دراسة: الأبعاد القانونية للأضرار النفسية الناجمة عن عمليات هدم البيوت*

في الخلاصة نقول إن هناك أرضية في القانون الإسرائيلي تتيح مبدئيا للشخص المتضرر نفسيا نتيجة هدم منزله، التوجه للقضاء لمحاكمة الدولة وأجهزتها والمطالبة بجبر أضراره النفسية

دراسة: الأبعاد القانونية للأضرار النفسية الناجمة عن عمليات هدم البيوت*

تتمحور الدراسة حول النقاط المركزية التالية:

1- المسؤولية القانونية المدنية عن الأضرار بشكل عام

2- المسؤولية التقصيرية للدولة

 3- القانون الوضعي الإسرائيلي:

 المسؤولية القانونية المدنية عن الأضرار النفسية الناجمة عن عمليات هدم البيوت
 آليات محاسبة وملاحقة المسؤولين قانونيا

مبدأ المسؤولية القانونية المدنية عن الأضرار:

كي تقوم المسؤولية القانونية المدنية عن الأضرار بشكل عام، يجب أن تتوفر الأركان (الشروط) التالية:

أ- واجب تشريعي/التزام قانوني

ب-ارتكاب فعل يخالف الواجب القانوني أو إخلال في الالتزام (خطأ /انتهاك/مخالفة)

ج- إلحاق ضرر (مادي/معنوي)

 د-علاقة سببية مباشرة بين الضرر والخطأ -الضرر ناجم بفعل الإخلال أو ما يسمى بالخطأ/الانتهاك/المخالفة.

المسؤولية التقصيرية للدولة

القاعدة: تقوم المسؤولية التقصيرية في حالة ارتكاب الدولة لعمل أو امتناع عن عمل يعد إخلالا بالالتزامات والواجبات القانونية الموجودة في القانون الوطني أو الدولي، ويُطبَق على المسؤولية التقصيرية للدولة نفس الشروط التي تطبق على مسؤولية الأفراد.

القانون الوضعي الإسرائيلي:

عناصر المسؤولية القانونية المدنية عن الأضرار (المادية والنفسية) الناجمة عن هدم البيوت:

أ- واجب/ التزام قانوني:

الحق في السكن وفي المسكن اللائق هو حق اجتماعي أساسي، كونه جزءا من حق الإنسان في الكرامة، وعليه فمن واجب الدولة أن تكفل هذا الحق الأساسي وأن تلتزم بتطبيقه.

وفقا للمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) يحق لكل شخص التمتع بمستوى معيشي لائق بما في ذلك الحقّ في المأكل، الملبس والمسكن.

في عام 1991 انضمت إسرائيل إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من عام 1966، الذي ينص في البند 11(1) على أن لكل إنسان الحق له ولعائلته بالسكن، في المأكل والملبس، وأنّ هذا الحق في السكن ما هو إلا جزء من حق أوسع- الحق في مستوى معيشة لائق وملائم.

منظومة القوانين الأساسية/الدستورية الإسرائيلية الحالية لا تشمل حتى الآن الحق في السكن. كانت هناك محاولات لمشاريع قانون أساس للاعتراف بهذا الحق وحقوق اجتماعية أخرى، كحقوق اجتماعية أساسية.

القضاء الإسرائيلي الأعلى (المحكمة العليا) أقر واعترف في أكثر من قضية، أن الحق في السكن وفي السكن الملائم هو جزء لا يتجزأ من الحق الأساسي لكرامة الإنسان المنصوص عليها في قانون أساس كرامة الإنسان وحرّيته، والمعمول به منذ عام 1992.

من أهم هذه القضايا هي القضية المعروفة بالفقه القضائي الإسرائيلي منذ عام 1998 باسم "قضية جمزو" إذ يقول القاضي أهرون براك، رئيس المحكمة آنذاك، أن الانسان الذي يسكن في الشارع ويفتقد للمسكن هو شخص تُنْتَهَك كرامته كإنسان.

ب- إخلال/ انتهاك/مخالفة:

عندما تقوم الدولة بهدم بيت، فهي تحرم أفراد العائلة من حقهم في السكن أو من المأوى اللائق، وبالتالي فهذا يمس بحقهم الطبيعي في الكرامة. هدم بيت يعني انتهاك الدولة للحق في المسكن، إخلال لالتزامها لحقوق الإنسان عامة وللواجب القانوني الملقى على عاتقها لحماية هذا الحق الأساسي في السكن والمأوى كجزء من الحق في الكرامة خاصة. هدم منزل يعتبر مخالفة فظة لحق دستوري.

ج- أضرار نفسية وعلاقة سببية:

يشير الأخصائيون النفسيون وعلماء الاجتماع، وتؤكد الأبحاث العلمية على أن عملية هدم منزل وحرمان أهل البيت وأفراد الأسرة من سقف يأويهم، هو فعل يؤذي بصحة الإنسان النفسية، وينجم عنه مباشرة أضرار نفسية جسيمة متنوعة لأفراد الأسرة، وبالذات لصحة الأطفال النفسية.

تجدر الإشارة إلى أن هناك أضرار نفسية قد تنجم عن سياسة القمع والإجراءات التعسفية وأساليب الترويع التي تنتهجها أجهزة الدولة أثناء تنفيذ عمليات الهدم. هذه الأضرار أيضا جزء لا يتجزأ من الأضرار النفسية الناجمة عن هدم البيوت، وانتهاك فظ للحق في السكن، والتي على الدولة جبرها وإصلاحها.

آليات محاسبة وملاحقة المسؤولين قانونيا عن الأضرار النفسية الناجمة عن هدم البيوت:

يبقى السؤال الأهم: هل انتهاك حق أساسي، كالحق في السكن، على يد الدولة يصل إلى مستوى المخالفة الدستورية الذي يُحمِل الدولة المسؤولية القانونية لارتكابها، مما يستوجب جبر الأضرار؟!

كما ذكرنا أعلاه القضاء الإسرائيلي الأعلى اعترف في أكثر من سابقة، أن الحق في السكن والسكن الملائم هو حق أساس وجزء من الحق في الكرامة، وبالتالي من يمس بهذا الحق فهو يمس بحق دستوري.

الحلبة القانونية والقضائية في إسرائيل تشهد في السنوات الأخيرة مطالبة جدية لإجراء تعديلات قانونية، هدفها حماية حقوق الإنسان عن طريق شمل الأفعال التي تنتهك حقوق الإنسان (المخالفات الدستورية) في قائمة المخالفات الخاصة التي تستوجب التعويض حسب قانون الأضرار، وعن طريق تشريع قوانين أضرار لحماية هذه الحقوق بشكل خاص. ذلك أسوة ً بحقوق وحريات أخرى كالحق في الخصوصية، السمعة الحسنة، الحبس التعسفي، المساواة في تلقي الخدمات العامة، المساواة في القبول للعمل وغيرها من حقوق أساسية، مما قام المشرع الإسرائيلي بحمايتها، عن طريق شملها في قانون الأضرار العام أو بقوانين أضرار خاصة، وفقها يجب تعويض المضرور في حال ارتكاب مخالفة هذه القوانين.

في ظل غياب مواد تشريعية واضحة في القانون الإسرائيلي العام أو في قانون الأضرار الإسرائيلي فيما في يخص المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن انتهاك حقوق الإنسان عامة والحق في المسكن خاصة (ارتكاب مخالفات دستورية)، إلا أن الأبواب القضائية ما زالت مفتوحة لمحاكمة الدولة استنادا على قاعدة المسؤولية التقصيرية.

كما أن القانون الإسرائيلي الخاص بالأضرار المدنية (مسؤولية الدولة عن الأضرار)- 1952، يتيح للمواطن التوجه للقضاء بدعوى تعويض ضد الدولة والدوائر التابعة لها، بخصوص أضرار مادية أو معنوية ناجمة عن أفعال غير قانونية ارتكبتها الدولة أو دوائرها بحق المواطن.

قاعدة قانونية عامة في قانون الأضرار:

- على المسؤول عن تسبب الأضرار (من ارتكب خطأ قانوني وأخل بالتزام قانوني وتسبب بأضرار) أن يقوم بجبر الأضرار.
- جبر الأضرار يتم عن طريق التعويض المادي أو الإصلاح أحيانا.
 - في حالة انتهاك الدولة للحق في المسكن وحرمان أفراد الأسرة من سقف يأويهم، فتقع على عاتق الدولة مسؤولية الإصلاح، وإيجاد بدائل وأطر توفر لهم مأوى لتحافظ عليهم اجتماعيا وصحيا. على مؤسسات الدولة أن تعالج مسألة حرمان الأطفال والقاصرين من مأوى كنتيجة لعملية الهدم، وأن تجد الحلول للضائقة الاجتماعية والنفسية بعد هدم منزلهم التي سيعاني منها هؤلاء الأطفال.
- يحق للمتضرر محاسبة الفاعل واستنفاذ الإجراءات القانونية والقضائية بحق المسؤول عن الأضرار، لإلزامه بجبر الأضرار (التعويض ماليا أو الإصلاح وإيجاد البدائل)

في الخلاصة نقول إن هناك أرضية في القانون الإسرائيلي تتيح مبدئيا للشخص المتضرر نفسيا نتيجة هدم منزله، التوجه للقضاء لمحاكمة الدولة وأجهزتها والمطالبة بجبر أضراره النفسية.

* مداخلة قانونية قدمها المحامي نبيل دكور –مدير مركز "وجود" لحماية حقوق العرب في النقب - في اليوم الدراسي حول "الابعاد النفسية الاجتماعية والقانونية لعمليات هدم البيوت" الذي نظمته "كلية مركز النقب"

التعليقات