"الفلافل... أكلة إسرائيليّة شعبية"... هكذا يُباع للسائحين!

مطاعمٌ للفلافل ممتدة على أطراف شوارع مدينة الناصرة، متراصّة على الشارع الرئيسيّ أو حتى في مدخل السوق القديم.

"الفلافل... أكلة إسرائيليّة شعبية"... هكذا يُباع للسائحين!

الناصرة... مطاعم فلافل وسياحة

مطاعمٌ للفلافل ممتدة على أطراف شوارع مدينة الناصرة، متراصّة على الشارع الرئيسيّ أو حتى في مدخل السوق القديم.

يُجمع أهالي النّاصرة أنّ أكثر المطاعم السريعة التي تلاقي إقبالا هي هذه، ليس فقط من أهالي النّاصرة وحدهم، بل من السائحين بشكلٍ خاص ممن يرغبون تذوّق الطعام الشعبيّ الخاص بالمدينة.

ولكن مقابل هذا المشهد يبيع أصحاب محلات الهدايا التذكارية (السوفينير) للسائحين القادمين إلى الناصرة صورًا وأغراضًا كتب عليها عبارة 'الفلافل طعام إسرائيليّ تقليديّ'، بصورٍ متعددة منها رغيف فلافل يصعد من بين أقراصهِ علم إسرائيل مرفرفًا وبجانبه عبارة 'الفلافل... أكلة إسرائيليّة شعبية'، هذا ما يحدث في قطبين قريبين من بعضهما البعض، الأوّل يريد الاسترزاق والثاني كذلك!

الفلافل... نموذج سرقة مصغّر

تُدهشُ هذه المدينة السائحين يوميًا بمعالمها القديمة الممتدة إلى آلاف السنين، أيُّ سائحٍ هنا سيشتمّ رائحة أرضها بشغف، نسبةً لخطى السيّد المسيح التي شقّت تربتها قبل آلاف السنين، ولكنّ هذه المدينة تراثها مهددٌ، بعد أن تطوّر أساسًا في أرضِ بلاد الشام ووصل إلى ما وصل إلينا اليوم من غنىً.

قال أحد باعة الفلافل، وسام الجبالي، لـ'عرب 48' إنّ 'الإقبال على الفلافل كبير جدًا، وذلك لأنّ الفلافل يعتبر طعاما شعبيا يمتد تاريخه إلى مئات السنين، وهو طعام يرغبه الصغار والكبار في المجتمع العربيّ بشكل عام، إضافةً إلى السائحين الذين يترددون بكثرة لتذوّقه ويعربون في كلّ مرة أنّ الفلافل من أشهى المأكولات الشعبيّة التي تذوقوها في حياتهم'.

وأردف أنّ 'أصل الفلافل يعود لبلاد الشام'، مؤكدًا أنّه 'طعامٌ عربيّ موجود في لبنان وسوريّة والعراق ومصر، وبالتأكيد هي أكلة عربية وليس إسرائيليّة'.

وأعرب العامل في مطعم للمأكولات الشعبيّة في الناصرة، علاء مزاوي، عن أنّ السائحين يأتون إلى لناصرة لتغيير روتينهم في الحياة، ومنه كسر روتين الطعام الذي اعتادوا عليه دومًا في بلدانهم كـ'السباجيتي' و'الهمبورغر'، فيكونون على شغفٍ أكبر لتذوق الطعام العربيّ كالفلافل والحمص، وهم يطلبون من مرشدي السياحة تناول الطعام في المحلات الشعبيّة، ونحن نعمل مع السائحين بشكلٍ كبير'.
وأكد لـ'عرب 48' أن 'انطباع السائحين عن الفلافل أنّه طعام شهيّ، وبعض السائحين يعرفون أنّ هذا الطعام عربيّ'.

سرقة بشتى الطرق

لا يتوقف الأمر على الفلافل، الذي هو نموذج لكلّ عمليّة التضليل التي يمرّ بها الطعام العربيّ، بادعاء أنه جزء من الثقافة الإسرائيليّة كما تروّج له إسرائيل في الغرب وأمام العالم، بل يمتدّ إلى كلّ الطعام والحضارة العربيةّ، الحمص، السلطة العربيّة، الخبز العربيّ... تنتهي قائمة المأكولات ولا تنتهي سرقة التراث والحضارة والأرض والسياسات الإسرائيليّة في نزع الهُوية الفلسطينية العربية.

'هنالك أمثلة كثيرة بما يتعلق بقضية طمس وإخفاء الموروث الحضاري والثقافي الفلسطيني، والهدف الرئيسي من وراء ذلك محاولة إلغاء أحقية شعبنا بارتباطه بأرضه، عاداته، وتقاليده التي توارثها عبر الاجيال'، هذا ما أعرب عنه الباحث في التراث، أ. نادر زعبي، مستطردًا في حديثه لـ'عرب 48' أنّ 'هذه المحاولات تشمل مجالات عدة كتغيير وإخفاء ملامح المكان وأهمها أسماء الأماكن والمواقع، سواء كان ذلك أسماء لبلدات، شوارع، مناطق جغرافية وحضاريّة أو مواقع أثرية وتاريخيّة، وهكذا تسعى إسرائيل إلى وضع تسميات جديدة، لتصبح التسمية الجديدة مع مرور الوقت هي الغالبة على المكان.'

هذا التشويه الذي طال الحجر مسبقًا، ها هو يقذف بالحضارة العربيّة إلى خارج إطارها، مهددًا إياها، فالطمس الثقافيّ وصل المأكولات الشعبية التي لم تسلم أيضا، وبهذا الصدد أفاد زعبي أنّ 'هذه المأكولات التي تتوارثها الأجيال شكلت علامة مميزة لسكان هذه البلاد من العرب، الأمر لا يقتصر على طمس الثقافة ونسبها إلى غير أهلها، بل أن الكثير من المأكولات الشعبية أصبحت تُنتج على يد معامل إنتاجيّة في المجتمع اليهودي، الأمر الذي أثّر سلبًا على المصالح التي تنتج هذه المأكولات في البلدات العربية، وهو عامل في إضعاف الاقتصاد العربي في البلاد، علما أن هذا الاقتصاد يعتمد أساسا على مصالح إنتاجية صغيرة'.

وفسّر زعبي أنّ 'هذه السياسة تخلق تبعية اقتصادية أكثر فأكثر للمجتمع اليهودي، وهكذا يكون الطرف الأقوي قد تمكن من سلب وإخفاء هذا الموروث الثقافي والحضاري واستغلاله لصالحه وترويجه في العالم على أنّه صناعته كمحاولة لاستمرار سيطرته ونفوذه ومحاولة تهميش الطرف الآخر وإضعافه'.

يبقى السؤال أمام محال 'السوفينير' في الناصرة حول مدى مسؤوليتهم تجاه هذه الظاهرة، وكيف أنّ أبسط الأمور تستطيع أن تغيّر الكثير من الاعتبارات، قرص الفلافل صغير، ولكنّهُ هويّة ثقافيّة، وليس مجرّد بطاقة تُباع ببضع شواقل للسائحين غير المدركين طريق الحقيقة، إنّه تاريخ بلاد الشام، فلا تفرّطوا به.

اقرأ/ي أيضًا| النقب: 5200 طفل خارج الأطر التعليمية بسبب التمييز

التعليقات