الناصرة: من المسؤول عن تغييب العربيّة عن اليافطات؟!

يسيرُ المواطن بضعة أمتار، على الشارع الرئيسي في مدينة النّاصرة، وإذ بهِ يتفاجأ بتغييب اللغة العربيّة عن يافطات المحال التجاريّة، لتحل مكانها لغة أخرى وأحرف غير متلاصقة، وتجد الإنجليزيّة والعبريّة بكثرتها، مع تغييب للغة العربيّة الأم.

الناصرة: من المسؤول عن تغييب العربيّة عن اليافطات؟!

الناصرة

يسيرُ المواطن بضعة أمتار، على الشارع الرئيسي في مدينة النّاصرة، وإذ بهِ يتفاجأ بتغييب اللغة العربيّة عن يافطات المحال التجاريّة، لتحل مكانها لغة أخرى وأحرف غير متلاصقة، وتجد الإنجليزيّة والعبريّة بكثرتها، مع تغييب للغة العربيّة الأم.

وقال المواطن أرسلان أرسلان حول شيوع هذه الظاهرة، لـ'عرب 48' إن  'غالبية يافطات المحال التجارية في النّاصرة أصبحت بلغات أجنبية وغير مفهومة، بجميع أماكنها'.

يأتي هذا التقرير، في عمليّة، لتوضيح الوضع الراهن 'لليافطات' في مدينة النّاصرة، كأكبر مدينة عربيّة في البلاد، ضمن رصد لمئات المحلات التجاريّة، التي تجاهلت اللغة العربيّة على يافطاتها بشكل تام، مستعملةً العبريّة والإنجليزيّة، مما يشكل خطرًا مستقبلاً على الهوية العربيّة، وانتهاكاً لقانون رقم 759، الذي تمّ سنّه في بلدية مدينة الناصرة، دون العمل بهِ.

شبه اجماع

رغم اجماع المواطنين، وانتشار هذه الظاهرة على مدى واسع، وفي جميع أنحاء المدينة، يرى مساعد رئيس بلدية الناصرة، سالم شرارة، أنّ هذه الظاهرة ليست منتشرة إلى هذا الحدّ الكبير، فهي نادرة الحدوث، على حدّ تعبيرهِ.

ويقارن المواطن جمال جرّار بين مجمع 'بيج فاشن- الناصرة'، الذي لا توجد بهِ أي لافتة باللغة العربيّة، مع الشوارع الرئيسيّة في مدينة الناصرة، فوضعها، كما عبرّ عنه بأنّه لا يختلف كثيرًا عن مجمع 'بيج فاشن'، الذي رغم أن زائريه من العرب، بنسبة كبيرة، لا يضع أي لافتة باللغة العربيّة.

وبدورهِ يشير الروائي ومدير عام جمعيّة الثقافة العربيّة، إياد البرغوثي، إلى أنّ إنكار الظاهرة لا يعني إخفاءها، فهي موجودة وواسعة النطاق نسبيًا، هناك عدد كبير من المؤسسات والمحال التجارية تتجاهل اللّغة العربية تمامًا على لافتاتها.

ويؤكد الشاعر والمتخصّص في حقل الدّراسات العربيّة والإسلاميّة، علي مواسي، من باقة الغربية، على شيوع هذه الظاهرة، التي لا تقتصر على مدينة النّاصرة، فهي تشمل مجمل مدن وبلدات أراضي الـ 48، وإن دلّ هذا الغياب على شيء، فعلى أنّ المكوّن الهويّاتيّ الجمعيّ الأساسيّ الّذي يربطنا، نحن الفلسطينيّين، ببعضنا، وبفضائنا الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ، ألا وهو اللّغة العربيّة، قد تم تغييبه.

 لغة وإملاء صحيح

وينوّه برغوثي، إلى وجود قانون تم سنّه قبل عامين، في بلدية الناصرة، وهو القانون المساعد لفرض اللغة العربية، الذي صاغته جمعية الثقافة العربية واقترحته على السلطات المحلية.

في ضوء القانون، نشرت بلديّة الناصرة، في تاريخ 6/11/2013، على موقعها الرسمي، المصادقة النهائية، بشأن تعديل 'القانون المساعد البلدي للإعلانات واللافتات'، بعد النشر في الجريدة الرسميّة، وهو قانون يهدف الى الإلتزام باستعمالها في كل اللافتات والإعلانات ضمن حدود بلدية الناصرة.

القانون، رقم 759 المنشور في يوم 29.10.2013، جاء فيه: لغة اللافتات والإعلانات: 3أ. لا يقوم أي شخص بنشر إعلان، ولا يضع لافتة على بناء أو ملك، أو في مكان عام، أو على جهاز (لوحة) إعلانات بلدي، إلا إن كانت مكتوبة بلغة وإملاء صحيح، وتتوفر فيها الشروط التالية: 1. تكون مكتوبة باللغة العربية، 2. تشغل اللغة العربية ما لا يقل عن نصف المساحة، إذا كانت مكتوبة أيضًا بلغة إضافية،3. تشغل اللغة العربية ما لا يقل عن ثلث المساحة، إذا كانت مكتوبة أيضًا بلغتين اضافيتين.

وبالمقابل، عند سؤال شرارة عن حقيقة وجود قانون يلزم المواطنين بوضع اللافتات باللغة العربيّة، إضافةً للغات أخرى، أجابَ 'ليس لديّ معلومات كافية عن شروط الترخيص، لكن إذا تبيّن أنّ هناك بند إلزامي فستسعى بلديّة الناصرة على  إلزام المحلات التجاريّة بتطبيق القانون، عبر عدم منح أو تجديد رخصة المحال التجاريّة، التي لا تلتزم بالقانون'.

وبالرغم من القانون الموجود، قال مدير وحدة الترخيص، في بلديّة النّاصرة، عدوان كريّم إنه 'بحسب شروط ترخيص المحال التجاريّة، فالبلديّة لا تلزم وجود اللغة العربيّة على اليافطات، رغم وجود مواصفات، شروط، ورسوم دفع محددة تطلبها البلديّة، إلّا أنّ مسألة اللغة شخصيّة، وليست هناك مواصفات للّغة في نموذج شروط الترخيص'، متابعاً أنّ اليافطة تُعتبر من كماليّات المحال التجاريّة، فوجودها أمر غير مُلزم، وهي تابعة لرغبة صاحب المصلحة.

المواطن أرسلان، لا يعلم عن القانون الذي تمّ سنّه، بعد أن أوصى، أن تجبر البلديّة على الكتابة باللغة العربيّة، بنسبة لا تقلّ عن 50% من مساحة اليافطة، أو تمنح تسهيلات على ضرائب اللافتات المكتوبة باللغة العربيّة، نسبةً لمساحة اليافطة والشروط الملائمة.

ومع أنّ القانون الذي سنّته البلدية قبل سنتين، يجبرها بالتزامه، فهي لا تعمل بهِ على أرض الواقع، وذلك بعد التحقق من نموذج شروط الترخيص مِن قِبل 'عرب 48'، النموذج لا يحتوِي في بنودهِ أيّ إشارة تُلزم باستخدام اللغة العربيّة على يافطات المحلات التجاريّة، ولا يتطرق البتّة إلى القوانين التي تتعلق باليافطات.

أهمية القضيّة

تطالب صاحبة محل التطريز الفلسطيني، سمر فاهوم ضاهر، بوجود العربيّة على كافة اللافتات في المدينة، لأن جميع السكان هم عرب، وذلك لا يمنع وجود لغات أخرى على اليافطة، معتبرةً أنّ هناك أسماء غير مفهومة، وغير ليست ذات صلة بالثقافة الفلسطينيّة، التي ننتمي إليها.

تأثير اللغات المكتوبة على اليافطات هائل وحاسم في تحديد الهوية فإنّ حضور اللغة في الحيز العام هو حضور ثقافة المكّان والسكّان وتأكيد لها، وفقًا للبرغوثي، فالمسألة لها صلّة مباشرة بالهويّة الثّقافية العربية أكثر منه للهوية الوطنية الفلسطينية، لكن بدون شكّ الهويّتان متشابكتان.

ومن جهة أخرى، يعتبر شرارة أنّ اللغة المنتقاة على اليافطات، هي مسألة شخصية في تسمية المحل باللغة التي يراها صاحب المصلحة مناسبة له، فالمحال السياحيّة مكتوبة باللغة الإنجليزيّة لمخاطبة السائحين الأجانب، مؤكداً على أهمية وجود العربيّة 'إن كان الجمهور المستهدف هو الروسيّ، فلتكتب العربيّة والروسيّة جنباً إلى جنب'.

ويؤكد البرغوثي بدورهِ، على اتصال هذه الظاهرة بالبنية التحتية للوجود الجماعيّ، فحضور اللغة في المكان يؤسّس لبناء الهويّة ويميّز المكان ثقافيًا عن محيطه، وهو أمر ضروري وأساسي عند الشعوب التي تحترم وتصون ثقافتها، مشيرًا إلى الأثر السياسي المترتب على هذه الظاهرة 'لكون هويتنا العربية مبنية أساسًا على الجامع الثقافيّ واللغويّ فلا شكّ أنّ المسّ في هذا الأساس له أثرٌ سياسيّ هدّام دائما، وفيه مسّ ذاتيّ طوعيّ بحقنا الجماعيّ باحترام لغتنا واستخدامها الصحيح على اليافاطات في كلّ مكان في بلادنا'.

ويعتبر مواسي، أنّ اللّافتة والجداريّة والملصق، والأغنية الّتي تصدح من المحلّات التّجاريّة، وصوت الأذان ونداء الباعة، وشواهد الأصرحة، بل والقبور، هي نصوصٌ علاماتايّة (سيمائيّة) لغويّةٌ تساهم في التّعريف بهويّة المكان وأصحابه.

وتابع أنّ طبيعة حضور أيّ لغة، في الحيّز العام، تعكس تمامًا الثّقافة اللّغويّة، الهويّاتيّة والحضاريّة، للمجتمع الّذي يشغل هذا الحيّز؛ وهي تعبير عن عمليّةٍ متشابكة التّفاصيل، تبدأ من الاعتداد باللّغة والانتماء إليها، واختيار الألفاظ والخطوط، والاهتمام بسلامتها، وكلّما كان هذا الحضور ضعيفًا، دلّ ذلك على ضعف الهويّة الثّقافيّة لدى النّاس.

نوع من التمدن

ويعرب صاحب مصلحة، في البلدة القديمة، أرسلان، عن رأيهِ في أنّ المحال التجاريّة أصبحت تستخدم أسماء غير عربيّة بكثرة، لشعورهم بنوع من التمدّن، كونها تحمل في الغالب طابعا غريبا عن الثقافة العربيّة، وذات أسعار أعلى مقارنةً، تحت شعار اسم غريب.

وعن النضال للحفاظ على لغتنا، ضد هذه الظّاهرة، يقول مواسي، أنّها لا تقع ضمن سلّم أولويّات النضال؛ ومهما حاولنا طرح نماذج وأمثلة تُثبت عكس ذلك، فهي تبقى فرديّةً ومحدودة، وقاصرةً عن تغيير الواقع، قائلاً 'نحن لا نبذل أيّ جهودٍ جدّيّة، لحفظ العربيّة، وإبرازها في الحيّز الّذي نعيش فيه، وتأكيد ضرورة التّعامل بها يوميًّا بيننا، وتحديدًا في الأطر الرّسميّة الّتي نحتكّ عبرها مع مؤسّسات الاستعمار الإسرائيليّ'.

ومن جانبهِ، يستعرض برغوثي، بعض الحملات التي قامت بها جمعيّة الثّقافة العربية لإقناع السلطات المحلية العربية باستخدام صلاحيتها القانونية والعمل على تثبيت اللغة العربية على لافتات المحلات والمؤسسات في القرى والمدن العربية، من خلال إقرار قانون مساعد (خاص بكل سلطة محلية)، كما حصل مع مدينة النّاصرة، كفرياسيف وشفاعمرو.

'لضمان حفظ الثّقافة ورموزها، لا بدّ من مأسسةٍ وقوننة، أي أن تمنح اللّغة وضعًا قانونيًّا يتساوى أمامه الجميع، فالبلديّات والمجالس المحلّيّة تملك الحق في تشريع قوانين داخليّة، تلزم كلّ مصلحةٍ أو محلٍّ تجاريٍّ باستخدام العربيّة في اليافطات لتحصل على ترخيص'، هذا ما قاله مواسي، مستطرداً  أن على المجالس المحلية والبلديات أن تضطّلع بهذه المسؤوليّة، لتحضر العربيّة في الحيّز العام، فالقوانين والتّشريعات والقرارات الرّسميّة توظّف لتغيير واقعٍ في كثيرٍ من الأحيان، ولا بدّ من تفعيلها متى لزم الأمر.

أمّا شرارة فيعبّر عن تأييد بلدية النّاصرة، لاستعمال اللّغة العربيّة في الحيز العام، كما في داخل جدران بلديّة الناصرة، قائلاً إن 'جميع المراسلات داخل البلديّة هي باللغة العربية، ولا نلجأ لسواها، إلا حين مخاطبة المؤسسات الحكوميّة'، مؤكدًا على وجود خطر على لغتنا، كون مؤسسات التعليم تُدرِّس بالعبريّة، فقد اتّسعت رقعة استعمالها إلى تخاطب السُّكان العرب، باللغة العبريّة، مع بعضهم البعض، وهو أمر غير صحّي، على حدّ تعبيرهِ.

لا عودة إلى الوراء

بناءً على إقرار البلديّة للقانون المساعد، وبحسب النشر في الجريدة الرسمية 'مجموعة الأنظمة – تشريعات الحكم المحلي' رقم 759 من يوم 29.10.2013، يُوصي برغوثي، على أنّ البلدية يجب أن تدمج هذا الشرط ضمن شروط الترخيص، مشدداً على أنّ وجود القناعة  والرغبة لدى قيادة البلدية بأهمية القضية لإقناع أصحاب المحال التجاريّة والمؤسسات بتطبيقه هو أهم من الجانب القانوني الرسمي التقني، فوجود القناعة يعني تحويل المسار إلى عملية توعية جماهيرية حول لغتنا وثقافتنا واعتزازنا بها، قائلاً إن 'الواجب الآن هو تطبيقه وليس العودة خطوة إلى الوراء وإنكاره'.

ويقول المواطن جرار 'نحن نأخذ من الغرب العادات التي لا تطوّر منّا أي شيء، بل تزيد مجتمعاتنا سوءًا'، ويؤكد مواسي على حالة لغة الضّاد في عموم الوطن العربيّ، وفي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1948 خصوصًا، فالوضع ينبهنا إلى ضرورة وضع استراتيجيّات وخطط عمل مؤسّساتيّة، وطنيّة وطويلة الأمد، للحفاظ على لغتنا العربيّة هويّةً قوميّةً وسياسيّة، ووعاءً حضاريّا وتعبيرًا وجوديّا، والمسارعة إلى تأسيس سياقاتٍ تمكّن لغتنا / فكْرنا من التّفاعل والتّطوّر والتّجدّد، فتكون عنصرًا مركزيًّا في تداولات حياتنا اليوميّة، وليس في هامشها.

إنّ وجود هذا الكمّ من الخطر، على هُويتنا الثقافيّة ووجودنا، يجعلنا ندرك حجم هذه الظاهرة، والتقصير الحاصل في علاجها، بالرغم من وجود التشريعات القانونيّة المطلوبة، إلّا أنها غير منفذة على أرض الواقع، مما يعني أنّ هناك المئات من المحلات التجاريّة في الناصرة، قد خرقت القانون، دون محاسبة المسؤولين.

التعليقات