أيام زمان... البحث عن الذهب في سوق الناصرة!

كان سوقُ الناصرةِ عامرًا بالذهبِ والصّاغة الذين عملوا دون كلل لمشق الحليّ والزينة للناس في الناصرة والقرى المجاورة لها، وكان سوقُ العرائس في البلدة القديمة شاهدًا على تاريخِ أهلهِ ممّن أتوا للتبضع للأعراسِ وشراء الذهب معه في مناسبات مختلفة كالزواج والأعياد،

 أيام زمان... البحث عن الذهب في سوق الناصرة!

صائغ الذهب، إسحاق فرح (تصوير "عرب 48")

كان سوقُ الناصرةِ عامرًا بالذهبِ والصّاغة الذين عملوا دون كلل لمشق الحليّ والزينة للناس في الناصرة والقرى المجاورة لها، وكان سوقُ العرائس في البلدة القديمة شاهدًا على تاريخِ أهلهِ ممّن أتوا للتبضع للأعراسِ وشراء الذهب معه في مناسبات مختلفة كالزواج والأعياد، وبالرغمِ من الوهن الشديد الذي أصاب هذه المهنة في سوق الناصرة وإغلاق كافة المحال باستثناء 3 منها، إلّا أنّ أصحابها ما زالوا يحاربون في المكان الذي بدأوا به أولى تجاربهم في هذا المجال لئلا يُغلق.

 

 

أيام زمان...

وقال صائغ الذهب والفضة، إسحاق فرح، الذي عمل لسنواتِ طويلة في هذه المهنة بسوق الناصرة، لـ'عرب 48'، إنّ 'صائغي الذهب ممن بقوا هجروا السوق وفتحوا محلات تجاريّة لهم على ضفاف الشارع، وما يميّز عملنا هو أنّه عملٌ يدويّ، كنا نصنع قلائد الذهب، لكن اليوم احتلت الماكينات وظيفة أيدينا وبات كل شيء جاهزًا، عدا عن أنّ صائغي الذهب في السوق لم يبق منهم سوى ثلاثة، وأنا أحدهم'.

وتابعَ أنّ 'هناك حوالي 150 محلا تجاريّا في السوق جرى إغلاقها، وما ساهم في هذا الإغلاق أنّ أهالي القرى المجاورة للناصرة كانت تعتمد على سوق الناصرة للتبضع، لكنهم استغنوا عن الناصرة بسبب التطور الذي حصل في القرى، فكل قرية أصبحت تحتوي على محال تجاريّة تسد احتياجات سكانها، بعكسِ الزمن الماضي الذي كانت فيه الناصرة وحدها من تتصدر بيع وصناعة الذهب للمنطقة'.

وأشار إلى أن 'الكندرجية والبوابير والنحاسين راحوا من هون، وكل الأعمال اليدوية اختفت من الناصرة، أغلبية الصّاغة ماتوا بعيد عنك، والجيل الجديد ما بدوش يشتغل شغلنا، وكمان المجمعات الكبيرة خربت وذبحت السوق ذبح، مثل هذا الوقت بالظهر مفش ناس وكل نص ساعة تنشوف بني آدم'.

عن الذهب الفلسطينيّ

وأفاد فرح أنّ هذه المهنة اختفت في هذه الأيام كصناعة، ولم يعد الناس يترددون إلى محله إلا لتصليح الذهب والفضة، ونادرًا لصنعه، كان في السوق 20 محلا لصياغة الذهب ولم يبق منها سوى ثلاثة فقط.

عن اختلاف هذه المهنة بين الماضي والحاضر، قال: 'كنا في السابق نصنع 'المباريم' و'الحيايا' وخواتم صب بعمل يدويّ، لكن هذه الحليّ تنقرض مع الزمن، رغم أنها رخيصة الثمن كـ'خاتم صب' الذي لا يتجاوز وزنه 20 غراما، ناهيك عن استعمال الحليّ المطلية بالذهب في تزيين النساء لأنفسهن'.

وعن سؤالنا ماذا كانت النساء والعرائس الفلسطينيّات يشترين من الذهب قديمًا؟ أجاب أنّ 'الليرات الذهبية هي ما كانت مطلوبة، وكانت العروس تطلب قلادة ذهبيّة بها 50 ليرة ذهب ومباريم وحيايا، لكن في أيامنا لا تقبل العروس أن تشتري الليرات الذهبية القديمة، إلا قلادة مع ليرة واحدة، أو محبسين، ما يدل على أنّ الذهب قديمًا كان أرخص مما هو عليه اليوم، فكان كيلوغرام الذهب يُقدر بـ5000 ليرة فلسطينيّة، واليوم كيلو الذهب يساوي نحو 150 ألف شاقل'.

وأردفّ أنّ 'إقبال الناس في هذا العصر على الذهب منخفض مقارنةً بالماضي، فكان الأجداد يشترون الذهب لأنّه ثمين ويوفرونه ويخبئونه إلى حين يلزمهم وقت الحاجة، أما اليوم فاستغنى الناس عنه مقابل المظاهر الحياتية الأخرى كالسيارات الفارهة وغيرها من الأجهزة المتطورة، حتى الذهب لم يعد هناك حاجة له كما في السابق فإذا كُسر تم الاستغناء عنه عن طريق تبديله أو بيعه ولا يتم تصليحه مجددًا، وعمله اليوم يقتصر على تصليح ما أفسده الدهر بالذهب والفضة!'.

اقرأ/ي أيضًا| سوق الناصرة في العيد: إقبال شحيح رغم الحملات

وللصورةٍ المعلّقة له مع عدّة أشخاص على الحائط حكاية، أشار بيديه نحوها وروى لـ'عرب 48' أنّه تعلّم على يد الصائغ باسم فرح، أحد الصاغة المشهورين قديمًا في مدينة الناصرة، تلك الصورة التذكاريّة الملتقطة عام 1964 جمعت بعض تلامذة صياغة الذهب مع أستاذهم فرح، مختتمًا أنّهم كانوا يصنعون الساعات والقلائد والحلي من الذهب.

التعليقات