المحامية هناء خطيب: العنف يخترق عائلاتنا دون تمييز

تتعدد أشكال العنف الأسري التي يقع ضحيتها الأبناء والزوجات من الإهانة اللفظية والجسدية

المحامية هناء خطيب: العنف يخترق عائلاتنا دون تمييز

الأسرة المتماسكة هي البناء الاجتماعي الأول لأي مجتمع يسعي للاستقرار والتقدم والرقي، ويمثل التفكك الأسري أهم التحديات الاجتماعية لكافة المجتمعات التي تطمح إلى التقدم والنهضة، نظرا للمشاكل المعقدة التي يثيرها التفكك الأسري على مستوى المجتمع ككل، وتحظى قضية العنف الأسري بأهمية خاصة من جانب الهيئات والمؤسسات المهتمة بالجانب الاجتماعي ومواجهة الانحرافات الاجتماعية، نظرا لكون ذلك العنف من أهم اسباب المشاكل النفسية والاجتماعية للأجيال الصاعدة، والتي تظل آثارها ممتدة لسنوات طويلة فتنعكس على سلوكياتهم في مختلف المراحل العمرية، وتسهم في تنامي الشعور بالاضطهاد والظلم مما يدفع الأطفال إلى التأخر الدراسي والانحراف.



وتتعدد أشكال العنف الأسري التي يقع ضحيتها الأبناء والزوجات من الإهانة اللفظية والجسدية التي تجرح مشاعر وعواطف الإنسان، وقد تأخذ أشكالا أكثر خطورة نتيجة لنقص الوعي والثقافة لدى الآباء، كما أن الطلاق لا تقل خطورته الاجتماعية عن العنف الذي ينتهي بتفكك الأسرة.

إيجاد حلول بديلة للنزاعات في العائلة

المحامية هناء منصور خطيب من طمرة والتي تعمل كذلك وسيطة في إيجاد حلول بديلة للنزاعات في العائلة، وتعالج منذ 19 عاما قضايا الأحوال الشخصية وقضايا العائلة، وحاصلة على اللقب الثاني في القانون، وعن العنف ضد المرأة قالت: 'إن العنف المستشري في بعض العائلات التي تعرف البعض منها كعائلات تعاني من ضائقة اجتماعيه، مالية، نفسية، صحية وربما تجد عائلات أخرى تعتبرها نخبة ومثال البيت الطيب، الراقي، المثقف والمهذب، فتعجب حين تسمع من أفواه النساء والأولاد أنهم يقعون تحت اطار من يعنفون ويضربون وربما يسحقون نفسا وروحا وتخور قواهم من حيث استعمال العنف بشتى أنواعه كلاميا، نفسيا وجسديا. فكيف لهؤلاء القاصرين والنساء المهددات المعنفات المضروبات من قبل فرد من أفراد العائلة أو جمعا منهم التدبر والعمل على أن يستتب الأمان ويسود السلام تحت سقف العائلة التي شيدها الزوجان أساسا على لبنة المحبة ولم الشمل والعشرة بالمعروف؟'.

دور المحاكم المدنية والدينية في علاج حالات العنف

وأضافت خطيب: 'إن المحاكم الشرعية وكذلك محاكم العائلة في شتى البلاد توفر إجراءً احترازيا وحتى بحضور طرف واحد أن تطلب الأمر لإستصدار أمر حماية أو منع مضايقة تحت التهديد وتترتب من خلاله تبعات جنائية وأبعاد إدارية وخيمة تؤدي بالخارق لأمر الحماية سجنا أو جزاءً، فبواسطة استصدار هذا الأمر يتم نيل (قرار ملزم) يلزم البعد والتفريق مسافة وجسدا وكذلك لسانا بين الطرفين، كما وأن هذا القرار يمنع إستخدام أي طريقة أخرى لتتخذ وسيلة مضايقة أو تهديد سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة أو عبر أية وسيلة إتصال هاتفية أو رسالة نصية أو عبر أجهزة الحواسيب وغيرها من الوسائل أو استعمال السلاح الميكانكي والأبيض'.

وقالت: 'إن هذا الأمر وقانون منع العنف ضد العائلة وقانون منع المضايقة تحت التهديد خلق وسن للحفاظ على سلامة وسكينة الزوج/ة وأي فرد من أفراد العائلة التي تربط بينهما صلة القرابة المحددة بنص القانون، لكن بئس ما استغل هذا الإجراء لهدف كيدي يستعمل بغية فض شمل العائلة هادفا نيل مصالح ومقاصد شخصية تجرد المبعد حقوقه الأساسي كفرد من أفراد المجتمع الأمر الذي يسبب الفرقة والبعد الجافي بين الطرفين مما يؤول إلى استفحال الشقاق والنزاع بين الزوجين فتتشتت العائلة. لذلك وجب اللطف في استعمال واستغلال هذا الحق وانتقاء محاسنه ونشر الوعي الاجتماعي'.

واستندت المحامية خطيب إلى كلام الله تعالى الذي يدعو للمعاملة الحسنة بين الزوجين: ' قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، ألا إن الآيات الشريفة المنادية إلى العفو والصفح الجميل والجنوح إلى واحترام عقائد الآخرين حتّى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنّما يدلّ على حرص الإسلام على السماحة واللاّعنف في سلوك المسلمين حتّى مقابل أصحاب العقائد الأخرى التي لا قداسة لها في نظر الإسلام، نعم من واجب المسلمين السعي لهدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).

صمت المرأة جرعة إضافية لموت سريع

وعن صمت المرأة التي تتعرض لحالات العنف قالت: ' يعتبر العنف ضد المرأة عاملا أساسيا يؤول إلى تفكك الأسرة ودمارها، فعندما يكرس العنف ضد المرأة التي هي الولية على مصالح البيت وخدمة الأطفال سواء كانت ربة بيت أو عاملة فهي بالأول والأخير الأم الحاضنة الولية والمتولية، فإن هذا العنف سيجعلها شخصية وهنة ضعيفة ولن تتمكن من إتمام مهمتها في التربية والعائلة بحسب الأصول، وقد تصمت المرأة ولا تواجه الشخص الذي يعنفها لردعه عن مواصلة تعنيفها لإعتقادها بأن ذلك يحمي الأسرة، وقد يكون الصمت نابع من سنوات كبت عاشتها المرأة منذ سن الطفولة واعتادت على الكبت كذلك خوفا من المجتمع الذكوري، (الأب، الزوج، الأخ)، أو قد تكون قد تعرضت لعنف سابق ولم ترويه للمقربين إن كان عنفا جسديا، لفظيا أو نفسيا، وليس الصمت على حالات العنف هو الحل، بل الصمت عبارة عن جرعة إضافية تساعد هذا المرض أن يستولي على الضحية، والنتيجة هي الموت السريع والفوري، فاختيار الصمت يعني الوصول للهاوية'.

استفحال العنف في العام 2014

ووجهت المحامية هناء خطيب رسالة للنساء المعنفات قائلة: 'إن رسالتي الموجهة للمرأة المعنفة واضحة بأنه توجد العديد من العناوين التي قد تتوجهين إليها، ومن تلك العناوين مراكز الرفاه الاجتماعي التي تمتلك الخبرة والمهنية في كيفية علاج حالات العنف، وفي حالة شعور المرأة بخوف من التوجه لمكاتب الرفاه الاجتماعي، فإن لرجال الدين من جميع الطوائف التأثير على الشخص العنيف، كذلك كبار السن. على المرأة الخروج عن صمتها، والتعبير عن رأيها ووقف العنف الموجه ضدها، لأنها بهذا الصمت لا تحمي أسرتها بل تساهم بتدمير أسرتها، فالإبن ينشأ على مشاهدة الأب يضرب والدته، والإبنة تتربى على السكوت أمام حالات العنف التي تعيشها، ويكون الأطفال كذلك ضحية في حالات العنف ضد المرأة، حيث ينتج مجتمع عنيف، وهذا ما نشهده مؤخرا'.

واختتمت المحامية خطيب بالقول: 'للأسف الشديد اقتربنا إلى نهاية العام 2014 ونحن لكتابة التقرير السنوي لأهم الأحداث في مجتمعنا العربي، لنشهد بأن حالات متكررة للعنف وقعت في مجتمعنا، هذه الحالات ما هي إلا تأكيد على إستفحال ظاهرة العنف في العائلات وفي كافة مرافق مجتمعنا، والعنف نتيجة أثبتت تسلطها على مجتمعنا خلال سنة 2014 على كل الأصعدة السياسية، الاجتماعية والتربوية'.

التعليقات