ندوة في مدى الكرمل: هل تعمل سياسات التمويل على رسم حدود وسقف الخطاب السياسي؟

"ثمة تناقضات كبيرة بين أجندات صناديق التمويل وبين أجندات مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة أن مؤسسات المجتمع المدني في الداخل الفلسطيني تملك أجندات تتعلق بمنظومة فكرية وإرادة عامة تتناقض كلياً مع رؤية الدولة، ولا يوجد تمويل لا يدخل من باب النظام السياسي الأيديولوجي القائم"

ندوة في مدى الكرمل: هل تعمل سياسات التمويل على رسم حدود وسقف الخطاب السياسي؟
"ثمة تناقضات كبيرة بين أجندات صناديق التمويل وبين أجندات مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة أن مؤسسات المجتمع المدني في الداخل الفلسطيني تملك أجندات تتعلق بمنظومة فكرية وإرادة عامة تتناقض كلياً مع رؤية الدولة، ولا يوجد تمويل لا يدخل من باب النظام السياسي الأيديولوجي القائم"، هذا ما قاله د. أمل جمّال المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب ومدير مركز إعلام. جاء ذلك خلال الطاولة المستديرة التي عقدها مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية التطبيقية حول المجتمع المدني وسياسات التمويل، وحول مدى تدخل الصناديق الممولة في رسم حدود وسقف الخطاب  السياسي. كما أكد المحاضر الثاني في هذه الندوة، د. رائف زيق من مركز "منيرفا" للآداب في جامعة تل أبيب والمحاضر في كلية الكرمل للقانون، على نفس الادعاء حيث قال إن كل نوع من التمويل، أو عدمه، يتضمن نوعاً من التدخل في الأجندة التي تطرحها المؤسسة التي تطلب التمويل، وأن لكل صندوق تمويل أجندة خاصة، والسؤال هو كيف نعمل في مثل هذه الظروف.
 
يذكر أن هذا هو اللقاء الثاني من سلسلة ندوات الطاولة المستديرة التي بادر إليها مركز مدى الكرمل لبحث مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودور الفلسطينيين في إسرائيل، بهدف توفير منصة للتفكير المشترك في القضايا الجوهرية والتحديات المفروضة على المجتمع الفلسطيني في الداخل، وعلى الفلسطينيين بشكل عام. ومن المقرر أن تتواصل هذه الندوات لبحث مواضيع مختلفة مثل: الفلسطينيون في إسرائيل في العملية التفاوضية؛ المواقف المختلفة من حل دولتين لشعبين؛ مسألة تدويل مكانة الفلسطينيين في إسرائيل؛ آفاق العمل العربي اليهودي في معارضة الدولة اليهودية، وغيرها.
 
افتتحت الندوة السيدة إيناس عودة-حاج، المديرة المساعدة في مدى، وقالت إن الندوة تهدف إلى مناقشة أدوار المجتمع المدني الفلسطيني على اثر تزايد محاولات الاحتواء التي تقوم بها صناديق التمويل العالمية والمحلية، ومشاريع القوانين الإسرائيلية التي تقيّد عمل المجتمع المدني، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الدولة اليهودية. ثم طرحت مجموعة من الأسئلة لمناقشتها، على غرار: هل تساهم سياسات التمويل في رسم حدود التحدي وحدود الخطاب السياسي؟ ما مدى قدرة المجتمع المدني على مواجهة الحدود والقيود المفروضة؟ ما هو موقفنا من مؤسسات مانحة تشترط التمويل بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مثلما يفصل صندوق إسرائيل الجديد؟ وما هو دور المثقفين والأكاديميين في هذه القضايا؟
 
خلال مداخلته استعرض د. أمل جمّال تاريخ ومراحل تطور مؤسسات المجتمع المدني في السياق الإسرائيلي، مشيراً إلى أن اليسار الصهيوني هو الذي بدأ بإقامة مؤسسات المجتمع المدني التي تماشت مع سياسات الدولة وسياسات الصناديقالمانحة، وفقط لاحقا بدأ يظهر التناقض بين توجهات الدولة وتوجهات مؤسسات المجتمع المدني، خاصة مع بدء هيمنة اليمين الصهيوني على مؤسسات وأعصاب الدولة.
 
كما أشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني جاءت على هامش مسألة تجنيد الأموال من قبل المؤسسات اليهودية الصهيونية، وكانت في بداياتها تهدف إلى سد الفجوات التي خلقتها الدولة. وقال: "مع هيمنة اليمين على مؤسسات الدولة بدأت عملية سد باب التمويل الخارجي على المؤسسات التي لا تتماشى مع الرؤية المهيمنة للدولة، ومن ثم محاولات الدولة لحجب الثقة عن تلك المؤسسات بشكل قاطع، بواسطة القوانين والضغط على الصناديق المانحة، وفي ذات الوقت العمل على إقامة مؤسسات مدنية يمينية".
 
كما أكد على أن التمويل يرتبط دائما بالتدخل ومحاولة فرض سقف سياسي معين. وتوقع أن تستطيع المؤسسات الفلسطينية الخدماتية والتي تعمل على سد الاحتياجات الأساسية للمجتمع البقاء، بينما ستواجه المؤسسات الأخرى التي تحمل أجندات وفكر يتحدى السياسات المهيمنة العديد من الصعوبات. لكنه أكد على أن هذه السيرورة غير حتمية، مشيراً إلى عدم وجود أجندة مطلقة. وقال إنه يجب عدم الانتظار وضرورة الرد على هجوم الدولة بهجوم مضاد، وضرورة التشبيك بين جميع المؤسسات والتخاطب بينها.
 
اما المتداخل الثاني، د. رائف زريق فقد أكد على حتمية التدخل من قبل الجهات المانحة في سياسات وأجندات المجتمع المدني، وقال إن السؤال المطروح هو دور تلك المؤسسات في دول مثل إسرائيل التي قامت على أنقاض المجتمع الفلسطيني. ولمواجهة الضغوطات من قبل الدولة والصناديق المانحة. وشدد د. زريق على أهمية تعزيز شرعية مؤسسات المجتمع المدني، مشيرا إلى أن ضعف الجمعيات في الداخل يعود إلى مسألة عدم وجود إدارة قوية وفاعلة، مؤكداً على ضرورة استناد الإدارة إلى قاعدة جماهيرية أوسع، وضرورة استناد المؤسسة إلى الأداء المتميّز والمصداقية.
 
في نهاية مداخلته قال د. زريق إن الحديث هنا هو عن لعبة موازين قوى. فثمة طرف يملك الموارد المادية وطرف يملك الشرعية والموارد المعنوية.. وبخصوص مواجهة ضغوطات المؤسسات المانحة ورفع منسوب قوة مؤسسات المجتمع المدني أمام الممولين، دعا زريق إلى ضرورة العمل على إيجاد مصادر تمويل محلية، وصياغة ميثاق شرف بين الجمعيات المختلفة؛ وزيادة منسوب شرعية الجمعيات بواسطة تقوية عنصر التمثيل.
 

التعليقات