إسرائيل تعمل على تضييق إمكانيات التطور والبناء في التجمعات الفلسطينية

-

إسرائيل تعمل على تضييق إمكانيات التطور والبناء في التجمعات الفلسطينية
بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين ليوم الأرض، أصدرت جمعية حقوق المواطن تقريرا خاصا عن أوضاع الأرض والسكن للعرب، وسياسة الحكومة في هذه القضايا القائمة أساسا على الهدم في الجليل والمثلث والنقب والقدس، كما في الضفة الغربية، بحجة عدم الترخيص، وفي الوقت ذاته عدم تخصيص أراض للبناء ووضع عقبات في طريق حصول المواطن على تراخيص البناء.

يعاني المجتمع العربي من حرمان مستمر وتضييق متزايد في مجال الأرض والسكن، على مر عشرات السنوات، إن كان من خلال مصادرة الأراضي من مالكيها العرب ووضعها لاستخدام اليهود فقط، أو من خلال تقليص مسطحات نفوذ البلدات العربية، أو لانعدام خرائط هيكلية توفر مناطق سكنية للمواطنين العرب، أو من خلال رفض الدولة الاعتراف بعشرات القرى والتجمعات السكنية العربية، خاصةً في النقب.

يشير تقرير حديث للمركز العربي للتخطيط البديل، الى أنه خلال عام 2008 كانت حصة المواطنين العرب من القسائم التي وزعتها دائرة أراضي إسرائيل، 9% فقط، في الوقت الذي شكل فيه المواطنون العرب خمس السكان.

وتبرز ضآلة حصة المواطنين العرب في قسائم البناء أكثر وأكثر إذا ما قورنت بالحاجة المتزايدة في القرى العربية لأراضي البناء، وبسياسة تجميد التطوير والتخطيط في هذه القرى لعشرات السنوات.

وتفيد المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية أنه مع بداية عام 2009 يشكل المواطنون العرب في البلاد حوالي خمس السكان، نسبة الازدياد الطبيعي في المجتمع العربي 2.6% مقارنة ب 1.6% لدى المجتمع اليهودي، في عام 2007 عدد متوسط الأفراد في العائلة العربية هو 4.91 مقارنة ب 3.5 للعائلات اليهودية، عدد متوسط الأفراد في الغرفة في المنازل اليهودية 0.84 مقارنة ب 1.41 في المنازل العربية، وفي عام 2006 كان هناك 44،685 حالة زواج، حوالي 25% منها كانت في المجتمع العربي.

كل هذه المعطيات تشير وتؤكد أن حاجة المجتمع العربي لتخصيص أراض للبناء هي أكبر مما هي عليه في المجتمع اليهودي، خاصة وأن 90% من المواطنين العرب يعيشون في القرى والمدن العربية، ولا يمكنهم امتلاك منزل في المدن الكبيرة.

لا يقتصر التمييز ضد المواطنين العرب على حصة المجتمع العربي من الأراضي العامة، إنما تنتهج "دائرة أراضي إسرائيل" سياسة تمييز واضحة لمنع المواطنين العرب من السكن في أماكن معينة خصصت لليهود فقط. كما هو الحال في موضوع الالتماس الذي تقدمت به "جمعية حقوق المواطن" و"المركز العربي للتخطيط البديل"، ضد "دائرة أراضي إسرائيل" على خلفية إعلان الأخيرة في شهر تموز 2004 عن مناقصة لتوزيع 26 قطعة ارض للبناء في أحد أحياء مدينة كرميئيل، واشترط الإعلان تخصيص هذه الأراضي لليهود فقط دون العرب.

من جهة أخرى تفتقر القرى والمدن العربية إلى خرائط هيكلية مصدقة، تمكن ساكنيها من استصدار تراخيص للبناء على أراضيهم. حيث أن إجراءات المصادقة على الخرائط الهيكلية تستمر لفترات طويلة قد تتعدى في بعض الأحيان أل 10 سنوات أو أكثر.

بحسب تقرير "جمعية الجليل" حول السلطات المحلية العربية، نحو 42% من الخرائط الهيكلية المعتمدة حالياً في السلطات المحلية العربية تم إعدادها منذ مطلع الستينات وحتى نهاية الثمانينات، ونحو 18% فقط منذ العام 2000 وحتى 2006. كما أن معظم الخرائط المعتمدة لم يتم تعديلها منذ أن وضعت.

في قرية مجد الكروم على سبيل المثال، لم يصادق على خارطة هيكلية واحدة طوال ما يزيد عن 20 سنة، مسطحات القرية آخذه بالتقلص، وبالمقابل عدد سكانها آخذ بالتضاعف. 65% من الوحدات السكنية في القرية شيدت دون ترخيص بالبناء، ويعيش أصحابها تحت وطأة التهديد بالهدم، بالإضافة إلى الأعباء المالية التي تتكبدها العائلة نتيجة دفع الغرامات، التي تكرر كل ثلاث سنوات لتصل الى مبالغ باهظة.

أما في مدينة الطيبة فقد تم في نيسان 2006 إيداع خارطة هيكلية لتطوير مدينة الطيبة حتى عام 2020. من جهة بموجب هذه الخارطة سيتم اقتطاع 9000 دونم من أصل 18،500 دونم أراضي مدينة الطيبة لتكون خارج نطاق التطور العمراني للمدينة، بالإضافة الى مئات الدونمات التي سيمنع التطوير فيها بسبب مرور خط الغاز على أراضي المدينة والتخطيط لإقامة كسارة. في المقابل لن تحل هذه الخارطة مشكلة المنازل المهددة بالهدم ولن تصادق على إدخال دونم واحد جديد للبناء عليه.

تجميد التخطيط أو التلكؤ في إنجازه، وعدم توفير حلول سكنية، يزيد من حدة أزمة السكن ويدفع بالمزيد والمزيد من المواطنين العرب للبناء دون استصدار تراخيص، لأن معنى عدم البناء في حالات عديدة هو الحرمان من الحق في إقامة عائلة والعيش في جو كريم آمن يحفظ كرامة الإنسان وخصوصيته.

وعليه فإن البناء غير المخطط هو النتيجة المباشرة لغياب التخطيط، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجميد حياة المواطن الفلسطيني إلى حين الانتهاء من إجراءات التخطيط. خاصة عندما لا يكون هناك أي بديل آخر في متناول اليد، نتيجة مصادرة الأراضي أو السيطرة على الأراضي التي كان من الممكن ان تشكل المد الطبيعي لتطور القرى العربية عليها. كل هذا ولم نتطرق بعد الى الحاجة لإيجاد مساحات للتطور الصناعي والمباني العامة.
وتابع التقرير أن نقص التخطيط في القرى العربية يؤثر تأثيرا مباشرا على حياة المواطنين العرب ويحول دون استحقاق المواطن العربي لحقوقه الأساسية: نقص في الخدمات العامة، هزالة البنية التحتية، مشاكل في الصرف الصحي، انعدام شبكة شوارع صالحة لتأمين مواصلات عامة، غياب المباني العامة والمناطق الخضراء.

وتابع أن منع توسيع مسطحات القرية يضطر السكان إلى البناء داخل القرية على حساب المسطحات المخصصة للمنشآت العامة والشوارع وغيرها، مما يزيد من حدة الاختناق الذي تعانيه القرية ويقلل من جودة الخدمات التي يتلقاها المواطن العربي في بلدته.

وجاء أيضا: تعاني معظم القرى العربية من عدم وجود شبكة مواصلات عامة نظرا لعدم وجود شبكة شوارع صالحة لاستخدام الجمهور، وذلك بسبب استمرار البناء غير المخطط لسنوات طويلة، الأمر الذي يحد من إمكانية وصول السكان لأماكن عملهم أو مؤسسات التعليم، والعيادات الطبية، وعلى وجه الخصوص النساء والأطفال الذين هم بأمس الحاجة لشبكة مواصلات عامة.

ويشكل حي الجواريش في الرملة نموذجا للتمييز الحاصل ضد سكان الأحياء العربية في المدن المختلطة فيما يتعلق بموضوع المواصلات، مقارنة بسكان باقي الأحياء اليهودية، حيث تنعدم حركة المواصلات العامة في هذه الأحياء، الأمر الذي يحد من حق سكان هذه الأحياء في التنقل وحرية الحركة. إضافة إلى حرمانهم حقهم من الاستفادة من الخدمات البلدية الممنوحة لكافة المواطنين وتقليص فرص الحصول على عمل مناسب بعيدا عن مكان سكناهم.

إلى ذلك، يسكن في القرى العربية غير المعترف وفي القرى التي ما زالت في طور التخطيط ضمن مجلس إقليمي "أبو بسمة" في النقب ما يزيد عن 80 ألف مواطن عربي. معظم هذه القرى قائمة قبل قيام الدولة، والأخرى أقيمت في سنوات الخمسينيات بسبب تهجير السكان من أرضهم في فترة الحكم العسكري، أي قبل تشريع قانون التخطيط والبناء. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدولة ومؤسساتها تجاهلت القرى وسكانها واعتبرتها غير قانونية حارمة سكانها من كافة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية كالمياه والكهرباء وشق الطرقات وتأمين المواصلات العامة وتوفير الخدمات الصحية والتعليم للأطفال. ولا تتوقف معاناة سكان القرى عند هذا الحد، بل يعيشون في خوف دائم من فقدان البيت والمأوى، والسكن في العراء بسبب سياسة هدم البيوت، الأمر الذي يعتبر انتهاكا صارخا لحق سكان القرى في العيش الكريم.

وتفتقر قرية تل الملح، على سبيل المثال، غير المعترف بها لعيادة طبية في المنطقة. والعيادة الطبية القريبة موجود في اكسيفة التي تبعد 15-18 كيلومترا من بيوت سكان القرية. وفي ظل انعدام المواصلات العامة المنظمة وعدم وجود شوارع معبدة وصالحة للسفر، يستغرق زمن الوصول إلى العيادة ساعتين ونصف الساعة في كل اتجاه. لذلك فإن جزءا كبيرا من السكان يتنازلون عن تلقي العلاجات الضرورية بسبب المشقة في الوصول إليها.

وفي استطلاع قامت به جمعية أطباء لحقوق الإنسان تبين أن 4 من بين كل 5 نساء عربيات بدويات من القرى غير المعترف بها لا يستطعن الوصول إلى العيادة العامة أو عيادة الأم والطفل للحصول على الخدمات الطبية التي يحتجن إليها. كما أن النقص في الخدمات الطبية هو سبب مباشر لنسبة الوفيات العالي بين الأطفال، والإصابة بأمراض مختلفة كالسرطان والسكري وغيرها، بالإضافة إلى أن عدد الأطفال العرب البدو الذين يتلقون التطعيمات هو الأدنى في البلاد.

التعليقات