قراءة في ورقة «مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة»

فتح الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، من خلال كتيب نشره مؤخرا تحت عنوان "مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة"، و"دور فلسطينيي الـ48 في المشروع الوطني الديمقراطي" نقاشًا علنيًا حول هذا الخيار ودعا فيه أعضاء وقيادات الحزب والأصدقاء لتقديم المساهمة فيه". ورأى عبد الفتاح أن الحل المتداول الذي أفضت إليه اتفاقات أوسلو يقود إلى تصفية القضية الفلسطينية وإقامة شبه كيان سياسي على هامش «دولة اليهود»، بينما يفتح خيار الدولة الواحدة الآفاق لمصالحة تاريخية تفضي إلى عدالة نسبية شاملة.

قراءة في ورقة  «مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة»

صورة الغلاف

 

 

فتح الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، من خلال كتيب نشره مؤخرا تحت عنوان "مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة"،  و"دور فلسطينيي الـ48 في المشروع الوطني الديمقراطي" نقاشًا علنيًا حول هذا الخيار ودعا فيه أعضاء وقيادات الحزب والأصدقاء لتقديم المساهمة فيه". ورأى عبد الفتاح أن الحل المتداول الذي أفضت إليه اتفاقات أوسلو يقود إلى تصفية القضية الفلسطينية وإقامة شبه كيان سياسي على هامش «دولة اليهود»، بينما يفتح خيار الدولة الواحدة الآفاق لمصالحة تاريخية تفضي إلى عدالة نسبية شاملة.

يذكر أن عبد الفتاح جاء أصلاً من حركة سياسية هي حركة أبناء البلد التي تبنت منذ انطلاقتها حل الدولة الواحدة انسجامًا مع طرح منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وقد رأى بدولة المواطنين التي تبناها التجمع الذي تشكل وانطلق عام 1996 حلاً اعتراضيًا، وتحديًا ديمقراطيًا ليهودية الدولة العبرية. وتأتي مساهمة عبد الفتاح بمثابة إطلاق النقاش الذي أقره مؤتمر سابق للحزب منذ ست سنوات.

يخصص عبد الفتاح حيزا هاما من الكتيّب لتشخيص الواقع الفلسطيني الراهن والمحطات المفصلية التي  قادت إليه. ومن دون غلو في الاختصار أو إيغال في التفاصيل يقدم قراءة موضوعية مـتأنية  للواقع الفلسطيني، وللمحطات التاريخية الهامة في المسيرة الفلسطينية بعد أوسلو، ووصولها إلى «النتائج المأساوية» التي آلت إليها وحالة الإرتهان الكلي لأعدائها.

ويستعرض صورة تحليلية للواقع الفلسطيني ويقدم سردية موجزة للأسباب التي قادت إلى الإنزلاق ولـ «انهيار منظومة القيم الثورية لحركة التحرر الوطني»، ويرى أنه لا بد من وقف التدهور الخطير والتوقف لتغيير المسار وطرح رؤية جديدة للحل تعتمد على حق العودة وخيار الدولة الواحدة الذي يقوض أسس المشروع الصهيوني في فلسطين ويقلب الحسابات ويعيد خلط الأوراق، ويستعيد للقضية زخمها، ويرى أن هذا الطرح يلقي على كاهل فلسطينيي الداخل مسؤوليات كبيرة إلى جانب قضية شعبهم التي سلختهم عنها أوسلو.

وهذا هو الجديد الذي يقدمه في الكتيب أي الدعوة إلى التداول الصريح بدور فلسطينيي الـ 48 في رسم المستقبل الواحد لشعب فلسطين، في الكفاح من أجل المصير المشترك.

يستهل ورقته بسؤال يرسم صورة الواقع الفلسطيني الحالي وما آلت إليه  الثورة الفلسطينية التي قدمت آلاف الشهداء بعد نحو أربعة عقود من انطلاق الثورة الفلسطينية: " هل كان يمكن لأحد من رواد الثورة الفلسطينية المعاصرة، وحركة النضال الوطني التحرري العربي، أن يتخيّل أنه بعد مرور أكثر من أربعين عامًا على إنطلاق هذه الثورة، وعدة عقود من النضال والتضحيات الهائلة، تتحول من حركة لإعادة نصف الشعب الفلسطيني المهجر إلى وطنه وهزم الصهيونية، إلى سلطة مرتبط بقاؤها بالتسوّل من حلفاء اسرائيل، وبالتنسيق الأمني مع الإحتلال".

ويضيف: "هل كان يمكن لأيّ منا أن يتخيل أن يتحول شعار تحرير فلسطين، وإقامة دولة ديمقراطية واحدة للجميع، عبر النضال والمقاومة، إلى مطلب دولة على أقل من 22% من الوطن، والإستعداد للمساومة على حق اللاجئين وإخراج فلسطيـنيّي الـ48 من دائرة الحلّ، على يد سلطة أو نخبة من قادة الثورة لا تألو جهدًا من أجل تجنب خوض الصراع مع الإحتلال بل تمنع من يحاول ذلك وتقمعه، وتستبدل ذلك بالمفاوضات العبثية كطريق وحيد في ظل ميزان قوى مختل لصالح العدو".

اتفاقية أوسلو تعبير عن أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية

ويرى عبد الفتاح أن الدولة الواحدة هو مشروع سياسي أوسع وأشمل من دولة المواطنين التي قال إنها كانت ضرورة مرحلية لا سيما في ظل النشوة الفلسطينية الموهومة باتفاقات أوسلو وبسبب تبني القيادة الفلسطينية مبدأ حل الدولتين الذي أصبح اليوم غير قابل للتطبيق بسبب السياسات الاستعمارية الاستيطانية التي ترمي إلى إقامة دولة يهودية على كل فلسطين ومنح الفلسطينيين سلطات محدودة داخل كانتونات مغلقة.

وبعد استعراض  سريع للمحطات الهامة في المسيرة الفلسطينية، يرى عبد الفتاح أن إتفاقية أوسلو عام 1993 كانت تعبيرًا عن أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية والطريق المسدود التي وصلت إليه لظروف دولية وعربية بائسة، ولأسباب ذاتية تتعلق بكيفية إدارة الثورة والمقاومة.
يشير عبد الفتاح إلى أسباب صعود حركات الإسلام السياسي  سيما حركة المقاومة حماس التي ظهرت بعد الضمور الثوري لحركة فتح، معتبرا أن دخول حماس للانتخابات الرئاسية تحت سقف أوسلو خطأ استراتيجيا.   ثم يعرج إلى الانتفاضة الثانية وأسبابها ونتائجها وتداعياتها، ويتطرق لاغتيال القائد الفلسطيني ياسر عرفات الذي يصفه  بأنه يختلف عن خلفه بأنه أمسك بيد خيار المفاوضات وباليد الأخرى خيار المقاومة، ثم يأتي على منظمة التحرير وتراجع دورها وأفول نجمها وتحولها إلى جسم هزيل مرتهن لسلطة أوسلو.

يقرأ عبد الفتاح الواقع العربي الذي رافق هذه التحولات بل دفع باتجاهها، ويرى أن قضية فلسطين تحولت  «من قضية عربية باعتبار أنها بلد عربي محتل يقتضي تحريره، إلى قضية نزاع على حدود.. ومن قضية صراع عربي – صهيوني إلى قضية صراع فلسطيني إسرائيلي.. ومن الإستعانة والإستناد إلى الدعم العربي الشعبي والرسمي وقوى التحرر والديمقراطية في العالم، إلى الإستعانة والتعويل على ما يسمى بالمجتمع الدولي – والأصح على حليف إسرائيلي الرئيسي – أمريكا. والأسوأ تحول سلطة أوسلو، وهذه نتيجة منطقية لهذا المسار، إلى سلطة يعتمد بقاؤها ووجودها على معونات الدول المانحة أو على التسوّل، وعلى خضوعها لشروط لعبة هذه الدول القائمة المستندة إلى ميزان القوى القائم كمرجعية للمفاوضات الجارية منذ أوسلو. وهي مرجعية بديلة عن القرارات الدولية التي نصت على ان الإحتلال عام 67 غير شرعي، والمستوطنات غير شرعية وعلى حق اللاجئين في العودة".

ويؤكد أن اتفاقية أوسلو بالنسبة لإسرائيل لم تكن مؤقتة كما كانت بالنسبة لقيادة منظمة التحرير. لقد كانت هي الحل النهائي، وتجلى ذلك بتثبيت الكتل الإستيطانية الكبيرة، وتهويد القدس، وإقامة معازل، والجدار العنصري الفاصل لفرض القبول بصيغة تتراوح بين حكم ذاتي ودولة منقوصة السيادة ومجزأة ومقطعة الأوصال – باختصار ليست دولة.

وبعد تناول مسيرة أوسلو وما آلت إليه يقول: " هكذا أصبحت الدولة الفلسطينية الإفتراضية جزءًا من جسم الدولة اليهودية، ويمكن القول أن هذه الدولة ابتعلتها وقطعتها في أمعائها. هذه النتيجة هي التي أسست مجددًا لطرح فكرة الدولة الواحدة، وبالتحديد ثنائية القومية عند عدد من المثقفين اليهود ممن كانوا يعتبرون يسارا صهيونيا، ودولة ديمقراطية علمانية وأيضًا ثنائية القومية عند أوساط أكاديمية ومثقفة فلسطينية.

ويتابع "إذن، فكرة الدولة الواحدة، على اختلاف مضامينها أو طبيعتها؛ ثنائية القومية، أو دولة ديمقراطية علمانية تقوم على المواطنة الفردية أو دولة كونفدرالية، تعود بقوة وبصورة منهجية إلى طاولة النقاش الأكاديمي بشكل خاص، ولا نقول إلى ساحة النضال".

وبعد أن يستعرض عبد الفتاح عددا من الكتاب والمفكرين اليهود الراديكاليين الذين يؤيدون حل الدولة الواحدة يشير إلى أن هذه الفكرة لا زالت محصورة في النخبة سواء بين اليهود أو بين الفلسطينيين، لكن ذلك لا يقلل برأيه من أهمية الفكرة، خاصة أن من هؤلاء ايضًا من كان ولا زال مناضلاً وليس فقط باحثًا أو أستاذًا جامعيًا.

نموذج جنوب أفريقيا
ويجري عبد الفتاح مقارنة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا، ويستعرض أوجه التشابه والاختلاف،  ثم يخلص إلى أنه وبغض النظر عن وجود أوجه اختلاف هامة بين طبيعة وواقع الصراع والتحالفات الدولية بخصوص جنوب أفريقيا، وطبيعة وواقع الصراع والتحالفات المتصلة بالصراع العربي– الصهيوني، فإن فكرة الدولة الواحدة المشتركة على أساس المواطنة المتساوية، و one man one vote (شخص واحد صوت واحد) كانت الصيغة الأكثر تأثيرًا في الرأي العام العالمي الذي تجنّد لإسقاط النظام عبر فرض الحصار، والمقاطعة وسحب الإستثمارات الخارجية في إطار حركة مقاطعة منظمة عالمية التي تغذت من معين النضال المحلي المنظم والجسور؛ والمتنوع الوسائل؛ من الكفاح المسلح، إلى الإضرابات والمظاهرات، والعصيان المدني الذي شاركت فيه كافة قطاعات الشعب ومنظماته السياسية والمهنية والمدنية.

ويتابع: "من هنا ينطلق منطق الداعين إلى تحويل النضال من النضال الوطني التحريري إلى نضال تحرري ديمقراطي – تتحول البلاد إلى وطن لملايين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين كمواطنين متساوين، أو إلى وطن لمجموعتين سكانيتين متمايزتين؛ الشعب الفلسطيني والمجتمع اليهودي الإسرائيلي. إن هذه الفكرة تشبه الفكرة الأخلاقية التي واجهت المؤتمر الوطني الأفريقي على طول الطريق. وهي التي حظيت بدفع وسند شعبي عالمي، بالأساس غربي.

خيار شامل
ويشير عبد الفتاح إلى أن هذا الخيار يحتاج لنفس طويل واستراتيجية نضالية  فعالة، ويقول إن هذه الإستراتيجية أكثر ديمقراطية، لأنها لا تستثني أحدًا. فهي تشمل اللاجئين وفلسطينيي الـ48، والضفة والقطاع، وتشمل اليهود الإسرائيليين. يستطيع الجميع، وفق هذه الصيغة، أن يكونوا تحت سقف سياسي واحد،كفاحي واحد– سقف المساواة المدنية والقومية الكاملة.

ويستعرض عبد الفتاح الجوانب العملية لدفع هذا الخيار، ويشير إلى أن ذلك يتأتى عبر خطة تهدف إلى تعرية هذا النظام محليًا ودوليًا وعربيًا، وتوفير جملة من الشروط الأساسية للمضيّ باتجاه هذا الهدف، هي:

أولاً: إعادة توحيد الحركة الوطنية الفلسطيني وفق خطة واضحة وخطاب عقلاني – إنساني.

ثانياً: برنامج مقاومة شعبية طويلة المدى – تعميم ثقافة المقاومة إلى عموم الشعب.

ثالثًا: إقامة جبهة عربية – دولية للضغط على إسرائيل، تشمل حملة مقاطعة دولية لاسرائيل.

رابعًا: دعم الصمود الوطني– واستغلال العامل الديمغرافي من خلال تشجيع الفلسطينيين على البقاء في الأرض.

خامسًا: المساهمة في الجهد النظري الجاري لتطوير نموذج الدولة الواحدة، ومساندة المنظمات الدولية الناشطة في حملة المقاطعة لاسرائيل وتعرية بُنية النظام القائم.

ويلخص فكرته بالقول: بناءً على ما تقدم، ونظرًا لمجمل المعيقات الآنية والإستراتيجية، السياسية والأيدلوجية والعملية، التي تقف أمام كل الخيارات؛ سواء حل "الدولتين" أو حلّ الدولة الواحدة.. إذ أنه ليس أيّ منهما سهل أو أسهل من الآخر، فإنه يُفضّل ألا توضع الخيارات في مواجهة بعضهما الآخر خلال عملية التحوّل أو خلال تطوير فكرة الدولة الواحدة. لا شك أن شعار "دولتان لشعبين"،هو شعار متناقض مع شعار الدولة الواحدة، لأن الأول يكرس اللامساواة وغياب الديمقراطية والكولونيالية ولأنه يظلم الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني، عرب الـ48 واللاجئين، ويكرس حالة العداء الدموي بين الشعب الفلسطيني والمجتمع الإسرائيلي اليهودي.

ويضيف:"أما حلّ الدولة المرحلي، المقرّ من منظمة التحرير عام 1974وإن لم يعد كذلك في ممارسة النخب المتنفذة في الحركة الوطنية الفلسطينية (فريق أوسلو)، وكونه يرتبط بحق تقرير المصير وبحلّ الدولة الواحدة، وبحق عودة اللاجئين، فإنه يمكن النظر إليه، ولو نظريًا وتعبويًا باعتباره مرحلة من مراحل النضال من أجل دولة واحدة".

ويختتم بالقول: "وبما أن فكرة الدولة الواحدة، رغم اكتسابها زخمًا جديدًا ولو في الأطر الأكاديمية لا تزال في بداياتها ولم تتبلور بعد كمشروع سياسي – تنظيمي، فإنه يتعيّن على الداعين للفكرة الأخذ بعين الإعتبار جميع هذه المعطيات". 

التعليقات