مقاهي الناصرة: أين المراقبة القانونيّة والحواضن الشبابيّة؟

في أوّلى سنوات مراهقته، جلس على أريكةٍ مثقوبة التهمتها عشرات الجمرات وراحَ هو وصديقه الذي يجاوره بالعمر، يدخن النرجيلة، خلف بابٍ مغلقٍ خصص لمثلهم في أحد المقاهي بمدينة الناصرة، كان قصيرًا وجسده يوحي بأنّه طفل ولكن تظهر عليه هو وصديقه

مقاهي الناصرة: أين المراقبة القانونيّة والحواضن الشبابيّة؟

في أولى سنوات مراهقته، جلس على أريكةٍ مثقوبة التهمتها عشرات الجمرات وراحَ هو وصديقه الذي يجايله، يدخن النرجيلة، خلف بابٍ مغلقٍ خصص لمثلهم في أحد المقاهي بمدينة الناصرة، كان قصيرًا وجسده يوحي بأنّه طفل ولكن تظهر عليهما أولى علامات البلوغ والمراهقة، فما أن رآني أحمل الكاميرا وعلم أنني صحافيّة، ودون أن أنبس ببنت شفة، حتى فرّ هاربًا من مجلسه بخوفٍ مبالغ.

وما إن بدأ الطفل وصديقه بالهرولة نحو الباب للخروج حتى استوقفهما أحد العاملين بالمقهى كي يدفعا الحساب، في الوقت الذي كانا قد نسياه بسبب الفزع، عندها حاولتُ فهم أسباب هروبهما بتلك الطريقة السريعة وكأنّ وحشًا انقضّ عليهما، فعلمتُ أنّه الخوف من أن يعلم والداهما بالموضوع، وهكذا ظلّا يهرولان حتى خروجهما إلى الشارع.

كان هذا مشهدًا عايشته من داخل أحد المقاهي في مدينة الناصرة، التي تستقطب المئات من الشبان والشابات يوميًا بمختلف الأعمار، عدا عن انتشارها بشكلٍ لافت في أرجاء الناصرة. ومن هنا تنبع معضلة لجوء الشبان والشابات إلى النرجيلة رغم أضرارها ومدى مراقبة تلك الأماكن قانونيًا.


'هل من فراغ'؟

وعن ذلك، قال الشاب يونس حامد من الناصرة، لـ'عرب 48'، 'بحب الأرجيلة لإنها طيّبة وبتضيّع وقتي، وأنا صرلي مدّة بأرجل يعني حوالي 8 سنين، كنت بصف ثامن أو تاسع، وكنت أروح على محلات أراجيل مع قرايبي أو بالبيت، مرة بصف ثامن رحت على محل اراجيل وفوتوني مع إنه كان ممنوع تحت جيل 18'.

وعن سؤالنا له عما يفعله في أوقات الفراغ، أجاب قائلًا إنني 'ألعب كرة القدم مع أصدقائي مرة على الأقل أسبوعيا، وإنّه يستنفذ 'رأس أرجيلة' واحد خلال اليوم'. مشيرًا إلى أنّ 'هناك من يستنفذ 6 'رؤوس' أرجيلة في اليوم الواحد، فإلى جانب المقاهي، هناك، أيضًا، أوقات للسينما والملاعب وبرك السباحة، إلا أن الناس تحب تدخين النرجيلة ومعظمهم بحالة إدمان عليها'.

وتابعَ قائلًا إن 'البعض من الأهالي يتركون أبناءهم في صفوف الرابعة والخامسة يدخنون النرجيلة في البيت بشكل طبيعيّ، والبعض الآخر يدمن عليها في المرحلة الثانوية وهو الجيل الأكثر عرضة للتدخين'. مبررًا 'الناس بتحبها لأنها طعمتها طيبة مش عشان مفاهيم الرجولة إنه الزلمة يلي بأرجل فهو زلمة عن جد، بل بجمعات الأصحاب والشباب الأرجيلة منيحة لإنها ونس'.

وفي مشهدٍ مشابه، تجلس فتاتان من ضواحي الناصرة، بأحد المقاهي في الناصرة، دون علم أهلهما بأنهما تدخنان النرجيلة، وتعتبّر إحدى الفتيات أن 'الشعور الذي تمنحه النرجيلة جيّد، وهي تستنشق النرجيلة كل يوم سرًّا'، مضيفة أن 'المجتمع يرفض الفتيات اللواتي يدخنّ النرجيلة ويعتبره 'عيب' بسبب عادات متوارثة، فالأب يرفض أن يرى ابنته وهي تدخن فماذا سيقول الناس والمجتمع عنها؟ وتتساءل كل منهما لماذا يسمح للشاب بالتدخين أما الفتيات فلا وهي تُعاب بكل شيء تفعله'.

ومن جانبها، ذكرت الشابّة ليليا الشريف، لـ'عرب 48'، أنّ 'أسهل الأسباب للّجوء إلى تدخين النرجيلة هي حبّ التجربة، حيث نرى مجموعة أصدقاء من الشبان أو الفتيات لديهم فضول لتجربة النرجيلة، وسرعان ما يتحول هذا الحبّ إلى ولع وإدمان، أمّا السبب الثاني فهو أن مفهوم تدخين السجائر هو مفهوم غير مقبول نهائيًا للفتاة في مجتمعنا العربيّ وكأن النرجيلة مقبولة بشكل أكبر من السجائر، ولكن يبقى مفهومها أخفّ وطأة من مفهوم تدخين السجائر، فحين يتم سؤال فتاة عما إذا كانت تدخّن فتقول 'كلا، أعوذ بالله، بأرجل بس'، ما يدل على قبول النرجيلة مجتمعيًا بشكل أكبر من تدخين السجائر العاديّ نسبةً للفتيات'.

وتابعت 'أما السبب الثالث، فهو أن مجتمعنا العربيّ في البلاد لا يحتوي على فعاليّات شبابيّة أو أماكن حاضنة للشبان والشابات للتنفيس عن ذاتهم وإخراج الطاقات الموجودة داخلهم، عندها يبحث الشاب عن منفس ومنه يتجه نحو المقاهي بعد ضجوعه من المطاعم أو الكافتيريا المملة، مع الإشارة إلى أنّ الفعاليات التي تقام على أرض الواقع قليلة بتوجهاتها نحو تفعيل الشبان بشكل حقيقي'.

'القانون على ورق'

وعقّب مدير قسم الصحة والتفتيش وترخيص المحلات، عدوان كريّم، لـ'عرب 48'، قائلًا إنّ 'مثل هذه المحال في ازدياد، خصوصًا بالسنوات الأخيرة، علمًا أن غالبية المجتمع معتادة على تدخين النرجيلة، ما يعني ازدياد المقاهي المخصصة لهذا الغرض'.

وأشار قائلًا إلى أنه 'من الشروط التي يتطلب وجودها في تلك المحال هي ترخيص من قبل الإطفاء، كونها تستخدم الفحم والنار بكثرة، لذا يستوجب أن تحتوي على مطافئ وصهاريج ماء لحالات الطوارئ، كما كاشف للنار يعمل بشكل أوتوماتيكيّ في حال حصول أي أمر، عدا عن أن الكهرباء يجب أن تتوفر بها كافة التقنيات التي تضمن السلامة، ونحن نطلب الشروط الصحيّة خصوصًا بما يتعلق بالطعام والشراب وفق الشروط المستوفاة من قِبل وزارة الصحة'.

وأردف أنه 'وللأسف الشديد هذه المهنة تندرج تحت اسم 'بوفيه'، وهذا التصنيف لا يحتاج شروط مقيّدة من قبل الشرطة لتقييد أن يكون مسموحًا ما بعد جيل 16 عاما أم لا، بخلاف ما نراه بالنسبة للمشروبات الروحية والدخان، ومن هنا نجد بعض طلاب وطالبات المدارس في هذه المحلات، وعليه أتوجه من منطلق مسؤوليتي في بلدية الناصرة، أن يكون هناك اتفاق من أجله منع دخول من هم دون سن 16 عامًا وأن تكون هناك رقابة لتحديد الأجيال، والنظر إلى صحة وأمن هذه المحلات وليس فقط الربح المادي'.

وأنهى حديثه قائلًا إن 'بلديّة الناصرة تعمل على مراقبة كافة المصالح، وبالنسبة للمقاهي فهي بحاجة لترخيص من قبل البلديّة وتصريح من قِبل الوزارات المختصّة كوزارة الصحة، ونحن كبلديّة نحاول أن نراقب هذه المحلات بواسطة مفتش الصحة، وحتى لو حصلت على ترخيص فإنها تبقى تحت رقابة مفتش الصحة والبلدية'.

وبالرغم مما قاله كريّم، فإنّ بعض هذه المحال التي دخلتها كصحافيّة لم تكن تتمتع بالشروط المطلوبة كاملة، علمًا أنها اعتمدت بداخلها على الخشب، الأمر الذي يجعل الخطر مضاعفًا وسريع الاشتعال في حال اندلاع حريق، فالثقوب الموجودة في الأرضيات والمقاعد نتيجة الجمر أكبر دليل على ذلك، أضف إلى أنها لا تستوفي كافة الشروط من أجل إخماد الحرائق، كما وأنّها تستقطب من هم دون سنّ 18 عامًا في أماكن منزوية، وهو أمر منافٍ للقانون.

ومن جهتهِ، ذكر صاحب أحد المقاهي في الناصرة، أنّه 'بادر إلى تقسيم محلّه لقسمين، الأوّل للشبان والآخر للشابات، حيث يتردد الشبان في فترات الظهيرة وما بعد المغرب، عدا عن استقطاب من هم من خارج الناصرة، وخصوصًا من يحضرون لإنهاء عملهم وعقد جلسات عمل'.

وشدد قائلًا إنني 'لطالما أقوم بالتأكد من سن الزبائن، وفي حال كان من هم أقلّ من جيل 18 عاما لا أسمح لهم بالدخول، فمن الناحية القانونيّة هذا ممنوع وللحفاظ على صحتهم من ناحية أخرى'.

'النرجيلة.. والصحة'

وفي سياق الصحة، ذكر الطبيب المتخصص بالأمراض الباطنيّة والقلب بمستشفى الإنجليزي، إلياس جورج حلو، لـ'عرب 48'، أنه 'سبق وأن قدّم بحثًا علميًا حول تأثير النرجيلة على الصحة، حيث اعتمد البحث على دراسة أشخاص ما قبل تدخين النرجيلة، ثم بعد تدخين 30 دقيقة من النرجيلة، لنجد ارتفاعا جديّا وملاحظا في نبض القلب وفي ضغط الدم، وهو ارتفاع كفيل بأن يقوم بمحاولات جهد إضافية للجسد، فبعض الأشخاص بدا وكأنهم خضعوا لفحص جهد وهو أمر يمكن أن يكون له تأثير على من يعانون من أمراض معيّنة، سواء إن كانوا يدرون بها أم لا، فذلك يمكن أن يسبب لهم أمراض صحيّة جديّة'.

وأضاف أنه 'بالنسبة للتأثير الأساسي من تدخين النرجيلة فهو تسمم في الدم، ويشابه استنشاق هواء غنيّ بثاني أكسيد الكربون، ما يضرّ بشكل كبير على الصحة، ومن خلال عملي بمستشفى الإنجليزي في قسم الطوارئ أصادف بشكل يوميّ مرضى مع علامات ضغط دم مرتفع جدًا بشكل خطير، يرافقه أوجاع بالرأس وضعف في كافة أنحاء الجسم، حيث وبعد خضوعهم لتحليلات دم واستجواب المريض، يتضح أنّها تسمم بسبب تدخين النرجيلة'.

وشدد قائلًا إن 'تدخين النرجيلة سهل وكأنّه عمليّة بسيطة، ولكن بالحقيقة لها أضرار كبيرة للجسم، حيث أن قسم منها يظهر آنيًا، والقسم الآخر يظهر مستقبلًا، مع الإشارة إلى أنه حين يتلوث الدم بثاني أكسيد الكربون تصبح فعاليته غير موجودة ولا يصل الأوكسجين للأنسجة والخلايا في الجسم وهذا أمر خطير، ناهيك عن الأضرار التي تلحق بالرئتين وإمكانية حدوث أمراض الربو والأزمة لمدخني النرجيلة، فمن يعانون من المرض يصبحون أكثر عرضة لضيق التنفس ومشاكل صحيّة أخرى'.

اقرأ/ي أيضًا | د. سروجي: درستُ الطب في بيروت ومارستُه بالناصرة

واختتم أنّ 'الكثير من الحالات التي تصل المستشفيات هي نوع من أنواع التمزق في الرئة أو صدر الهواء الذي يحدث للشبان والأطفال، وهو انفصال في الرئة، حيث أنّ الغشاء في الرئة ينفصل عن غشاء القفص الصدريّ، ما يضطر المريض لإجراء عمليّة لسحب الهواء الموجود في قلب الرئة، لأنّه يمكن أن يسبب اختناقًا للشاب، ناهيك عن الأمراض والجراثيم والعدوى والهربس والتهابات الرئة لأنّ النرجيلة تنتقل بين الأفواه، معتبّرًا أنّ أحد أكبر أمراض التدخين هي زيادة احتمال إصابة الفرد المدخّن بعشرين مرّة بالسرطان، وسرطان الرئة من نوع معيّن، فالنرجيلة تزيد من احتمال الإصابة بسرطانات الشفاه واللثة واللسان والحنجرة'.

التعليقات