صيادو جسر الزرقاء يتحدون امواج التمييز...

-

صيادو جسر الزرقاء يتحدون امواج التمييز...
تزداد اوضاع صيادي الأسماك في قرية جسر الزرقاء سوءاً عاما تلو العام، بسبب الإهمال الرسمي لهم منذ خميسن عاما وأكثر. فقرابة خمسين صيادا من القرية يعيشون في قريتهم على شاطئ جسر الزرقاء في فصول السنة الار بعة كأن القرن الواحد والعشرين تجاوزهم من دون ذكر و”تخطاهم إلى الوراء”، إذ يعيشون في براكيات غير موصولة بشبكة الكهرباء، ومن دون ميناء وكاسر أمواج يحميهم من هيجان البحر، اضافة لمضايقات الشرطة المتكررة وكأن ظروفهم المعيشية السيئة لا تكفي.

حسب الاحصائيات الرسمية لا يتعدى معدل الاجور في قرية جسر الزرقاء، التي يتعدى عدد سكانها عشرة الاف نسمة بقليل، الالفي وخمسمئة شيكل، فيما يتجاوز معدل الاجور القطري في القطاع الخاص السبعة الاف شيكل.

منذ ثماني سنوات يعمل نور عماش في صيد الأسماك، وهي المهنة التي ورثها اباً عن جد ويعيل ستة أبناء. يقول نور: "ورثت، أنا الذي ولدت على الشاطىء، المهنة من والدي الذي عمل صياداً على مدار 45 عاماً من دون كلل، لكن الازمان تبدلت واصبحت مهنة صيد الاسماك غير مربحة وبالكاد توفر مصاريف المركب". ويضيف، بيأس بعد ليل قضاها في البحر: "150 شيكل هو ما استطعنا توفيره انا وثلاثة صيادين بالكاد تكفي لتغطية مصاريف المركب والوقود، واضطررناالى ترك الشبك في البحر بعد ان هاج البحر تفادياً لخسائر اخرى جراء الاضرار التي قد يتعرض لها المركب". أما والد نور فرغم تقدمه في العمر إلا انه يصر على مساندة ابنه في هذه الايام العصيبة وتوفير المصاريف قدر الامكان.

وفيما يتحدث نور عن مصاعب الصيادين العرب، تعكف مجموعة من الصيادين على مساعدة صياد آخر قذف موج البحر قاربه إلى ما فوق الصخور، وهو مشهد يتكرر يومياً. احد الصيادين يقول معقباً: "تخيل انك تهم بالخروج الى العمل صباحا، فتجد سيارتك ليست في مكانها، أي يوم هذا". لكن صيادي جسر الزرقاء اعتادوا على ذلك. ويضيف: "هذا مشهد يومي متكرر، فإما ان نجد قواربنا قد سحبتها الامواج وإما أنها عالقة بين الصخور، لأنه لا يوجد كاسر امواج وميناء يحمي القوارب من هيجان البحر".

أما الشاطىء العربي الوحيد، فيبدو مهملاً ومتروكاً من دون عناية السلطات المسؤولة، فيما صورة الشاطئ الآخر على بعد مئات الامتار، شاطئ كيساريا تختلف تماماً، اضاءة على طوله، منارة وكاسر للأمواج، اشارات مرورية للصيادين والأهم من كل ذلك بيوت من اسمنت وحديد وليس براكيات مهترئة بسبب رطوبة وملوحة الجو.

يقول أيوب عماش، الذي ترك صيد الاسماك بعد ان عمل 12 عاما ويتردد إلى هنا لمساعدة قريبه أنور، إن "مشاكل الصيادين هنا كثيرة ويتكبد الصياد الواحد خسارة تتراوح ما بين 70 إلى 80 الف شيكل جراء الاضرار التي تتسبب للقوارب والزوارق لعدم وجود كاسر امواج يحميها ويؤمن عودة الصيادين بسلامة، لان الصيد في ساعات الليل خطر من دون منارة وإضاءة، فيما الصياد اليهودي يدفع 70 في المئة من تكلفة تصليح الاضرار لأنهم مؤطرون في نقابات تدأب ان يكون الصيد مربحا".

ويضيف ايوب: "في الماضي حضر الى هنا شخص من احدى الجمعيات وجمع من كل صياد مبلغا يتراوح بين 50 الى 100 شيكل لمساعدتنا على النهوض من هذا الوضع، إلا ان امالنا سرعان من ارتطمت بالواقع لاني لم اسمع من هذا الشخص شيئا حتى اليوم، وننتظر منه ان يساعدنا قدر الإمكان... ففي فترات الانتخابات تكثر الزيارات لنا وتعطى الوعود بتصليح الحال، ولكن ما ان تنتهي الانتخابات ليتنكر لنا الجميع".

منذ 80 عاما يطالب صيادو جسر الزرقاء بميناء وكاسر للأمواج. ويروي الصياد يوسف جربان ان جده ذيب العلي، الذي توفي في العام 1987 عن عمر 125 عاما، هو اول من اسس بيتا في قرية الصيادين وجمع حوله سكانا من القرى المجاورة، وعاش بجوار أهالي قرية الطنطورة حتى قيام اسرائيل"، ويضيف: "منذ ثمانين عاما والصيادون يطالبون بميناء وكاسر أمواج، وتبدل الحكم وقامت اسرائيل وما زلنا من دون ادنى الشروط، واذا اشتدت امواج البحر فهي تكاد تخطف أسقف البراكيات، لان السلطات الرسمية بما فيها المحلية تمنعنا من تطوير الشاطئ وبناء غرف اسمنتية، حياة الصيادين أصبحت مذلة ومهانة، ومن لديه اسرة يريد ان يوفر لها معيشة آمنة لا يقترب من هذا المكان إلا للتنزه، أنا اعزب واكتفي بما يوفره لي البحر من قوت يومي ومصاريف يومية لا تتجاوز الخمسين شيكل، وإزاء ذلك لا استطيع ان اعمر بيتا وأبني اسرة وأنا اتجاوز الثلاثين".

ويضيف يوسف، اصغر الصيادين سناً ، إن قريتهم (قرية الصيادين) غير موصولة بالكهرباء، "لأن شركة الكهرباء والمسؤولين يدعون ان ايصال البراكيات بالكهرباء خطر علينا، ولكنهم يمنعوننا بالمقابل من بناء غرف اسمنتية بدلا من البراكيات، وحتى لو اردت اضافة متر واحد على البراكيات يصدرون امرا فوريا بإيقاف العمل".

وآخر ما تعرض له الصيادون من تنكيل كان عندما حضرت الشرطة بقوات معززة إلى قرية الصيادين وقلبت المكان رأساً على عقب بحثاً عن مخدرات واسلحة مهربة. وفي هذا الشأن يقول يوسف إن "الشرطة حضرت إلى المكان كأنها في حملة عسكرية، وكسرت القوارب وفككت البراكيات وحفرت على طول الشاطىء بحثاً عن صواريخ ار بي جي ومخدرات واسلحة، كان تصرفهم مهزلة كبيرة لأنهم بعد ساعات لم يعثروا على شيء مما ادعوا".

التفتيشات التي تقوم الشرطة في قرية الصيادين هي في اعقاب وصولها معلومات "استخبارية" من جهات غير معروفة لا ترغب في وجود قرية الصيادين. وعن ذلك يقول يوسف: "لن نغادر المكان مهما ساءت الاحوال" في اشارة الى نوايا قد تكون غير معلنة لازاحتهم عن المكان بحجة تطويره، رغم ان الصيادين هم أكثر من يرغبون ويسعون لتطوير الشاطئ في مصلحة القرية جميعا.

كذلك الحال لدى محمد جربان، الذي انتقل ليعمل منقذ سباحة بعد ان مل صيد السمك كمهنة، ووصف مطالب الصيادين بأنها موروثة "أبا عن جد" مثل مهنة الصيد، ويقول: "منذ خمسين سنة يعدوننا بتوفير شروط افضل لنا وبناء ميناء وكاسر للامواج، لكن هذه الطموحات اصبحت بالنسبة لنا مثل حلم ابليس بالجنة، لذلك أصبح الصيد معدوما تقريبا ونعيش في البحر للأكل فقط".

ويضيف محمد: "كل سنة ومنذ 25 عاما يتراجع السمك في البحر، لأنه لا توجد قوانين صارمة للصيد، إذ ان "ترولات" الصيد الضخمة تقترب من الشاطئ خلافا للقانون وتقتل الاسماك الصغيرة وتدمر بيوتها. كل الاسماك التي من المفروض ان تنمو في هذه الفترة تقتل لأن بواخر الصيد تقترب من الشاطئ كثيراً وتمزق شباكنا، وعندما توجهنا سابقا للشرطة لتقديم شكوى ضد هذه البواخر، تنكر الجميع من المسؤولية لعدم معرفة الجناة، رغم ان البحر تحت سيطرتهم بالكامل".

أما شركة الكهربا،ء يقول محمد "فتأتي في موسم الصيف وتسكب بواقي الفحم والرمال امام شاطئ جسر الزرقاء وتطمر بيوت السمك، بينما لا تقترب من الشواطئ المجاورة والخسارة كلها لنا، لأن السمك في مثل هذه الايام يتكاثر وينمو لكن الرمال التي تسكبها شركة الكهرباء تجعله يفر إلى مكان آخر اذا نجا".

واذا استمر حال الصيادين كما هو عليه اليوم، يتوقع الصيادون هنا في قرية الصيادين انه خلال عشرة اعوام لن يبقى صياد واحد في القرية كما قال محمد "سنصبح نشتري الاسماك من المتاجر بدلا من بيعها لهم".

في العام الماضي قدم النائب جمال زحالقة استجوابا لوزير الداخلية بشأن أحوال الصيادين في جسر الزرقاء والمماطلة في المصادقة على الخارطة الهيكلية لتطوير الشاطىء.

وتبين من رد نائبة الوزير في حينه، روحاما افراهام، ان سلطة الطبيعة والشركة الحكومية للسياحة ودائرة اراضي اسرائيل ووزارة الزرعة والمجلس المحلي يخططون لاقامة متنزه "وطني" وتحويل الشاطىء الى مكان سياحي!!

وبغض النظر عن اهداف هذا المخطط، إلا ان الوزارة تماطل في مصادقتها بادعاء ان السلطات المذكورة لم تف بالشروط اللازمة، فيما يدعون ان عدم المصادقة هو بسبب عدم وجود خريطة هيكلية رئيسية مفصلة. وأمام هذه الحجج والمماطالات يكسر يوميا صيادو جسر الزرقاء امواج التمييز للاستمرار في العيش بادنى الظروف إلى اجل غير مسمى.



"فصل المقال"

التعليقات