معليا تتشح بالسواد حدادًا على رحيل ارمندو عبد!

والد الفقيد وعائلته لم يقتنعوا برواية الشرطة وسبب مقتله، وهم يروْن أنّ الشرطة كانت تستطيع أن تمنع القاتل وتقوده إلى التحقيق قبل محاكمته، لكنها اختارت أن تقتلهُ ليختفي سره معه. وترى العائلة أنّ عدم مشاركة ممثلين عن السفارة الأمريكية في البلاد للجنازة، هو أمرٌ سيء ودليلٌ على الاستخفاف بعائلة المرحوم أرمندو.

معليا تتشح بالسواد حدادًا على رحيل ارمندو عبد!

من اليمن: ارمندو عبد

صحت بلدة معليا، يوم الجمعة الماضي، على فاجعةِ مقتل الشاب أرمندو شكر الله عبد (33 عامًا)، والذي سقطَ ضحية عنصرية شابٍ يهودي صهيوني أمريكي، عرف المرحوم فترةٍ لا تزيد عن شهر، وكانت كافية لتُحرك كراهيته وحقده وتدفعه لإطلاقِ وابلٍ مِن الرصاص عليه، والحُجّة علاقة المغدور بمسألة فصله من عمله!

ففي التاسعة من صباح الجمعة السابع من تشرين أول الجاري، دخل وليم هرشكوفيتس- اليهودي الأمريكي والجامعي، 23 عامًا،  إلى فندق "ليوناردو كلاب" وخطف سلاح الحارس ودخل المطبخ، وعن قرب صوّب السلاح باتجاه أرمندو عبد، وأرداه قتيلا.

هي لحظاتٌ سريعة، تُباعِدُ بين الموتِ والحياة، غيّبت الشاب أرمندو إلى عالمِ بعيدٍ عن أهله ومحبيه.

زفة العريس أرمندو
بدى والد المرحوم، شكر الله عبد، متماسكًا فاستقبل النبأ برباطة جأشٍ، رغم الحزن الكبير، ودموع الحسرة في العيون، لكنه قرّر أن يساند زوجته وابنيه، ويتصل بأبنه البكر المُقيم في الولايات المتحدة، كي يُشارك في توديع شقيقه، لكنه لم يُخفِ مشاعر الغضب أمام المُعزين، تجاه قاتل ابنه، واصفًا أسباب القتل بـ"الكراهية والعنصرية".

بعد ظهر يوم الأحد شُيّع جثمان المغدور أرمندو عبد، في جنازةٍ مهيبة، حضرها آلاف المُشاركين، الذين جاؤوا من بقاعِ مختلفة في البلاد، ليقدّموا واجب العزاء في مصاب العائلة الأليم، وسار الجميع خلف الموكب وشاركوا العائلة في "زفة العريس"، وسط باقات الورود ودموعٍ لم يستطع المُشاركون حبسها في المآقي، خاصةً أنّ كلمات الأغاني تخللت وصف لمناقب الفقيد وعلاقته الطيبة بالجميع.

وحمل زملاء المرحوم في فترة الدراسة، نعش رفيق دربهم، وساروا بِه باتجاه كنيسة سيدة البشارة،  ليلقي المشيعون النظرة الأخيرة عليه، وليصلي عليه الأب الياس عبد، ومن ثُم يوارى التراب في مقبرة القرية. تاركًا ورائه والديْن ثاكلين وثلاثة أشقاء.

وعن المرحوم تحدث ابنُ عمه، لطف عبد لـ"فصل المقال" قائلاً: كان أرمندو فنانًا في مهنة "الشيف"، وأحبّ عمله فطابَ له العيش في مدينة إيلات، سعيدًا بزملائه في العمل، وأصدقائه الذين عملوا معه وبعضهم من بلدته معليا". وأضاف: "عندما كان في العشرين من عمره، سافر إلى الولايات المتحدة وكندا، ومكث في الخارج ثماني سنوات، حيثُ اتجه الى العمل في مهنة الطبخ، حتى أتقنها، وعاد قبل خمس سنوات، إلى البلاد، وبدأ العمل في فندق "ليوناردو كلاب" في مدينة إيلات. وقبل سنتين افتتح مطعمًا في القرية، لكنّه لم يجلب له النجاح، فعادَ إلى مكان عمله السابق في إيلات، حيثُ أبدع في مهنته كـ "مساعد الشيف الرئيسي"، وعادَ ليُثبت قدراته المهنية، حتى باتَ مسؤولاً عن أكثر من 70 عاملاً".

رحيل أرمندو عبد مزّق قلب عائلته!
وتستذكر الوالدة الثكلى ابنها الذي فارقها إلى الأبد، وهي التي اعتادت غيابه، لأشهرٍ طويلة، بسبب انشغالاته،  لكنها لم تشعر يومًا بطعمِ الفراق، كما تشعر الآن. كانت تعرِف أنه سيتصل بِها ويطمئنها، ويسأل عن أخبار عائلته وأشقائه، لكنّها بعد اليوم لن تستطيع أن تطمئن عليه، فرحيله الجلّل، قلب الفرح إلى غمٍ واللقاءُ المُرتقَب، إلى وداعٍ دائم، وأبدًا لم تكن تتوقع والدة ارمندو عبد، أنها في لمحةِ بصرٍ، ستلتقيه ميتًا، مزّقت رصاصات الغدر جسده وغيّبت روحه وحلمُ شبابه.

أم عطالله ووليد وارمندو وسحر، لا تشعُرُ بالحياةِ بدونه أرمندو الغالي عليها، وعندما أجبرت نفسها على حملِ باقاتِ الزهورِ لتزف ابنها المرحوم إلى بيتٍ لم يخترهُ هُوَ، كانت لا تشعُرُ بِما يدورُ حولها، كانت صورته، والمصيبة التي حلّت بالعائلة، هي التي تفرض حضورها في قلبِ ومشاعِرِ أمه.

"يا حبيبي يا ارمندو"، "كيف تركتنا ومشيت؟!"، "يا أحلى شاب يا امي"، كانت تبوح لنفسها بكل أشواقها للقاء ابنها، لكنْ بصوتٍ منخفض، حتى لا يُشاركها أحدْ في تخيُل ملامحه المُحبّبة إلى قلبها، ثم تبكي بصوتٍ عالٍ، لوّحت بالورود راجيًا أن يهنأ في مرقده، حيثُ اغتصبَ القاتل فرحته التي كان يعيشها سنين طويلة.

والد الفقيد وعائلته لم يقتنعوا برواية الشرطة وسبب مقتله، وهم يروْن أنّ الشرطة كانت تستطيع أن تمنع القاتل وتقوده إلى التحقيق قبل محاكمته، لكنها اختارت أن تقتلهُ ليختفي سره معه. وترى العائلة أنّ عدم مشاركة ممثلين عن السفارة الأمريكية في البلاد للجنازة، هو أمرٌ سيء ودليلٌ على الاستخفاف بعائلة المرحوم أرمندو.

وبيْنَ المُشاركين في الجنازة كلٌ مِن حنين زعبي ودكتور جمال زحالقة واللذان اعتبرا الجريمة واحدة مِن سلسلة عمليات إجرام وعنف تقع دون وضعِ حدٍ لها، وأنّ خلفية جريمة قتل أرماندو عنصرية.

القاتل: صهيوني عنيف
قدم وليام هرشكوفيتس من الولايات المتحدة مشحونًا بالكراهية ضد العرب، خاصةً أنه كان من بين مجموعةٍ يهودية صهيونية، تزور البلاد في إطار برنامج "اورانيم"، الذي تنظمه الوكالة الصهيونية لليهود منذُ عشرات السنين كَيْ يتعرفوا على ما يدّعون أنها أرضهم "اسرائيل الكبرى"، وبدأ هرشكوفيتس يتدرب على العمل، إلى جانب جولاته في البلاد مع مسؤولي "أورانيم"، التي كان من المفروض أن تمتدّ خمسة أشهر لكنه اختصرها بثلاثة أسابيع، ارتكب خلالها جريمة قتل أرماندو عبد، وقُتل على يد الشرطة بُعيْد تنفيذه الجريمة بعد عمليةِ تبادل إطلاق النار.

وعن صفاته أفادَ العاملون في الفندق، وبينهم شريكه في الغرفة، أنّها صفات غريبة، فهرشكوفيتس كان عنيفًا، وطوال الأسابيع التي أمضاها في الفندق، كان يتصرف بشكلٍ مزعجٍ، ويقوم بالطرق على جدران الغرفة ليلاً، ويتحدث عن جرائم قتلٍ يراها في الحلم، لكنّ أحدًا مِن المسؤولين لم يأخُذ ما سمعه على محمل الجدية، رغم أنّ شكاوىً كبيرة قُدمت ضده، كان آخرها سببًا في إعلامه بفصله من العمل، وهو قرارٌ وافق عليه بنفسه، مشيرًا أنه سيسكن لدى أقارب له في البلاد، ريثما تنتهي مدة إقامته!
 

التعليقات