كرز الجولان: نكهة الطعم ومذاق الصمود تحت التهديد

أحد أكبر الأخطاء التي نقوم بها في الجولان هي تقسيم الأراضي الزراعية من خلال توريثها للأبناء، وبذلك أصبح لدينا آلاف المزارعين الذين يملك كل واحد منهم دونما واحداً أو اثنين، وهذا ما أدى إلى فقدان الجدوى الاقتصادية لهذه الأراضي.

كرز الجولان: نكهة الطعم ومذاق الصمود تحت التهديد

موسم الكرز في الجولان

على غير المألوف في مثل هذا الموسم، تترامى البساتين وأغصان الكرز في أحضان المرج وعلى خدود الهضاب الحزينة الممتدة بين مجدل شمس ومسعدة في الجولان المحتل وكأن حباته تذوب على أغصانها وتقطر دمعا على خد الوطن الجريح ويلفها الأسى.

 ويقول الجولانيون إن الطعم لم يعد بذات النكهة كما كان مذاق الصمود الذي كان يكسبه نكهة خاصة ومعنى خاصا في زمن الوطن المعافى، إلا أنه رغم ذلك، الجولانيين متشبثون بصمودهم الضارب في وجدان الأرض وحنينهم للماضي الجميل.

في موسم قطاف الكرز الذي يسبق موسم التفاح يتفاعل الأهالي في كل موسم مع أغصان وحبات الكرز لؤلؤة الجولانيين التي كانت تجلب فرح الأطفال والشيوخ والنساء شبيهة بالأعراس التقليدية وسهرات رحبانية، وجدنا مرجا كسولا تلفه الكآبة وقد هجرته الفرحة، ورغم ضجيج الجرارات الزراعية وحراك الفلاحين إلا أن المشهد يوشي بسوق ضعيف مع صعوبة التسويق ويقترب أكثر للكساد وتراجع السوق والأسعار بعد إغلاق إمكانية التسويق لسوريا بسبب الحرب وعدم تكافؤ المنافسة بالسوق الإسرائيلية.

صالح: المرج حزين

ويؤكد المزارع والناشط وهيب الصالح بأسى أن المرج الممتد على مساحة 17 ألف دونم لم يعد كما كان، وقال إن 'كان المرج يشكل مصدر رزق أساسي للجولانيين بين زراعة التفاح والكرز أساسا ذلك إلى جانب ما يمثله المرج الأخضر الممتد من مجدل شمس مرورا بقرية مسعدة حتى بقعاثا من عامل صمود وجمالية للمكان بالإضافة من اللقاء والتفاعل الاجتماعي والتعاون والتكافل بين الأهالي، إلا أنه منذ اندلاع الأزمة في سوريا انقلب الحال وانعكست تداعياتها أسى لحد كبير على مزاج الناس وحراكهم واقتصادهم ناهيك على أن استلام سوريا سابقا لمنتوجات الجولانيين خاصة التفاح بهدف تعزيز الصمود ودعم الفلاحين كان عامل تحفيز لتشجيع الزراعة واستصلاح الأرض وتطوير الزراعة والتعاون، لكن نلحظ أنه سنة بعد سنة يشهد الحال تراجعا بالسوق والإنتاج والتسويق الذي ينعكس سلبا على كل مناحي الحياة ونبقى على أمل أن يتعافى الوطن ويستعاد الأمان'.

عواد: تراجع غير مسبوق

وقال صاحب بسطة لبيع الكرز وغيرها من المنتوجات في السوق الشعبي الواقع وسط المرج قبالة مقام 'الولي اليعفوري'، صالح عواد، لـ'عرب 48' إن 'السوق يشهد تراجعا غير مسبوق وحركة الزوار من فلسطينيي الداخل إلى سوق المرج الشعبي بتراجع وهذا يؤثر علينا كثيرا لأنهم يمثلون القوة الشرائية الأساسية لنا خاصة بعد وقف التصدير إلى سوريا بسبب الحرب الدائرة، وكذلك نحن لا نستطيع المنافسة مع السوق الإسرائيلية بعد أن هيمنت المستوطنات في هضبة الجولان على زراعة الكرز، وبالتالي فإن التجار يستغلون هذا الحال لفرض أسعار بخسة، لكن نحن مضطرون رغم كل ذلك للتمسك بالسوق وهذه الزراعة لأنها أصبحت متنفس الجولانيين وهويتهم ولا يمكن أن نتخيل أنفسنا خارج هذا المرج وهذه الزراعة التاريخية التي انطلقت منذ أربعينيات القرن الماضي'.

إبراهيم: نحاول تعويض الخسائر

الشاب المزارع آدم ابراهيم يقف على بسطته على هامش السوق لتسويق بضاعته التي لا تتجاوز أربعة أطباق من الكرز، وظهر عليه الإحباط والملل بحركة مثقلة ومتذمرة.
وقال إبراهيم إنه 'لدينا كرم من الكرز ونحن ننتظر التجار لاستلام المنتوج، لكن الأسعار لدى التاجر لا تتجاوز التسعة شواقل للكيلو غرام وهذا يعني أننا نبيع بخسارة مقابل المصروفات الباهظة، ولذلك نحاول تسويق منتوجنا بهذه الطريقة الصعبة لنستطيع تغطية المصروفات رغم أن السعر الذي نبيع به لا يزيد عن التجار إلا بفارق ثلاث شواقل للكيلو غرام أي 12 شيقل للكيلو غرام وهذا قليل مقارنة بالموسم العام الماضي الذي بلغ 20 شيقلا'.
 وأكد أنه 'لا مجال سوى التسويق بهذه الطريقة رغم صعوبتها لأننا لا نستطيع أيضا التسويق والمنافسة مقابل المزارع اليهودي الذي ينتج كميات هائلة من منتوج الكرز وكم المحصول الكبير بسبب اتباع الوسائل والأدوات والمواد المستحدثة للزراعة ويفرض الأسعار'.

أم صالح: معافاتنا من سلامة الوطن

وتجتمع أم صالح مع أفراد عائلتها لتسويق منتوجهم في سقيفة على مدخل السوق الشعبي، تحدثت بأسى لـ'عرب 48' قائلة 'أنا مزارعة وأجلس في هذه البسطة منذ 30 عاما، لكن لا مقارنة بين الماضي والحاضر.  كل سنة تأتي أسوأ من سابقتها والزراعة والمحاصيل بتأخر، والأسعار زهيدة وسبب ذلك يعود إلى الطقس العاصف والثلوج، ومع كل ذلك فإن ظلم الفلاح يتزايد لأن التجار والجميع يحاولون استغلاله ويطمعون به رغم أنه هو أكثر من يتعب ويشقى'.
وأضافت: 'عندما كانت سوريا آمنة وتستلم محاصيلنا كنا بألف خير وكنا متفائلين ومتحمسين، لكن بعد أن تعذر التصدير للوطن نشعر بالأسى والضعف والأهم من كل هذا نتمني أن تسلم سوريا وأن يعود الوطن بخير'.

عويدات: مفترق مصيري

وقال الصحفي والمتابع لشؤون الزراعة، نبيه عويدات، إن 'الثروة الزراعية تقف اليوم أمام مفترق طرق مصيري، فإما أن ينظم المزارعون صفوفهم ويطورون أساليبهم، أو أننا سنفقد هذه الثروة خلال وقت ليس بالبعيد'.

وأضاف: 'موسم التفاح المقبل أصبح على الأبواب، لكنه لا تزال هناك 20 ألف طن من تفاح الموسم الماضي، وتشكل 50% منه، مخزنة في البرادات، وليس لدى أحد من المزارعين أدنى فكرة عن طريقة تصريف هذه الكميات ومتى، وذلك بالرغم من السعر المتدني'.

وتابع: 'الجولان يتميز بمناخ مناسب لزراعة التفاح والكرز لا يوجد له نظير في محيطه، ولا يمكن لأحد في هذا المحيط أن ينافسنا في هذه الزراعة، إذ ليس لديهم جبل الشيخ الذي يمنح البرد الضروري للتفاح والكرز، ولا “راس النبع” و”بركة رام” ولا تهطل على بساتينهم 1200 ملم من الأمطار في الموسم، وليس بالصدفة أن ثلاث قرى في الجولان (مجدل شمس، بقعاثا ومسعدة) تنتج 35% من كمية التفاح'.

واستطرد عويدات: 'المطلوب تفعيل الجمعيات الزراعية، أو هيئات بديلة عنها، والتي هي أصلاً منتخبة من قبل المزارعين ومن المفروض أن تمثلهم، لكي تقوم هذه بإنشاء هيئة عليا مؤهلة (ليست مكونة من الشيخ فلان وأبو فلان) لرسم وتنفيذ سياسات يجب على المزارعين الالتزام بها. يجب أن تكون هذه الهيئة مكونة من مهنيين أصحاب رؤيا وعقل مفتوح، على أن لا يكون عملهم تطوعاً، بل يدفع لهم ثمن أتعابهم'.

وتابع: 'الجودة هي السلاح الأهم الذي نملكه، وذلك بسبب الظروف المناخية التي تحدثناً عنها أعلاه، لذا يجب أن نسوق منتوجنا على أساس الجودة وإعادة الهيبة لتفاح الجولان، وهذا بحاجة إلى عملية إعلان وتسويق مناسبة والعمل قولاً وفعلا على المحافظة على جودة التفاح، إذ يجب مراقبة مستوى الرش بالمبيدات الزراعية، وهو أمر محوري وغاية في الأهمية بالإضافة إلى العمل على بناء مركز لتصنيف التفاح المسبق  أي تصنيف التفاح قبل إدخاله إلى البرادات، وبيعه مصنفاً فقط وبناء مركز واحد مشترك لجميع البرادات للتوفير في المصاريف الأولية أثناء البناء والمصاريف الجارية بعد تشغيله، والعمل على تخفيف تكاليف الزراعة لكي نحافظ على الجدوى الاقتصادية لهذه الصناعة'.

وشدد عويدات على أن 'أحد أكبر الأخطاء التي نقوم بها في الجولان هي تقسيم الأراضي الزراعية من خلال توريثها للأبناء، وبذلك أصبح لدينا آلاف المزارعين الذين يملك كل واحد منهم دونما واحداً أو اثنين، وهذا ما أدى إلى فقدان الجدوى الاقتصادية لهذه الأراضي، خاصة وأن كل واحد من هؤلاء يقتني جراراً زراعياً وجميع المعدات الزراعية. الحل هنا أن يقوم هؤلاء بالتعاون والتشارك فيما بينهم، وقد يكون ذلك من خلال الجمعيات الزراعية، أو من خلال مجموعات متجاورة، فجرار زراعي واحد مع المعدات اللازمة يكفي لـ 100 دونم. يمكن هنا الاستعانة بمقاولين يقومون بهذه المهمة كما هو متبع في المستوطنات الإسرائيلية. لا يمكننا الاستمرار أكثر بحالة اللامبالاة هذه، ونحن نرى ثروتنا الوطنية تذهب هدراً أمام أعيننا'.

التعليقات