسيس برلمانيّون".

بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، يتناول تقريرا الرصد الثامن والتاسع مسألة التمييز العنصري في توظيف العرب في الوظائف الحكومية رغم وجود قانون حول التمثيل المناسب للعرب في الشركات والمكاتب الحكومية؛ تدخل المخابرات العامة (الشاباك) في توظيف أئمة المساجد؛ سياسة تهويد الحيز والسيطرة على ما تبقى من أراض للمواطنين العرب؛ استطلاعات الرأي التي تكشف عن مدى انتشار المواقف العنصرية والمعادية للديمقراطية بين أبناء الشبيبة اليهود؛ العنصرية داخل الجامعات الإسرائيلية وغيرها.

ويقول الباحث إمطانس شحادة: "تكشف الأحداث التي يتناولها تقريرا الرصد، عن عملية إقصاء اجتماعي-سياسي متعدد المجالات، تمارسها المؤسسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. لكن، ومن أجل فهم مجمل الصورة وإدراك خطورة الأمر، ينبغي تجميع كل قطع الفسيفساء وتركيبها، وهذا هو هدف تقارير الرصد السياسي التي نعدها". كما أشار إلى إن مظاهر التمييز والإقصاء تجاه الفلسطينيين تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة المفاهيم والمصطلحات النظرية لنظام الحكم في إسرائيل. ويقول أن الحقائق الواردة في التقرير تساهم في الجهد الأكاديمي والسياسي لتفسير ماهية النظام في إسرائيل وفهمه، ولا سيما في كل ما يرتبط بعلاقة الدولة مع المواطنين الفلسطينيين. فالجهود المتراكمة التي تتضمّنها تقارير الرصد تُبين أن الحقوق الجماعية والفردية للمواطنين الفلسطينيين يتهددها الخطر الفعلي على نحو دائم.

للاستزادة يمكن قراءة التقريرين على الرابط التالي:

التقرير التاسع:
http://mada-research.org/UserFiles/file/PMP%20PDF/PMR9-ARB/pmr9-arb-final-final.pdf

التقرير الثامن:
http://mada-research.org/UserFiles/file/PMP%20PDF/pmr8-arb/pmr8-arb-final-final.pdf

التعليقات