ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 20 ) د. مصطفى كبها

-

ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 20 )
د. مصطفى كبها
بعد أن كنا قد استعرضنا المبنى العام للفصائل الثورية وإداءها الوظيفي، سنتعرض، فيما يلي من حلقات، لأهم المعارك التي خاضها الثوار في مرحلة المد للثورة.

تلك المرحلة الممتدة من صيف 1937 وحتى خريف 1938 وهي التي بدأت بمقتل لويس أندروز والخطوات البريطانية التي جاءت كرد على ذلك وبين تولي الجنرال ويفيل، القائد الأعلى للقوات البريطانية في الشرق، قيادة القوات البريطانية في فلسطين . كانت هذه المنطقة، بوصفها مركز عصب الثورة التي تواجدت فيها القيادة العسكرية العليا، من أكثر المناطق نشاطاً في هذه المرحلة .

1. معركة صيدا : 17/10/1937:

جرت هذه المعركة في المنطقة الواقعة بين قريتي دير الغصون وصيدا ( قضاء طولكرم) وذلك عندما حاولت قوات بريطانية تطويق ومحاصرة قوة من الثوار، كان يقودها عبد الرحيم الحاج محمد، كان قوامها ستين ثائراً، وكانت ترابط في منطقة النزلات.

عندما علم الثوار بالحصار بدأوا بالانسحاب، في حين كان الذي أخبرهم ضابط عربي كان مجنداً في قوات " الزنّار الأحمر " وعند مرور الثوار في الوادي الواقع بين صيدا ودير الغصون، بدأت طائرة بريطانية بقصفهم، وتبادلوا النار مع بعض قوات الفرسان التي حاولت إدراكهم. نجح الثوار، وعلى رأسهم القائد عبد الرحيم الحاج محمد، بالإفلات من الطوق مستعينين بالظلام الذي كان قد حل .

وقد جرح في هذه المعركة ثائران. ( هذا حسب رواية شفوية أجريتها مع شاهد عيان على المعركة وهو الحاج أبو غالب كتانة، مختار النزلة الشرقية في حينه) . في حين إدعت المصادر العسكرية بأنه لم تقع إصابات في صفوف قواتها . ( ارشيف وزارة المستعمرات البريطانية، ملف رقم C.O.733 \352|3 ) .

2. معركة النزلة الشرقية : 16/12/1937:

جرت هذه المعركة في قرية النزلة الشرقية، حين استطاع البريطانيون هذه المرة مباغتة الثوار الذين كانوا مرابطين هناك. أحكم البريطانيون الطوق، بشكل أجبر الثوار على التحصن في مواقعهم. وهذه المرة أيضاً ساعد المجندون العرب في الجيش البريطاني، عندما فتح بعضهم ثغرة في الطوق استطاع معظم الثوار الإفلات من خلالها تاركين وراءهم أربعة شهداء، أما عبد الرحيم الحاج محمد فقد جرح في المعركة، في ذراعه الأيسر، وقام مختار القرية، الحاج أبو غالب كتانة، بإخفائه في أحد الكهوف، ولم يستطع الإنجليز اكتشافه.

وبعد انتهاء عمليات التفتيش، التي دامت ساعات طويلة، نقل إلى باقة الغربية التي مكث فيها واحداً وعشرين يوما ً، كان يأتي إليه الطبيب فؤاد دعدس من طولكرم متخفياً في ثوب بائعة لبن كانت تدخل إلى البيت الذي اختبأ فيه القائد العام. حيث كان يغيّر له الضمادات التي لف بها الجرح.

ومن الجدير ذكره هنا التنويه للدور الذي لعبه الأطباء العرب أثناء الثورة لتقديم العلاج اللزم للثوار الذين أصيبوا بالمعارك، ولم يرغبوا بأن يعالجوا بالمشافي الحكومية كي لا يتم اعتقالهم من قبل السلطات. فقد كان قادة الفصائل يبعثون الرسل إلى الأطباء كي يحضروا إلى رؤوس الجبال لمعالجة الجرحى. وفي الحالات الحرجة، كان الجريح يجلب إلى بيت أو العيادة الشخصية للطبيب كي يتم علاجه.

وكان في ذلك مخاطرة كبيرة على الجريح نفسه وعلى الطبيب الذي كان، إذا ما أكتشف أمره، عرضة للطرد من وظيفته وحتى الاعتقال.

وفي المنطقة التي نحن بصددها، حري بنا أن نذكر الدور المميز الذي لعبه الدكتور فؤاد دعدس، الطبيب في المستشفى الحكومي في طولكرم، والطبيب أديب الخرطبيل وهو طبراني الأصل والذي عمل مديراً للمستشفى الحكومي في طولكرم أثناء إضراب وثورة 1936 -1939. في حين كان لزوجته اللبنانية الأصل دور مهم في تنظيم الفعاليات الشعبية والنسائية في منطقة طولكرم وقضاها أثناء الثورة.

وفي هذا السياق يمكن أن نذكر الدور المميز الذي لعبه الصيدلي منير السختيان، صاحب صيدلية السختيان في طولكرم، والذي كان يجهز الثوار في المنطقة بما يلزمهم من الأدوية بشكل مجاني أو بدفع رمزي. وقد كان يلعب في بعض الحالات دور الطبيب الجراح والمضمد إذا عز على الثوار إحضار طبيب لمعالجة الجرحى.

نقل عبد الرحيم الحاج محمد من باقة الغربية إلى ميسر ومن هناك إلى قفين وأم القطف وعارة وعرعرة حيث كان يقيم متخفياً في كل قرية من هذه القرى بضع ليال، ثم كان ينتقل إلى قرية أخرى إلى أن تم نقله عبر إحدى العبارات على نهر الأردن إلى شمال الأردن ومن هناك إلى دمشق حيث عولج فيها مدة ثلاثة أشهر. (مقابلة مع عطية نايف غزالة، كفر اللبد 1999 .3 .31) .

وقد تقودنا قصة نجاح الأجهزة اللوجستية للثورة، مع وسائلها وآلياتها المتواضعة، إلى عبرة مفادها أن الجماهير الفلسطينية في هذه الفترة من الثورة كانت تتمتع بقسط كبير من الرغبة والإستعداد للتضحية في سبيل خدمة الصالح العام، في حين تراجعت، إلى حد كبير، ظاهرة العمالة والمخبرين العرب الذين كانوا على استعداد للتعاون مع البريطانيين وجهات أخرى ضد مصلحتهم الوطنية، مقابل أرباح شخصية يجنونها من هذه الجهة أو تلك.

وللحديث بقية .....



التعليقات