النائبة حنين زعبي: العنف ضد المرأة وصمة عار على كل مجتمعنا..

"مجتمع صحي لا يحتاج للاهتمام بقضية المرأة.. الاهتمام بالمرأة وبقضاياها هو دالة صحية بحد ذاته، لكنه في نفس الوقت يعبر عن واقع مريض"..

النائبة حنين زعبي: العنف ضد المرأة وصمة عار على كل مجتمعنا..
لا تستطيع المرأة أن تخلق لنفسها واقعًا أفضل من الواقع العام لمجتمعها، على العكس، هي عادة تكون في الصفوف الخلفية، على هامش الحياة السياسية، وفي ذيل قائمة المعدلات الاقتصادية، وتتصدر حالات العنف والتهميش.

لا شكّ بأنَّ هذا هو الوصف العام للوضع، لكن الوصف العام عادةً لا يصيب امتيازات هامّة في وصف واقع المرأة الفلسطينية في الداخل. أولاً: أن المرأة أكثر تعليمًا من الرجل، وفي معظم الدرجات العلمية ابتداءً من نيل شهادة „البجروت” حيث يبلغ معدل الشابات ضعف معدل الشبان، ويزدن أيضًا بنسبة تقارب الـ 8% على الشبان من حيث نيل اللقب الجامعي الأول، كذلك الأمر بما يتعلق بنيل اللقب الثاني.

لكن „التفوق” مبتور كونه لا ينتج تبعات استقلالية اقتصادية في الحيز الخاص أو مشاركة أكبر في الحيّز السياسي العام.

إنَّ التفوق العلمي لا يترجم إلى مشاركة أكبر في سوق العمل مثلاً، ولم يؤدِ إلى مساواةٍ أكبر في تقسيم مسؤوليات البيت، أو إلى تولي النساء مناصب عامة في السلطات المحلية أو اللجان الشعبية، باستثناء الجمعيات.

إذًا، فإنَّ المرأة تستثمر في التعليم أكثر من الرجل، لكن دون مردود اجتماعي - سياسي اقتصادي، لأنّ مجال استثمار التعليم الأول هو في العمل، ومشاركة المرأة في العمل لا تتعدى 15%، يشاركن مشاركة كاملة، وحوالي 5% يشاركن مشاركة جزئية، بمحصلة مشاركة 20%، أكثر من نصفهنّ يشاركن في مجال التربية والتعليم.

وأنا أظن أن مشاركة المرأة في السياسة وفي صنع القرار هي محصلة مشاركتها في العمل أولاً. إذ لا يمكن للمرأة المغيبّة عن العمل، نواة الحياة العامة، أن تشارك في السياسة وفي الحيّز العام.

نحن عادة نقول إنّ مشاركة المرأة في العمل هي ضرورة وشرط لاستقلال المرأة الإقتصادي ولقوتها في حيزها الخاص، وهو سلاح لمواجهة عنف الزوج المسكوت عليه لتأمين حياتها اليومية، على حساب كرامتها وحياتها. لكن برأيي إنَّ العمل هو أيضا قوة اجتماعية وسياسية لأنه الوسيط الأقوى بين المرأة وبين مجتمعها.

عن طريق العمل، تخرج المرأة من البيت ويتاح لها الاختلاط بفئات عريضةٍ من مجتمعها تزودها بمعرفة وبمهارات اجتماعية ضرورية للانخراط في هموم الحيز العام. أي أن خروج المرأة للعمل، هو خطوة أولى تخطوها في اتجاه انخراطها في المجتمع.

من جهة أكثر شخصية وإنسانية، هنالك تخوف على المرأة المتعلمة غير العاملة، أي المالكة لقدرات غير محققة، وغير المنخرطة في هموم مجتمعها من حيث أنَّها تتطور شخصيًا وأكاديميًا وتزيد ثقتها بنفسها، من غير أن تزيد قوتها الاجتماعية أو السياسية. المرأة العربية في الداخل تعيش حالة ليس من إنفصام شخصية بل من انفصام واقع، هي قوية في داخلها، واثقة من نفسها، تعرف أنها تستطيع أكثر مما يتيح لها واقعها بكثير.
لا يمكن في هذا السياق وضمن ذكرى نضال المرأة بحقوقها، ألا نذكر ونشدّد أن العنف ضد المرأة وقمّته المتمثلة بالقتل، هي واحدة من وصمات العار في مجتمعنا، إن لم تكن الوصمة الأكبر.

سلامة العائلة هي من سلامة المرأة، لا سلامة في عائلة تضرب فيها المرأة أو تعنف. وهنا أتوجه للمؤسسات الدينية ولرجال الدين ولعائلة الزوج والزوجة، ولمن يتدخل باستئذان أو دون استئذان في شؤون الأسرة ومشاكلها، ألا يظنوا أنّ وحدة العائلة ومصلحتها تكون بالقفز عن حق المرأة وكرامتها، لا دين ولا أخلاق ولا إنسانية تخولهم بالسكوت عن العنف الممارس ضد المرأة بحجة سلامة العائلة ومصلحة الأطفال.

لا مصلحة في حياة ضمن عائلة يمارس فيها الزوج العنف ضد زوجته، واجب جميع هذه الأطراف وقف العنف بكل الوسائل، وأشدّد بكل الوسائل، بما فيها الطلاق، أبغض الحلال، لكن الأهم أنه حلال، بلغة الدين، وحق بلغة الإنسانية، وواجب بلغة الضمير، عندما يكون السبيل الوحيد „لسلامة” العائلة هو أن تضرب المرأة أو تعنف أو حتى تهان.

إنَّ الاهتمام بمكانة المرأة وحقوقها ليس نقيضا لتردي أوضاعها ولزيادة العنف تجاهها. بالعكس، الأوضاع المتردية للمرأة هي التي تخلق الحاجة لزيادة وضع قضيتها في مركز أجندة المجتمع.

مجتمع صحي يحترم المرأة، ويمارس إعترافه بحقوقها، ويتعامل مع حريتها ومع مناصفتها ونديتها للرجل بطبيعية وكأمر بديهي لا يحتاج „للاهتمام” بقضيتها. الاهتمام بالمرأة وبقضاياها هو دالة صحية بحد ذاته، لكنه في نفس الوقت يعبر عن واقع مريض.
حالات العنف الممارسة ضد المرأة لا تتعلق كثيرًا بحالات العنف العامة المتفشية في مجتمعنا. العنف ضد المرأة هو أقرب لـ „صفة” مكتسبة مرافقة للمجتمع، لأنها مزيج من إرث اجتماعي ومن ميزان قوى ثابت بين المرأة والرجل في كل المجتمعات، وعلى مر عصور طويلة، بغض النظر عن وضع المجتمع أو الفرد الاقتصادي والاجتماعي.

بينما العنف العام في مجتمعنا وازدياده هو „حالة” متغيرة ومربوطة بسياق تفشي الفقر والتمييز وانعدام المؤسسات الشبابية وانعدام مرجعية وطنية على مستوى القيم الاجتماعية.

فرق آخر جوهري بين العنف الممارس ضد النساء والعنف العام أنَّ الأول يفتقد لإجماع اجتماعي واضح ضده، بينما الثاني يتمتع بهذا الإجماع.

وعندما أقول إجماعًا اجتماعيًا لا أقصد فقط إجماعا ضد جرائم القتل، بل أقصد إجماعا واضحًا يتعلق بمنظمة القيم المرتبطة بحقوق المرأة وحريتها.
أهدوني وردة. لا أحب الورود المقطوفة، أحبّها في بيئتها أكثر. أهدوني وردة، كيف أشعر عندها؟ الحقيقة أنا لا أعرف لماذا يهدون وردة، والتي هي تعبير شخصي ولا تصلح كرسالة اجتماعية أو عامة. يوم المرأة هو يوم نضال سياسي واجتماعي وليس مناسبة شخصية. والوردة لا تنسجم كثيرا مع المعاملة التي تتلقاها المرأة من مجتمعها.

والسؤال هو ليس لماذا تهدى المرأة وردة؟ لا أظن أنّ المؤسسات تفكر كثيرًا في مسألة ملاءمة الوردة للحدث، بل هو تقليد يمارس دون تفكير. لكن السؤال هو كيف تأخذ المرأة الوردة .. هي تأخذها وقد تبتسم، لا تبتسم للوردة، ولا للذي أعطاها الوردة، ولا تبتسم فرحة. هي أشبه بابتسامة برنارد شو عندما يذكر أمامه أن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة.. لا حاجة للتعليق، الابتسامات تكفي أحيانا.

التعليقات