آخر إسكافي بالناصرة: البضائع الصينية غيّرت عادات الشراء

طربوشٌ أحمر يعتلي جبهتهُ، وتجاعيدٌ ونتوء حول ثغرهِ الحائر، جالسٌ يرقبُ سوقَ النّاصرةِ عن كثب، هذا هو حال فؤاد شحادة الذي ينتظرُ أحدًا ليدخلُ عليهِ ويُصلح بعض ما أفسدهُ الدهر بعد أن كان مزدهرًا، ولكنّ الأحوال انقلبت بعد أن فُتِحت الأبواب أمام البضائع الصينيّة الرخيصة.

آخر إسكافي بالناصرة: البضائع الصينية غيّرت عادات الشراء

أبو وجدي في محله بسوق الناصرة

طربوشٌ أحمر يعتلي جبهتهُ، وتجاعيدٌ ونتوء حول ثغرهِ الحائر، جالسٌ يرقبُ سوقَ النّاصرةِ عن كثب، هذا هو حال فؤاد شحادة الذي ينتظرُ أحدًا ليدخلُ عليهِ ويُصلح بعض ما أفسدهُ الدهر بعد أن كان مزدهرًا، ولكنّ الأحوال انقلبت بعد أن فُتِحت الأبواب أمام البضائع الصينيّة الرخيصة.

يُلقبُ فؤاد شحادة بأبي وجدي، وهو واحد من أواخر الإسكافيين الباقين في مدينةِ النّاصرة، يزاول مهنتهُ في أيامنا بعد انقضاء زمنِ الصناعةِ اليدويّة الحرفيّة، ولد عام 1933، ترعرع في الأزقة القديمة للنّاصرة، وتعلّمَ صناعة الأحذية وإصلاحها في جيل 14 عامًا، مذ كانَ صغيرًا غضًّا.

يشكو شحادة من أنّ الصين لم تبقِ له شيئا سوى الزبائن التي تريد إصلاح أحذيتها بأمور بسيطة مثل إصلاح الكعب بقيمة لا تتعدى 25 شيقلا، عدا عن أن معظم أبناء مجتمعنا العربيّ يقومون بإلقاء أحذيتهم في سلّة القمامة في حال تلفها، وشراء حذاء آخر، وهو تغيير طرأ على العادات الشرائيّة والاستهلاكيّة في المجتمع العربيّ أكثر مما يجب، مردفًا أنّه عمل منذ صغرهِ على تعلّمِ مهنة الإسكافيّ، مهنةٌ كما يصفها أنّها تقليديّة وتراثيّة 'أبًا عن جد'، فهذا الزقاقُ من سوقِ الناصرة القديم، حيثُ يوجد محلّه، يُدعى 'سوق الإسكافية' ولكن لم يبقَ أحدٌ سواه، ذهبوا جميعهم وأغلقوا مكانهم وهو يأتي يوميًا لمجرد التسلية بدلاً من الجلوسِ في البيت.

يقول شحادة بتعبيرهِ البسيط، إنّ 'الناس جميعها كانت تعتمد على الإسكافيّ في شراء أحذيتها، أمّا اليوم فقد أصبحت الأحذية 'بسعر الفجل' ويفضلون البضائع الصينيّة المستوردة على المصنّعة يدويًا ومحليًا، كان سوق النّاصرة عامرًا والحياة أفضل بكثير مما هي عليهِ الآن 'بعشرات المرّات'، كنا نتمتع بالعمل الوافر الكثير وكان المكان عامرًا بالزوار والبشر والسائرين، كانت الضفة الغربيّة مفتوحة وخاصةً جنين، وقد تمتعنا بحياة بسيطة'.

تعلمّ أبو وجدي المهنة لدى رجل طاعن في السنّ، كان حاجًا من عكّا ومقيمًا في النّاصرة. صناعة الأحذية الجديدة كانت مهنته الأساسيّة وتصميم الحذاء لكل شخصٍ وشخص، وقد عملت الناس على تفصيل الأحذية بحسب مقاس قدمهم، والرجال منهم بشكل خاص أما النساء فكانتْ تأخذ الأحذية جاهزة.

يشرحُ شحادة أنّ مراحل صنع الحذاء تبدأ بأخذ مقاسات كفة القدم وتفصيل 'السختيان'، والسختيان يعني جلد الماعز أو الخروف إذا دُبغ، وهو الجلد الأمامي للحذاء، فيقوم بتصميم الجلد الخارجيّ بحسب مقاس القدم ويضعه على قالب لتصبحَ مشدودةً، كان يقوم بعمل كافة المراحل بيديه الاثنتين، أمّا الأدوات المستخدمة فهي 'المطاط' أو 'الكاوتشوك'،  التي يقوم بقصّها وفقًا لكعب الحذاء، عن طريق استخدام ورقة، ومن ثم يقوم بوضع لاصق وتثبيتها بالكعب لحين جفافها، ليدقّها بالمسامير بعد ذلك.

 ومن المواقف التي يتذكرها شحادة قديمًا من خلال عملهِ، هي أنّه كان يأخذ 'عربونا' من الزبائن، لأنّه إن لم يأخذ 'العربون' لن يعود الزبائن ثانيةً لاستلام الحذاء، أمّا اليوم يضع الزبائن الأحذية للتصليح ولا يعودون لأخذها أيضًا، معبّرًا أنه 'لديّ أكياس ممتلئة في المخزن من الأحذية التي قمت بتصليحها دون أن يأتي أحد لاستلامها، فقد اشتروا أحذية جديدة مكانها'.

ويستطرد أنّ الأحذية قديمًا كانت أعلى سعرًا مما هي عليه اليوم، كان أبخس حذاء يقدر بِـ 100 شيقل وما فوق، في حين نجد اليوم أنّ هناك أحذية بِـ 20 شيقلا. قديمًا كان الرزق كثيرًا فتبيتُ الأحذية لعدّة أيّام إلى حين انتهائها بسبب ضغط العمل، أمّا اليوم يقوم شحادة بالمداومة على عملهِ دون اكتراثٍ إن كان الزبائن سيأتون لمحلّهِ أم لا.

التعليقات