قرية النّاصرة السياحيّة: نموذج السياحة الداخليّة والخارجيّة

القرية تحتوي على طاقم عمل يرتدي الزيّ القديم، مشابه لما كان يرتديه سكان الناصرة في تلك الفترة، ويعملون في الأرض والبيوت بالمهن والأدوات التي كانت مستعملة

قرية النّاصرة السياحيّة: نموذج السياحة الداخليّة والخارجيّة

يحتفي أبناء الطوائف المسيحيّة الشرقيّة، في هذه الأيّام، بعيد الفصح المجيد، بمناسبة قيام السيّد المسيح من بين الأموات وفقًا للديانة المسيحيّة، وبما أنّ الناصرة جزءٌ أساسيّ من أماكن السياحة الدينيّة في البلاد، تشهدُ المنطقة في هذه الأيّام من السنة إقبالاً نوعيًّا من السياحة الخارجيّة، ولكن كيف هو حال السياحة الدينيّة الداخليّة للمجتمع العربيّ؟

قرية النّاصرة السياحيّة، هي مثال حيّ على استقطاب السائحين من كافة بقاع العالم وتقديم نماذج لهم عن حقبة تماثل تمامًا فترة وجود المسيح على أرض الناصرة، قبل ألفي عام تقريبًا، ويتردد إليها كل عام حوالي 60 ألف سائح، معظمهم من أميركا وكندا، ومن ثمّ الدول الآسيويّة كالصين واليابان وكوريا، وبعدها دول أوروبا كالدنمارك والنرويج وهولندا وبريطانيا وجنوب أميركا وغيرها، صممت القرية في الأساس لأهالي الناصرة والمجتمع العربي والعالم كذلك، ويستطيع جميع الناس زيارتها، على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية.

منذ البدء؟

يعتبر مدير قسم الأبحاث والدراسات في قرية النّاصرة السياحية، عامر نقولا، في حديثه لـ'عرب 48'، أنّ المشروع يعيد الزائرين إلى حياة النّاصرة البدائيّة، حين كانت قرية صغيرة تحتوي على 500 شخص فقط، كانت تتمتع بالحياة الزراعيّة، ولذلك تم بناء البيوت ومعاصر الزيتون ومجمع حيث كان يجتمع المسيح مع تلامذته.

وبحسب نقولا، إن 'الأبنية تم بناؤها بذات المواد التي بنيت في تلك الفترة، حجارة وطين ووحل وتراب وتبن، وخلال العمل على إقامة القرية، تبيّن أنّ القرية أساسًا أرض زراعية معروفة قبل ألفي عام ووجدت الآثار صدفةً عام 1996. وتم اكتشاف معصرة عنب تعود للقرن الأول الميلادي، وأرض لزراعة العنب، إضافةً للمدرجات الزراعيّة ومحاجر لاستخراج الحجر لصنع البيوت وقنوات ريّ وأبراج للمراقبة، وقد أضفنا الجانب الحياتي لعكس حياة الناس العاديّة'.

وأردف أنّ القرية 'تحتوي على طاقم عمل يرتدي الزيّ القديم، مشابه لما كان يرتديه سكان الناصرة في تلك الفترة، ويعملون في الأرض والبيوت بالمهن والأدوات التي كانت مستعملة'.

بين الداخليّة والخارجيّة

بُني مشروع القرية بمبادرة من الدكتور نخلة بشارة، لينقل صورة الناصرة قبل آلاف السنين والأجواء التي عاشتها، ومع تطور الناصرة عبر الزمن، بات السياح يأتون إليها دون التعرف على حياتها القديمة وتاريخها، ومن هنا خرجت الحاجة لإقامة نموذج عن الحياة القديمة، وساعد الدكتور بشارة عدة أشخاص من مناطق مختلفة كأميركا وبريطانيا، وهو مشروع عالمي اليوم.

وفي فترات الأعياد، تزداد نسبة السياحة في البلاد، بحسب نقولا، بسبب تزامن الأعياد مع العطل الرسمية، ما يحثّ الناس على الخروج والسفر، وتحتوي القرية على عدة برامج تعمل على تنشيط السياحة الخارجية والداخلية، فهناك فعاليات للأجانب في فترات الأعياد.

 وعلى صعيد السياحة الداخلية، فتعمل القرية مع المدارس في الناصرة والمنطقة، كذلك مدارس من مختلف أنحاء البلاد، وتنظم فيها فعاليات ومسرحيات للطلاب، تسرد تاريخ الناصرة وتطورها، كذلك تروي رواية عيد الفصح الدينية.  

تراجع السياحة الداخلية

ولكن، تشهد القرية تراجعًا على مستوى السياحة الداخلية، حيث لا يُقبل الكثير من أبناء المجتمع العربي على زيارتها، وتعزو الغدارة هذا التراجع إلى أنّ الناس تفضل السفر للخارج، أو لمناطق بعيدة عن مكان سكناها في البلاد، وعادةً من الصعب أن يقوم الناس بزيارة مكان يتواجدون به، ولذلك كان الإقبال على القرية بشكل كبير في الفترة الأخيرة من قبل السياح الأجانب.

الآثار في النّاصرة

وأكد نقولا أن 'العمل في إنشاء القرية بدأ بعد الاطلاع ومراجعة الكثير من الدراسات والأبحاث، ليكون العمل عبارة عن توثيق تاريخي دون إضافات أو تحريف، ولتبدو القرية كما لو كانت حقيقيّة، واعتمدنا ثلاثة مصادر أساسيّة، أوّلها الآثارات الموجودة في البلاد وعملنا كذلك مع جامعة أمريكيّة وتعاوننا مع علماء أجانب لقياس الآثار طولاً وعرضًا، لتكون ملائمة، وثاني هذه المصادر هو المخطوطات القديمة والتاريخ والكتب التي توثق الحياة القديمة، وثالث المصادر هو دراسة الشعوب وفق الدراسات التي تختص بدراسة حياة الشعوب العرقية والإثنية التي تواصل عيشها بالطريقة البدائية لغاية الفترات الحديثة، كمجتمعنا العربيّ الذي واصل استعمال آلات وأدوات عُرفت منذ آلاف السنين ولم تتغير تقنيتها'.

وفي حديث لـ'عرب 48'، قال السائح الأمريكيّ، كريس جروبر، إنّ 'الجولة التي قام بها جيّدة لأنّها توضح العلاقة بين ما قرأه في الكتاب المقدس لما هو موجود هنا على أرض الواقع، حتى ولو كانت هذه الزيارة قصيرة فقد أعطت المعنى الحقيقي لما كان هنا قبل آلاف السنين'.

اقرأ/ي أيضًا |  الطيبة: متحف الحاج خليل رحلة في التاريخ

وأضاف جروبر أنه 'كان من الممتع أكثر لو كان هناك جزء للقيام بعمليّات يدويّة مثل صناعة مصابيح الزيت وعصر العنب أو زيت الزيتون، لأنّه إذا قمنا بالعمل بأنفسنا واتسخت أيادينا، ذلك يجعلُ الأمر أكثر حقيقة'.

التعليقات