رصاصة طائشة اخترقت رأس هدى ومزقّت قلوب محبيها!

طفلةٌ، بعمر الورد، لا همّ لها سوى مدرستها وألعابها، أسبوعٌ واحد مرّ على عيد ميلادها الثامن، في 26 حزيران، احتفلت به مع صديقاتها، فرحن ولعبن ورقصن ببراءةٍ لا يمكن وصفها، لكنّ "الهدية"،

رصاصة طائشة اخترقت رأس هدى ومزقّت قلوب محبيها!

طفلةٌ، بعمر الورد، لا همّ لها سوى مدرستها وألعابها، أسبوعٌ واحد مرّ على عيد ميلادها الثامن، في 26 حزيران، احتفلت به مع صديقاتها، فرحن ولعبن ورقصن ببراءةٍ لا يمكن وصفها، لكنّ "الهدية"، جاءت متأخرة، رصاصة طائشة أطلقتها يدٌ جانية لتستقر في رأس هدى حمدي، لتغيبها عن الوعي وتصيب أهلها بصدمة مستمرة...

خمسُ أشهرٍ مرّت منذ فارقت هدى حضن عائلتها وتركت الأمان في بيت والدها ووالدتها هندية وخليل حمدي، مخلفةً ورائها ثلاث شقيقات (رقية 22 عامًا، سمية 20 عامًا، نور ثلاث سنوات وبلال 18 عامًا، وعمرو 16 عامًا، وإسلام 11 عامًا)، كما تركت في زوايا البيت ذكرياتٌ وضحكات ومداعبات طفولية مع أهل البيت والجيران.

الثاني من تموز 2010، تاريخٌ مشؤومٌ!

في هذا التاريخ سجلّت هدى حمدي أحداثا غريبة بعض الشيء، لا يمكن التعبير عنها، الا كما قالت والدة هدى "سبحان الله، شاء القدر أن أزور أشقائي المقيمين في منطقة السوق، بعد سنتين لم أبادلهم الزيارات، كنتُ أكتفي بزياراتهم الدائمة، قررتُ أن أهنئ زوجة أخي بسلامتها بعد عملية جراحية أجرتها".

ثم سجّلت البرازيل في هذا التاريخ خسارة مّرة أمام هولندا، حتى اعتقد البعض انّ الرصاص نابع من رد الفعل على لعبة كرة القدم، لكن "الله أعلم، لستُ متأكدة أنها نتيجة خسارة البرازيل، بل على العكس، كانت هدى قد وصلت للتو، ما يقارب الخمس الى 10 دقائق امضتهم مع بنات شقيقي، تقف في ساحة البيت، قبل ان تسقط مغشياً عليها".

في هذا اليوم، المشؤوم بالنسبة للعائلة، كانت هدى تقف الى جانب ابنة خالها (18 عامًا)، وصغيرة قريبة في المكان أيضًا، قبل أن تقع هدى أرضًا، ثم تقف على رجليها، لتسقط أرضًا مرة اخرى، وتحدثني ام بلال والدة هدى فتقول: "بسرعةٍ حملتها ابنة اخي وسارعت لتغسل لها مكان الجرح، لكنّ الدم ظلّ ينزف، وقد فقدت وعيها، وفي الحال حضر أحد الجيران، صيدليٌ، حاول أن يفهم ما الذي يجري، ثم تأكدّ انّ حالتها تستدعي أخذها الى المستشفى القريب من المنزل، الانجليزي، وهناك لم يكن يدور الحديث عن رصاصة في الرأس، بل عن السقوط أرضًا، والإصابة الخطيرة، ساء وضع هدى، صارَت تتنفس بصعوبة، وبسيارة الإسعاف نقلت الى مستشفى رمبام، وأدخلها الطاقم المسعف الى غرفة العمليات.

لا وقت ولا مكان للمزاح!!

خرجت الطبيبة من غرفة العمليات، بثوبها الأبيض، منفعلة: "أين أباها وأمها؟!"، "أنا وهو!!"، قالت: "ابنتكم بحالة صعبة جدًا، في الرأس رصاصةٌ قد استقرت هناك، والأمر يستدعي عملية"، "نظرنا أنا وزوجي إلى بعضنا البعض، واستغربنا، حيث لا مكان لمثل هذا المزاح الثقيل... من أينَ لها بالرصاصة؟!! لم نسمع صوت اطلاق نار!!"

و"في غرفة العمليات ظلّت هدى تحت العناية المكثفة 4 ساعات، أجريت لها عملية، وحين انتهى الطبيب من عمليته خرج وقد انتزع عظمة من الرأس، شرح لها سبب هذا العمل، الرصاصة اخترقت المخ واستقرت أسفله، ولا نستطيع استخراجها".

"فقدنا الأمل أنا ووالدها، توقعنا موتها خلال الأسبوع الأول، تعبت طفلتي هدى، 13 عملية جراحية في الرأس، مسألة لا يمكن أن يتحملها بشر، الآن بدأت هدى تتحسن، هي الأن أحسن حالاً... والأطباء من جهتهم أمهلونا ثلاثة أشهر، بعد أن تمّ نقلها من مستشفى رمبام الى مستشفى رعنانا "بيت ليفنشتاين"، وهناك يتم استكمال علاجها من خلال التمارين، حيث يشير الأطباء انّه في حالة استجابتها للعلاج، وهي حتى الآن بوضعٍ جيد، يعني ذلك انها ستُمضي نحو سنتين في المستشفى، قبل مغادرته، وإلا، فسيتم تحريرها الى البيت بعد ثلاثة أشهر، دون أملٍ في شفائها، لكنّ الله لطيفٌ بعباده، رحيم".

إصابة لئيمة

"يكسر إيدو، الذي أطلق النار، حيث استقرت رصاصة أطلقت من بارودة  أو رشاش، بحجم 8سم فأصابت رأسها مباشرة..

إنها إصابة لئيمة، أتعبتها، وآلمتها، ومع ذلك فالأطباء يستغربون بقاءها حيّة، إنها معجزة من الله، يريدها أن تبقى حية، وسيمنّ علينا برحمته ان شاء الله، ويشفيها بإذنه تعالى... الأمر الذي يطمئنني ويعزيني قليلاً أنّ لديها انفعالات وردود فعل، فهي تفتح عيونها رغم أنها لا ترى، وتسمعنا بصورة جيدة، وتستجيب لنداءاتنا، وهذه نعمة من الله".

تقول ام بلال: "هدى تتعذب، وتبكي باستمرار، تسيل دموعها على وجنتها من الأوجاع، ومؤخرًا أعادوا لها العظمة التي ازيحت عند أول عملية لها".

نعم أبكي... لكن بصمت!

"يجب أن أكون قوية، أو هكذا أبدو، حتى لا تنهار العائلة، نحنُ ثمانية أنفار، وإن انكسرتُ أنا، سينهار عمادُ البيت، خاصة أنّ قلب خليل ضعيف، ظلّ ثلاثة أشهر لا يستطيع العمل والتركيز في أي شيء، لأنّ هدى ليست بيننا".

"أربعة أشهر أمضيناها من وإلى حيفا، لا تهمنا التكاليف، وما نفعله قليل من أجل عيون هدى، المهم أن تعود اليها البسمة".

"في العاشر من تشرين الثاني نُقلت هدى الى رعنانا، وهناك ترافقها شقيقتها سُمية، التي تركت عملها لتبقى الى جانبها، أما انا فأزورها مرة في الأسبوع، حتى لا أبتعد كثيرًا عن أبنائي الصغار".

"هُدى التي كانت تضيءُ البيت كالشمعةِ، وثغرها يبسم فيملأ البيت بالطمأنينة، أصبحت هزيلة، لا ترانا، تسمعنا ولا نسمعها، تبكي وجعًا ولا أحد يستطيع أن يمنع الدموع من أن تسيل، تأكل من خاصرتها، لا تعرف من الملابس سوى ملابس النوم، أما خزانة ملابسها فلم يعد لها أية قيمة، لم تلبس ملابس العيد ولم نحتفل لأنها ليست بيننا".

"لكن، تقول ام بلال، ماذا عسانا نفعل؟! لا البكاء ولا الحزن بقادر على تغيير حالِ هدى، اللهم الا الدعاء إلى الله، بأن تعود لنا هدى سالمة... لا أستطيع ان ابكي بصوتٍ عالٍ، أكتم حزني حتى لا يحزن أبنائي، حتى لا تبكي نور، صديقة هدى، ابنتي الصغيرة، تأثرت كثيرًا خاصة أنها رأت هدى لحظة سقوطها، نور كانت تنزوي في البيت، تنفعل، لا تطيق أحد، اليوم هي أحسن، يحزنني ألا تجد مَن تلعب معه، أحن من هدى عليها".

"عندما كنتُ في صفِ هدى، ورأيتُ مقعدها خاويًا، بكيت بحرارة، حزن طلاب صفها، كانت تحب مدرستها، وكلما دخلت البيت نادت علي بلطف "ماما"... وحين ألمح أبناء جيلها والصديقات من الحي يلهون في الخارج، أبكي بصمت، لأنها ليست بينهن، وحين تبكي وأمسح دموعها أحاول التخفيف عنها بالقول "حبيبتي، احنا جنبك، متخافيش، كوني قوية عشان تطيبي".

تضيف ام بلال: "أشعر بها، بانفعالاتها، بتوترها، بوجعها، أحدثها، ألمس شعرها، أقبلها، تزداد بكاءً، ويزداد الوجع في قلبي واللوعة".

رصاصة طائشة لكنها  مرخصة!

تقول ام بلال: "أخشى ان تكون الرصاصة الطائشة، التي انطلقت من بارودة أو من رشاش، هي رصاصةٌ مرخصة، وأصحابها أما من الشرطة أو من الجيش، لا أستبعد شيئا، خاصة ان الشرطة لم تعتقل أحد، أكتفت بالسؤال عن أحوال هدى.".

"وأسألُ نفسي، ما الذي جناه، هذا الجاني بعد أن أطلق رصاصه؟!! هل شفا غليله؟!! هل حقق مُراده؟!!".

وترى العائلة أنّ الشرطة أهملت هذه القضية، وتركت الجاني يسرح ويمرح كيفما يشاء، بدل أن تتقصى الحقائق من أجل العثور عليه ومعاقبته.

التعليقات