الحاجة علياء فاعور تستذكر مجزرة تل الزعتر

تعود إلينا الذكرى التاسعة والثلاثين لمجزرة تل الزعتر محملة بإرادة شعب قاوم القتل والذبح على يد أبناء جلدته، بعد أن عانى القتل والتهجير من العصابات الصهيونية التي لاحقته في وطنه..

الحاجة علياء فاعور تستذكر مجزرة تل الزعتر

لا ننسى مجزرة تل الزعتر

تعود إلينا الذكرى التاسعة والثلاثين لمجزرة تل الزعتر محملة بإرادة شعب قاوم القتل والذبح على يد أبناء جلدته، بعد أن عانى  القتل والتهجير من العصابات الصهيونية التي لاحقته في وطنه، فكل بيت في تل الزعتر نزف جرحا إلا أنه ومن هذا الجرح وُلد الأمل، بهذه الكلمات بدأت الحاجة عالية فاعور من جديدة المكر، زوجة شهيد تل الزعتر عادل سعيد فاعور، الذي لاحقته العصابات الصهيونية عندما كان جنديا في جيش الإنقاذ في فلسطين، ومن ثم خطف مع المئات على يد ميليشيات حزب البعث السوري والكتائب المجرمة في لبنان بعد التهجير ولم يعد، إلا أنه باق رغما عنهم في ضحكات أولاده وأحفاده في فلسطين.
 


الحاجة علياء والتي هُجرت من قرية شعب عندما كانت طفلة في الرابعة من عمرها إلى قرية مجد الكروم مع عائلتها لتعيش بكروم الزيتون، أمضت حياتها منذ سن الرابعة حتى الثلاثين تقريبا بين تهجير وتشريد من فلسطين إلى مخيمات الشتات في لبنان، لتقاوم فيها على أرض اللجوء يد الغدر التي امتدت على الفلسطينيين لتذبح وتقتل الآلاف منهم.

التهجير من سندان الصهيونية إلى مطرقة العرب

لاحق سندان العصابات الصهيونية العائلات الفلسطينية لسرقة الأرض والاستيطان بها، الحاجة علياء كانت قد هُجرت مع عائلتها من قرية شعب إلى مجد الكروم عندما كانت في الرابعة من عمرها، وهناك تقضي برفقة العائلة أياما قليلة في كروم الزيتون، ولا تنفك عنهم تهديدات العصابات الصهيونية، ليتم تهجيرهم إلى لبنان، وذكرت الحاجة علياء فاعور أن 'اللجوء الأول كان إلى مدينة صيدا ومن ثم إلى بعلبك في لبننان'.

إعدام ميداني بالجملة

تؤكد الحاجة علياء أنه لا يُمكن نسيان المذابح التي وقعت بحق الشعب الفلسطيني في تل الزعتر، ومن بين تلك المشاهد ذكرت 'لقد قام جنود حزب البعث السوري باختطاف سبعة أشخاص واقتادوهم إلى مكان غير معلوم، بقي الأهل يبحثون عنهم لمدة أربعين يوما، حتى علم أهالي الشباب أنه تم دفن أبنائهم في مقبرة قريبة وأعطيت تفاصيلهم لرجل يعمل في المقبرة. كانت تبني حركة فتح مستوصفا طبيا وقد بدأت بحفر أساسات المستوصف وإذا بالميلشيات تجمع مئات الجثث لشباب ورجال وتدفنهم في الحفرة. العشرات من العائلات قتلها الجوع بعد أن كانت تفتش عن بقايا طعام بين النفايات'.

وتضيف 'أذكر عندما تم ربط رجل يدعى أبو عاطف كان يعمل لصالح حركة فتح تم ربطه بحبلين بسيارتي جيب عسكري، وتم شقه إلى نصفين بعد أن غادر الجيبان العسكريان كل في جهة. أمر جندي من الكتائب سيدة فلسطينية أن تمنحه ابنتها لوقت قصير، فقالت له لقد خرجت من فلسطين لأجل العرض، أطلق الرصاص عليها أمام عيني أسهل علي من أن تنتهك عرضها، فأطلق الجندي النار على الصبية وسقطت جثة تركناها ومشينا طريقنا. قصة أخرى لزوجة الأستاذ مفيد والذي كان يعمل مدرسا في المخيم، سقط طفلها الرضيع من يدها في خندق، فقال لها الجندي أتركيه أنا أتناوله عنك، فقام بإطلاق النار عليه وأمرها أن تواصل طريقها. قصفوا أعمدة لمبنى كان في طور البناء في تل الزعتر والذي كان يضم المئات من الفلسطينيين، واستشهد الجميع تحت أنقاضه. عشرات الأطفال الذين لقوا حتفهم في الشاحنات التي تم تكديسها بأهالي المخيم لنقلهم إلى شاطىء البحر'.

وتقول إنه 'بعد الخروج من تل الزعتر توجهت مئات العائلات الفلسطينية الى منطقة في بيروت بجانب مدرسة معينة، وهناك تم احتجاز رجالا تقريبا من بينهم زوجي في منطقة تحت الأرض، لم نسمع صوت الرصاص، ولكن ربما قتلوهم ذبحا أو ضربا، ذلك أنني توجهت لخوري فلسطيني لاجئ من جسر الباشا، وطلبت منه المساعدة بإخراج زوجي لأنني أم لتسعة أطفال وقد تم سرقة مجوهراتي والمال الذي أحمله، وأريد الذهاب لبيت عائلتي في البص، فعندما أخرجه الخوري كان مشبعا بالضرب، إلا أن جنديا آخر قام بإرجاعه إلى مكان تحت الأرض ولم نعرف مصير الرجال. لقد أصبت ثلاثة مرات بإطلاق نار، حيث قام قناص بإطلاق النار على يدي وأنا أخبز وقد دخلت الرصاصة من جهة وخرجت من الجهة الأخرى، لم يمتلك الهلال الأحمر أدوات لإسعافي سوى وضع اليود على الجرح وعدت إلى البيت، وإلى الآن أعاني من شظية في جسدي لا أستطيع إخراجها لأنها تستقر في شريان بالجسم وفي حال إخراجها سأتعرض للشلل'.

يوم سقوط قلاع المخيم كلها بعد خدعة الهدنة

12 آب 1976، يوم سقوط قلاع المخيم كلها بعد خدعة انطلت على الصليب الأحمر الدولي، قبل أن تنطلي على منظمة التحرير الفلسطينية.

وقالت الحاجة علياء 'طالبت مكبرات الصوت في ليلة الثاني عشر من آب من أهالي تل الزعتر بإخلاء المخيم عند العاشرة من صباح اليوم الثاني، مع التأكيد على أن شاحنات الصليب الأحمر سوف تتولى نقل جميع السكان إلى بر الأمان. لم يكن أمام الأهالي إلا التصديق وكأن الفرج قد وصل من السماء لإنقاذ من تبقوا على قيد الحياة وسط جحيم المخيم. ولم ينم أحد من الأهالي وهم يجمعون ما خفّ وزنه من حاجات بانتظار الصباح'.

وتابعت 'كنت أعد الخبز باكرا في المخيم، فقال لي زوجي أتركي كل شيء سنخرج من المخيم، لم نكن نعلم بأن الهدنة كانت مجرد خدعة لقتل من تبقى في مخيم تل الزعتر، فتواصلت القذائف فوق رؤوسنا، وأصبحت الجثث ملقاة حولنا في كل مكان، تمكننا من الهرب إلى خارج المخيم وقام بمساعدتنا صديق لزوجي من قرية المنشية كان سيستقل سيارة أجرة هو وعائلته وعددهم سبعة ونحن 11 شخصا، اعتلينا جميعا السيارة وواصلنا باتجاه المتحف في بيروت، أذكر عندما أوقفنا جندي وطلب مني أن أنزل من السيارة لوقت قصير، رفضت ذلك وضربت سائق السيارة على كتفه وقلت له أسرع ومن طلب منك أن تقف؟'

وأضافت 'وصلنا إلى منطقة المتحف في بيروت وهناك تم تفتيش النساء في مكان بجانب مستشفى وقد تم سرقة مجوهراتي ومالي من قبل مجندة تفتيش لا أعرف من أية جهة كانت بالضبط، واقتادوا زوجي مع مئات غيره ولم يعودوا، انتظرت يوما كاملا وأطفالي التسعة يقفون تحت أشعة الشمس الحارقة وهم يعانون من الجوع والعطش، وطفلتي (كان عمرها 40 يوما) تبكي وهي في حضني، إلى أن قال لي أحد الأخوة الفلسطينيين، 'كوني بواحد ولا تكوني بالعائلة كلها'، فشعرت أن زوجي قد قُتل'.

يد الغدر العربية ضد الشعب الفلسطيني

يُنعش ألم الفقدان الذي يستوطن قلب الحاجة علياء فاعور الذاكرة، فتراها تستذكر وصية زوجها في طريق هروبهم من القتل في تل الزعتر لخارج المخيم، وتقول 'يا عليا لا تتركي الأطفال، اعتني بهم، كنت طيلة الطريق أبكي ولا أستطيع الرد أو الكلام'، ورغم المأساة نفضت عن قلبها الخوف لتحمي بناتها وأبنائها من الذبح والقتل، فقد وضعت رمادا من الفحم على وجه بناتها، وبعثرت التراب فوق رؤوسهن ومزقت ثيابهن خوفا عليهن من الاعتداء، ذلك أن حالات الاغتصاب كانت تحدث ببشاعة ضد النساء، وقالت 'ما كان بوسعي أن أنتظر زوجي حتى ساعات المساء، فأطفالي تسعة صغيرتهم عمرها أربعين يوما، إلى أن رأيت قريبا لعائلتي اسمه أبو إبراهيم طبش فأخذني وأطفالي إلى بيت أهلي في قرية البص، وقد سكنا قرابة الثلاثين شخصا في بيت العائلة، وخلال تواجدي في منطقة البص كنت أذهب لأجلب الماء من مكان بعيد جدا مع والدتي، وقد شاهدت الجندي الذي اقتاد والدي وهرب منا ولم نستطع أن نسأله ماذا كان مصير زوجي'.

وذكرت 'لقد قامت الميليشيات بالانتقام من الشعب الفلسطيني، أرادوا إبادتنا في لبنان، هؤلاء مجرمين لا دين لهم، لا يعبدون الله، كيف يمكنهم القيام بكل هذا الإجرام، لم تبق عائلة من تل الزعتر إلا وفقدت أحدا إذا لم ثُقتل جميعها'.

الاستقرار في مخيم الراشدية ومن ثم العودة للوطن

تنقلت الحاجة علياء فاعور برفقة والدها بين بعلبك، صيدا، سعدنايل، تل الزعتر، التعلباي وأخيرا انتقلت للعيش في بيت والدها في مخيم الراشدية وعملت هناك في تطريز الشعارات الوطنية إلى أن قامت عائلة زوجها في فلسطين بتقديم طلب لم الشمل مع العائلة وعودتها إلى فلسطين، وعادت لتسكن في جديدة لمدة ست سنوات بدون هوية أو حقوق لأطفالها، حتى حصلت على الإقامة في وطنها.

التعليقات