«الشاباك» يكثّف التضييق على الناشطين السياسيين

لم يتوقف جهاز الأمن العام، "الشاباك" يوما عن متابعة وملاحقة الناشطين السياسيين ممن يعتبرهم "راديكاليين"، لكن الفترة الأخيرة شهدت تصعيدا ملحوظا تمثل في استدعاء عشرات الناشطين السياسيين للاستجواب والضغط عليهم لإسقاطهم ومحاولة ردعهم باستخدام وسائل الترغيب والترهيب، وفي حالات استثنائية تعرض الناشطون لملاحقة رجال الشاباك في البيت ومكان العمل. وشبّه ناشطون سياسيون هذا التصعيد بممارسات الشاباك خلال فترة نهاية ثمانينات القرن الماضي، في حين وصفه الباحث هليل كوهين أنه يعكس حالة تخبّط.

«الشاباك» يكثّف التضييق على الناشطين السياسيين

صورة توضيحية

 لم يتوقف جهاز الأمن العام، "الشاباك" يوما عن متابعة وملاحقة الناشطين السياسيين ممن يعتبرهم "راديكاليين"، لكن الفترة الأخيرة شهدت تصعيدا ملحوظا تمثل في استدعاء عشرات الناشطين السياسيين للاستجواب والضغط عليهم لإسقاطهم ومحاولة ردعهم باستخدام وسائل الترغيب والترهيب، وفي  حالات استثنائية تعرض الناشطون لملاحقة رجال الشاباك في البيت ومكان العمل. وشبّه ناشطون سياسيون هذا التصعيد بممارسات الشاباك خلال فترة نهاية ثمانينات القرن الماضي، في حين وصفه الباحث هليل كوهين أنه يعكس حالة تخبّط.

ترهيب وملاحقة
قبل نحو شهر رنّ هاتف  "ص" وهو ناشط سياسي من إحدى قرى البطوف، وعرّف المتصل نفسه بأنه من مكتب الشاباك في محطة شرطة مسغاف، وطلب منه الحضور لمركز الشرطة للاستجواب، غير أن "ص" شكك في هوية المتصل، وطلب منه أن يرسل له استدعاء رسميا.

في اليوم التالي مرّ على "ص" نهار عادي يشوبه القلق من اتصال الأمس، ولم يصله أي بلاغ من الشرطة، لكن في ساعات الليل المتأخرة أفاقت العائلة على قرع باب المنزل، وحين فتح الوالد الباب فوجئ برجلي شرطة يسألانه  بنبرة  جافة عن "ص" ليسلما له مذكّرة استدعاء للمثول للاستجواب في مكتب جهاز الأمن العام في "مسغاف" بعد يومين.

اختيار توقيت تسليم مذكرة الاستدعاء لم يكن عبثيا، يقول "ص"،  ويضيف: كان لدى الشرطة ثلاثة أيام بطولهم لإيصال المذّكرة، لكنهم تعمدوا الانتقام لعدم استجابتي للاستدعاء عبر الهاتف وجاءوا في ساعة متأخرة  وأدخلوا العائلة في حالة ذعر.

في الموعد المحدد  وصل "ص" إلى محطة "مسغاف" ودخل غرفة التحقيق،  ووقع نظره حال جلوسه على الكرسي المقابل للمحقق على أوراق مطبوعة موضوعة على الطاولة  تتضمن كتاباته على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

كالعادة، أوحى المحقق لـ "ص" بأنه يعرف عنه كل شيء، واستفسر منه بأسلوب مستفز عن نشاطه خلال حملة التضامن مع الحركة الأسيرة، وأبدى استياءه من مشاركته في تنظيم مظاهرات "للتضامن مع مخربين  أيديهم ملطخة بالدماء"،  وبأنه يعلّم الشباب الصغار  "مقاومة إسرائيل" .
"ص" أكد للمحقق أنه يمارس نشاطا سياسيا مشروعا وقانونيا، متسائلا: هل ثمة قانون يمنعني من المشاركة في مظاهرة؟ هل هناك قانون يمنع التضامن؟  أنا أمارس نشاطا سياسيا قانونيا ولا أدري لماذا أنا هنا أ صلا؟ هل توجهون لي تهمة ما؟

طلب المحقق من "ص" أن يتجند للعمل مع الجهاز معددا الفوائد التي يمكن أن يجنيها إذا وافق، وحينما عبّر "ص" عن رفضه للعرض، تغيرت نبرة المحقق وهدده: "ستعمل معنا رغما عنك،  أنت صاحب مصلحة، يمكننا أن ندبر لك توريطة مع سلطات الضرائب، أو فضحية أخلاقية، أو أي شيء آخر، لا شيء يقف في وجهنا، إياك أن تتحدانا".

وتابع المحقق: إذا واصلت نشاطك،  سنعتبره تحديا لنا، وإذا نظمت مظاهرة المرة القادمة سنهتم بإرسال أحد رجالنا لإلقاء الحجارة، وستدفع الثمن غاليا".

خرج "ص" من التحقيق بشعور ثقيل رافقه لعدة أيام، لكن فوجئ بعد أيام بمركبة تقف أمام متجره، يستقلها رجلان،  أحدهما المحقق الذي استجوبه قبل أيام، فصعق.

يقول "ص"، في يوم مظاهرة اليمين الفاشي في الناصرة،  منتصف الشهر الماضي،  وقفت مركبة أمام متجري،  وفوجئت بأن محقق الشاباك الذي حقق معي يلوح لي بيده، خرجت ووقفت قبالته  فبادرني بالقول:  تدرك أنك يجب ألا تتحدانا، هل أنت ذاهب للمظاهرة اليوم؟   فأجبته: "وهل هذا ممنوع نعم سأذهب"، فقال: "سنكون هناك"، ستجدنا دائما في المكان الذي تتواجد فيه، وتذكر أن تحدينا ليس بالأمر الهين.

وينهي "ص"، حديثه بالقول: "شعرت بأنني ملاحق، وهذا يسبب لي التوتر والإزعاج ".

هيليل كوهين: ثمة أهمية وإيجابية  في التوجه للإعلام
الباحث في شؤون الاستخبارات، هيليل كوهين، مؤلف كتاب "العرب الصالحون"،   قال لـ "فصل المقال" إن تكثيف التحقيقات، وما سرده "ص" يعكس حالة ضغط  لدى المؤسسة الأمنية، وتراجع في الثقة بالنفس، ويبدو أنها تسعى من خلال هذه الوسائل إلى إعادة الأمور لتكون تحت السيطرة بعد أن شعرت أنها تفلت منها.

وأضاف كوهين،  ثمة أهمية وإيجابية  في أن يتحدث هؤلاء للإعلام، وأن لا يبقوا معاناتهم حبيسة أنفسهم تسبب لهم الضيق، فالحديث عن تلك الملاحقات  وإخراجها إلى  الملأ قد يكون لها نتائج إيجابية.

وأضاف كوهين: لمست زيادة التصعيد في ممارسات الشاباك، التي تأتي عادة كالموجات، من خلال قمع الاحتجاجات الاجتماعية قبل شهور، لكن لم أعرف أن هناك ظاهرة تحقيقات واسعة في  الشارع العربي.

وتابع كوهين: يبدو أن المؤسسة الأمنية  قلقة من انعكاسات الربيع العربي على الفلسطينيين،  وتسعى لكسر تلك الروح من خلال تحييد من تصفهم بالـ "راديكاليين" أو الضغط عليهم للحد من نشاطهم.

وردا على سؤال حول كون تنامي الشعور الوطني لدى فلسطينيي الداخل، لا سيما لدى الشباب السبب الرئيسي لحملة الشاباك، قال كوهن: ليس لدي فكرة عن الموضوع، فلم أر مظاهر تدل على ذلك،  لكن كون غالبية الذين يخضعون للاستجواب هم من التجمع وحركة أبناء البلد،  يعني أنهما مصنفان في الشاباك على أنهما قوى راديكالية.

واختتم كوهين حديثه بالقول: " قد لا يعجب الشاباك ما أقول، لكنه تعبير عن حالة ضغط".

ضغط نفسي
الناشط السياسي "ع" خضع للتحقيق مؤخرا، وقال لـ« فصل المقال»، إن محققي الشاباك «يسعون لكسر معنويات الشباب عن طريق  الضغط النفسي، ولديهم أساليب مدروسة ومجربة،  ويحاولون دوما إيجاد نقطة ضعف لدى من يحققون معه».

ويضيف "ع": "يركزون على الشباب صغار السن الذين لم يصلب عودهم لتخويفهم وردعهم، وأعتقد أن جهودهم لتجنيد متعاونين  لا ترمي لجمع معلومات بقدر ما تهدف لتحييد الناشط  واختراق الحزب السياسي، فلا معلومات ترتجى من ناشط في  حركة سياسية ليس لديها ما تخفيه.

ويتابع: "كتب علينا أن نولد في هذه الظروف، في دولة قامت على أنقاض شعبنا، يزعجها أن نجاهر بحقيقتها العنصرية وبطبيعة نشوئها الظالمة. لا خيار أمامنا، للقناعات والموقف ثمن، وهو ليس ثمنا باهظا إذا ما قسناه بالثمن الذي يدفعه أخوتنا الفلسطينيون في الضفة وغزة أو في الشتات، بل ثمن بسيط جدا إذا ما قارنا الأثمان.

ليس ذنبنا أن ينظر لنشاطنا السياسي بمنظور أمني
واختتم "ع" حديثه بالقول: "نشاطنا سياسي بامتياز، لكن المؤسسة تنظر إلينا بنظرة امنية، هذا ليس ذنبنا، هذه مشكلتهم هم. لن يستطيعوا إرهابنا، لكن في الوقت ذاته علينا أن نحذر وأن لا نمنحهم الفرصة للإيقاع بنا. على الشباب أن يحذروا وأن يعرفوا الحد الفاصل بين حرية الرأي والتحريض. فلنواصل نشاطنا السياسي، لن يثنينا اي شيء، وترهيبهم مردود عليهم، ألم تقل أن هيليل كوهين اعتبر ممارسات الأمن هي دليل ضعف وفقدان ثقة بالنفس".   

قحاوش يقدم نصائح للشباب
من جانبه أكد المحامي وسام قحاوش، أن عدد من تم استدعؤهم للاستجواب على خلفية نشاطهم السياسي، كبير ويقدر بالعشرات. وقال قحاوش: " إن الهدف من الاستجواب هو الردع والتخويف، ولا ينبغي أن يشكل ذلك هاجسا لدى الشباب، فالنشاط السياسي والمشاركة في مظاهرات والمسيرات أمر قانوني ولا يستطيع لا الشاباك ولا غيره معاقبة المشارك".

واضاف قحاوش: " من أجل تفويت أية فرصة على أجهزة الأمن للاصطياد بالمياه العكرة يفضل استشارة محام لدى تنظيم أي نشاط ومعرفة حدود القانون، ويفضل ايضا أن يبادر من يتم استدعاؤهم للاستجواب إلى الحصول على مشورة قانونية من أحد محامي الحركة الوطنية  قبل التوجه للتحقيق، ويحق لهم أيضا الحصول استشارة قانونية خلال التحقيق إذا كان تحت التحذير".

  وتابع قحاوش: "ليس هناك ما يخيف، على كل ناشط سياسي، يستدعى للاستجواب أن يدرك أنه لا يقوم بشيء يخرق القانون، لكن عليه أن يتوخى الحذر في تصريحاته العلنية وفي مشاركاته في شبكات التواصل الاجتماعي وأن يعي الحد الفاصل بين حرية الراي والتحريض الذي قد يضعه أمام المساءلة".

وأضاف قحاوش: " لا مشكلة في نشاطنا، المشكلة في سياسات الدولة العنصرية التي قامت على أنقاض شعبنا، في أجهزة الأمن التي تنظر إلينا بنظرة أمنية، وترانا خطرا استراتيجيا. للموقف الحر ثمن، والثمن بسيط، على كل شاب أن يتسلح بالقناعات والموقف الراسخ  وأن لا يخشى شيئا. يبدو أن نشاطنا يرهبهم،  فيحاولون إرهاب ابناءنا، لكننا في المقابل نعمل على تحصينهم ومدهم بالوسائل الكافية لمواجهة هذا الصلف الإسرائيلي، وهذا التنكر لحقوقنا وروايتنا".

وحذّر قحاوش الشباب من أبداء أية ليونة إزاء محاولات الإسقاط، لأن ذلك سينطوي عليه مزيدا من الضغط. وقال: " لا يحسبّن أحد أنه يمكن أن يساوف لأن ذلك سيعني المزيد من الضغط. على شبابنا أن يثقوا بطريقهم  وبخطهم السياسي، ويدركوا أنهم لا يقومون بأي عمل خطأ، لذلك يجب أن يكون الرفض قاطعا  لمحاولات الشاباك تجنيدهم بوسائل الترهيب والترغيب".

واختتم قحاوش حديثه بالقول: " بالنسبة للحالة الاستثنائية المتعلقة بـ "ص" هناك عدة خطوات يمكن القيام بها،  لكن عليه أن يعرف أن ممارسات الشاباك هي دليل إفلاس، مؤشر ضعف لا مؤشّر قوة، هو أقوى منهم حين يمارس نشاطا سياسيا يزعجهم ولا يستطيعون القيام بشيء حياله".

مخلص برغال: سياسة الشاباك لم تتغير وهي نابعة من طبيعة نشوء إسرائيل
من جانبه أكد الأسير المحرر، مخلص برغال  أن سياسة إسرائيل هي ذاتها ولم تتغير منذ أن قامت على أنقاض شعبنا، ولا زالت ترى في فلسطينيي الداخل خطرا أمنيا واستراتيجيا.

وأكد برغال على ضرورة زيادة توعية الشباب وتصليب عودهم، مشيرا إلى أنه يتوقع من شباب الحركة الوطنية أن يشمخوا، وأن يدركوا أنهم على الطريق الصحيح، وأن يسيروا بثقة وصلابة وأن يواصلوا قول كلمة لا للظلم والعنصرية والاضطهاد، لأن الاستكانة غير واردة في قاموس الحركة الوطنية التي تعي دورها التاريخي ورسالتها الوطنية.

يشار إلى أن «فصل المقال» طلبت تعقيب وزارة الأمن الداخلي، ولم  يصل ردها حتى إغلاق العدد، كما نقلت المعطيات  التي بحوزتها للنائبة حنين زعبي لتقديم استجواب حول الموضوع.

____________________________________________________________________________

أيضا في عــ48ـرب:

تجربة مُستجوَب / رامي حيدر
 

التعليقات