سلوكنا في انتخابات السلطات المحلية... الحلقة (2)- ضرورة إعادة الاعتبار للثقافة والفهم النهضوي/ عوض عبد الفتاح

-

سلوكنا في انتخابات السلطات المحلية...  الحلقة (2)- ضرورة إعادة الاعتبار للثقافة والفهم النهضوي/ عوض عبد الفتاح
يتفق الكثير من دعاة التغيير، إن لم يكن جلـّهم، على أن الانتخابات المحلية وبالتحديد الطريقة التي تجري فيها تحولت إلى مصدر ضعف للمجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر ولم تؤد إلى تحديثه بل أدت إلى تعزيز البنى التقليدية وسلوكياتها الضيقة، وقوّضت البعد السياسي فيها. فقد تراجع حضور الحزب السياسي بمفهومه الحديث وبرؤيته السياسية - الاجتماعية الواضحة بصورة حادة في العقدين الماضيين، واقتحمت القوائم العائلية والمحلية معظم الحيّز الذي كان يشغله في الانتخابات المحلية وفي الحكم العربي المحلي اي في فترة المدّ الوطني بين أواخر السبعينات وحتى أواخر الثمانينات. كل ذلك ترك بالغ الأثر على السياسة العربية القطرية وعلى التوجهات السياسية والاجتماعية الحديثة وعلى نجاعة مواجهة سياسة المؤسسة الصهيونية التي تمضي بسهولة نسبية نحو استكمال مشروعها الهادف إلى تقويض ما حققه العرب من استقلالية وطنية وثقافية نسبية منذ يوم الأرض وما أفرزته هبة القدس والأقصى من وعي وطني متجدد أعطى قوة للتصور الجديد الذي طرحه التيار القومي الديمقراطي فيما يتعلق بحقوق ومستقبل عرب الداخل وارتباط تحقق هذه الحقوق بتفكيك البنية القانونية الإثنية والعرقية للدولة العبرية.
لقد تحولت القرى والبلدات العربية، بسبب الصورة التي تجري فيها الانتخابات المحلية، منذ عقدين إلى كيانات سكانية (غيتوات) معزولة على حساب ما تحتاجه من تعاون طبيعي وتنسيق مع القرى والبلدات الأخرى تحت مظلة الهيئات القطرية، لمواجهة سياسة الحصار الجغرافي والاقتصادي والمالي. لم تكن المؤسسة الإسرائيلية حيادية في هذه التحولات، بل هي طرف فاعل فيها وقوة سلبية دافعة لها.
ليس هدف هذه الكتابة تقديم إستراتيجية مفصلة لكيفية مواجهة هذا الواقع البائس، إنما التذكير بالمخاطر الجسيمة التي ينطوي عليها استمرار هذا الوضع والتسليم به، ومن أجل تحفيز عقولنا وعواطفنا لتجديد الهمة وبذل الجهد الفكري والعملي الجماعي وإطلاق المبادرات باتجاه البدء بالخروج من هذه الحالة. ونحن على ما يبدو نحتاج إلى هذا التذكير حتى لا تستمر حالة التآكل في المواقف والتصورات السياسية والاجتماعية الحديثة التي يحملها الكثيرون منا، ناشطون سياسيون، أكاديميون، مُثقفون وغيرهم.
إنه يبدو وكأن التيار العام الذي يتجسد في الانتخابات المحلية يجرف الجميع، ولاحظنا في الفترة الأخيرة أن جزءً كبيراً من محاولات التغيير الحقيقية، وهي قليلة أصلاً، جرى سحقها تحت أقدام التقطب الطائفي أو تحت الإصطفافات العائلية.
ولم ينج من هذه المحاولات او المبادرات ويرى النور إلا حالات قليلة هنا وهناك والتي يمكن البناء عليها واعتبارها صورة معقولة للعمل المحلي
ونقول معقولة لأنها حافظت على قدر من التوازن بين فكرة الديمقراطية والتعددية والحداثة من جهة والواقع العائلي من جهة أخرى. أي دون التخلي عن الأفكار الحديثة والسياسة وقبول الابتلاع من اجل الحمولة ودون الوقوع في النخبوية المتعالية على البنى التقليدية أو التصادم معها صداماً رأسياً. هل هذا ممكن، إنه ممكن وإن كان ليس سهلاً، ولكنه يحتاج إلى وعي اجتماعي-سياسي حقيقي ورؤية شاملة، وقوة منظمة تنظيماً عصرياً ومنسجمة في التفكير تمتلك في الوقت ذاته القدرة على المرونة الإيجابية. كما يشترط توفر النفس الطويل والقناعة بأن التغيير هو عملية طويلة معقدة وتتطلب معرفة عميقة بأُسسها التاريخية والموضوعية فضلاً عن عنصر الإرادة الذاتية والمقدرة على إدارة مراحل هذه العملية بصورة سليمة.
إن المرونة الإيجابية لا يمكن أن تؤتي ثمارها إذا كانت غير مسنودة برؤية ثقافية-إجتماعية جذرية ورؤية سياسية وطنية. ما نشهده في العقدين الماضيين هو طغيان البراغماتية المبتذلة على الوعي العميق والفهم التاريخي لعملية التغيير.

ما هية الفهم التاريخي ودوره في التغيير

توقفنا في الحلقة الأولى عند الظروف التاريخية التي نشأت خلالها عملية التحديث الأوروبية وبناء الأمم الحديثة وظهور مفهوم الفرد وإحلال الانتماء القومي الجامع فوق القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب. وكيف أن الفرد مع تطور الديمقراطية ومنظومة الحقوق أصبح كياناً سيّد نفسه يشارك في عملية انتخاب ممثليه في الحكم والبرلمان والحكم المحلي، يحرّكه ضميره وعقله والمصلحة العامة التي تضمن في نهاية المطاف، أو على الأقل نظرياً، مصلحته الخاصة. إذاً هي سيرورة طويلة ومعقدة تخللتها تمردات أولى على الواقع، ثم صراعات اجتماعية وتنظيرات فكرية، وحروب دموية راح ضحيتها الملايين، وصولاً الى تسويات وحلول وقوانين وأنظمة تكرس هذه التسويات والحلول ولتتكون في نهاية المطاف أنظمة سياسية ثابتة ودول بحدود معرفة وشخصية وطنية واحدة، واحترام حرية الرأي والمعتقد والتديّن وترسيخ مبدأ الانتخاب وتحويل الصراعات الدموية إلى تنافسات ديمقراطية تضمن وصول أنسب الناس إلى موقع المسؤولية.
كما عرضنا بعض تفسيرات مفكرين عرب لأسباب انحطاط العرب منذ القرن الحادي عشر، وعدم تحول نهضتهم الكبرى بظهور الإسلام إلى نهضة دائمة ومتجددة، ولماذا تأخروا وتقدم الغرب الذي كان يعيش في حالة تأخر وأفول في مرحلة أوج التقدم والازدهار الحضاري للعرب.
وتحدثت تلك التفسيرات عن الصراع الجدلي بين الحضر والبادية.. وعن عودة القبلية بكل قوتها بعد وفاة الرسول العربي.. رغم المضامين التوحيدية الواضحة التي جاء بها الإسلام، سواء على المستوى الروحي – الديني (تحطيم تعدد الإلهة – الأصنام، والإيمان بإله واحد هو خالق الكون. والوحدة على المستوى السياسي أي توحيد القبائل العربية بقيادة قائد واحد هو النبيّ (ص) بدل تشتت القبائل وتقاتلها وما غير ذلك من ثورة حضارية على قيم البادية وسلوكياتها وعصبياتها التفتيتية.
وأُعتبر استلام معاوية الحكم انتصاراً لبني أمية على بني هاشم، وترسيخاً لمبدأ الوراثة بدل مبدأ الشورى في اختيار الحاكم أو الخليفة.
ولكن رغم الصراعات السياسية السلمية والدموية التي شهدتها الدولة الإسلامية إلا أن الوحدة الثقافية-الأيدلوجية ظلت راسخة في نفوس وعقول العرب والمسلمين.
ويعتبر العديد من المفكرين والدارسين لتاريخ الدولة الإسلامية، أنّ عدم استمرار تطورها وعدم تطور مفهوم الفرد والمواطنة بالصورة الحديثة وعدم تطور الازدهار التجاري والمادي الذي وصل ذروته في عصر المأمون العباسي، في القرن الثامن والتاسع، إلى تطور رأسمالي بالمفهوم الاقتصادي وليس بالمفهوم الأيدلوجي، هو عودة تغلب المفهوم القبلي الذي مثله الترك الذين تغلغلوا إلى العسكر، ونشوء مؤسسات أيدلوجية وفقهية في الدولة تستجيب لمستجدات الحكم الجديد وتُسايره كبديل عن الاستقلالية في الفكر والتجديد. هكذا وصلت حالة العرب والمسلمين في القرن الحادي عشر إلى حالة من الجمود والتراجع والتفكك وفتح الباب أمام التمردات الداخلية والعدوان الخارجي.
أما في بداية المرحلة الحديثة ( النهضة الأوروبية التي بدأت بالإصلاح الديني وظهور الفكر السياسي الحديث )، فقد تجلت بدايتها في عودة الأتراك-العثمانيين إلى السيطرة العسكرية والسياسية الكاملة على دقة الدولة ولا حاجة للعودة الى ما تميزت به الحالة العربية والإمبراطورية العثمانية من فوات وتأخر. كان الحكم ذا طبيعة إقطاعية – عسكرية الذي حال دون الانطلاق في نهضة فكرية-اجتماعية-اقتصادية ومادية. وقد جاء الردّ القومي العلماني المتطرف بقيادة كمال أتاتورك، الذي قاد تركيا إلى الاستقلال عن بقية الإمبراطورية العثمانية بعد أن تعثرت أو عرقلت عملية الإصلاح والتحديث من جانب السلطنة وذلك على اثر الحرب العالمية الاولى.

هل يمكن الانتقال إلى مرحلة أخرى

إذاً في ضوء ذلك كيف يمكن لقوى التغيير في المجتمع العربي في وضعه الراهن أن تعمل أو تؤثر؟ وهل أصلاً كل من يخوض الانتخابات المحلية من قوى وقوائم، سواء حزبية، أو عائلية، أو محلية، يمكن أن نعدها على قوى التغيير؟ وماذا يعني التغيير بالنسبة لهذه القوى؟ هل يكفي تغيير رئيس برئيس بغض النظر عن انتمائه، كفاءته وجود رؤية لديه أو عدم وجودها؟
وأصلاً، هل يمكن التغيير من خلال السلطة المحلية بعد كل التغييرات الاجتماعية التي طرأت على مجتمعنا وعلى مبنى السلطات المحلية، وبعد كل الإجراءات والممارسات السياسية العنصرية الأخيرة التي أقدمت عليها المؤسسة الإسرائيلية؟ وهل لا تزال الحوافز والحماس للانتخابات المحلية هي نفسها كما كانت في السابق؟
أسئلة كثيرة وهامة يجب أن تحضر أمامنا أثناء بحثنا خوض الانتخابات.
إذا كانت الانتخابات المحلية تشكل تاريخياً إحدى تجليات ووسائل تحديث المجتمع، فهل لا تزال الإمكانية واردة. وهل كثرة القوائم المحلية والعائلية التي تخوض الانتخابات هي دليل على التعددية أم دليل على التشرذم والأنانية واختفاء السياسة والرؤية الشاملة.
المجتمع العربي الفلسطيني، في الداخل، تعرض لعملية تحطيم منهجي منذ النكبة عبر تحويله من مجتمع زراعي تقليدي إلى مجتمع أجير في المؤسسات الإسرائيلية وإعاقة بل احتجاز تطوره الاقتصادي. ثم في الثلاثة عقود الأولى عزل المجتمع عن المجتمع الإسرائيلي وعن أسباب التحديث الحقيقي، وجرى تنمية قيادات تقليدية لتكون الوسيط بين المواطنين العرب والحكم العسكري الذي فرض منذ عام 48 إلى عام 1966. القاعدة الاقتصادية التي كانت مصدر قوة العائلة، ألا وهو الاقتصاد الزراعي (غير المتطور) اختفت بفعل السطو المنظم على الأرض ومصادر الرزق العربي.
الطفرة الاقتصادية التي شهدها المجتمع الإسرائيلي بعد حرب 67، انعكست على بنية المجتمع العربي، فتغيّرت طبيعة القيادة التقليدية، وبرزت فئات المتعلمين وحصل ارتفاع في مستوى المعيشة عند العرب ولكن ليس عبر إنتاج مادي ذاتي بل عبر الاعتماد على العمل في المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية – وبالتحديد قطاع البناء والخدمات.
ارتفاع مستوى التعليم وظهور طبقة وسطى، وإن محدودة الحجم والتأثير، وحصول تغيرات سياسية إقليمية-انتصارات عربية وفلسطينية محدودة، أعاد بعث الاعتزاز بالهوية الوطنية الفلسطينية وبالوعي الذاتي كجزء من شعب وكمواطنين. هذا ساهم في تراجع الدور العائلي التقليدي، وفي تقدم الحزب السياسي في ساحة العمل السياسي والمحلي. وكانت الجبهة –الشيوعية أول إطار يخوض الانتخابات المحلية ويفوز في عدد من المواقع الهامة. أهمها في مدينة الناصرة عام 1975. بعدها نشأت أحزاب سياسية وطنية تركز على البعد الوطني والهوية الفلسطينية لعرب الداخل. كان ذلك بالتمايز عن الجبهة التي دعت إلى الاندماج وكرست الأسرلة. وتواجه اليوم معظم البلديات إن لم يكن كلها، التي تحكمها الجبهة حالة إفلاس مالي وتأخر في كل الميادين.
في تلك الفترة، منذ أواخر السبعينات ونتيجة هذه التغيرات الاقتصادية المحلية والسياسية الإقليمية وانعكاساتها المعنوية على عرب الداخل أعطى دفعة للبعد الثقافي الوطني الذي نما مستقلاً الى حّدٍ بعيد عن تبعات التبعية الاقتصادية والمادية للمجتمع الإسرائيلي.
ولكن إمكانية ضمان استقلالية ثقافية قومية متطورة وانعكاسها في سلوك سياسي مستقل عن المؤسسة الإسرائيلية وسياساتها أمر غير ممكن بدون بناء مؤسسات قومية وثقافية وتعليمية وكذلك اقتصادية. إن الدولة العبرية عرقلت بصورة منهجية، عملية تطور اقتصادي طبيعي الذي ينتج بطبيعة الحال تطوراً اجتماعيا وثقافياً موازياً يحافظ على تاريخهم وأصولهم ويحقق الحداثة في الإدارة والتنظيم والتعليم والعلاقات الداخلية.
إذاً كبديل عن ذلك، ولمواجهة نتائج التشويه الاقتصادي، كان لا بدّ من استحداث مشروع ثقافي قومي. هناك من يطرح المشروع الإسلامي لمواجهة ذلك. ولكن في واقع عرب الداخل لا حل بدون المشروع القومي الثقافي باعتباره المشروع السياسي لعرب الداخل يشارك فيه الجميع – القوميون والإسلاميون والليبراليون الوطنيون.
نحن إذا أمام واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي متردّ. الانتخابات المحلية أفسدت الحمولة وأفسدت السياسة. لم تعد لدينا حمولة بقيمها التكافلية والتعاضدية، بل حمولة مقسمة حسب المصالح الشخصية ومشوهة. كما أن السياسة وربط المهام المحلية بالمهام القطرية تغيب تماماً عن سياسات القوائم العائلية والمحلية. بل حتى أحزاب أصبحت تتردد أو تغفل تسييس المعركة تحت زحمة وضغط السياسات المحلية الضيّقة. وقد تآكلت الكثير من الأفكار والقيم لدى كوادر حزبية عديدة، من كافة الأحزاب. وهذا ما يحتاج إلى إعادة تثقيف وتنشئة منهجية لتلك الكوادر وكل من يحمل او كان يحمل تطلعا للتغيير الحقيقي. لأن القول إن المواطن لا يهمه إلا ماسورة المياه والشارع والأرنونا هو كلام خطير. إن هذا هو ما يؤدي إلى التشوّه وما يحوّل كل نضالنا من نضال ضد المؤسسة الصهيونية وسياساتها وضد التخلف الاجتماعي الداخلي إلى شخص الرئيس الذي يكون بالفعل في أحيان كثيرة، قد تعرض لعملية تآكل في رؤيته وتوجهه السياسي-الاجتماعي الشامل، هذا إذا كان لديه شيء من هذا القبيل. لكن لا يجوز أن ننسى أن من يتحكم في نهاية المطاف بموارد السلطة المحلية ومن يحاصر البلدات العربية بالمستوطنات والمجالس الإقليمية ومن يهوّد البلاد هو الدولة العبرية.
إن الهجمة السلطوية الأخيرة على الحكم المحلي وحلّ قسم كبير من السلطات المحلية وتعيين جنرالات إسرائيليين كرؤساء لهذه السلطات جاء حصيلة عاملين وليس عاملاً واحداً: الأول سياسة التمييز والحصار المالي والرغبة في زيادة التحكم بالحكم المحلي العربي النابع من الوضع السياسي الجديد؛ والثاني: وصول الانتخابات المحلية العربية إلى مرحلة من التدهور وانعدام الوزن تُسهل على الحكم الإسرائيلي المركزي تنفيذ مخططاته الرامية إلى إعادة ضبط التطور العربي في الداخل سياسياً... عبر خنق كل ما تعتبره مصدراً ولو محدوداً للاستقلال العربي وحرية القرار.
بالمناسبة، وبالمفارقة، تشهد القرى والبلدات العربية التي حلت مجالسها انفراجا اجتماعيا ملحوظاً وأصبح الغضب يوجه من الجميع الى الجنرال الإسرائيلي، وبالتالي تتهيأ أجواء لتعاون أهلي أفضل

التيار القومي الحداثي

لا يستطيع التيار القومي الديمقراطي في الداخل أن يدعي تحقق إنجازات نوعية في السلطات المحلية العربية. فالإنجازات النوعية واللافتة التي حققها حتى الآن على المستوى القطري الوطني، على مستوى الخطاب السياسي وما تفرع عنه من إنجازات عينية ثقافية أو خدماتية أو نضالية، لم تنعكس في الانتخابات للحكم المحلي. فقد حقق إنجازات متواضعة جداً على هذا المستوى، ونعترف أنه ارتكب أخطاء في ممارسة هذه التجربة في عدد من المواقع. وعندما ظهر التيار القومي على الساحة بصورة منظمة كانت أحزاب أخرى قد ساهمت في تكريس العائلية. ولذلك هو دخل إلى ساحة أتلفتها قوى أخرى.
كان التيار القومي واقعياً منذ البداية في التعامل مع هذه الانتخابات وكان مدركاً لصعوبتها وتعقيداتها. ولكن ذلك لم يردعه عن خوضها في بعض المواقع، ولم يردعه الخوف من الوقوع في الأخطاء التكتيكية طالما هي لا تكرس البنى العائلية، بل تتعامل معها بمرونة للمساهمة في تخفيف حدّتها للوصول في مراحل قادمة إلى وضع أفضل.
فمن المعايير التي تحكم سلوكه في هذه الانتخابات هو عدم السماح لأي عضو من الحزب خوض الانتخابات باسم العائلة أو أن تجري انتخابات تمهيدية بين أعضائها.
لكن يجيز التفاهم مع شخصية اجتماعية مستقلة تُحظى بقدر معقول من المصداقية ودعمها.
أما في حالة وجود رئيس مرتبط بالمؤسسة الرسمية، مثل شفاعمرو والشاغور والطيرة على سبيل المثال، فموقف المكتب السياسي واللجنة المركزية هو أن يتم التعاون بين مختلف القوى الوطنية على تشكيل تحالف واسع لإسقاط هؤلاء – أي إسقاط مواقع السلطة الرسمية.
ويشدد التيار القومي على تسييس المعركة المحلية وربطها برسالة اجتماعية تقدمية، تناهض العصبية العائلية والطائفية، وتشدد على ارتباط عملية التغيير المحلية بعملية التغيير على المستوى الوطني – القطري.

التعليقات