أكاديميون ومثقفون يقيّمون إحياء يوم الأرض: الأرض ليست ذكرى!

حوار مع مجموعة من المثقفين والأكاديميين حول إضراب يوم الأرض والمسيرات، هل تكفي للنضال من أجل الأرض والمسكن؟ وهل ستؤثّر الثورات على شكل النضال مستقبلا؟ ما المطلوب؟

أكاديميون ومثقفون يقيّمون إحياء يوم الأرض: الأرض ليست ذكرى!

حوار مع مجموعة من المثقفين والأكاديميين حول إضراب يوم الأرض والمسيرات، هل تكفي للنضال من أجل الأرض والمسكن؟ وهل ستؤثّر الثورات على شكل النضال مستقبلا؟ ما المطلوب؟ |  تقرير: غادة أسعد


بعد 35 عامًا من أحداث يوم الأرض، نجح الإضراب العام والشامل بإحداثِ تغييرٍ ما في مجتمعنا، لكن إلا أيِ حدٍ تكفي هذه المسيرات والفعاليات، وماذا بعد؟! هل ينتهي نضالُنا يومًا واحدًا بعد انتهاء الذكرى؟! في هذه اللقاءات القصيرة نُطالع آراءَ مختلفة حول الموضوع...

 البروفيسور محمد أمارة: هناك حاجة لتذويت قيم الارتباط بالأرض

فور عودته من مسيرة يوم الأرض في قرية عرابة، اتصلنا بالبروفيسور محمد أمارة، الباحث والمحاضر في جامعة تل أبيب، وسألناه عن رأيه في فعاليات يوم الأرض، فقال: "أود أولاً أن أسجل ملاحظتين إحداهما إيجابية وهي أنّ عددًا كبيرًا من المشاركين هم من الجيل الشاب، وهذه ظاهرة جديدة على المسيرات وهذا يشجّع بالتأكيد".

"في المقابل، ما يلفت النظر أنّ المسيرة كأنها بلا روح، طقسٌ تقليدي مثل "شمة هوا"، وهذا يثير التساؤلات".

وتابع أمارة: "المسيرات الشعبية لا تكفي بأيِ حالٍ من الأحوال لأنها تشمل عددًا محدودًا من المشاركين، ولا يتم من خلالها تذويت قيم ومفاهيم وتأثيرات وإسقاطات كل ما يتعلق بالأرض، والشيء المؤسف أنّ الكثير من المدارس العربية لا تتطرق إلى يوم الأرض لا من بعيدٍ ولا من قريب".

وأضاف أمارة: "خطوة إعلان الإضراب الشامل مُباركة، لكنها خاملة لأنها لا تربطنا بالأرض، نحنُ نتحدث عن الأرض كأننا نرثي شخصًا مات، ونُشارك كل سنة في إحياء ذكراه، ما يجب فعله هو نقل الشعلة من جيلٍ إلى جيل، وليس إضرابًا عن التعليم، يجعل الطلاب فرحين معتبرينه يوم عطلة. نحنُ نريد زخمًا جماهيريًا وتفاعلاً على جميع المستويات وهي مسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا كمؤسسات فاعلة وقيادات سياسية وتربوية ودينية".

عن الثورات العربية وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني في الداخل يقول البرفيسور أمارة: "بالتأكيد ما يجري في العالم العربي من ثورات له تأثير علينا، لكنّ التغيير لا يُقاس بالأيام وأحيانًا ليس بالسنين، نحنُ نعيش في سياقٍ مختلف ووضعية مختلفة ومميزات المجتمع تختلف، فهل نتحدث عن ثورة ضد المؤسسة أم ضد قيادتنا؟! هناك إشكالية قيادات ليس فقط على المستوى القطري، ثم إنّ الأمواج العاتية التي تعصف بالعالم العربي من المحيط إلى الخليج لا بد أن تصلنا، ويبقى السؤال متى؟ّ!  هناك فعلاً ارتفاع للأصوات المطالبة بالتغيير"، وختم حديثه "أعتقد أن زمام المبادرة سيأتي في مرحلةٍ ما من الشباب".

 د. محمود يزبك: الإعلام العربي لا يلعب دورًا كافيًا لتثقيف المجتمع!

يقول د. محمود يزبك، الباحث والمحاضر في جامعة حيفا: "أعتقد أنّ الإضراب العام والشامل هو خطوة ايجابية جدًا، وقرارٌ حكيم، الإضراب يذكّر الجماهير العربية أننا بصدد يوم مفصلي في تاريخ شعبنا، ويجب الانتباه لهذا اليوم والمشاركة فيه، وهنالك فعاليات أخرى تمّت في يوم الأرض هذا بالذات، وهذه السنة تحديدًا كان هناك تظاهرة في العراقيب، وهذا أمرٌ جيد يربط الشمال بالجنوب ويعزز اللُحمة، على أرضِ واحدة إن كان ذلك في الجليل أو في النقب، إذًا هي فعاليات مطلوبة لكن لوحدها لن تكفي، إذا لم ترافقها عملية تثقيفية متكاملة للمجتمع العربي، وتكون مُعدة للطلاب في جميع المراحل التعليمية لتعزيز العلاقة والتواصل بين الطلاب ويوم الأرض، وأنا مَع أن يكون العمل من أجل هذا التثقيف على مدار السنين وليس ليومٍ واحد".

وتابع د. يزبك: "ما لفت نظري أنّ المنصة في العراقيب أعطيت للأهالي ليتحدثوا عن معاناتهم، وهذا الأمر هام جدًا، وهذا بالتأكيد يزيدهم تلاحمًا وتضامنًا".

وفي المقابل طالب د. يزبك بالتجند الإعلامي من أجل يوم الأرض، قائلاً: "كان من المتوقع أن تأخذ الصحافة المحلية على اختلاف انتماءاتها دورًا أكبر في نقل الحدث وتسليط الأضواء على ما يجري، فدور الصحافة أيضًا في حشد الجماهير في القضايا الأساسية وليس فقط نقل تقرير مقتضب، خاصة في هذه المناسبات المهمة، فدورهم يعطي للمناسبة زخمًا وأهمية أكبر".

وعن تأثير الثورات في العالم العربي على الفلسطينيين في الداخل يعتقد د. محمود يزبك أن التأثير غير مباشر، وحتى جانبي جدًا، فهذه الثورات تريد تغيير أنظمة للحصول على حريات اجتماعية ومشاركة سياسية، وفلسطينيو الداخل تقريبًا يُشاركون سياسيًا، بينما لا يُطالبون بتغيير النظام.

وتساءل د. يزبك: "هل هذا سينعكس على الفاعلية الجماهيرية التي ستتأثر بالتأكيد مما ستُحدثه التطورات في العالم العربي؟! عندما تكون هناك عملية انتخابات ديمقراطية وتنجح، فإذا ما نجحت الديمقراطية في العالم العربي، فسيكون التأثير مباشرًا على الجماهير العربية، خاصةً أنّ إسرائيل لن تقول إنها واحة الديمقراطية، ويُصبح العربي معتزًا بديمقراطية أبناء شعبه في العالم العربي، وقد يُعطي نوعًا من العِزة والانتماء القومي، وستأخذ القومية بعدًا أعمق على فلسطينيي الداخل".

وتحدث د. يزبك عن نوعية الشباب الفلسطيني في الداخل قائلاً: "نرى مجموعة كبيرة من الشباب العربي المثقف المتعلم، الأكاديمي، وتبشّر بالخير لأنها تستطيع أن تنقل المجتمع إلى نقلة وتغيير أنماط كبيرة في هذا المجتمع، لكن بالمقابل هناك مجموعة أخرى لأسبابٍ عديدة وموضوعية لم تستطع الحصول على الثقافة والتعليم والدراسة الأكاديمية، وبين بعضًا من هذه المجموعة تتفشى الكثير من السلوكيات السلبية التي نرفضها جميعًا، كالعنف والانحراف، وهذا يضع مجتمعنا في مأزق جدي، ويخلق شرخًا بين الشباب، والأمل أن نُحدث إصلاحًا على مستوى الشرائح الضعيفة، لنرقى بمجتمعنا إلى الأفضل".

الباحثة همت زعبي: يوم الأرض أصبح، للأسف، مجرد ذكرى

تحدثت الباحثة والناشطة النسوية همت زعبي عن أهمية إحياء ذكرى يوم الأرض فقالت: مما لا شك فيه أن الإضراب في ذكرى يوم الأرض إضافة إلى المسيرات التي تحيي هذه الذكرى هي خطوات هامة على الصعيد المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. إنها خطوات أساسية وأولية  تعمل على تعزيز والحفاظ على  الذاكرة الجمعية والهوية القومية.

وتابعت: مع هذا تبقى هذه الخطوات منقوصة وغير كافية خاصة على ضوء تفاقم عنصرية دولة إسرائيل تجاه المواطنين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، فلا يعقل أن يعتبر إقرار الإضراب في ذكرى يوم الأرض في لجنة المتابعة انجازًا في حين نشهد تغلغلا لمظاهر العنصرية والعداء للعرب في معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي وعلى رأسها الكنيست والحكومة الإسرائيلية.

وحول عنصرية الدولة قالت زعبي: إنّ حالة العداء والعنصرية الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين ليست بالظاهرة الجديدة فقد ولدت مع قيام الدولة إنما تعززت مؤخرا وتم شرعنتها بـ"فضل" الكنيست والحكومة الحالية.

أما رأي زعبي في القيادات العربية، فهو: الغريب هو أن تحوِّل قيادتنا يوم الأرض إلى مجرد ذكرى يتم إحياؤها في يوم واحد يشمل، في أحسن الأوضاع، إضرابًا بالكاد ناجح، ومسيرة تفشل لجنة المتابعة في تنظيمها فلا تبدأ بالوقت ولا تحمل شعارات وحدوية وتفشل مرة أخرى في منع الأحزاب من رفع إعلامها.

وتعتز زعبي بِما حصل في العالم العربي وتقول: من المحزن حقيقة أنّه وفي حين الشعوب العربية، التي طالما اتهمناها بالسلبية، تثور وتنتفض مطالبة في تغيير النظام  تفشل الأقلية الفلسطينية في تحدي النظام تراوح مكانها لا ترفع سقف مطالبها ولا تطور آليات تحديها.

 د. مصطفى كبها: يجب كتابة رواية تاريخية عن مناسباتنا الوطنية!

يقول الباحث المؤرخ د. مصطفى كبها: "أرى أنّ آليات إحياء الذكرى يجب أن تتطور إلى قضية توعية، إن كان على مستوى كتابة رواية على ما يحصل في يوم الأرض، الخلفية، الأسباب، التفاصيل التي يجهلها معظم أبناء شعبنا، فالمعظم يتحدث عن الأمور بمستوى الشعار ليس إلاّ، ولا يقتصر الأمر على يوم الأرض، فيجب أن نقوم بعملٍ جدي في جميع مناسباتنا الوطنية والتاريخية".

وخصّ د. كبها الأجيال الشابة، بضرورة حصولها على التثقيف اللازم، خاصة في إنجاز مواد تاريخية يمكن أن تكون متماسكة ومؤثّرة.

وحول العمل الجماهيري والقيادي مقابل تحديات ممارسات السلطات الإسرائيلية، قال د. كبها: "العمل شبه مشلول، فالمناكفات في الكنيست قضية مهمة لكن يجب ألا تكون جبهة النضال الأولى والأساسية، هناك جبهات كثيرة يمكن العمل من خلالها بأقل شعارات وأكثر فعالية ونجاعة ترسّخ وتقوي من وجودنا وصمودنا، ومن خلال هذه التوعية نستطيع أن نواجه القوانين العنصرية".

ويرى د. كبها أنّ العمل الشبابي جيدٌ على المستوى الرمزي، لكن هناك تقصير شبه كامل على المستوى العملي الجاد والفاعل بعيدًا عن الاكتفاء بالشعارات.

عن إمكانية إحداث ثورة في الداخل تحت تأثير ما يجري في العالم العربي قال د. كبها: "لا يجب أن نضخم الأمور، فوضعيتنا تختلف، ومدى جاهزيتنا ستختلف عما يجري في العالم العربي، فنحنُ نتفاعل ونتضامن ونؤيِد عملية إطفاء الأنظمة الظالمة لشعوبها، أما نحنُ فحديثنا عن الثورة وكل ما تعنيه هو أمرٌ مبالغ فيه، وعلى شبابنا أن يكونوا فعالين أكثر وواعين أكثر لتأدية ما يترتب عليهم من تبعات ومسؤوليات ومهام".

هيا صرصور: من المهم أن يفهم الشاب السخنيني أنّ قضية العراقيب مهمة!

تقول الناشطة النسوية هيا صرصور: ليوم الأرض معنييْن؛ الأول شعوري يتمثّل بوجود أعداد هائلة من المشاركين ويشكّل حافزًا للمزيد من المشاركات وتغيير التفكير للآخرين، والآخر سياسي يشكّل تحدٍ لمشاعر العدائية التي يجابهنا بها الآخر.

وترى صرصور أنّ هناك حاجة إلى العمل التنظيمي والجماهيري إلى جانب التظاهرات، فالمشاركة في مسيرة اللد والعراقيب تضع جماهيرنا في وعي أن قضايانا على المحك وهي قضية شعبٍ واحد، ولا تنفصل ذكرى يوم الأرض عما يجري اليوم من معاناة ومأساة متكررة، وهي عملية اقتلاع من الأرض.

وتتابع صرصور: العمل المنظم مهم جدًا، وكل موضوع الحقوق، والجمعيات الأهلية، وتغطية قضايا الأرض والمسكن وهدم البيوت وتضييق المسطحات العربية يجب ان يتم تغطيتها بالشكل الكافي، إضافة الى العمل مع الشباب والعمل السياسي والإعلامي والقانوني أيضًا، وأعتقد أنّ على الشاب السخنيني مثلاً أن يعي ما يجري في العراقيب أيضًا، خاصةً أنّ المأساة واحدة.

ولا ترى صرصور أن القضايا التي نمر بها سهلة، لكنها ترى بالمقابل أن ما جرى في العالم العربي أحدث تفاؤلاً كبيرًا في الناس، وأنّ الإرادة هي التي تنتصر، وأن الحق لا بُدّ أن يعود لأصحابه حتى لو كانوا أقلية، فهو مقنع إنسانيًا وقانونيًا وسياسيًا.

وترى صرصور أنّ وسائل الإعلام والانترنت ساعدت كثيرًا، وهناك تكامل بين ما نفعل وبين رضانا عن أنفسنا، لذا نرى بعض من يقف من اليهود مع نضالنا، بالمقابل يجب أن ننظر إلى المؤسسات الحقوقية العالمية ونطالبها بالتدخل.

أما بخصوص دور المرأة فتقول صرصور: "في العمل المنظّم والنضال هناك عدد كبير من النساء، فالبيوت في اللد والعراقيب يسكنها ايضًا نساء، ولا يختلف الأمر بين الرجل والمرأة في هذا النضال، وكلاهما يتعرضان للقمع".

د. راز: المطلوب وحدة فلسطينيي الداخل!

تحدث د. امنون راز، استاذ في التاريخ – جامعة بن غوريون، بعد انتهاء المسيرات الشعبية إحياءً لذكرى يوم الأرض، قائلاً: "يبدو جليًا أنّنا لا نعمل بِما يكفي، ورغم ما يجري في الخارج من تغييراتٍ ايجابية يجب أن تؤثر على فلسطينيي الداخل، إلا أنّ التغيير لن يأتي دون وضع النضال القومي في رأس نضالات المجتمع العربي، بعد ذلك تأتي المطالِب بالمساواة".

وأضاف: "ما نشهده من قوانين إسرائيلية شرسة، تُطالب الفلسطينيين بنسيان ماضيهم، من خلال "قانون النكبة"، هو تأكيد على أنّ هناك مسارٌ خاطئ يسيره الفلسطينيون، أوصل إلى تراجع في النضال مقابل قوانين تُسن بشكلٍ متواصل. لكن من جهة أخرى نستطيع القول إن إسرائيل تُضطر إلى الاعتماد على القوانين العنصرية كنهج لأنها باتت في ضائقة، ولا تستطيع التعامل مع النكبة، إلا بمحاولة التستر عليها".

وتابع د. راز: تبدو إسرائيل في ضائقة، وهذا ما يؤكده القوانين المُوجهة ضد شخصٍ واحد هو عزمي بشارة، فغالبية ما يُسن من قوانين في الكنيست هي ضده ونكايةً بِه، وهذا ما يعني انه يخيفهم، لكن المشكلة الأكبر أن المجتمع العربي صامت، والإسرائيليون لا يعنيهم الأمر".

وزاد راز: "المطلوب حالاً وسريعًا وحدة حقيقية قومية بين أطياف المجتمع العربي على اختلافه، وهذا فقط ما يمكنه إسقاط قوانين للعنصري ليبرمان، الوحدة تستطيع أن تواجه هدم البيوت ومصادرة الأراضي".

وختم د. راز: إذا ما وُجد التضامن بين أبناء الشعب الواحد فإننا مُطالَبين بالنضال من أجل الديمقراطية الحقيقية، وتحقيق شعار "دولة جميع مواطنيها"، وليكن ما جرى في العالم العربي رافعة لنا، فوحدة المصريين على سبيل المثال، جمعت الناصريون بالإسلاميين والقوميين وفئاتٍ مختلفة من الشعب، وحققت حُرية انتُزعت منهم لسنواتٍ طوال، فلماذا لا ننجح نحنُ أيضًا؟! خاصة أن الوضع في إسرائيل أصبح لا يُطاق، وتجري أمور وتُسن قوانين لا يستوعِبها العاقل، هذا يعني أن هناك أزمة حقيقية، لا يغيّرها إلا مطالِب الحرية والديمقراطية".

التعليقات