أم الفحم: قلق بين المواطنين إزاء انتشار العنف

تشهد مدينة أم الفحم حالة من القلق بين الأهالي في أعقاب الانتشار المقلق والخطير لظاهرة العنف، حيث ازدادت بوتيرة كبيرة جرائم إطلاق النار وحرق المنازل وإلقاء القنابل والسرقات والمشاجرات والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة.

أم الفحم: قلق بين المواطنين إزاء انتشار العنف

منظر عام لمدينة أم الفحم

تشهد مدينة أم الفحم حالة من القلق بين الأهالي في أعقاب الانتشار المقلق والخطير لظاهرة العنف، حيث ازدادت بوتيرة كبيرة جرائم إطلاق النار وحرق المنازل وإلقاء القنابل والسرقات والمشاجرات والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة.

وتجتاح المدينة حالة تذمر شديدة بين صفوف المواطنين جراء انتشار العنف بأشكاله المختلفة، ولم يتمكن لمسؤولون لغاية الآن من معرفة أسباب العنف أو حتى تحليل جرائم القتل التي حصلت في العقد الأخير وفك رموزها.

وعلى الرغم من عشرات الجرائم التي شهدتها أم الفحم، إلا أن جريمة القتل الثلاثية التي راح ضحيتها المرحوم توفيق هيكل وولديه، دبت الرعب في نفوس المواطنين من حيث المشهد الأليم الذي حل على حي الشرفة خاصة والمدينة عامة بعد أن طالتهم رصاصات الغدر.

ولا تكمن المشكلة فقط في جرائم القتل، فالعنف ينتج عنه الكثير من الأمور السلبية، وأدت جرائم القتل إلى أن تقوم الهيئات المحلية بتكريس كل طاقاتها لمكافحة العنف، حيث وخلال العقد الأخير كانت تودع أم الفحم على الأقل شخصين كل عام جراء تعرضهم لعيارات نارية.

ولعل ما أدى إلى انتشار العنف في المدينة نسبة البطالة حيث هنالك نسبة من الأهالي لا بأس بها في أم الفحم لا تعمل بسبب عدم تكافؤ الفرص، إلى جانب عوامل أخرى.

وكانت المدينة قد شهدت خلال مؤخرا العديد من الجرائم التي أطلقت فيها النيران بشكل مكثف ففي حي المحاميد تعرض شخص لعيارات نارية، وفي حي الجبارين تعرضت سيارة إلى إطلاق النيران، وفي حي المحاميد ألقيت كذلك قنبلة صوتية على منزل مواطن.

ورصد 'عرب 48' آراء بعض الشخصيات الفاعلة على الساحة السياسية والاجتماعية حول أسباب تفشي العنف وسبل كبح ظاهرة العنف في أم الفحم.

حياة حضارية

من جهته، قال مركز اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي في أم الفحم، محمد خضر جبارين، لـ'عرب 48' إن 'قضية العنف والقتل سببها ابتعادنا عن نمط حياة حضارية واستسلام مجتمع كامل مع أسلوب تربية غير صحية من قبل الأهل.نحن لا نراهن على الشرطة أو قانونها لأنه هو الذي جعل هذه الظاهرة تستشري في مجتمعنا. نحن نراهن على مجتمعنا ومؤسساتها وعلى رجال الدين ومدارسنا والأهل طبعا هم أساس بناء الإنسان السليم'.

وتابع أنه 'آن الأوان لنقف كلنا ونتكاتف ضد كل أواع العنف وأوله الكلام البذيء وأسلوبنا بالتعامل مع الآخر، نبدأ بأنفسنا وبعدها نبدأ بتغيير الآخر. وعلى صعيد مجتمعنا يجب أن تتوحد كل الأطر لبداية توعية سليمة لشبابنا ولأجيال لا تتأثر بسلبيات الجيل السابق. وللأسف أصبحنا ننظر إلى تفاهات الأمور ونسينا أن مجتمعنا أمانة في أعناقنا. الحلول موجودة، لكن لا نستطيع أن تؤثر ما دمنا نقف وقفة المشاهد'.

ودعا إلى المباشرة بـ'تغيير أنفسنا من خلال بعض الأمور ولنقاطع الأعراس التي تطلق فيها النيران، لنقاطع كل الشوائب. وعلى الأهل الخوف على الأبناء فهم جيل المستقبل ولا يمكن أبدا أن يبقى مجتمعنا بهذا التخلف ولا يمكن أن نبقى صامتون، فالتحديات كثيرة لأن مؤسسات القانون تحاول أن تشرعن هذه الآفة بطرق قذرة وبهدف تجهيل شبابنا'.

آفة خطيرة

بدوره، قال سكرتير جبهة أم الفحم، وائل أبو زينة، لـ'عرب 48' إن 'أفة العنف والسلاح خطيرة على المجتمع وليست من شيمنا وأخلاقنا، يجب أن نتكاتف جميعا لدحر هذا الوباء القاتل، وكل من مكانه، بوضع خطة عمل تربوية مدروسة بدءا من البيت، المدرسة، الشارع، السلطة المحلية، الأحزاب، الحركات والجمعيات'.

وأضاف أنه 'علينا أن نتكاتف كجسم واحد لاستئصال المرض فالسلطة معنية بشرذمة أبناء الشعب الواحد. كيف كان قبل عدة سنوات ضبط سلاح مع مواطن عربي يعتبر قضية أمنية من الدرجة الأولى والآن تغير الأمر؟!'.

ظاهرة مقلقة

من ناحيته، قال عضو بلدية أم الفحم، المحامي رائد كساب محاميد، لـ'عرب 48' إن 'انتشار العنف في مجتمعنا ظاهرة مقلقة جدا ويجب الوقوف مليا على أسبابها وإيجاد السبل والطرق للحد منها. أصبح العنف متفشيا في جميع مرافق وشرائح وتركيبات مجتمعنا، من الأسرة إلى المدرسة، المؤسسات والشارع مع تعدد الأسباب والتي قد تكون نتيجة للظروف الاقتصادية الخانقة أو انعدام الأطر والمؤسسات الثقافية والترفيهية، أضف إليها الضائقة والكثافة السكانية وانعدام التطور والميزانيات اللازمة لتطوير البلدات العربية في شتى المرافق'.

وأردف أن 'هذا كله يؤدي إلى حالة من الأحباط لدى البعض مما يسبب حالة من الخوف والقلق حيال المستقبل، كما أنه يؤدي إلى حالة من التسيب وانعدام الثقافة التربوية والدينية لدى البعض الآخر. إن عدم توفر الآليات الرادعة على أنواعها يسمح في انتشار الفوضى، خاصة وأننا نعيش في حالة يمكن تشبيها بالحكم الذاتي، لكن دون أي آليات وبرامج تكفل لنا معالجة الظاهرة. اليوم نحن كمواطنين وأقلية عربية في البلاد نعيش حالة فوضى وانعدام الأمان، وحالة من انعدام الحوار بين الأفراد أو احترام الآخر إلى درجة أن الأمر أصبح جزءا من ثقافتنا للأسف، فكلنا نلاحظ بداية العنف الكلامي المتداول بين الأفراد عبر صفحات التواصل الاجتماعي وحالات التربص بين الخصوم السياسيين أو الاجتماعيين وغيرهم'.

سهولة الحصول على السلاح

وعن سهولة تناول السلاح في اليد، قال محاميد إن 'انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه يفتك بمجتمعنا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وهذه الحالة من انعدام ثقافة المجتمع جعلت الأمور أكثر سوءا وخطورة، فالإنسان لم يعد آمنا لا في بلده ولا حتى في بيته وقد يكون عرضة لرصاصة طائشة من سلاح قد يجربه صاحبه أو يتباهى به شاب أو يحاول شخص ما تهديد آخر!! . وباتت حيازة الأسلحة تجعلنا نعيش حالة قلق مزمن وشعور انتقاص للأمن والأمان . ولهذا يجب علينا كمجتمع ومؤسسات مدنية أن نعمل على إعادة تثقيف المجتمع'.

ووجه محاميد رسالة عبر 'عرب 48' رسالة قال فيها إنه 'يجب على المؤسسات الرسمية والشرطة التنسيق معا وتشكيل لجان من اختصاصيين لوضع أبحاث ودراسات للحد من هذه الظاهرة، والبدء بالعمل من الأسرة أولا والمدرسة ثانيا وكافة أطراف المجتمع. يجب أن نعمل على زرع قيم التربية والمعايير الأخلاقية لنبذ ظاهرة العنف ضمن برامج ممنهجة داخل المجتمع، فالشرطة مطالبة باتخاذ دور أكبر في التصدي للظاهرة، كما أنها مطالبة بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية كالبلدية والحراك الاجتماعي لبناء خطة عمل للقضاء على هذه الظاهرة من جذورها وبناء برامج متكاملة لمكافحة العنف وحيازة السلاح'.
وعن دور المجتمع في مكافحة ظاهرة العنف، أوضح أنه 'كمجتمع علينا المساعدة في التصدي لهذه الظواهر، بداية بمقاطعة المناسبات التي يتم فيها إطلاق النار لأنها ظاهرة معيبة وتغيير مفهوم المجتمع لمظاهر الفرح والرجولة إلى أن يوقن أفراد المجتمع كافة أنها ظاهرة همجية وغير إنسانية ومخالفة لتعاليم الديانات السماوية'.

تقصير المجتمع

بدوره، قال الناشط السابق في لجان أولياء أمور الطلاب، يوسف تلّس، لـ'عرب 48' إن 'العنف يستشري جدا في المجتمع العربي وهذا نابع من تقصير المجتمع الذي يشمل البيت، المدرسة، عدم احترام القانون وعدم تطبيقه، كذلك تقع مسؤولية على الأهالي بسبب ترسيخ مفهوم خاطئ وهو تحصيل الحق بالقوة دون اللجوء
إلى القانون بين الأفراد في المجتمع، طبعا مما يفاقم العنف ويزيده'.
وعن معالجة ظاهرة العنف بالمجتمع العربي، رأى أن 'التشديد على احترام القانون واحترام الرأي الآخر واللجوء إلى المحاكم والتحكيم في النزاعات الشخصية والقبول بالنتائج تشكل الحل الوحيد لمكافحة العنف واجتثاثه'.

وتابع أنه 'يجب تخصيص حصة في المدارس المختلفة التي يتطرق فيها إلى العنف والأضرار الناتجة عنه في مجتمعنا من أجل تذويت الموضوع في عقول الطلاب منذ الصغر بأن احترام القانون واحترام الرأي الآخر هو الحل الأنجع لتقدم مجتمعنا ومكافحة العنف'.

وأشار إلى أن 'هناك تقصير من الدولة والشرطة في تطبيق القانون فالشرطة على سبيل المثال لا تطبق قوانين مكافحة العنف في المجتمع العربي كما تطبقه في المجتمع اليهودي، وهنالك إحصائيات في هذا الموضوع، وعلى الدولة أن تضع في سلم أولوياتها سن قوانين صارمة تُطٓبق في حالة لجأ المواطن أو الفرد إلى خرق القانون واستعمال العنف لردع من تسول له نفسه بالتعامل مع الناس بالعنف. ثم يقع علينا نحن كمجتمع بيننا وبين أنفسنا مكافحة العنف في داخل مجتمعنا مثل اللجان في داخل الأحياء التي تتدخل لحصر القضايا ومنع تفاقمها، نبذ اطلاق النيران في الأعراس، وأؤكد أنه يجب مقاطعة كل عرس تطلق فيه النار'.

وأضاف 'نطالب الشرطة حالا بمعاقبة كل من يطلق النار في الأعراس. للأسف الشديد لا تحرك الشرطة ساكنا ولو اتصل المواطن بالشرطة وبلغ عن إطلاق نار في عرس فإنها لا تتدخل وهذا بحد ذاته تقصير كبير من قبل الشرطة وتقاعس في أداء واجبها تجاه المواطنين. أيضا على رئيس البلدية والأعضاء عقد جلسات تٓخُص العنف ومكافحة العنف ببرنامج خماسي يتابع ويفحص لتحقيق أهداف أفضل وليس جلسة عابرة ليعلن عنها في بيان أننا جلسنا وتباحثنا في موضوع العنف، فهذا لا يجدي نفعا. نناشد أهلنا في أم الفحم وفي كل القرى والمدن العربية التحلي بالصبر وعدم استعمال القوة في حل مشاكلنا، واللجوء إلى القانون أو لجان الإصلاح، والنتائج ستكون أفضل بكثير من اللجوء إلى العنف وتحصيل الحقوق بالقوة'.

وأردف أن 'المجتمع العربي يدفع سنويا مقابل أتعاب محامين وغرامات في المحاكم وفترات سجن فعلي عشرات الملايين التي تضر بمجتمعنا اقتصاديا، وهنالك عائلات أصبحت فقيرة بسبب ذلك. نحن بغنى عن هذا الشيء وباستطاعتنا إدارة مجتمعنا بمساعدة الشباب وهنالك الكثير من الكوادر التي لديها مهارات من الآباء والشباب وبهذا نخفف من آفة العنف في مجتمعنا لصالح أبنائنا وبناتنا كافة'.

عدم الوعي

من ناحيتها، قالت المواطنة رلى أبو رعد لـ'عرب 48' إن 'أسباب العنف كثيرة ومن ضمنها عدم الوعي للأضرار التي تنتج عن العنف، وكذلك عدم التفاهم وفرض القوة بأي شكل من الأشكال حيث أن مجتمعنا لا زال يعاني من فكر التعصب القبلي، والعنف بشكل عام مرفوض جملة وتفصيلا'.

وعن الأمور التي بإمكانها الحد من ظاهرة العنف، أوضحت أن 'أفضل حل للعنف التوعية الاجتماعية وشرح الأضرار الناتجة عن العنف بحق الضحية، إقامة دروس تربية لمناهضة العنف في المدارس الابتدائية، الإعدادية والثانوية لنشر الوعي ضد العنف'.

نشر الثقافة

وشددت أبو رعد على أهمية 'بناء ملاعب ونواد ثقافية لنشر الوعي الكافي والثقافة الكافية بين أبناء الشبيبة، وكذلك الشرح عن الشريحة الأكثر عرضة للعنف الكلامي، الجسدي أو النفسي، والأهم التربية البيتية التي تساهم في نبذ العنف المتفشي بالشوارع عامة وبين صفوف المراهقين خاصة'.

وأشارت إلى أنه 'للأهل دور أساسي وجوهري بتنشئة الأطفال والشباب على الأخلاق الحميدة، كذلك يجب معاقبة كل شخص يستخدم السلاح أيا كمان حتى يكون عبرة لمن يعتبر، ومطلب الساعة هو عدم التهاون مع كل شخص يسلك طريق العنف بأشكاله المختلفة'.

التعليقات