استكمال حملة التطهير العرقي السياسة الإسرائيلية تجاه اللاجئين من 1948-1967

-

استكمال حملة التطهير العرقي السياسة الإسرائيلية تجاه اللاجئين من 1948-1967
تمكنت الحركة الصهيونية من تجسيد المرحلة الأولى لمشروعها المتمثل بإقامة دولة لليهود على الجزء الأكبر من أرض فلسطين، وبمساحة تزيد عما حدده لها قرار التقسيم، بعد طرد أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني.

شرعت الدولة الناشئة في سن القوانين واتخاذ الإجراءات الهادفة إلى منع الفلسطينيين من العودة إلى أماكن إقامتهم التي شرّدوا منها نتيجة المجازر، وبفعل إرهاب القوة المسلحة. وهنا بدأت مرحلة تعيّن معها على «الدولة اليهودية» الحفاظ على الوضع الناشئ عن تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين فقامت بعدد من الإجراءات، التي من شأنها ملء الفراغ الذي خلّفه ترحيل الفلسطينيين، كما رفضت كل الاقتراحات والحلول المقدمة من أجل إعادة اللاجئين الفلسطينيين، أو حتى قسم منهم إلى ديارهم. فكانت مناظر المدن والقرى المهجورة بمثابة «المعجزة» بالنسبة ليوسف فايتس (رئيس الصندوق القومي اليهودي)، إلا أنه رأى «أن معجزة لا تخلق وضعاً مستقراً بشكل تلقائي فقرر: «يجب منعهم من أن يعودوا، وفي الوقت نفسه علينا ملء الفراغ الذي خلفوه». وقد تحقق له ذلك، فكان أول عمل قامت به الحكومة الإسرائيلية الناشئة برئاسة بن غوريون، الموافقة على خطة فايتس القائمة على منع عودة اللاجئين، والتي تضمنت:
1- تدمير أكبر عدد ممكن من القرى الفلسطينية بعمليات عسكرية.

2- منع الفلسطينيين من العمل في أراضيهم المهجورة، بما في ذلك الزراعة والحصاد.

3- الحؤول دون حدوث فراغ بجعل اليهود يستوطنون في عدد من المدن والقرى المهجورة.

4- إصدار قوانين تمنع عودة اللاجئين.

5- مساعدة الدول العربية على استيعاب اللاجئين.

وافق بن غوريون على الخطة باستثناء البند الأخير.
وهكذا تحقق الحلم الصهيوني بتفريغ فلسطين من أصحابها، وبات على زعماء «الدولة اليهودية» الحفاظ على هذا الوضع الناشئ، فعملوا على عدة خطوط متسايرة من أجل تحقيق ذلك. ففي المرحلة التي أعقبت قيام «الدولة» مباشرة كان أول قرار اتخذته منع عودة اللاجئين.

وقد ذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس في كتابه «طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين»: أنه في شهر حزيران (يونيو) من عام 1948، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية للبحث في مشكلة الضغوط الدولية ،التي كانت تتعرض لها بدءا بتوجيهات الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة في قضية فلسطين، وأخيرا من جانب الولايات المتحدة الأميركية، بشأن عودة جماعات اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم. وكان أن قررت الحكومة الإسرائيلية في نهاية الاجتماع المذكور الرفض حيث ألقى بن غوريون كلمة شديدة اللهجة أمام الحكومة شرح فيها الأفكار التي ستعتمد عليها قرارات الحكومة بشأن عودة اللاجئين، وقال: «أقول أنه يجب منع عودتهم. يجب علينا توطين اليهود في يافا، يجب أن تكون مدينة يهودية. الحرب هي الحرب. إن إعادة العرب إلى يافا ليس فيها عدل، إنما غباء سأظل أعارض عودتهم حتى بعد انتهاء الحرب». ورأى موريس أن ذلك القرار «من أهم القرارات التي اتخذتها حكومة دولة إسرائيل الفتية في عام 1948».

كذلك، واكب موضوع التعويض قرار منع العودة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإسرائيلي شرتوك في الاجتماع المذكور بالقول: «يجب أن تعرب إسرائيل عن استعدادها لدفع تعويضات عن الأراضي العربية المهجورة. لكن العرب لن يعودوا وهذه هي سياستنا: لن يعودوا». ومنذ انتهاء جلسة يوم 16 حزيران (يونيو) 1948، أصبحت أقوال بن غوريون وشرتوك في هذه الجلسة السياسة الرسمية لـ "دولة إسرائيل".

بعد ذلك امتنعت إسرائيل عن الرضوخ للضغوط الدولية ممثلة بـ«لجنة التوفيق،» والأميركية ممثلة بوزير خارجيتها «اتشيسون».

وتمهيدا لانعقاد مؤتمر لوزان، أجرى سياسيون وموظفون إسرائيليون في إسرائيل لقاءات لرسم السياسة التي يجب اتباعها في المؤتمر، اشترك فيها كل من بن غوريون، شاريت، يدين، إيتان، وأعضاء لجنة الترانسفير، وموظفون كبار آخرون بينهم ساسون، نائب إيتان في المؤتمر؛ ولم يتم بحث «مشكلة اللاجئين» بتوسع خلال اللقاءات، لأن عددا قليلا من المشاركين فيها توقعوا أن تطرح الوفود العربية هذه المسألة فورا على رأس جدول الأعمال.

على أية حال، رفض بن غوريون ويدين، رفضا قاطعا، أية إمكانية للتسوية، أو لحل وسط في مسألة عودة اللاجئين. وتنصلا مبكرا من مسؤولية إسرائيل عن خلق مشكلة اللاجئين، فقال يدين: «يجب علينا أن نقول علانية، وبكل صراحة أن مشكلة اللاجئين ليست من شأن إسرائيل. وبلهجة لا تخلو من التهديد، أضاف يدين: «إذا كنتم تريدون الحرب فليواصل العرب الضغط في مسألة اللاجئين».

وهكذا كانت إعادة اللاجئين مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل إبان قيامها. وكان الشغل الشاغل، حينها، استيعاب المهاجرين الجدد من اليهود، ولذلك فإن عودة اللاجئين ستحبط فرص استيعاب المهاجرين اليهود، كما يذكر بني موريس.
إلا أن "إسرائيل" استخدمت أسلوب المراوغة، وتذرعت بمختلف الأعذار والحجج مستندة إلى دعم القوى العظمى كي تتنصل من التزامها أمام الأمم المتحدة بتنفيذ قرارها رقم 194 القاضي بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، التي أجبروا على مغادرتها. بينما هي في الحقيقة تلعب على عامل الوقت من أجل خلق وقائع جديدة على الأرض تقضي على إمكانية عودة اللاجئين.

فلدى اجتماعه مع أعضاء لجنة التوفيق، في 7 شباط (فبراير) 1949، أعلن شاريت، أن عودة اللاجئين ليست واردة قبل إحلال السلام. لم يقل شاريت صراحة أن لا عودة لأحد، لكنه أوضح بشكل عام أنه يعتبر العودة حلا سيئا لمشكلة اللاجئين. فالبحث عن الحل يجب أن يتم، حسب رأيه، بتوطينهم في الدول العربية. وشدد على واقعة كون المعتدين مسؤولين عن خروج اللاجئين»؛ فضلا عن أن الحرب غيرت إسرائيل وجعلتها بلدا يهوديا مختلفا بالكامل عن البلد الذي عاش العرب فيه. وعليه، فإن العودة إلى الوضع السابق باتت مستحيلة كليا، وتطرح مشكلات سياسية واقتصادية، أو أمنية يستحيل التغلب عليها. وبالتالي، فإنه يجب دراسة إمكانية توطينهم في شرق الأردن وسوريا والعراق».

ولم تضف محادثات اللجنة التالية مع المسؤولين الإسرائيليين على هذا الموقف الأصلي سوى تنويعات خفيفة، ويمكن القول «أقنعة» مختلفة؛ فمسألة اللاجئين ستحل في إطار السلام النهائي، ويجب عدم الاتكال على أية مساهمة إسرائيلية في حدوث هذه التسوية، كما يجب البحث عن حل لمشكلة اللاجئين بتوطينهم خارج إسرائيل.

وتبدو من هذا الطرح مفارقة واضحة؛ كذلك فالتأكيد الثاني، يلغي التأكيد الأول، أو يجعله مجرد إعلان شكلي. ولا يختلف الكلام، الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي، في لقاءاته المختلفة مع أعضاء اللجنة، من حيث الجوهر عن كلام وزير خارجيته، مع الإلحاح من جانبه على مسألة الأمن. حيث أعلن أن أول ضمان لهذا الأمن يكون بزيادة وتيرة الهجرة اليهودية. أما السلام والأمن والتعاون في الشرق الأدنى، فقضايا تحتل المرتبة الثانية في سلم الأولويات ما يدحض ادعاء "إسرائيل" بالحاجة الملحة إلى «تسوية سلمية للنزاع».

وهكذا ذهبت جهود لجنة التوفيق مع المسؤولين الإسرائيليين أدراج الرياح بشأن أي حل لقضية اللاجئين. وقد حمل مارك أثريدج (مندوب الولايات المتحدة إلى لجنة التوفيق)، اليهود مسؤولية ضياع فرصة التسوية، حيث وصل إلى نتيجة مفادها: «لو أبدى اليهود بادرة، مجرد بادرة، توافق حيال مشكلة اللاجئين، لكان في وسع اللجنة أن تنجز مهمتها في العمل في وجهة السلام».

وبشأن ما يقال أن "إسرائيل" كانت قد وافقت على عودة عدد محدد من اللاجئين الفلسطينيين، فيبينه بني موريس بأنه «بينما كانت محادثات لوزان جارية، أعرب بعض الدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة عن استعداد إسرائيل لاستيعاب عدد من اللاجئين، وإبداء بعض المرونة». وبالنظر إلى اطلاع بني موريس على وثائق تلك المرحلة، وبالتالي إلمامه، جيدا، بحقيقة الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، في تلك المرحلة فإنه يعبر عن اعتقاده بأنه: «ربما كانت تلك تلميحات مخطط لها سلفا في إسرائيل، أو ربما كان هذا وهم يتمناه الأميركيون».

ومردّ ذلك، حسب بني موريس قول أبا إيبان، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة أمام اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة في" "Lake Succe، إن إسرائيل لا ترفض «مبدأ عودة اللاجئين الفلسطينيين». وسرعان ما التقط السياسيون الأميركيون، الذين كانوا يتلهفون لسماع ولو تلميحاً واحداً يشير إلى مرونة إسرائيل تجاه هذا الموضوع الحاسم جدا، تصريحات إيبان هذه ونقلوها إلى كل من اجتمعوا به. ما اعتبره الدبلوماسيين الإسرائيليون أمرا يولد «انطباعا» لدى الأميركيين بشأن مرونة في الموقف الإسرائيلي، وهو أمر مفيد لإسرائيل.
إلاّ أن هذا التضليل سرعان ما افتضح، وأدرك واضعو السياسة الأميركيون بأن إسرائيل لم تتراجع أبدا عن معارضتها لعودة اللاجئين. ما دفع أحد مستشاري بن غوريون، تيدي كوليك الذي كان آنذاك في لندن يسعى مع رجال بريطانيين، من بينهم السير ماركوس زيف، لتمويل مشاريع تطوير في الشرق الأوسط، توفر مصادر عمل للاجئين الفلسطينيين على أن يكتب إلى بن غوريون «يبدو أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ستصبح بطريقة أو بأخرى، المشكلة الرئيسة في علاقاتنا الخارجية». وتوسل كوليك إلى الزعماء الإسرائيليين لاتخاذ موقف إيجابي، «بإعلان إسرائيل عن استعدادها لإعادة عدد محدود من اللاجئين».

وكمحصلة لهذه الوقائع، نشأ وضع الجمود الناجم عن رفض العرب مناقشة أي حل شامل، قبل أن تعلن إسرائيل قبول عودة اللاجئين، ورفض الإسرائيليين التفكير في حلول لمشكلة اللاجئين قبل أن يقبل العرب اتفاق سلام، ما دفع الدبلوماسي الفرنسي كلود دي بوازانجيه إلى التقدم بمبادرة تضمنت اقتراحا تجميعيا لكل من الطرفين الإسرائيلي والعربي، يقوم على دمج قرارين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهما القرار 181 (تشرين الثاني/ نوفمبر 1947)، الذي يقضي بقيام دولتين على أرض فلسطين، والقرار 194 (11 كانون الأول/ ديسمبر 1948)، الذي يعترف بحق اللاجئين في العودة، والاعتراف المتبادل بين العرب وإسرائيل، وتدويل القدس. عرفت هذه المبادرة بـ«بروتوكول بوازانجيه»، أو بروتوكول الثاني عشر من أيار (مايو)، حيث تم توقيعه من قبل كل من العرب وإسرائيل في 12 أيار (مايو) 1949.
ورغم ذلك، إلا أن إسرائيل بدأت منذ حزيران (يونيو) 1949، «في اتخاذ الإجراءات التي تجعل العودة أمرا مستحيلا، باتخاذ تدابير لا تحتمل التراجع بالنسبة لأراضيهم وممتلكاتهم».

في هذا الوضع الإشكالي المعقد، بالنسبة لـ"إسرائيل"، الذي خلقته مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كانت المشكلة تكمن في العثور على تنازل أو «مبادرة»، يؤدي تطبيقه إلى أقل ما يمكن من الضرر لـ"إسرائيل"، وبنفس الوقت يخلصها من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة، ولجنة التوفيق عليها، أو إضعافه على الأقل، ونقل الكرة إلى الملعب العربي. وهكذا جاء اقتراح الـ100.000 لاجئ. وقبل ذلك كان مشروع غزة، الذي يمكن اعتباره «سرابا»، قياسا بالواقع الذي كان سائدا منتصف عام 1949 ورغم ذلك حظي هذا المشروع باهتمام بالغ لدى الدبلوماسيين والسياسيين في واشنطن، وفي تل أبيب ولندن، وأوحى بأن ثمة حلاً لهذه المشكلة المزعجة.

ويتلخص المشروع، بأن يتم نقل السيادة على قطاع غزة، الذي يرابط فيه الجيش المصري منذ شهر أيار (مايو) 1948 إلى السيادة الإسرائيلية مع كل ما فيه من سكان محليين ولاجئين. أيد بن غوريون هذا المشروع، ويعتقد بني موريس أن تطبيق هذا المشروع، كان سيمنح إسرائيل ثروة استراتيجية، وبنفس الوقت، يمكنها من الادعاء بأنها ساهمت بنصيبها في عودة اللاجئين.

توقف هذا المشروع بسبب رفض مصر له، ثم ما لبث الإسرائيليون أن رفضوه بدعوى أنهم اكتشفوا أن عدد السكان الحقيقي فيه هو 211.000 لاجئ و65.000 مواطن أصلي، ما يجعل استيعاب هذا العدد الكبير من الفلسطينيين، أمرا يفوق طاقة "إسرائيل".

ونتيجة لذلك، لم تثمر الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ولجنة التوفيق، سوى عن مشروع «جمع شمل العائلات»، حيث أعلن شاريت عن هذا المشروع يوم 15 حزيران (يونيو) 1949، أمام الكنيست الإسرائيلية قائلا: «إن إسرائيل ستنظر بإيجاب لطلبات العرب الذين يعيشون في إسرائيل بشأن تمكينهم من استعادة نسائهم وأولادهم الصغار» أي الأولاد الذكور ما دون سن 15 سنة، والبنات غير المتزوجات.

أسهب الزعماء الإسرائيليون في إطراء هذا المشروع، والترويج له؛ فصوروه على أنه يساهم، وعلى نطاق واسع، في تخفيف معاناة عدد كبير من العائلات الفلسطينية. إلا أن الحقيقة، والتي اعترف بها بني موريس، أن هذا المشروع، «لم يخفف سوى عن حفنة صغيرة من العائلات الفلسطينية إذ أنه حتى 20 أيلول (سبتمبر) 1951، عاد إلى إسرائيل 1965 لاجئا فقط في إطار هذا المشروع».
نتيجة خيبة أمل الحكومة الأميركية من عدم تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع قرار الأمم المتحدة، بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين الصادر في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948، وبالتالي، ازدياد الضغوط الأميركية عليها نتيجة تفاقم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، طلب شاريت من بن غوريون الموافقة على إصدار تصريح علني يعرب عن استعداد "إسرائيل" لاستيعاب 25.000 لاجئ فلسطيني في إطار مشروع «جمع شمل العائلات». وفي الخامس من تموز (يوليو) 1950، اقترح شاريت على الحكومة الإسرائيلية الإعلان عن استعدادها لاستيعاب 100.000 لاجئ فلسطيني مقابل السلام. وفصّل شاريت هذا الرقم، في محاولة منه لامتصاص نقمة المعارضين، بحيث يشمل الـ25.000 من اللاجئين الذين «عادوا حتى الآن إلى البلاد بصورة غير مشروعة»، وحوالي 10.000 لاجئ سيعودون في إطار مشروع جمع العائلات. ووافق معظم الوزراء على اقتراح شاريت، باستثناء بن غوريون الذي عارضه مدعيا أن هذا الرقم لا يمكن أن يرضي واشنطن، أو يلبي مطالب العرب، بالإضافة إلى اعتباره هذا العدد كبيرا من الوجهة الأمنية. وفي السياق، يتضح أن حتى هذا العرض، كان بمثابة مناورة سياسية، قام بها الزعماء الإسرائيليين، بهدف «جس نبض» الأميركيين. وهو ما تبينه العديد من المراجع، التي تناولت هذا الموضوع، ومنها كتاب بني موريس «طرد اللاجئين، وولادة مشكلة اللاجئين». حيث يورد أن شاريت، وبعد رفض بن غورين لعرضه، طلب إلى حكومته، أن تخوله الصلاحية للبحث لدى الأميركيين (جس نبضهم) لمعرفة ما إذا كان اقتراح إسرائيلي باستيعاب 100.000 لاجئ فلسطيني، يمكن أن يؤدي إلى توقف الضغط الأميركي على إسرائيل؛ الأمر الذي حدث ، بالفعل، ما أسفر في حينه عن قيام أحد مساعدي الرئيس الأميركي ترومان (جون هيلدرنغ) إبلاغ الإسرائيليين بأن ترومان راض جدا عن الاقتراح، ويعتقد بأن اقتراح الـ100.000 قد يساهم في كسر الجمود. بعدها، أبلغ الإسرائيليون الولايات المتحدة، رسميا، باستعدادها لاستيعاب 100.000 لاجئ فلسطيني. إلاّ أنها أخذت بوضع العراقيل، فاشترطت الموافقة على مشروع شامل لتوطين اللاجئين من جديد، وحصولها على مؤشرات «حقيقية» من شأنها أن تؤدي إلى سلام. كذلك، عارضت جميع الحركات والأحزاب الإسرائيلية هذا العرض الإسرائيلي. وكعادتها، اتخذت إسرائيل من الضغوط الداخلية ذريعة للتنصل من التزاماتها ومسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، التي خلقتها، فطلبت من دبلوماسييها في الخارج التركيز على الضغوط الداخلية التي تتعرض لها بسبب هذا العرض، وبالتالي، فإن استيعاب 100.000 هو أقصى ما تستطيع إسرائيل عرضه. بالمقابل عملت إسرائيل على تسوية ما لمشكلة اللاجئين، ولكن في أماكن تواجدهم. فقد ذكر السير يو داو القنصل العام البريطاني في القدس أن إسرائيل ستدفع مقابل الأراضي العربية، التي تركها اللاجئون، ومقابل الممتلكات العربية التي بقيت في فلسطين. وبهذه الأموال تدفع تعويضات شخصية للاجئين، ولتوطين اللاجئين الفقراء من جديد».

وعن السياسات الإسرائيلية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، يذكر موريس، أن المسؤولين الإسرائيليين، كانوا يميلون إلى الاعتقاد بأن سوريا والعراق هما الهدف الرئيس لتوطين اللاجئين من جديد وإلى الأبد. فقد تضمن «تقرير لجنة الترانسفير» برئاسة يوسف فايتس، (التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية لتسهيل إيجاد مشكلة دائمة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل)، الذي قدم إلى الحكومة الإسرائيلية في نهاية شهر تشرين الثاني(نوفمبر) 1948، تفاصيل كاملة عن قدرة سوريا والعراق على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين.

وقد هدفت إسرائيل من وراء هذا العرض إلى إبعاد اللاجئين الفلسطينيين، بأكبر مدى مكاني ممكن عن وطنهم، تحسبا من سعيهم إلى استرداد حقوقهم المسلوبة، فقد تحدثت الاقتراحات الإسرائيلية، لاحقاً عن مشاريع زراعية في منطقة «الجزيرة السورية»، الواقعة إلى الشمالي الشرقي من سوريا على التخوم العراقية.
وبذلك، فإنه لا يمكن الحديث عن مشاريع إسرائيلية واضحة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قبل سنة 1967 وكل ما يمكن العثور عليه من وثائق تلك المرحلة، فيما يخص عروض واضحة ينحصر بـ:
• مقترحات تقدم بها وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شاريت، في 21/11/1955 أثناء زيارته للولايات المتحدة، لتحقيق «تسوية سلمية للنزاع». ومما تضمنته مقترحاته كما نشرت في واشنطن في 19/12/1955 استعداد إسرائيل لجمع الأموال اللازمة للتعويض على اللاجئين، وقبولها القرض الذي عرضته الولايات المتحدة للمساهمة في إعادة إسكانهم وتوطينهم. إلاّ أن إسرائيل مصرة على ضرورة توطين اللاجئين في الدول العربية.

• مشروع تقدم به رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، في الكنيست في 17/5/1965، لتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، تحدث عن «توجيه جزء من الموارد الضخمة للمنطقة باتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية، أي الدول العربية، وعن أن إسرائيل على استعداد للمساهمة المالية مع الدول الكبرى في عملية توطينهم، باعتبارها الحل الوحيد، الذي يناسب مصالحهم الأساسية والحقيقية، ويناسب المصالح الإسرائيلية أيضا».

وبعد حرب 1967 احتلت "إسرائيل" كامل فلسطين، بالإضافة إلى الجولان وسيناء. ولما كانت الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها "إسرائيل" تحوي عددا كبيرا من اللاجئين، فقد ترتب عليها مواجهة هذه المشكلة مباشرة.

- الإجراءات الإسرائيلية في مواجهة قضية اللاجئين بعد 1967:
عندما سأل الرئيس الأميركي جون كينيدي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون أثناء لقائهما في نيويورك يوم 30/5/1961 عن تصوره لحل مشكلة اللاجئين، أجاب بن غوريون: «ليست هناك مشكلة لاجئين، وإنما هي قضية يستغلها العرب».

خسر الإسرائيليون الرهان على عامل الوقت في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ كذلك فشلت كل الإجراءات والمحاولات، التي بذلت من قبل أطراف دولية أو إقليمية لتوطينهم، لسبب بسيط يتجلى بحقيقة كون الفلسطينيين شعب أصيل متجذر في أرضه، وبالتالي فإن الحركة الصهيونية، ربما، يمكنها خداع العالم كله لوقت ما بمزاعمها في أسطورة «الوعد الإلهي» لليهود في فلسطين، إلا إن هذا الخداع لا يمكن أن ينطلي على الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين.

حاولت "إسرائيل" التهرب من مواجهة هذه الحقيقة لبعض الوقت، إلاّ أنها لم تتمكن من الاستمرار في هذا النهج طويلا. وكان أحد الإسرائيليين، عبّر عن موقف حكومته إزاء «المشكلة الفلسطينية» قبل عدوان 1967، بالقول: «إن القضية الفلسطينية من وجهة نظر السياسة التطبيقية لم تكن قضية مركزية، ولم يكن الشعب الفلسطيني عنصرا ضمن العوامل السياسية الكبرى الداخلة في النزاع». لأن أول محددات الموقف الإسرائيلي من فلسطين، شعبا وأرضا، طبيعة إسرائيل الإجلائية الاستيطانية، وبالتالي، فقد اتبعت "إسرائيل" تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه سياسة قوامها: «أن هذا الشعب غير ثابت، ووجوده على الأرض وجود آني وغير دائم، وبالتالي فإن مكانته في الصراع تبقى ثانوية تتناقص كلما زادت السيطرة على العنصر الثابت وهو الأرض».

لكن رغم ما بدا أنه انتصار كبير، تمثل باستكمال السيطرة الإسرائيلية على بقية فلسطين، إضافة إلى احتلال الجولان وسيناء، نتيجة حرب 1967، كان بالنسبة لبعض الإسرائيليين، بمثابة نكسة، وذلك بسبب كم السكان المتواجدين في الضفة والقطاع. فالإسرائيليون يريدون الأرض خالية دون سكان، خاصة أن هذا الجزء من فلسطين، يحوي القسم الأكبر من لاجئي سنة 1948، باعتبارهم تجسيدا لـ«خطيئة» قيام "إسرائيل"، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى القيام بممارسات قمعية هدفت إلى دفع الفلسطينيين للهجرة، كما أبعدت العديد منهم.

إزاء هذا الواقع الجديد، وجدت "إسرائيل نفسها في مواجهة الحقيقة التي جهدت في طمسها وهي وجود الشعب الفلسطيني وارتباطه بأرضه، وإصرار الغالبية منه وهم لاجئو سنة 1948، على التمسك بحقهم في وطنهم ورفضهم لأي حلّ لا يعيدهم إلى ديارهم التي طردوا منها.

وبناء على ذلك عملت "إسرائيل" منذ سنة 1967 على مستويين للتخلص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: تناول الأول لاجئي الضفة والقطاع، وتعامل الثاني مع اللاجئين خارج فلسطين.

1-الإجراءات الإسرائيلية تجاه لاجئي الضفة والقطاع:
مارست السلطات الإسرائيلية منذ حرب 1967، سياسة أمنية واقتصادية وثقافية ضد الفلسطينيين، «أدت إلى اطراد عملية التفريغ، وتناقص عدد الفلسطينيين في الضفة والقطاع. وقد تراوح العدد الإجمالي للفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل، فعلا، ما بين ثلثي مليون إلى مليون فلسطيني، منذ عام 1967 إلى نهاية 1987». هذا من جهة، ومن جهة أخرى، واصلت الحكومات الإسرائيلية خلال هذه الفترة محاصرة المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع، وأخذت بوضع المشاريع الرامية إلى تصفية هذه المخيمات، بوصفها شاهدا على الجريمة الإسرائيلية سنة 1948. وقد أولت "إسرائيل" اللاجئين في الضفة والقطاع اهتماماً خاصاً في إطار مساعيها الرامية إلى إنهاء قضيتهم، معتبرة أن اللاجئين في خارج مناطق سيطرتها مسؤولية الدول التي يقيمون فيها.

ولدى الاطلاع على المراجع التي تحدثت عن المشاريع والمخططات الإسرائيلية التي استهدفت اللاجئين في الضفة والقطاع، يتضح أن السلطات الإسرائيلية، باشرت الاهتمام بقضية اللاجئين الذين باتوا تحت سيطرتها إبان انتهاء حرب 1967 مباشرة. وكان أول من بادر إلى طرح هذه المسألة على الصعيد الرسمي، نائب رئيس الوزراء ووزير الهجرة والاستيعاب، في حكومة التكتل الوطني، يغئال ألون. ففي اليوم الأول لانتهاء الحرب، «توجه ألون إلى رئيس الحكومة ليفي أشكول، مطالبا إياه، بأن يشرع فورا في درس وسائل حل وتصفية قضية اللاجئين في الضفة الغربية، وقطاع غزة». واستجاب أشكول لطلب ألون، فكلف رعنان فايتس (رئيس دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية 1963- 1984) بهذه المهمة؛ إلاّ أن ألون كان أول من قدّم تصورا متكاملا للتسوية مع الأردن، يتضمن رؤيته لحلّ فضية اللاجئين، التي كانت المحور الأساس في مشروعه. وبلغ اهتمامه بقضية اللاجئين، أنه بعد انقضاء شهر واحد فقط على الحرب (تموز 1967) أصدر كتابه «مشروع ألون»، حمله أفكاره لحل قضية اللاجئين، باعتبارها مدخلا للتسوية السلمية مع الدول العربية، والأردن، بصورة خاصة.

كذلك، شغلت قضية اللاجئين حيزا هاما من اهتمام أعضاء الحكومة، وأعضاء الكنيست الإسرائيليين، سواء في نقاشات الكنيست، أو على صفحات الصحف. وقد عكست هذه المناقشات والكتابات آراء ومواقف أحزابهم وكتلهم في الكنيست، وبالتالي عبّرت عن السياسة الإسرائيلية تجاه هذه القضية الهامة، كما بيّنت المصلحة الإسرائيلية في إقصائها وإنهائها. فأثناء المناقشات الأولى في الكنيست عام 1968، كان المتناقشون ينطلقون من الموقف الإسرائيلي السابق القائم على اعتبار أن لا حلّ لمشكلة اللاجئين، كليا، إلاّ في أماكن إقامتهم. وبينت مناقشات الكنيست السياسة الإسرائيلية تجاه قضية اللاجئين، كما كشفت النوايا الإسرائيلية في الاستيلاء على أراضي الضفة والقطاع.

ومما رشح عن هذه المناقشات: طرح النائب شلومو روزن (مبام)، توطين اللاجئين في سيناء، كما أشار إلى أن «هناك البعض ممن يوصون بسياسة اقتصادية معينة، تؤدي في النهاية إلى تشجيع هجرة اللاجئين إلى البلاد العربية». واقترح النائب جدعون هاوزنر (الأحرار المستقلون) إقامة أحياء إنتاجية بالقرب من المدن في الضفة الغربية، وتفريغ مخيمات اللاجئين. فيما ألقى النائب موشي أونا (المفدال) بالمسؤولية على الدول العربية، وكرر مقولة التماثل بين هجرة اليهود من البلدان العربية، وتهجير الفلسطينيين من فلسطين، ودعا البلدان المضيفة للاجئين لتوطينهم فيها، اقتداء بإسرائيل في توطينها للمهاجرين اليهود. أما النائب شموئيل تمير (المركز الحر)، فيعود ليذكّر بأقواله واقتراحاته الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، حيث بارك إجراءات الحكم العسكري في المناطق المحتلة سنة 1967 ا من عمليات طرد، وهدم للبيوت، وعدم السماح بعودة الذين غادروا أثناء الحرب. لكنه اعتبر أن ذلك ليس كافيا، بل قال: «إن مبادرة إسرائيلية لحلّ مشكلة اللاجئين العرب الموجودين في المناطق الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية، سواء عن طريق دفع تعويضات سخية، لمن يختار بإرادته مغادرة البلاد، أو عن طريق تأهيل من يريد البقاء. إن مبادرة كهذه، إلى جانب مبادرة موازية لها وعاجلة جدا للاستيطان اليهودي الشامل في المناطق المحتلة، من شأنها أن تفرض السيادة الإسرائيلية كاملة على هذه المناطق» وفي هذا ما يوضح تكرار سيناريو حرب 1948 فيما يتعلق بالأرض والسكان في فلسطين. واعترف النائب موشي ارام من حزب العمل بأن مرور الوقت لم يحل مشكلة اللاجئين، فقال: «والآن، وبعد حرب الأيام الستة، بقيت مشكلة اللاجئين قائمة، تواجه وتتحدى شكل وصورة إسرائيل. وإن كل مبلغ يستثمر في تأهيل وتوطين اللاجئين، وفي إقامة مشاريع تنمية في المناطق ( المحتلة سنة 1967)، سيكون له مردود مضاعف من الناحية الأمنية». فيما اعتقد النائب أوري أفنيري (كتلة هاعولام هازيه) أن مشكلة اللاجئين ملحّة وجدية، وهي المفتاح لمشكلة «أرض إسرائيل»، وبالتالي مشكلة السلام في المنطقة كلها؛ وأن حلّها يتمّ من خلال إقامة دولة فلسطينية فقال: «إن حلا حقيقيا لمشكلة اللاجئين، يكون ممكنا فقط، إذا جاء وفقا لرغبة ورأي الشعبين، الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني من خلال جهود مشتركة. هذه الجهود يجب أن تكون جزءا من اتفاق شامل بين الشعبين ينهي حالة الحرب في البلاد عن طريق وضع ميثاق بين الدولتين دولة إسرائيل والجمهورية الفلسطينية التي ستقام». ما يفهم منه رغبة في مقايضة حق العودة بالدولة. وحمل النائب توفيق طوبي (راكاح) على الحكومة الإسرائيلية وسياستها تجاه مشكلة اللاجئين، مشيرا إلى لا جدوى هذه الاقتراحات قائلا: «كان بودّي فهم المشاعر الإنسانية لأصحاب الاقتراحات من النوّاب؛ لكن عندما لا يستند هؤلاء في اقتراحاتهم إلى أساس الاعتراف بالحقوق الأساسية والمشروعة للاجئين- حقهم في حرية الاختيار بين الحصول على تعويضات أو العودة إلى السكن في وطنهم- فإنهم يحصلون على أجوبة ساخرة وملتوية، على غرار إجابة رئيس الحكومة. إن ردّ الحكومة على هذه الاقتراحات، مبني في الأساس على عدم احترام حقوق اللاجئين، بل تجاهل هذه الحقوق وإنكارها. ففي أعقاب حرب الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967 اقتلع حوالي نصف مليون لاجئ للمرة الثانية، معظمهم من لاجئي عام 1948-1949 وهم الآن يعيشون في ظروف لا إنسانية».

يمكن الاستنتاج من هذه المناقشات، أنها لم تكن جدية، بل سعت إلى استعراض إعلامي أمام الرأي العام العالمي بدعوى الديمقراطية، في حين تم إدخال وحدات من حرس الحدود، ووحدات من سلاح المظلات إلى الضفة والقطاع لقمع السكان، وبالتالي دفعهم للهجرة.

بعد ذلك بدأت المشاريع الإسرائيلية التي سعت إلى حلّ مشكلة بالظهور؛ وبالعودة إلى المراجع التي وثقت لهذه المشاريع، يمكن رصد ما يلي:

• مشروع الون:
طرح الون مشروعا متكاملا للتسوية مع الأردن عام 1968، تضمن تصوراً لمشكلة اللاجئين، وطريقة حلّها، عرضها في كتابه على النحو التالي: «توطين اللاجئين من قطاع غزة إلى جانب اللاجئين من الضفة الغربية في الضفة الغربية نفسها... تكثيف الزراعة والتنمية الصناعية الملائمة، والخدمات اللازمة ستتيح ذلك. كذلك توطين جزء من اللاجئين في شبه جزيرة سيناء. والأفضل أن نقوم ، فورا، ببناء قرية نموذجية على حسابنا الخاص، كي تكون مثلا وبرهانا للعالم. لكن علينا أن نقوم بهذا العمل دون أن يفسر على أننا ننفرد في تحمل مسؤولية حل مشكلة اللاجئين. بعد تفريغ قطاع غزة من اللاجئين، يجب ضمه إلى إسرائيل، وليس إلى منطقة الاستقلال الذاتي- إذا وجدت بعد ذلك منطقة كهذه- ولا موجب لإعادته إلى الحكم المصري. بل يجب ضمه إلى إسرائيل دون لاجئين».

• مشروع دايان:
طرح موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي، عام 1968، مشروعا غير متكامل لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين. وقد غلب عليه الجانب الأمني، بمعنى الشروع في اتخاذ إجراءات أمنية بهدف تحقيق ثلاث نتائج:
«أ- تصفية المخيمات بذريعة تخفيف الكثافة السكانية فيها- خاصة مخيمات قطاع غزة- بشكل تدريجي. وقد تجسد هذا الأمر، من الناحية العملية، في عدد من القوانين، كان ديان أصدرها بصفته وزيرا للدفاع، منها العقاب الجماعي، الإبعاد ونسف البيوت، وشق الطرقات «الأمنية» في المخيمات، إضافة إلى بث الذعر والهلع وعدم الاستقرار بهدف دفع اللاجئين للهجرة إلى الضفة الغربية، وربما، وهو الأفضل،إلى خارج حدود فلسطين.

ب- توزيع اللاجئين في قرى جديدة، عن طريق الإغراء بالمساكن الأفضل، والخدمات العامة، وأماكن التشغيل، وبالتالي تحقيق الهدف نفسه.

ج- تجريد اللاجئين من صفة لاجئ- بعد نزوحهم من المخيمات- وإسكانهم وتشغيلهم. وهذا الأمر يسقط مشكلة اللاجئين في تصور الرأي العام العالمي، ويعفي إسرائيل من البحث عن حلول للمشكلة، كما يسقط بند الفلسطينيين في أية مفاوضات سلام، أو تسويات جزئية أو شاملة».

إن مشروع دايان، وإن كان مختلفاً، من حيث الشكل، عن المشروعات الأخرى التي طرحت في هذا المجال، يحقق أهداف المشاريع الأخرى ذاتها، إنما يمتاز عنها بعدم إثارته لردود فعل عنيفة. فالمشروع لا ينص على توطين اللاجئين، بل على إيجاد الحلول للعائلات التي تهدمت منازلها بسبب العقاب الجماعي، أو شق الطرقات «الأمنية»، وتخفيف كثافة السكان. إضافة إلى هذا، فإن دايان أشار إلى أن أماكن السكن المعدة ربما تكون في العريش، وربما في الضفة الغربية، وربما خارج "إسرائيل" كلياً.

عموماً يستخلص من المشروع النقاط الثلاث التالية:
1- اتخاد تدابير ردع و عقاب جماعي ضد السكان العرب الذين يتعاونون مع الفدائيين في المخيمات.
2- تخفيف كثافة سكان المخيمات الكبيرة، خاصة مخيم جباليا، الشاطئ، ومخيم رفح في قطاع غزة.
3- إقامة أحياء سكنية جديدة، تخترقها شوارع عريضة ذات مواصفات أمنية معينة. أما بالنسبة لهذه الأحياء فليس ضرورياً أن تكون في المخيمات نفسها، بل يمكن أن تكون في الضفة الغربية، أو في العريش، ولكن لن تكون داخل الحدود الإسرائيلية لما قبل الرابع من حزيران 1967.

وقد قدمت الصحف الإسرائيلية غطاء كاملاً لمشروع دايان، الذي اتخذ طابع الإجراءات التي تنفذها سلطات الحكم العسكري:
«إن الازدحام في مخيمات اللاجئين يجعل مهمة قوات الأمن الإسرائيلية صعبة للغاية، حيث إن أكثر من عشر سكان مخيمات قطاع غزة (350 ألف نسمة) يتجمعون في مخيم جباليا المزدحم بـ «المخربين»، والسكان لا يساعدون في أعمال الكشف عنهم، ولو أن "إسرائيل" أخرجت من مخيمات اللاجئين في القطاع 150 ألف لاجئ كمرحلة أولى ووزعتهم في مدن الضفة الغربية، فستنخفض، دون شك، عمليات «القتل والإرهاب» في القطاع. خاصة أن في مدن الضفة الغربية أماكن كافية للسكن والعمل أيضاً».

• مشروع روحبوت:
تكونت إبان حرب 1967، لجنة باروخ بكونيئالي والبروفيسور دي شليف لحل مشاكل اللاجئين، ودعيت باسم جماعة «روحوبوت». وقدمت هذه الجماعة مشروعا حمل عنوان «اللاجئون الفلسطينيون والتطوير للمناطق المحتلة». وتضمن المشروع ستة بنود هي:
1- يشمل المشروع سكان المناطق المحتلة كافة، وهدفه الحقيقي إيجاد حلّ عملي لقضية اللاجئين الخاصة.
2- تقع على إسرائيل المسؤولية المباشرة لرفع مستوى حياة السكان في المناطق (المحتلة)، وهي مهتمة بتطوير المناطق نفسها، وإلى أن تتهيأ حلول في تلك المناطق، فإن تشغيل «العمال العرب» داخل إسرائيل مقبول.كما يجب إشراك عناصر خارجية في عملية التطوير.
3- يهدف المشروع إلى الإسراع في رفع مستوى سكان المناطق المحتلة، وزيادة الإنتاج، ليتاح التصدير منه إلى الخارج، ويستهدف جلب رؤوس أموال خارجية، كما يستهدف تقديم حوافز ومغريات للعمال من لاجئي قطاع غزة لجذبهم إلى الضفة الغربية.
4- تكون مصادر التمويل لهذه المشاريع حسب قائمة الأفضليات التالية: من «العرب المحليين سكان المناطق المحتلة، ومن عناصر عربية دولية، وإسرائيلية».
5- تتحدد مجالات العمل المطلوبة بـ: الصناعة، الورش، الزراعة، السياحة، التسويق، التجارة، البناء، الإسكان والخدمات العامة.
6- تتم المساعدة على إقامة مكاتب عمل عليا لتطوير المناطق (المحتلة)، بحيث يكون لهذه المكاتب قوة تنفيذية. ومن تلك الوسائل إقامة شركات اقتصادية في المناطق (المحتلة)، ومؤسسات للتمويل، وشركات للإسكان.
ولما افترض هذا المشروع أن سرعة الإخلاء تتراوح بين أربعة، وخمسة آلاف عائلة سنويا، فإنها ستؤدي إلى حل مشكلة اللاجئين في غضون ثماني سنوات.

• مشروع فايتس:
قدم الدكتور رعنان فايتس، وهو مهندس زراعي، وعضو مجلس أمناء معهد التخنيون في حيفا، ورئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية منذ عام 1963، عددا من المشاريع، وفي مراحل مختلفة، تناولت جميعها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل مباشر وغير مباشر، وقد جمعت كلها، لاحقا، تحت عنوان «مشروع فايتس». .يقوم هذا المشروع، في الأساس على تقديم مقترحات لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ويطرح فايتس في مشروعه هذا الذي نشر في بداية السبعينات، فكرة الاستفادة من مياه نهر الليطاني لإقامة مشروعات في الضفة والقطاع، بهدف تشغيل اللاجئين واستيعابهم.
وملخص المشروع: أن يتم نقل «فائض» مياه الليطاني عن طريق الأنابيب، ودمجها في مشروع المياه الإسرائيلي القطري من أجل تطوير الأقاليم العربية المحتلة، وإنشاء مشروعات زراعية وصناعية فيها، وكذلك إنشاء منطقة تجارية حرّة في غزة؛ وبذلك يمكن استيعاب مليون لاجئ بما فيهم (400) ألف من خارج المناطق المحتلة.

أما الخطوط العريضة للمشروع، فقد نشرت عام 1969، وتحدثت عن توطين 50 ألف لاجئ في منطقة العريش والضفة الغربية,وركز على تخفيف الكثافة السكانية داخل المخيمات وتوطينهم على أساس10% في الزراعة، والباقي في الحرف الصناعية والخدمات العامة، في أماكن ثابتة تقام لهذا الغرض. ومن ثم دفع تعويضات للاجئين الذين سيكونون في حاجة إلى المال لشراء المساكن الجديدة وترتيب حياتهم الجديدة. كذلك من الممكن، أيضا، إيجاد مناطق في الضفة الغربية، يتم توطين اللاجئين فيها، على أساس تجمعات صغيرة، وربما متوسطة، على أن لا تأخذ طابع المخيمات.

• مشروع دوف زاكين:
قدم دوف زاكين، وهو عضو سابق في الكنيست عن حزب المبام، مشروعه لحل مشكلة اللاجئين في أوائل السبعينات، واشتمل على النقاط التالية:
1- إفراغ المخيمات تدريجيا عن طريق منح حوافز اقتصادية أهمها تقديم مساكن بسعر رمزي في مناطق قريبة من أماكن التشغيل الجديدة التي سيتم إنشاءها، وتحسين الخدمات العامة في «المدن العربية» في الضفة والقطاع، بهدف خلق حوافز للاجئين، تدفعهم لمغادرة المخيمات؛ كما يجب أن تكون منتشرة في المدن تجنبا لإمكانية أن تحمل طابع تجمعات اللاجئين، إلى جانب الحرص على الحيلولة دون إعادة الإسكان في المخيمات المخلاة.
2- الانتباه إلى أن إسهام الزراعة في زيادة العمال سيكون ضئيلا.
3- التحديث عن طريق التصنيع نظرا لمحدودية قطاع الصناعة في المناطق المحتلة وقربها من السوق ووجود أيدي عاملة رخيصة، نسبيا، ما يسهم في تسهيل إقامة صناعات جديدة، إضافة إلى تطوير الصناعات الموجودة.
ولاحظ زاكين، استنادا إلى أبحاث ميدانية، أن مخيمات اللاجئين في أوضاعها الراهنة، آنذاك، تشكل عاملا مساعدا على الاحتفاظ بالمشكلة، وفي هذه الحال ينبغي أن يكون إخلاء المخيمات هدفا للسياسة الإسرائيلية، وإن لم يتم لها ذلك، عن طريق وضع الحوافز لتشجيع اللاجئين على مغادرتها طوعا. وإلاّ يجب القيام بعمل مباشر يؤدي إلى تجميد الميزة الاقتصادية للسكن في المخيم. مع التنبيه إلى الحذر من خلق انطباع بأن من شأن هذه السياسة القضاء على وضع اللاجئ. تميز هذا المشروع عن غيره بالإلمام ببعض التفاصيل المتعلقة بحياة اللاجئين، وبالتالي المحاذير التي يجب تجنبها لإتمام عملية تفريغ المخيمات من سكانها.
ما يمكن استخلاصه من هذه المشاريع، تجاهلها التام للاجئين الفلسطينيين خارج مناطق نفوذ "إسرائيل"، مع ملاحظة إيلاء الأردن أهمية خاصة عند التطرق إلى موضوع التسوية. وإجماعها على ضرورة القضاء على صفة المخيم، والرغبة في تهجير المزيد من الفلسطينيين إلى خارج فلسطين. كما لم تخلُ المشاريع المقدمة من تأثير المفاهيم التوراتية، التي تعتبر وجود عدد من الفلسطينيين ضروريا لتخديم اليهود.

والخلاصة:

تحول الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، من إنكار الوجود الفلسطيني قبل 1967، إلى الإقرار بوجود هذه المشكلة، ولكن اقتصارها على المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، مع ملاحظة تجاهل اللاجئين في المناطق الفلسطينية المغتصبة عام 1948، أو ما يطلق عليهم «الغائبون الحاضرون». وعليه، اجتهد السياسيون الإسرائيليون في تقديم المقترحات والمشاريع الهادفة إلى حلّ مشكلة اللاجئين في الضفة والقطاع، إدراكا منهم أن استمرار مشكلة اللاجئين، إنما هو تجسيد حيّ للجريمة المرتكبة عام 1948؛ فيما تكمن المفارقة الفاقعة في عدم صدور صوت واحد من أي جهة ينتقد الأسطورة التي روجّت لها الحركة الصهيونية وهي أن فلسطين أرض خالية من السكان.



* الباحثة من مهجري ترشيحا ومقيمة في دمشق، مختصة بالدفاع عن قضايا اللاجئين وحق العودة، افتتحت مؤخرا داراً للنشر مؤخراً . وأنشأت لجنة نسائية لدعم حق العودةعنوان موقعها هو:www.womencsprr.org

التعليقات