اعتداءات جنسية في «أحضان» العائلة

وعندما سألته المستشارة "هل ضايقك ابن خالتك بأمر آخر؟" أخفض وافي رأسه ثم أجهش بالبكاء، ليتضح أن ابن خالته كان يعرض الافلام الإباحية عليه كي يطبقها عليه ويُشبع رغباته الجنسية مهدّدًا بفضحه ان قام بإخبار أي أحد بالأمر. تحدّث وافي بالتفصيل عما مر به، وعن المناطق التي آلمته في جسده، وعن عدد المرات الكثيرة لهذا التحرش الذي كما يبدو سوف يؤثر على كل حياته في المستقبل.

اعتداءات جنسية في «أحضان» العائلة

"صرخة" - لوحة للفنان فادي بتريس

"وافي" و"كوثر"، مأساتان تكبران مع الكتمان، قصتان مخفيتان مخيفتان، مخبأتان بين الخوف من الكلام والشعور بالذنب، طفلان لم يقترفا أي ذنب ولم يدركا بعد كنه الذنوب...لكن كان حولهما من لم يضبط نزواته ولم يُضبط في جريمة اعتداء حطّمت الطفولة وما تبقى من حياة...وحياء. عــ48ـرب قررّ أن يكشف عن قصتين حدثتا مؤخرًا في إحدى البلدات العربية.

 

 

 

 

يرسم وافي (اسم مستعار) في دفتره غير مكترث للحصة، فتسأله المستشارة، التي تمرّر للصف ورشة تربويّة، عمّا يرسم، فيخفي بسرعة دفتره داخل حقيته خائفًا، تقرّر المستشارة بتفقد دفتره خلال الاستراحة بعدما شعرت أنّ وافي يخفي شيئًا ما...شيئًا خطيرًا.

توقعات المستشارة المدرسة كانت صائبة، فقد رسم وافي، ابن الصف الخامس، رسمة جنسية إباحية يظهر فيها رجل وامرأة يمارسون الجنس. تخبر المستشارة مربية الصف التي قالت لها أيضًا إنّ وافي بدأ يتراجع مؤخرًا في تحصيله العلمي، وإنّ سلوكياته تغيّرت عن الفصل الأول.

قامت المستشارة ومربية الصف بالاجتماع مع وافي ليعرفوا أكثر عن الموضوع وعن الدافع لرسم هذه الرسمة، طمأنته، فلا داعي للخوف لأنّها هنا لتقف إلى جانبه، أما وافي فبدأ بسرد مأساته: ابن خالته في الصف الثامن قام بعرض مشهد جنسي عليه عبر جهاز الكمبيوتر، ويتضح بعد حديث مطول، أنّه عرض عليه عدة أفلام وأكثر من مرة.

وعندما سألته المستشارة "هل ضايقك ابن خالتك بأمر آخر؟" أخفض وافي رأسه ثم أجهش بالبكاء، ليتضح أن ابن خالته كان يعرض الافلام الإباحية عليه كي يطبقها عليه ويُشبع رغباته الجنسية مهدّدًا بفضحه ان قام بإخبار أي أحد بالأمر.

تحدّث وافي بالتفصيل عما مر به، وعن المناطق التي آلمته في جسده، وعن عدد المرات الكثيرة لهذا التحرش الذي كما يبدو سوف يؤثر على كل حياته في المستقبل.

أعلمت مربية الصف والدة الطفل عن اجتماع خاص وحساس معها حول وافي، شرحت المستشارة لها ما حصل بالتفصيل، وأخبرتها بضرورة فتح الموضوع بينها وبين ابنها والوقوف إلى جانبه، وإرشادها لكيفية التعامل مع هذه القضية.

عندما دخل وافي إلى غرفة المستشارة رأى والدته هناك، حضنها وبدءا بالبكاء الشديد.

تقول المستشارة إن الوالدة تجاوبت كما يجب، لكنها قررت عدم الذهاب الى الشرطة، خوفا من "الفضيحة" كما تقول، ومن زوجها العاطل عن العمل وصعب المراس أيضًا، إذ تُعيل لوحدها ستة أبناء!

لكنها تقرر في النهاية إخبار اخيها القريب منها كي يساعدها، كما سوف تأخذ وافي إلى جلسات علاجية عند مختص بهذا الشأن، ستقول لزوجها وعائلتها إنها جلسات علاجية للمساعدة في التركيز بالتعليم.

وعند سؤالنا للمستشارة لماذا لم تتوجه المدرسة هي بدورها الى الشرطة قالت: "عندما يكون المعتدي من خارج العائلة، واجبنا حسب القانون إخبار العائلة، اما اذا كان المعتدي من داخل العائلة نفسها، فنقوم بالتوجه الى الشرطة بعد التنسيق مع السلطة المحلية، كما حصل مؤخرًا مع الاب الذي اعتدى على ابنتيه!".

تحميل الضحية المسؤولية
فقد قررت كوثر(اسم مستعار)، وهي طالبة في الصف السادس، بعد ورشة توعوية ضمن أسبوع منع الاعتداءات الجنسية، أن تشرك المستشارة بحقيقة مرّة: والدها يقوم باغتصابها هي وأختها، التي في الصف العاشر.

وبعد التأكد من الموضوع من خلال الجلسات مع الطالبتين، توجّه المجلس المحلي مباشرة الى الشرطة، وتم سجن الأب وإدانته. المثير في هذه القصة، ان عائلة الطالبتين لامت المدرسة والمجلس المحلي على هذه الخطوة، معتبرة أنه لا يوجد حاجة للتوجه للشرطة، وكان بالإمكان حل الموضوع بشكل داخلي دون أن تحصل "الفضيحة" في البلدة.

كما قامت العائلة بلوم كوثر، ابنة الصف السادس، كونها تكلمت عن الموضوع، وقاموا بتحجيب الفتاتين بعد هذه الحادثة.

المثير أكثر انه في بعض الحالات تصبح الضحية نفسها تدافع عن المعتدي عليها، مثلما فعلت الفتاة الأكبر التي كانت تقول "هذا ابي ومن حقه ان يفعل بي ما يشاء"!

اختتمت المستشارة حديثها مع "عــ48ـرب" بالقول إنّها خلال سنوات عملها في عدة مدارس عربية، واجهت دائما وبعد كل ورشة كانت تمررها على الطلاب (المرحلة الابتدائية)، حالات تحرش واعتداء جنسي بحق الأطفال، أغلبها تكون من قبل العائلة والأقارب او اشخاص يعرفون الضحية.

لمياء نعامنة: ظاهرة اجتماعية نتجاهلها

وفي حديث لـ"عــ48ـرب" مع مركزة المشروع التربوي في جمعية السوار-الحركة العربية النسوية لدعم ضحايا الإعتداءات الجنسية، لمياء نعامنة- سيمانوكا، حول ظاهرة التحرش والاعتداء الجنسي بحق الأطفال قالت: "بداية علينا ان نتعامل مع هذه القضية كظاهرة موجودة ليس فقط في مجتمعنا العربي، بل في كل العالم. الإحصائيات تقول إن واحدة من كل ثلاث إناث تعرضت لاعتداء في حياتها، وواحد من كل ستة ذكور تعرض لاعتداء، وفيما يخص الأطفال فإن الكثير من حالات التحرش تحصل داخل المدرسة".

وأضافت الناشطة نعامنة في هذا المجال حول عدم اثارة الموضوع بالرغم من خطورته على المجتمع "ما زلنا كمجتمع نرفض التعامل مع الموضوع كظاهرة اجتماعية موجودة، ولعدة أسباب، ففي غالبية الحالات التي يتم الكشف عنها، هنالك صمت وخوف، وإنكار أيضا من قبل المجتمع ومن قبل أهل الضحية او أهل المعتدي، مع العلم أن غالبية الاعتداءات تكون داخل العائلة، فعدم إثارة الموضوع قد يكون بسبب الخوف من قبل الضحية نفسها، بعض الأطفال يخشون تعرضهم للضرب في حال فتح الموضوع، أو خوفًا من عدم التصديق، وعادة تشعر الضحية بالذنب تجاه نفسها بما حصل لها، كما أن بعض الأطفال لا يثيرون الموضوع تجنبًا لمشاكل داخل البيت قد تنجم، بالإضافة إلى أن العديد من الأطفال المعتدى عليهم لا يعرفون أن ما حصل لهم هو اعتداء أو أنه امر طبيعي، أو بسبب التهديد أو الإغراء الذي يتعرضون له من قبل المعتدي، كما انه في غالبية الحالات التي قام بها الأطفال بالكشف عن الموضوع، أصبحوا عرضة للاستهزاء والشتيمة".

هل نصمت؟
في الوقت الذي فيه ما زال السواد الأعظم من مجتمعنا العربي يرفض التوجه للشرطة بعد الكشف عن اعتداء جنسي، ترى نعامنة أن الشرطة هي الحل في هذا القضايا خصوصًا مع الإحصائيات التي تقول إن المجرم الذي يُعاقب لا يكرر فعلته فيما بعد (لا يشمل "البيدوفيليا" كونه مرض)، إذ تقول "العقاب له نتائج"، فالمعتدي لا يقوم بتكرير فعلته، ويكون عبرة ورادع لمعتدين محتملين آخرين"، وتساءلت "هل يُعقل السكوت على صاحب بقالة يعتدي على الأطفال لمدة خمسة عشر عامًا؟ أو معلم في مدرسة يدرّس أكثر من ثلاثين عامًا كان خلالها يعتدي على طلابه؟ فهؤلاء خطر دائم ومتراكم".

وحول حالات تبرير الضحية فعلة المعتدي أو الدفاع عنه تقول تعامنة "أغلب حالات الاعتداء داخل العائلة تتوقف عند بلوغ الطفل، كونهم يصحون ويعون ما يجري حولهم، لكن في فترة الطفولة تكون حياتهم متداخلة، فمثلا في حالة الأب الذي اعتدى على بناته ودفاع إحدى البنات عنه، فذلك ينبع من كون الطفل يبحث عن مكان آمن ومنزل العائلة هو تعبير لهذا المكان الآمن، ولا يريدون زعزعة مكانتهم، فهذا الأب المعتدي يعتبر بالنسبة للفتاة أنه 99% من حياتها، و 1% معتدٍ عليها، لذلك فالأمور تتداخل".

رفع الوعي
وشدّدت نعامنة في ختام حديثها ل"عــ48ـرب" على ضرورة التعامل مع القضية كما يجب وبأعلى المستويات وما يترتب على ذلك من رفع الوعي والإدراك للموضوع، ان كان من خلال وسائل الإعلام، أو تخصيص حصة أسبوعية داخل المدرسة حول العنف والعنف الجنسي والجنسانية، فالمدرسة يجب ألا تكون مهتمة فقط بالتحصيل العلمي، هنالك أيضا قضايا تربوية أخرى لا تقل أهمية عن التحصيل العلمي، كما أشارت إلى دور الأهل أيضًا في هذا الموضوع وضرورة المبادرة من قبلهم لفتح هذه المواضيع مع أبنائهم وتربيتهم تربية سليمة وإعطائهم المعلومات الصحيحة، وعدم التعامل مع القضية من منطلقات "العيب" و "الحرام" و "الفضيحة"، وعدم تحميل وزر المشاكل داخل المنزل أو بين الأب والأم على الابناء لتكون عائقا أمامهم في فتح هذه الملفات.

التعليقات