حالات العنف بمدينة سخنين: طفرة أم تغلغل لثقافة العنف؟

في أعقاب تواصل مسلسل العنف الذي ألمّ بمدينة سخنين مؤخّرًا، اعتلت مواطنو المدينة موجة غضب وسخط عارمتين من الواقع العنيف، الذي يكاد يتحوّل إلى روتين يهدّد بقضم النّسيج الاجتماعيّ في البلدة.

حالات العنف بمدينة سخنين: طفرة أم تغلغل لثقافة العنف؟

في أعقاب تواصل مسلسل العنف الذي ألمّ بمدينة سخنين مؤخّرًا، ابتداءً بإطلاق نار على مبنى البلديّة، مرورًا بإطلاق عيارات ناريّة على منزل أحد المواطنين، وانتهاءً بإطلاق عيارات ناريّة على أحد الشّبّان بالمدينة، اعتلت مواطنو المدينة موجة غضب وسخط عارمتين من الواقع العنيف، الذي يكاد يتحوّل إلى روتين يهدّد بقضم النّسيج الاجتماعيّ في البلدة.

أدّت موجة الغضب بسخنين إلى تحرّكات مكثّفة لقيادات المدينة، لا سيّما وأنّ مدينة سخنين تميّزت طيلة الوقت، بالأمن والأمان والسّلم الأهليّ. وتعالت أصوات جماهيريّة محذّرة من مغبّة ضرب هذه المدينة العريقة والنّموذجية، داعيةً للتصدّي للعابثين بأمانها دون هوادة، كما استنفرت كلّ القوى الفاعلة بالمدينة من إدارة البلديّة والأحزاب السّياسيّة واللجنة الشّعبيّة لبحث السّبل الكفيلة بنبذ العناصر التي تحاول العبث بالواقع الآمن للبلدة.

الأب يمين: مطلوب خطاب آخر

الأب عارف يمين، استعرض أهمّ أسباب العنف: 'صحيح أنّ سخنين ربّما أكثر بلد آمن، وأهلها ذوو طبيعة مسالمة، لتأتي هذه الأحداث الفرديّة الدّخيلة، إلاّ أنّها ليست معزولة عن محيطها وعن الفضاء العامّ الذي ينضح بالعنف والقتل والجريمة وأهوال السّياسة والأعمال العسكريّة والحروبات ومشهد الضّحايا اليوميّ في الشّوارع، بحيث أصبح العنف والقتل عملاً مشروعًا'.

وأضاف الأب يمين أنّ المجتمع العربيّ 'يتعرّض لإهمال متعمّد ولسياسة منهجيّة في انتشار السّلاح وسهولة اقتنائه وغياب دور الشّرطة ونقص الملاكات وتراجع التّربية في المدارس وفي البيت'.

وواصل: 'سخنين، كغيرها من البلدات، تتأثّر بهذه الأجواء و ليست معزولة، وهي اليوم مدينة تحتضن كلّ من يدخل إليها، وهذا بالطّبع يؤثّر خاصّة على أبناء الشّبيبة. وعلينا، قبل أن تتفشّى الظّاهرة أن نستنفر جميعًا. وأعتقد أنّ الكبار والأهالي يحتاجون أيضًا إلى توعية، ونحن كرجال دين نحتاج إلى خطاب آخر وأساليب أخرى، وعلينا العمل لاستعادة قيم التّسامح ولغة الحوار وتوجيه ومتابعة أبنائنا. وعلى رجال الدين أن يستخدموا المنابر ،خاصّة أيّام الأحد والجمعة ويتوجّب على كلّ المؤسّسات والسّلطات المحليّة أن تضع خططًا مدروسة ومنهجيّة، وخاصّة لرعاية واحتضان أبناء الشّبيبة ضمن أطر ومؤسّسات ثقافيّة، وفي مجالات الرّياضة والفنون ومختلف اهتمامات الشّباب لخلق أجواء ومناخات إنسانيّة من التّواصل والمحبة وتغيير المفاهيم'.

أمّا الشّابة الناشطة الاجتماعيّة، تمارا غنايم، فاعتبرت أنّه 'قبل عدة أشهر كانت ظاهرة العنف في سخنين ظاهرة نادرة، أقصد حتى مطلع عام 2016، ومنذ ذلك الحين، بدأت تتزايد حالات العنف، برغم من كونها ظاهرة غير واسعة الانتشار، إلّا أنّني كمواطنة في مدينة سخنين، أرى أنّ العنف يهدّد أمننا جميعاً، إذ بتنا لا نشعر بالرّاحة التّامّة، فظواهر إطلاق النّار تحدث في ساعات الليل المتأخّرة أحيانًا، لترعبنا. كذلك، هناك حالات عنف تقع في وضح النّهار بالشّارع العموميّ، على الملأ'.

وأضافت غنايم: 'بالتالي تقع المسؤوليّة على الأهالي في توعية أبنائهم على ثقافة الحوار وقيم التّسامح وبرمجة عقولهم على أنّ العنف هو أمر غير مقبول بتاتًا، وعلى المدارس وكافّة المؤسّسات والقوى الفاعلة أن تخطّط لبرنامج مُكثّف ومدروس سواء كانت فعاليّات أو محاضرات من مختصّين لزيادة الوعي، ومنع ظواهر العنف. وأعتقد أنّ هناك الكثير ما يمكن عمله وعلينا، العمل لخلق أطر أخرى لأبناء الشّبيبة للتغلّب على الفراغ قدر المستطاع'.

زبيدات: حالات عابرة لكن يجب عدم التهاون

وفي حديثه لموقع عرب48،  قال النّاشط الاجتماعيّ الشّابّ، علي زبيدات: 'طبعًا هذه الأعمال الشّاذّة لا تعكس أخلاق وقيم التّسامح في هذا البلد، وما حصل، هو بتقديري ليس أكثر من حالات عابرة  وشاذّة، لكن رغم ذلك يجب النّظر إليها بجديّة تامّة من قبل كلّ الجهات المسؤولة وعلى رأسها بلديّة سخنين واللجنة الشّعبيّة، إضافةً إلى الحركات، الأحزاب والجمعيّات الوطنيّة كافّة وبذل كلّ جهد ممكن، لمنع تمدّدها خارج حيّزها الضّيّق والشّاذ'.

وأضاف زبيدات: 'يتوجّب كذلك الاهتمام بتعزيز النّهج الثّقافيّ والتّربويّ الذي يجب أن تضطلع به المؤسّسات التّعليميّة والثّقافيّة، من مدارس ومراكز ثقافيّة ومسرح، وفي مختلف الميادين التّربوية، من أجل تعزيز ثقافة الحوار وترسيخ قيم التّسامح'.

وخلص زبيدات إلى القول: 'برأيي أيضًا  يجب ألّا  نغفل مسألة معالجة العنف في المجتمع العربيّ وعدم اختزال القضيّة بحالة عنف هنا وحالة أخرى هناك، بل محاولة معالجة القضيّة من جذورها وفهم الأسباب الحقيقيّة الكامنة خلف ظواهر العنف السيكولوجيّة والسوسيولوجيّة عبر بحث القضيّة ودراستها علميًّا'.

الشيخ أبو ريّا: أحداث مقلقة والمطلوب أكثر من الموعظة

وقال الشّيخ علي أبو ريّا لموقع عرب48: 'قد لا تكون أحداث العنف بالمدينة ظاهرة، لكنها أحداث مقلقة جدًا، وتزايدت منذ مطلع هذا العام، وعلينا التّحرّك كمجتمع ومؤسّسات ورجال دين بأقصى الاهتمام، كي لا تتحوّل إلى ظاهرة وحالة راسخة بالمدينة، كما هي مصابة معظم بلداتنا ومدننا العربيّة'.

وأضاف الشّيخ أبو ريّا: 'نحن كرجال دين سنواصل دورنا من خلال الدّروس وخطبة الجمعة بالدعوة إلى حلّ المشكلات بطرق سلميّة بعيدة عن العنف والبلطجة'.

 وشدّد أبو ريّا: 'إنّنا نحتاج إلى أكثر بكثير ممّا هو معمول به. نعم، ربّما نحتاج إلى العمل بين النّاس أكثر، وتكثيف المساعي لحلّ الإشكاليّات الاجتماعيّة وتكريس أخلاقياتنا وقيمنا قبل أن تتفاقم الأمور. وربما أيضًا تتوجّب صياغة ميثاق أهليّ، نجمع عليه بنبذ ومعاقبة كلّ من تسوّل له نفسه بتعكير أو الضّرر بالسّلم الأهليّ، بفرض حرمان اجتماعيّ وغيرها من الطّرق التي من شأنها أن تشكّل أحد الرّوادع، ذلك إلى جانب دور البلديّة وكافّة المؤسّسات والفعاليّات السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة وعدم انتظار الشّرطة التي تتغاضى عن هذا الملفّ الخطير، بل تهمله عمدًا'.

غنامة: سخنين نموذج للسلم الأهليّ، وما حصل هي شوائب تعالج على الفور

استعرض سعيد غنامة ميزات مدينته التي وصفها بالبلد التاريخيّ المتسامح: 'سخنين بقيت بمنأى عن كلّ الآفات التي نكبت بلداتنا ومدننا العربيّة من تفشّي العنف والجريمة التي أزهقت فيها عشرات الأرواح، وما حصل مؤخّرًا في سخنين من بعض شوائب قليلة لأعمال الزعرنة بالاعتداء على مبنى البلديّة وعمليّة إطلاق النّار على أحد المواطنين، لا يمكن إدراجها ضمن مسلسل العنف والجريمة المتفشّية في المجتمع العربيّ'.

ولفت غنامة إلى أنّه 'لم تسقط ضحيّة واحدة للعنف في مدينة سخنين، كما يحصل في باقي البلدات، علمًا أنها من كبرى مدن الشّمال، بينما نشاهد في منطقة المثلّث أو في بلدات مثل البعنة والرامة، وهي قرى صغيرة مقارنة بمدينة سخنين، قد سقط فيها العشرات من الضّحايا الأبرياء'.

منال أبو ريّا: المطلوب إعادة التّربية وعدم التّهاون

مرشدة الشّبيبة ومستشارة بلديّة سخنين لرفع مكانة المرأة،  منال أبو ريّا، قالت: 'أعتقد أنّ المجتمع العربيّ يشهد تفاقمًا واضحًا لظاهرة العنف، وذلك يبدو متجلّيًا في عدد من مناحي الحياة بدءًا من العنف الجسديّ والكلاميّ في الحيّز العامّ، كالمدارس والمؤسّسات العامّة والخاصّة والملاعب، وانتهاءً بالعنف المروريّ الذي يشمل السّلوكيّات الخطرة في الشّوارع، والتي تؤدّي إلى الحوادث والإصابات'.

وأضافت أبو ريّا: 'الصّورة في مجتمعنا لم تعد ورديّة كما تغنّينا بها سابقًا، والسّلوكيّات الخطرة كالمخدّرات والسّلاح باتت منتشرة في بلداتنا بدون حسيب أو رقيب. المعلم لم يعد رسولا والمسنّ والمسنّة ليسو كنزًا وإرثًا كما رأيناهم في السّابق، والأمّ والسّيدة باتوا مشاعًا وكيانًا مستباحًا'.

وتابعت: 'نعي جيّدًا أنّ للشرطة غياب واضح وعدم تدخّل مشبوه في مسبّبات هذه الظّاهرة الخطرة، ولكنّنا  للأسف كنّا كمجتمع متفكّك وذي قيم ومبادئ إنسانيّة ضعيفة أصبحنا أرضًا خصبة للعنف، وأتحنا بأن يستشري في بلداتنا، وبين أوساط الشّبيبة وحتى في الأطر التّربويّة'.

اقرأ أيضا:التخطيط البديل: توسيع مسطحات بلدات عربية


واختتمت أبو ريّا أقوالها: 'علينا كمجتمع أن نضبط زمام الأمور بوضع خطّة توعويّة وتربويّة واضحة المعالم والمراحل، تشمل ترتيبًا زمنيًّا وتتضمّن أوّلًا تطبيق القوانين لإعادة النّظام المجتمعيّ، وكذلك التّربية على التسامح، واعتبار القيم والمصلحة العامّة كالخاصّة، وخاصّة في المدارس والمؤسّسات العامّة. ويجب علينا ألاّ نتساهل مع تخريب الملك العامّ، وعدم التّواطؤ مع من يخرّب أو يعتدي أو من يعتبر نفسه فوق القانون'.

 

التعليقات