المستأصلُ الأصيل: لقاء مع البروفيسور سامي حسين من دير حنا

الجرّاح العالمي، بروفيسور سامي حسين، يعود إلى بلدته دير حنا، ويقصد مستشفى المقاصد في القدس لخدمة أهله وشعبه وتطوير مجال الجراحة العصبية، بعد مسيرة جراحة وأبحاث طبية مليئة بالإنجازات في ألمانيا والعالم!

المستأصلُ الأصيل: لقاء مع البروفيسور سامي حسين من دير حنا

البروفيسور سامي حسين

الجرّاح العالمي، بروفيسور سامي حسين، يعود إلى بلدته دير حنا، ويقصد مستشفى المقاصد في القدس لخدمة أهله وشعبه وتطوير مجال الجراحة العصبية، بعد مسيرة جراحة وأبحاث طبية مليئة بالإنجازات في ألمانيا والعالم!

لا بدّ لك بعد مقابلته أن تردّد القول المأثور: "ملأى السنابل تنحني تواضعا.. والفارغات رؤوسهن شوامخ.. التقينا به تحت أشجار النخيل، أمام منزل عائلته في بلدته دير حنا، لم نخف فضولنا عندما انتظرنا وصوله بلباسه المتواضع وهدوئه اللافت والصبر وحسن الإصغاء، وهكذا كان انطباع المرضى وذويهم ممن وصلوا إليه لااستشارة، وهو يمنحهم كل الوقت والصبر دون أن يبدي أي تذمر من سيل الأسئلة والاستفسارات الروتينية.

التقينا بالبروفيسور سامي حسين بعد أسبوع منهك من عمله في مستشفى المقاصد بمدينة القدس، الذي بدأ يزاول عمله فيه حديثا، لكن ملامحه توحي بالرضى والارتياح والقناعة، مدفوعة برسالة سامية أرادها كذلك، ويؤديها على أفضل وجه، فهو الجراح الشهير برفسور سامي حسين، درس وتخرّج من كلية الطب عام 1981، وهو لم يتجاوز الـ25عامًا، في مدينة "هنوفر" الألمانية، وأجرى أول عمليات جراحية معقدة هناك وهو في سن 27، تقلّد لقب برفسور في الجراحة العصبية وهو في سن 34، عالج الآلاف وأسّس أقسام الجراحة العصبية، وهو محاضر لامع يطمح لتوظيف هذا الرصيد والإرث الخاص لبلده وشعبه بعد أن عاد ليستقر على أرض الوطن.

برفسور حسين: عملت كباحث في كلية الطب، لكن الأبحاث وحدها لم تكن مقصد رسالتي

قد ينطبق على برفسور حسين تسمية "الأدمغة المهاجرة" والمدفوعة إلى مصير قسري، بسبب القمع أو الرفض العنصري، الأمر الذي قد يدفع أمثاله نحو التحدي والإبداع.. عاد البرفيسور حسين إلى الوطن قبل نحو شهر، مشحونًا بالأمل، وبتحديات رسالته السامية، ليمضي برسالته في خدمة أهله وشعبه.

 لم ينس، كما يبدو، مرارة رفض المستشفيات الاسرائيلية قبوله كطبيب متدرب عند تخرجه في العام 1981، يقول: "عدت من ألمانيا إلى البلاد في عام التخرج نفسه (1981)، وتوجهت للمستشفيات الاسرائيلية كطبيب متدرب، إلا أنّ أحدًا لم يقبلني، وذلك بعد أن أنهكوني بالمماطلة والتسويف، وبعد ثلاثة شهور قرّرت ترك البلاد والعودة إلى ألمانيا، وفعلا عدت والتحقت هناك عام 1982 بكلية الطب في قسم الجراحة العصبية في مدينة "هنوفر"، كان مجالي هو الأبحاث المتخصصة بالعلم التركيبي للمخ والجهاز العصبي، وبعدها كانت مهمتي العلاج المركّز لدى المرضى ممن يحتاجون للعلاجات المكثفة بعد الحوادث، لكن رسالتي كانت أبعد من الأبحاث، رغم تحقيق النجاحات في هذا الميدان".

برفسور حسين :عدم قبولي في البلاد دفعني نحو التحدي لأقدّم شيئًا خاصًا لمجتمعي وأهلي

نقطة تحول أخرى في مسيرة التحدي تدفعه إلى المثابرة، وتحدث نقلة مهنية نوعية في حياة البرفيسور حسين، وتترك أثرًا بالغًا في نفسه ويقول: "في السنة الرابعة من التخصص، سافرت إلى سويسرا، وتعرفت هناك إلى الجرّاح التركي الأصل، محمود غازي يشاعيل، وهو أكبر وأعظم جرّاح أعصاب في العالم بالقرن العشرين، بعدها خضت تحديات أكبر على مستوى الأوعية الدموية، مع متابعة الأعمال البحثية في الوقت نفسه، لاكتشاف طرق معينة لعلاج أورام في أعماق المخ، دون الحاجة للجراحة، حيث استطعت تطوير وسائل "مايكروسكوبية" لاستئصال أورام عميقة جدا في الدماغ، بعد أن كانت في السابق عملية معقدة جدا، بل مستحيلة، وهذا ما أعطاني شهرة أكبر".

خلال لقائنا معه، زاره عدد من المرضى لاستشارته في منزل العائلة، وهو يتعاطى بصبره وحساسيته ورقته، وهو يسهب بالشرح المفصل الواضح والبسيط، دون أن يبدو عليه التذمر أو الامتعاض، حيث لم يكن اللقاء الصحhفي ما يهمه بقدر ما يهمه من وصل إليه ليستعين بمهاراته، قاصدًا العلاج أو الاطمئنان من مخاطر أمراض صعبة.

يقول: "كنت محاضرًا في كلية الطب ورئيس القسم في (هنوفر)، وكذلك أسست عام 2002 قسمًا للجراحة العصبية في مستشفى تعليمي بكلية الطب بمدينة (هلدس) في شمال ألمانيا، وفي السنة الأخيرة تعرفت إلى بعثة من مستشفى المقاصد في القدس، خلال زيارة لها إلى الكلية، وكانت بداية التعارف هناك"، ويضيف: "تحدّثنا عن إمكانية عمل "موسمي" في "المقاصد،" لكني عندما بدأت العمل هناك لاحظت أن وضع الاختصاصات غير مرضٍ فلسطين المحتلة، وشعرت من باب واجبي المساعدة والإسهام في تطوير قسم الجراحة العصبية هناك، مع إمكانية تعليم الموضوع والاختصاص، وهذا تحدٍّ كبيرٌ آخر ينتصب امامي لترك ألمانيا نهائيا والعودة لتقديم شيء جديد لمجتمعي وأهلي في البلاد".

أهمّ العمليات الجراحية في مسيرته، معقدة ومؤثّرة

"أكثر من 9500 عملية جراحية، والكثير منها معقدة"، هكذا أجاب بتواضع، حاولنا التأكّد أكثر من مرة من دقة هذا الرقم، فهزّ رأسه، سألناه عن أكثر هذه العمليات تأثيرًا عليه: "استدعيت مرة إلى إيران، وأجريت عملية ناجحة لشخص هناك، ولكن أكثرها أثرا عندما أجريت عملية لطفل عمره 3 سنوات من قرية عبلين، بعد أن تعثّر علاجه في أماكن عديدة، وبعد أن توجّهوا إلي في المانيا، أجريت له ثلاث عمليات معقدة من حيث الأورام والنزيف، استطعت خلالها استئصال الأورام من الدماغ، وهو اليوم ابن 18عامًا، وتربطني علاقة مع العائلة حتى اليوم".

حلم؟

"أريد إقامة قسم متطور لجراحة الأـعصاب في مستشفى المقاصد، وتخريج عدد من المختصين، وأنا أعتبر هذا جزءًا صغيرًا مما أستطيع الإسهام به لأهلي ومجتمعي، رغم أنني أعلم حجم المصاعب والعقبات، لكننا سنمضي بتطوير هذا القسم، ليكون القسم الأكبر، وتحقيق الغاية المرجوة في تقديم أفضل العلاجات لأهالينا والمرضى جميعًا".

التعليقات