خليل أبو الهيجاء من الرويس: يبدأ السلام بعودة اللاجئين

كان طفلا في العاشرة من العمر حين قامت العصابات الصهيونية بتهجير أهلها عام 1948، وهدم منازلها عام 1950

خليل أبو الهيجاء من الرويس: يبدأ السلام بعودة اللاجئين

تعود بنا الذاكرة إلى بقايا وطن في قرية الرويس المهجرة، لتؤكد لنا بأن العودة هي الحق الذي لا يفارق المهجرين الفلسطينيين عن ديارهم، هي حلم الملايين من الأجيال الماضية والقادمة، العودة والتي تحولت لطقس سنوي في ذكرى النكبة وهذه السنة كانت المسيرة إلى قرية الحدثة، في الثالث والعشرين من نيسان، ضمن مسيرة العودة، رافق الكبار فيها أحفادهم الصغار، الذين يأبون إلا أن يحققوا حلم شعبهم الذي هُجر من أرضه بــ 'العودة'.

'هـل بالطلـول لسائـل ردّ.. أم هل لهـا بتكلّـم عهـدُ'، بهذه الأبيات الباكية على أطلال قريته الرويس المهجرة بدأ الحاج خليل أبو الهيجاء من مواليد عام 1938، بالعودة بنا عبر ذاكرته إلى الرويس.

كان طفلا في العاشرة من العمر حين قامت العصابات الصهيونية بتهجير أهلها عام 1948، وهدم منازلها عام 1950. نُقشت في ذاكرته حياه الطفولة في قرية الرويس، بيوتها وأهلها وقصص الحياة اليومية، التي لا تزال تترك أثرا كبيرا في نفسه، وقصها علينا كأنها تحدث أمامه اليوم، إلا أنه وبالرغم من مرور 67 عاماعلى النكبة فهو يشعر أن قرية الرويس باتت تسكنه وقال: الرويس فيها ذكرياتٌ لا تنسى، كبرنا ونحنُ لا نزال ننظرُ إليها ففيها قصةُ أهل وبيت وشعب هو أصلنا وتاريخنا وانتماؤنا، ولن يفارقنا'.

'الرواية الصهيونية أثبتت كذبة مروجيها'

يرى الحاج أبو الهيجاء أن: 'المسألة أكبر من موضوع الأرض وقرية الرويس فقط، وخلافا للرواية التي يحاولون ترويجها بأن البلاد كانت خالية من السكان، فإنها كانت عامرة ومتواصلة ونابضة. ولنا اليوم أن نعرف أن المخطط للاستيلاء على هذه الأرض كان أكبر من قدرات أهلنا الذين عانوا الويلات بخروجهمم من قريتهم، وبدء حياة من نقطة كانت دون الصفر، وقاموا من جديد وعملوا بجد لتربية أطفالهم وعائلاتهم ليكون جيلا بعد جيلا لا ينسى ما حل بهم. السلام وتصفية النفوس سيبدأ أولا بعودة اللاجئين'.

ثلاث بنادق للثوار الفلسطنيين مقابل القذائف المدفعية

يصف الحاج خليل أبو الهيجاء صوت سقوط القذائف المدفعية على قرية الرويس بأنها كانت مدوية، وقد سمعها الأهالي من منطقة تدعى خلة الشحنة، وهي بالقرب من قرية ميعار على مدخل قرية شعب المجاورة لقرية الرويس في الجليل، حيث لجأ أهالي الرويس إلى هذه المنطقة بعد أن هُجروا قسرا.

وقال: 'عندما يلتقي بنا أهالي المنطقة يخبروننا بأن اليهود احتلوا الدامون والرويس، وفعلا احتلوها بذات اليوم، وكان بحوزة أهالي الرويس فقط ثلاث بنادق، ولم تُطلق رصاصة لعدم توفر الذخيرة وعدم قدرة السكان على شرائها، كانت قد وصلت رسالة لمختار الرويس تطالب بتسليم القرية، كان هناك من كان يوافق على التسليم، وهناك من رفض التسليم، وكان هذا الرأي الذي ساد في النهاية، فخرجنا من الرويس'.

ويتابع أن 'البندقية في ذلك الوقت كانت تساوي 60 ليرة، وأذكرها لأن والدي قام ببيعها عندما وصلنا قرية نحف، وباع الفرس في وقت لاحق بـ78 ليرة فلسطينية لتعيننا على متطلبات الحياة'.

كتيبة الهاجاناه والقتل العشوائي لترهيب الفلسطينيين

وتابع: 'وصلنا قرية نحف، خيمنا في منطقة الزيتون بينها وبين قرية مجد الكروم، وكان مختار قرية نحف آنذاك حمد أبو عوض، وكان يتردد ويزور والدي وعمي. ومع اقتراب قوات 'الهجاناه' من القرية تشاور المختار مع مجموعة من الأشخاص وقرروا الخروج للشارع الرئيسي رافعين الأعلام البيضاء.وعند مرور قوات 'الهاجاناه' قالوا لهم أن يعودوا للقرية ويجمعوا باقي السلاح وسيعودون لأخذه، وتوجهت هذه القوات باتجاه مجد الكروم، ثم عادوا لقرية دير الأسد والبعنة وقتلوا من كل بلد بعض الأشخاص'.

ويشير هنا إلى أنه لم تكن هناك مقاومة أو إطلاق نار، إنما كان القتل عشوائيا، تم قتل شخص ينادونه الشاويش صالح من عائلة عباس في نحف بعد أن سلم بندقيته، وقتلوا يوسف خشان من نحف، وقتلوا قاسم العياشي من الدامون بعد أن لجأ إلى نحف،. كان إطلاق النار للتخويف والترهيب لجعل الناس تهرب، وقتلوا كذلك بشكل عشوائي من قرية دير الأسد والبعنة، فخرجنا من منطقة نحف باتجاه قرية الجديدة.

ويضيف 'أذكر بأننا شعرنا بعطش شديد عند انتقالنا من قرية لقرية، فتوجه يوما أخي أحمد إلى بئر الرويس ليجلب لنا الماء، وتم إبلاغنا بأنه يمكن التوجه إلى طمرة، وقد أعدوا لنا أوراقا ثبوتية، (تعداد نفوس)، كانت بمثابة بطاقة الهوية اليوم، واستقبلنا أهالي طمرة حتى أتى الصليب الأحمر الى القرية لتقديم المساعدات'.

'مررنا على ديارنا في ومنعنا من العودة اليها'

وقبل وصول الحاج خليل أبو الهيجاء إلى طمرة قال: 'في طريقنا من قرية الجديدة إلى طمرة مررنا على قرية الرويس، ومنعنا من العودة إليها. كانت غالبية البيوت كما هي لم يتم هدمها، وبعد مرور عام على التهجير قال بعض أهالي الرويس، بما أنهم لم يهدموا القرية فلماذا لا نعود إليها، وفعلا عادوا إلا أن الجيش جاء في الليل وأخرجهم وأعادهم إلى طمرة، في اليوم التالي هدموا القرية، وبعد قرابة سنتين هدموا الجامع. عندما خرجنا من الرويس حملنا معنا أوعية للطعام، اذكر أن خالتي، زوجة أبي، حملت معها وعاء وضعت فيه ثلاثة زجاجات من العسل واثنتين من السمنة، وأثناء سيرنا وبالقرب من مجد الكروم، انزلقت ووقعت ومعها كسرت الزجاجات'.

ويضيف أن أهالي الرويس استمروا بفلاحة أرضهم، وكان طفلا يرافق الحراث أثناء عمله بالأرض، حتى جاء شخص وحذر الحراثين من الوصول إلى الأرض، وإلا سيتم قتلهم.

'لا زلت أستشعر مذاق العسل من منحلة والدي'

وعن بيت العائلة في الرويس تحدث عن مذاق العسل الذي كان يأكله من منحلة والده لا يزال يستشعره.

ويتابع: 'كان لنا في الرويس بيتان واسعان، وبجوارنا ابن عم لأبي وله مساحة أرض مماثلة. وكان يحيط بالبيتين سور وفيه مدخل لبيتنا، ومدخل من الجهة الأخرى. كان موقع بيتنا يفصل بين الحارة الفوقا والحارة التحتا. كان في كل بيت في الرويس تقريبا منحلة لتربية النحل، وكانت وظيفتنا نحن الأطفال قتل الدابير، عندنا يحين موعد قطف العسل وتعبئتها وحفظها لبيعها. كنا نجلس طويلا وننظر خروجها واقترابها، كان أبي يكافئني بقرش. من كثرة العسل في البيت دشمت منه وحتى الآن لا أرغبه'.

'حفاة كنا نذهب للمدرسة حتى لو ملكنا ثمن الحذاء'

وحدثنا الحاج خليل أبو حميد عن مدرسته، وفترة تعليمة قبل النكبة، فقال 'كنت في الصف الرابع في عام النكبة، وأتعلم في مدرسة الدامون، تعلمنا تلك السنة ثلاثة أشهر ومع انتقالنا لطمرة أردت التسجيل للتعلم في مدرسة في طمرة. كانوا يدرسون فيها أيضا اللغة الانجليزية بخلاف مدرستنا في الدامون، فاحتاروا في المدرسة كيف يصنفوننا، ولأي صفوف تعليمية سيدخلوننا، فاقترح أحد المعلمين أن يجرى امتحان للطلاب لمعرفة مستواهم التعليمي، فان نجحوا فيستمرون للصف الخامس، أما الباقيون فيبقون في الصف الرابع. نجحت في هذا الامتحان فقد كنت أحب التعليم. ومن بين المواضيع كنت أحبها أكثر موضوع التاريخ وأيضا اللغة العربية. في طمرة أتممت الصف السابع، وكان التعليم جديا وما زلت أذكر حتى اليوم أكثر من ألف بيت للشعر، ما زلت أذكر المعلمين في مدرسة الدامون الأستاذ خليل بيطار وشفيق عبيد'.

وأضاف: 'كنت أول طفل يلبس الحذاء في قريتي الرويس عندما كنت في الصف الثاني. وقد رافقت والدي المرحوم وجدتي إلى عكا لشراء حذاء لوالدي، وأثناء تواجدنا في المحل قال له البائع إن لديه حذاء صغيرا يمكن أن يكون على مقاس رجلي، فأحرج والدي. انتعلته لكنه كان واسعا قليلا، فبدأت بتحريك قدمي وإرجاعها إلى الوراء ليظهر وكأنهم ملائم لقدمي. انتعلته وأنا أكاد أطير فرحا، وكأنني ابن المندوب السامي، وسرت مزهوا، أقدم رجلي ليروا حذائي الجديد'.

'ما هُدم سنعيد بناءه من جديد'

وأكد أنه 'لا بد أن يعود الحق لأصحابه، ولو بعد مائة عام، ما هُدم سنعيد بناءه من جديد. نعم فالنكبة مستمرة إلى يومنا هذا. هم يهدمون ونحن نبني، هم يتعاملون بالعربي بعنصرية ونحن صامدون أمام كل الحملات التي تُشن ضدنا كعرب، بضمنهم إخوتنا من الطائفة العربية الدرزية الذين يتعرضون لعنصرية بالرغم من خدمة أبنائهم في صفوف الجيش الإسرائيلي'.

 

التعليقات