دراسة لمدى الكرمل: الانتخابات الأخيرة شهدت تحولات في أوساط فلسطينيي الداخل

تتمحور الدراسة حول ثلاث نتائج مركزية للانتخابات: الهبوط الحاد في التصويت للأحزاب الصهيونية؛ الفروق السياسية بين الجبهة والتجمع؛ انتخاب امرأة عربية لأول مرة من قبل حزب عربي...

دراسة لمدى الكرمل: الانتخابات الأخيرة شهدت تحولات في أوساط فلسطينيي الداخل
تتمحور الدراسة حول ثلاث نتائج مركزية للانتخابات: الهبوط الحاد في التصويت للأحزاب الصهيونية؛ الفروق السياسية بين الجبهة والتجمع؛ انتخاب امرأة عربية لأول مرة من قبل حزب عربي...
 
تشير دراسة جديدة لكل من البروفيسور نديم روحانا (مدير عام مركز مدى الكرمل) والباحثين في مدى الكرمل امطانس شحادة وأريج صباغ-خوري، تحت عنوان "تحوّلات في السياسة الفلسطينيّة في إسرائيل"، إلى أن انتخابات الكنيست الـ 19 عام 2009 أنتجت ثلاثة تحولات سياسية مركزية: الهبوط الحادّ في التصويت للأحزاب الصهيونيّة؛ شحذ الفروق السياسيّة بين "الجبهة" و"التجمّع"؛ انتخاب امرأة عربيّة للكنيست لأوّل مرة من قِبل حزب عربيّ. وقد صدرت هذه الدراسة باللغة العبرية في كتاب "الانتخابات في إسرائيل 2009" عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وباللغة العربية في مجلة الدراسات الفلسطينية، كما وستصدر قريبًا بالانجليزية.
 
ترى الدراسة أنّ سياق الانتخابات، التي أجريت مباشرة بعد الحرب على غزة، وبعد ثلاث سنوات من حرب لبنان الثانية، إضافة إلى "التطورات الإقليمية الأخرى، والتطورات داخل المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الفلسطيني في إسرائيل، عززت مسارات تدهور العلاقات (المعقّدة أصلاً) بين دولة إسرائيل ومواطنيها اليهود من جهة، والمواطنين الفلسطينيين من جهة ثانية. ومقابل الإجماع الإسرائيلي الصهيوني المتمثل بتحصين الطابع اليهودي للدولة في القوانين، الثقافة والسياسات الحكومية، ثمة إجماع آخذ بالتبلور لدى الفلسطينيين في إسرائيل، بأن تغيير مكانتهم الجماعية (على جميع الأصعدة) لن يتحقق إلاّ بعد تغيير الطابع اليهودي الصهيوني لإسرائيل، مما حث الفلسطينيين على تحدي مسألة الدولة اليهودية وطرح بدائل للنظام القائم على غرار دولة جميع مواطنيها، والحكم الذاتي، أو الدولة ثنائية القومية".
 
في سياق تراجع التصويت للأحزاب الصهيونيّة، تقول الدراسة إنّ هٰذه النتائج هي استمرار للنـزعة التي شُخّصت في انتخابات عام 2006، وقد ترمز في انتخابات العام 2009 إلى انتهاء التصويت للأحزاب الصهيونيّة في صفوف الجمهور العربيّ، والتي بلغت 18% (باستثناء البلدات العربية الدرزيّة وبلدات عربية بدويّة في الشمال- والمشترك بينهما هو الخدمة العسكريّة في الجيش الإسرائيلي). وفي الإمكان مقارنة هٰذه الظاهرة بانتهاء مرحلة القوائم العربيّة المرتبطة بأحزاب السلطة في مطلع الثمانينيّات، وتفسر بتطوّرات اجتماعيّة وسياسيّة في ثلاث دوائر: الدائرة الداخليّة، أي التحوّلات داخل المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل؛ الدائرة الإسرائيليّة، أي التحوّلات في المجتمع والسياسة الإسرائيليَّيْن وتعامُل الدولة مع الجمهور الفلسطينيّ؛ والدائرة الفلسطينيّة العامّة والعربيّة، أي التطوّرات على المستوى الفلسطينيّ، وفي العالم العربيّ، وفي المنطقة بعامّة.  ولدت التطوّرات في هذه الدوائر والتفاعلات في ما بينها ثلاث نزعات مركزيّة أثّرت في نتائج الانتخابات: 1. تَشكُّل "إجماعين" متناقضين ومدرَكَيْن لدى المجموعتين السكّانيّتين العربيّة واليهوديّة؛ 2. تَعزُّز الوعي للصراع الجوهريّ حول مسألة الدولة اليهوديّة؛ 3. ارتفاع في مفهومي العدائيّة والعدوانيّة المتبادلين بين دولة إسرائيل والمواطنين الفلسطينيّين
 
في سياق التحوّل الثاني: بين اليسار الإسرائيليّ والتيّار الوطنيّ المناهض للصهيونيّة، جاء في الدراسة أنه "على الرغم من الاتّفاق الواسع في صفوف الأحزاب العربيّة حول مواضيع سياسيّة مركزيّة، يمكن الادّعاء أنّ الانتخابات الأخيرة - أكثر من أيّ انتخابات مضت- أظهرت فروقًا مركزيّة بين الحزبين اللذين يتبوءان مركز الصدارة في النقاش الفكريّ في صفوف النخب السياسيّة الفلسطينيّة في إسرائيل وهما: الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة والتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ. وأن جوهر التجديد في المعركة الانتخابية الأخيرة هو الوضوح الفكري داخل كل من التجمع والجبهة، وعملية المفاضلة في ما بينهما. فبخلاف التجمع، تحاول الجبهة في الفترة الأخيرة تبوء مكانة شرعية داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية. وعليه يموضِع هٰذا الحزب نفسه تدريجيا كجزء من نسيج المجتمع والسياسة الإسرائيليين. تتوجه الجبهة الديمقراطية - بهٰذا المفهوم- نحو الاندماج في الخارطة السياسية كحزب إسرائيلي مثل غيـره من الأحزاب. إذا تواصل هٰذا المسار، فمن شأنه تغيير وجه الحزب، وتغيير وجه السياسة العربيّة في إسرائيل".
 
ويخلص معدو الدراسة إلى أن "الجبهة الديمقراطيّة تحاول أن تتموضع كحزب يسار إسرائيلي، وترغب في بناء يسار إسرائيليّ جديد على أنقاض وأطلال اليسار الإسرائيليّ الذي تفتّت في انتخابات العام 2009، فيما يموضع التجمع الوطني نفسه كجزء من الحركة القومية الفلسطينية والتيار القومي في العالم العربي".
 
في المقابل يعزّز التجمّع موقعه خارج النسيج السياسيّ الإسرائيليّ، ويُبعد احتمال تصنيفه كحزب إسرائيليّ من حيث الجوهر والهُويّة. لا يرغب التجمّع في الاندماج في النسيج السياسيّ الإسرائيليّ ولا حتّى كمعارَضة، على الرغم من تشديده أنّه يعمل داخل الواقع الإسرائيليّ. يشجّع هٰذا الحزبُ المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل على أخذ قسط في الصراع، كعرب فلسطينيّين، وخصوصاً في النضال ضدّ الصهيونيّة. يبحث التجمّع عن موقع ملائم في النسيج القوميّ الفلسطينيّ والعربيّ العامّ في الصراع بين الشعب الفلسطينيّ والصهيونيّة. لٰكنّ هٰذا الحزب لم يحدّد بعد دَوْر الفلسطينيّين مواطني إسرائيل وموقعهم في هٰذا النسيج، ولا سيّما على ضوء انشغال النواة التنظيميّة للحزب في الانتخابات للكنيست الإسرائيليّ.

أما بالنسبة لانتخاب امرأة فلسطينيّة للمرّة الأولى من قِبل حزب عربيّ، فتشير الدراسة إلى أن ذلك هو ثمرة مسارات متسارعة من التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع العربي، وبروز نشاط النساء الفلسطينيات في الداخل كمجموعة ضغط سياسية في الأحزاب والجمعيات من أجل تدعيم مكانة النساء في المجتمع والسياسية.
 
كما تدعي الدراسة أنه رغم التحولات الحاصلة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، لم تقم الأحزاب العربية، رغم تشديدها على دعم مكانة النساء لسنوات طويلة، بترجمة مواقفها إلى خطوات عملية وفعلية مثل إدراج نساء في أماكن مضمونة في قوائمها الانتخابية، وأن التغيير في سلوك الأحزاب العربية في هٰذا المجال جاء في منتصف التسعينيات، لٰكن تحصين مكان للنساء في حزب عربي لم يحصل إلاّ في الانتخابات الأخيرة.
 
ويستعرض هذا القسم من الدراسة التغيرات الداخلية التي أدت إلى تحصين مواقع للنساء في قوائم الانتخابات. حيث سلّطت الدراسة الضوء على التفاعلات والصراعات الداخلية في الجبهة والتجمع. وتشير الدراسة إلى أن التنافس بين الحزبين قد لعب هو ايضًا دوراً إيجابياً في انتخاب امرأة للكنيست. كما تدعي الدراسة أن إدراج امرأة في مكان مضمون للكنيست قد أثر بشكل إيجابي على أنماط تصويت النساء، مشيرة إلى أن الحديث هو عن انطباعات أولية ثمة ضرورة لدراستها بشكل معمق.
 
تخلص الدراسة إلى أن النتائج الثلاثة تشكّل تحوّلات في السياسة الفلسطينيّة في إسرائيل، وتشير إلى نوع من الحراكيّة وعدم الاستقرار. وتقول إن المجتمع الفلسطينيّ يجتاز سيرورات اجتماعيّة واقتصاديّة وأخرى تتعلّق بالهُويّة، تؤثّر على علاقة هٰذه المجموعة السكّانيّة مع الدولة، وتؤثّر على الديناميكيّة الداخليّة بما في ذلك العلاقات بين الأحزاب العربيّة. على الرغم من ذلك، الادّعاءات التي طُرحت في هٰذا المقال تستوجب أبحاثًا مكمّلة بغية تثبيت الادّعاءات التي طُرحت.

 

 

التعليقات