اللد: حي عربي منكوب في قلب المدينة

تجمع حولي عددٌ من الأطفال والشباب، في زقاق يطُل على مُحيطهِ منازل كئيبة ذات أسقف حديدية مُهترئة، حين رأوني أحمل كاميرة. كان طفل يلهو وآخر يلعبُ برمالٍ نُثرت عشوائيًا في الحيّ، وطفل آخر يحدّق بِنا، وكأننا غُرباء من عالمٍ آخر.

اللد: حي عربي منكوب في قلب المدينة

مجموعة صور خاصة التقطت بعدسة "عرب 48"

تجمع حولي عددٌ من الأطفال والشباب، في زقاق يطُل على مُحيطهِ منازل كئيبة ذات أسقف حديدية مُهترئة، حين رأوني أحمل كاميرة. كان طفل يلهو وآخر يلعبُ برمالٍ نُثرت عشوائيًا في الحيّ، وطفل آخر يحدّق بِنا، وكأننا غُرباء من عالمٍ آخر.

اجتمع ما تبقى من رجال وأطفال الحيّ حولنا، شكا الأول إشكالية الكهرباء، وتذمر آخر من انتشار الفئران في أسقف بيوتهم، وأشار شاب إلى مياه المجاري التي تفيض علي الناس بين الحين والآخر، ثم تحدث رجل عن تراكم النفايات في مدخل الحيّ وانبعاث الروائح الكريهة منها، وشكا شاب انعدام متنزه بلدي أو حديقة أو أي مكان ترفيه للأطفال في الحي. تحدثوا عن مآسيهم بحرقة وألمٍ، علّها تمس قلوب أحد المسؤولين في بلدية اللد، لِما تبقى من بقايا الإنسانية لديهم... كان هذا المشهد في شارع 'الندى' في مدينة اللد المُتحضرة التي تعّجُ ببنايات صناعية متطورة.

 

عند مروري في اللد، متجهًا إلى حيٍّ عربيّ في شارع 'الندى' في المدينة، كان ظاهر المدينة حضاريًا، متقدمًا، صناعيًا، بِنائيًا وبيئيًا. عمارات سكنٍ فاق مستواها 5 نجوم، تحيطها حدائق عامة خضراء، ومراكز جماهيرية وملاعب رياضية، ومراكز تجارية كبيرة من أفخم الماركات العالمية والإسرائيلية. وعند اقترابي من الحيّ المنشود، بدأ الجو يتغيّر، والألوان الخضراء تتحول إلى رمادية، والبنايات بدأت تتقلص وتتهالك، والشوارع لم تعُد مُعبدة، والأوساخ بدأت تتناثر من على أطراف الطريق، وهذا المشهد لا يبعد سوى أمتار عن المشهد الأول. كان هذا الحد الفاصل، الذي يفصل بين عالمٍ ثالث، وبين عالمٍ احتل وبطش وسرق وصادر وميّز وهمّش وداس على أبسط أحلام الآخر، مُتمسكًا بذرائع افترائية، كان هذا الحد يفصل بين الحيّ العربي والحيّ اليهوديّ، في مدينة اللد.

تكمن مشكلة الحيّ أن سكانه العرب الذين هاجروا من منطقة الجنوب في عام النكبة 1948 سكنوا هذه المنطقة التي هي بالأصل بملكية فلسطينية، وتدعي السلطات الإسرائيلية أنها تابعة لما يسمى 'دائرة أراضي إسرائيل'، ولا يمكن العرب استصدار الطابو على أسمائهم، وترفض بلدية اللد منحهم 'نموذج 4' وهو تصريح للكهرباء. ومن الجدير ذكره أنهم يسكنون تلك المنطقة منذ أكثر من 60 عاما، وهم أنفسهم يعتبرون مُهجرون من بيوتهم، ورغم ذلك فإن نكبتهم مستمرة إلى هذا اليوم.

شدّني سمير شعبان إلى داخل منزله، حيث أصر على توثيق معيشتهم التي ضاقت عليهم داخل البيت، كان المنزل يحتوي علي غرفتين أو ثلاث مع حمام، تعيش كل الأسرة فيه وهي تضم سبعة أنفار، يوجد غرفة مغلقة بها أدوات المنزل جميعها، وهي تستعمل كمطبخ، لا يوجد في الغرفة غير 'كنبة' واحدة تستخدم للحياة اليومية، وفي نهاية اليوم ينام عليها أحد أفراد الأسرة، والبقية يستلقون أرضًا، لا توجد مرافق ولا كهرباء، الناس هُنا يستعملون الكهرباء لمدة ساعتين فقط لكل الحيّ، كما أنهم يشترون المياه حتى يشربوا مياه نظيفة، علمًا بأنه لا توجد شبكة مياه في الحي.

اصطحبني شعبان إلى منزل آخر، وقال لـ'عرب 48': 'إذا دخلت هذه الغرفة ستستنشق رائحة غير مستحبة، ستجد الحشرات في كل مكان، ناهيك عن الثعابين والفئران التي تفرض الرُعب في البيت بين النساء والأطفال'.

واستطرد أنه يدفع ضرائب مثله مثل أي مواطن في اللد، الذي يحظى بجميع الخدمات من البلدية، 'في حين تُسلب منا جميع الحقوق وحتى الأساسية، وندفع مبالغ باهظة ولا نتلقى أي خدمة'.

هذا هو الحال في مساكن الحيّ العربي في شارع 'الندى' وسط مدينة اللد، القابع تحت سلطة نفوذ بلدية اللد والتي تعتبر من أكبر البلديات في البلاد، فما بال العشوائيات في القُرى غير المعترف بِها، البعيدة عن أعين المسؤولين.

وتحدث مُنيب شعبان من سكان الحي، بشغف، وكأنه لأول مرة تسنح له الفرصة في سرد معاناته، وقال لـ'عرب 48': 'متى يأخذ المواطن البسيط حقه، إلى متى سنظل نعيش وكأننا في العصر الحجري لا كهرباء ولا ماء ولا مرافق عامة؟ ليس مطلبنا أن نعيش في قصور، والله نريد حياة كريمة كحق أساسي لنا في الحياة، ولا نطلب من السلطة سوى أن تمنحنا الحرية وتفك قيودنا وتعطينا التصاريح والتراخيص اللازمة، كي نحسن ظروف معيشتنا بأنفسنا'.

وأضاف: 'أنا كأب لا أترك أبنائي وحدهم في الشارع أو أن يذهبوا إلى حدائق مجاورة لأنها بعيدة، والشارع يشكل خطرًا على حياتهم. طالبنا مرارًا من المسؤولين في بلدية اللد بمنحنا حقوقنا، في كل فترة انتخابية يزورنا مرشحو الرئاسة وبعد الانتخابات كعادتهم يختفون بلا أثر'.

وأوضح شعبان أنّ 'كل الحيّ يعيش على ساعتين كهرباء، ما يُقارب الستين بيتًا لأكثر من 200 نفر. هذه الإشكالية تُحدِثُ الكثير من المشاكل فيما بيننا، وأحيانا نتخاصم نحن أبناء العائلة الواحدة، إضافة إلى أن عداد الكهرباء يحتاج إلى تصليح في كل فترة قصيرة بسبب انفجارها من الضغط الأمر الذي يكلفنا مبالغ كبيرة لتصليحها، غير أن الأوضاع الاقتصادية صعبة جدًا'.

وأنهى: 'نريد حياة أفضل ليس لنا إنما لأطفالنا. مؤلم جدًا أن يرى أولادنا الآخرين في نعيمٍ، بينما هم يعيشون في ظلامٍ حالِك دون أي سبب وفقط لأسباب سياسية لأنهم عرب. هذا الجيل الذي يهمش وتفرض عليه هذه المعيشة قسرًا لن يحتضن الدولة في المستقبل، ولن يسكت عن حقوقه، فالقهر وليد الظُلم، والقهر سيولد الانفجار'.

اقرأ/ي أيضًا | اللد: المحكمة تحث البلدية على تخطيط حي شنير

وقال الناشط غسّان منير، لـ'عرب 48'، إن 'ما يريده الأهل هو فقط استصدار تراخيص بناء وتخطيط مفصل من قبل البلدية، كي يستطيعوا أن يحسنوا ظروف معيشتهم المأساوية بأنفسهم، وليس بالأمر الصعب أن تعمل البلدية على إعداد خارطة مفصلة للحي، كي يكون أكثر تنظيمًا، وهذا من حقهم لأنهم يدفعون الضرائب مثلهم مثل أي مواطن في اللد'. 

وأكد أن "العيش بهذه الظروف من الصعب أن ينتج عنه جيل صالح أو متعلم أو حتى جيل ينبذ العنف".

التعليقات