مقبرة القسام في حيفا: تاريخ شعب يواجه الطمس

تتعرض المقبرة في هذه الأيام إلی هجمة قانونية خطيرة تمهيدا للاقتطاع منها لإقامة مشروع تجاري لصالح شركة إسرائيلية على الرغم أنها بملكية أوقاف حيفا الاستقلال والجرينة.

مقبرة القسام في حيفا: تاريخ شعب يواجه الطمس

مقبرة القسام تضم مئات رفات الشهداء والمجاهدين، وهي معلم تاريخي ووطني هام جدا

في الوقت الذي تحضرت محكمة الصلح في 'كريات بياليك' قضاء حيفا للتداول في ملف مقبرة القسام، وذلك في أعقاب محاولة شركة إسرائيلية السيطرة على جزء من مقبرة عز الدين القسام في بلد الشيخ، وصل، اليوم الثلاثاء، عدد من أحفاد وأبناء وأقارب الشهيد عبد الرحمن أبو عيشة من قرية المكر بالجليل الغربي في مشهد مؤثر للاعتصام داخل المقبرة وزيارة أضرحة الأجداد، حيث تلوا الفاتحة على أرواح الشهداء ووضع الأحفاد أكاليل الزهور على ضريح الشهيد أبو عيشة.

وعقب زيارة المقبرة والأضرحة انتقل أبناء عائلة أبوعيشة إلى المحكمة  لحضور الجلسة التي ستناقش ما تتعرض  له المقبرة في هذه الأيام من هجمة قانونية خطيرة تمهيدا لسلب قسم منها لإقامة مشروع تجاري لصالح شركة إسرائيلية على الرغم أنها بملكية أوقاف حيفا، الاستقلال والجرينة.

وكان الشهيد عبد الرحمن أبو عيشة قد استشهد في العام  1937 فيما يعرف بتفجير البراميل في سوق حيفا التي راح ضحيتها أكثر من 40 شهيدا من بلدات المنطقة ودفن في مقبرة القسام التي تضم مئات القبورعلى مساحة 30 دونما.

 طلب: مزاعم الشركة التجارية حول ملكيتها لجزء من مقبرة القسام عارية عن الصحة ولا تمت للواقع باي صلة

وفي حديثه لـ 'عرب 48' قال  طلب، حفيد أبو عيشة' روايتنا لم تنته بعد وتداعيات النكبة لا زالت تلاحقنا، فالمؤسسة الإسرائيلية لا ترحم، لا الأحياء ولا حتى الأموات، فمزاعم الشركة التجارية حول ملكيتها لجزء من مقبرة القسام عارية عن الصحة ولا تمت للواقع بأي صلة، وهذه الادعاءات ما هي إلا محاولة للسيطرة على ما تبقى من أراض والإجهاز على كل ما تبقى من شواهد على النكبة والجريمة كجزء من محاولة  لطمس المعالم ومحو الذاكرة'.

 وأضاف: 'من جهتنا لن نتنازل عن حقنا التاريخي كون مقبرة القسام تضم مئات رفات الشهداء والمجاهدين، وهي معلم تاريخي ووطني هام جدا يمثل القضية الفلسطينية برمتها ولا تقتصر على قضية وحالة شخصية لعائلة أبوعيشة، فهي تحمل معان ودلالات الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني التي تسعى المؤسسة الصهيونية لتشويهها، وهذا يشكل تحديا يستوجب القوى الوطنية والفعاليات الشعبية والسياسية رص الصفوف لإحباط مخطط النيل من المقبرة'.

 بهية: على مر عقود اعتاد  والدي العودة إلى مقبرة القسام حيث ووريّ جدى الثرى بالمكان

أما الحفيدة بهية محمد عبد الرحمن أبو عيشة فتحدثت بتأثر بالغ، واستعرضت ما تحمل من الذاكرة الشفوية المتناقلة، وقالت: 'أعلم من رواية والدي الذي كان برفقة  جدي الشهيد في يوم التفجير بمدينه حيفا، حيث كان بالثانية عشرة من العمر يرافق  جدي في سوق حيفا في صيف تموز، وأكد لي أنه يذكر جيدا أن جدي عبد الرحمن ناوله عنقود عنب ليأكله، وبعد لحظات سمع صوت انفجار أوقع عشرات الضحايا بين شهيد وجريح'.

وعاد والدها فور التفجير إلى قرية المكر تاركا حيفا حاملا ذكرياتها ومشاهد التفجير التي بقيت راسخة في ذهنه إلى أن وافته المنية في العام 2002، وعلى مر عقود اعتاد العودة إلى مقبرة القسام حيث ووريّ والده الثرى هناك، ونقل إلى أولاده وأحفاده روايات ومشاهد النبكة بتفاصيلها ومشاهدها الدموية غارسا فيهم مشاعر الانتماء للأرض والوطن.

ذكريات ورواية شفوية توثق لحظة التفجير في حيفا واستشهاد عبد الرحمن أبو عيشة

وخصت بهية موقع 'عرب 48' بنقل ذكريات والدها أبو العبد  التي توثق لحظة استشهاد جدها عبد الرحمن أبو عيشة، وهذا بعض ما دونه كتابيا في مذكراته عن جريمة التفجير:

لقد كنا أسرة سعيدة، في صيف 1937 ، أب كريم عطوف، محبوب من جيرانه ومعارفه، لحُسن خُلقه وطيب معاملة، وكانت لنا أمٌ حنون ذات خلُقٍ كريم، رحمها الله ووالدي ، وأربع أخوات وأخ جميعهم كالبراعم المتفتحة ولا أخالك تجهل مبلغ الرضى الجميل الذي يشعر به أفراد الأسرة الواحدة وهم مجتمعون.

هكذا كنا، وفجأة جاء ذاك الصباح، كنت أنا برفقة والدي في سوق الخضار في حيفا لنقل الخضار التي يشتريها أصحاب الحوانيت إلى دكاكينهم بعربة يجرها حصان ويتقاضى والدي أجره مقابل ذلك، وفجأة ينفجر لُغُم رهيب وضعته أيدٍ لئيمة آثمة من اليهود والانجليز ويؤدي انفجار اللغم إلى إزهاق أرواح وتمزيق أجساد بالمئات، وكان والدي من جملة من ذهبوا مع الانفجار وما زال عنقود العنب بيدي وقد ناوله لي قبل الانفجار بلحظة وقبل أن يغيب بين الجموع ومن ثم في جوف القدر.

شعبان:الإعتداء على الأرض والمقدسات والشواهد هي صفة ملازمة للمؤسسة الإسرائيلية منذ  النكبة لغاية اليوم

ويستعيد الناشط جمال شعبان هذه الذكريات، ويرى أن الإعتداء على الأرض والمقدسات والشواهد هي صفة ملازمة للمؤسسة الإسرائيلية منذ  النكبة لغاية اليوم.

ويعتقد ان هذه الممارسات والمخططات تثبت أن إسرائيل لا تعترف بمن تبقى فوق أرضهم على أنهم بشر، لذلك تستبيح المقدسات وحرمة الأموات وتدنس المقابر، وتتمادى في استهداف ما تبقى من وجود عربي وفلسطيني لتقيم على المقابر والأضرحة المشاريع التجارية والاقتصادية والإسكانية بزعم التطوير والتوسع.

وبين أن احفاد الشهداء لن يسمحوا أن تهدم مقبرة القسام وسيواصلون النضال الشعبي وكذلك المسار القضائي إلى حين استرجاع كافة الحقوق على الأرض وإفشال المخطط التجاري فوق مقبرة القسام، داعيا إلى وحدة الصف وطرح كافة ملف الأوقاف العربية والإسلامية وعقارات اللاجئين على سلم الأولويات والمطالبة باسترجاعها.

دغش: مقبرة القسام تتعرض هذه الأيام إلی هجمة قانونية خطيرة تمهيدا للاقتطاع منها لإقامة مشروع تجاري لصالح شركة إسرائيلية

وكان المحامي والناشط  في 'هيئة متولي أوقاف حيفا'، خالد دغش، قد وجه نداء لوقفة تضامنية قبالة محكمة الصلح في 'كريات بياليك' التي ستتداول في ملف مقبرة القسام، كما وجه 'نداء عاجلا ودعوة لتشكيل لجنة شعبية، وذلك في أعقاب محاولة شركة إسرائيلية السيطرة على جزء من مقبرة عز الدين القسام في بلد الشيخ'.

واستعرض دغش ملابسات هذا الملف، وقال إن مقبرة القسام في بلد الشيخ، وهي بملكية أوقاف حيفا الاستقلال والجرينة، تتعرض هذه الأيام إلی هجمة قانونية خطيرة تمهيدا لاقتطاع  جزء منها لإقامة مشروع تجاري لصالح شركة إسرائيلية.

وأشار إلى أن الشركة الإسرائيلية  قدمت طلبا عاجلا إلی محكمة الصلح في 'كريات بياليك' لإلزام جهات مختلفة تعتقد وتدعي أنها صاحبة ملكية أو سلطة علی المقبرة بنبش القبور وإخلائها من المقبرة، استنادا إلى قرار غيابي تدعي أن محكمة أصدرته قبل 15 عاما.

وأضاف دغش أن هيئة متولي أوقاف حيفا الاستقلال والجرينة وغيرها، بما فيها مقبرة القسام تحذر من محاولة المساس بأملاكها وبقدسيتها، لا سيما مقبرة القسام.

وكانت هيئة متولي أوقاف حيفا قد أصدرت، قبل أيام، بيانا جاء فيها أنه ''عدا قدسيتها، فإن مقبرة القسام قبل كل شيء هي معلم تاريخي، وهي ذاكرة شعب وشاهد علی جرائم النكبة، ولكنها صمدت وما زالت صامدة جميلة، ومميزة بمساحتها الواسعة، وتذكر بحدائقها وأشجارها الخاصة التاريخية، لا سيما أشجار زيتون لا زالت تثمر إلی اليوم، ومجموعة مبان قديمة، وكلها تحتاج إلی العناية والصيانة، لإحيائها وإعادتها إلى سابق عهدها الجميل'.

وقالت هيئة متولي أوقاف الاستقلال والجرينة وغيرها إنها لم تكن طرفا في أي إجراء قانوني تدعيه هذه الشركة الإسرائيلية، وأنها لم تستلم ولم تعلم بأي إجراء قانوني يخص مقبرة القسام، وتستهجن أمر القرار الغيابي الذي يدعی بشأنه وترفضه جملتا وتفصيلا. وقالت إن الهيئة 'لم توافق ولن توافق بل ترفض أي محاولة مساس بقدسية المقبرة أو أي محاولة اقتطاع منها'.

وأطلقت هيئة متولي أوقاف حيفا الاستقلال والجرينة 'نداء استغاثة 'إلی كل حر في العالم، وإلى كل مؤسسة جمعية وجهة حقوقية وغير حقوقية في إسرائيل وخارجها لمساعدتها، والوقوف بجانبها للتصدي لهذه الهجمة، إن كان عبر تقديم المشورة أو المساعدة القانونية أو غيرها، وإن كان بالالتفاف حول هيئة متولي أوقاف حيفا الاستقلال والجرينة في كل الخطوات والقرارات التي سيتفق عليها، وهي دعوة عاجلة إلی كل مهني ومختص للتواصل معنا لتنسيق العمل، وهي دعوة لأحزابنا وحركاتنا الوطنية، وممثلينا في الكنيست وخارجها لاتخاذ خطوات سريعة لوقف الهجمة'.

 

التعليقات