بيسان المُهجرة في ذاكرة طفلتين... كبرتا!

وقفت ماري بشارة في بيسان التي هُجّرت منها، لتحدثني والحنين يملأ عينيها بعد طول غياب عن مدينتها التي تحب: "كانت هناك مَشرعة (نهر صغير جارٍ) في منتصف المدينة، كنا نذهب إلى هناك للهو والسباحة،

بيسان المُهجرة في ذاكرة طفلتين... كبرتا!

مجموعة صور التقطت بعدسة "عرب 48"

وقفت ماري بشارة في بيسان التي هُجّرت منها، لتحدثني والحنين يملأ عينيها بعد طول غياب عن مدينتها التي تحب: "كانت هناك مَشرعة (نهر صغير جارٍ) في منتصف المدينة، كنا نذهب إلى هناك للهو والسباحة، وبعد أن احتلتها إسرائيل قامت بطمر النهر وما عاد موجودًا، وكانَت المشرعة بجانب المدرسة، أما هنا حين أقف فقد كانت المحكمة والسرايا والسوق القديم".

ماري أمين سمعان ، ولدت في العام 1931 في بيسان، تتذكر طفولتها التي قضتها في بيسان، قالت لـ"عرب 48"، إن "الحياة في بيسان كانت جميلة جدًا، عشنا مع بعضنا البعض بوضعٍ اجتماعيّ ممتاز، أحببنا بعضنا، وفي صغرنا كنا نتردد إلى مدرسة البنات الحكومية وحين ننتهي من الدوام نذهب إلى الجيران لنلعب مع أترابنا، وفي بعض الأحيان كان الطقس حارًا جدًا فكنتُ ارتدي ملابس السباحة وأنزل إلى المشرعة لأسبح هناك في المياه، هذه حياتنا ببساطتها".

وعن الاحتفال بالأعياد الدينيّة، سردت سمعان أنّها كانت تقضي عيد الميلاد في الكنيسة وتزين شجرة عيد الميلاد هناك، وكان الطائفة تترد إلى الكنيسة للاحتفال وبعد الانتهاء يقوم الناس بزيارة بعضهم البعض، وفي بعض الأحيان يذهبون في نزهة إلى بساتين ونهر منطقة "الأشرفيّة"، فكنا نذهب هناك للجلوس تحت الأشجار.

والد سمعان كان مقاولاً للبناء وقام ببناء مدرسة في بيسان، ولكنّه لم يأخذ ثمنها، سمعان التي قضت طفولتها في بيسان لم تستطع المكوث طويلاً فيها حين كبرت قليلاً، فقبل اندلاع النكبة العام 1948 قامت بالزواج والانتقال إلى خارج المدينة.

وعن تهجير أهلها وعائلتها من بيسان قالت إن "أهلي كسائر أهالي مدينتنا، وضعوهم على الجسر (مفرق الناصرة) فقام أهلي بصعود جبال الناصرة عن طريق العفولة مشيا على الأقدام، وفي تلك الفترة كان من الصعب التواصل بيني وبين أهلي، فمكثتُ لفترة 5 شهور دون أن أحادثهم فيها، فلم يكن هناك هواتف، وبعد 5 أشهر من الفراق جرى اللقاء بيننا".

واستطردت أنّ "السنوات التي مرّت على العائلة نتيجة التهجير صعبة وقاسية جدًا، فكان الجيش الإسرائيليّ يخافُ من عصابات "الهاغاناة"، وقام العديد من الفلسطينيين بترحيل بناتهم إلى الأردن بسبب الخوف من اليهود".

مائدة لم تكتمل

مهجرة أخرى ولدت في العام 1938 في بيسان، تُدعى جورجيت سيباني بشارة، قالت لـ"عرب 48"، إنّها لا تعلم في أي شهر ولدت بسبب ضياع الوثائق التي كانت في بيسان، وعن النكبة بحثت في ذاكرتها وهي طفلة بعمرِ 8 سنوات، وقالت "إنهم أمرونا بالخروج، وكانت أمي في ذاك اليوم قد طبخت الملوخيّة، لكننا أثناء تناول الطعام تركنا كل شيء وصعدنا إلى الباصات بملابسنا فقط ولم نأخذ معنا أيّ شيء".

وتابعت: "أنا وعائلتي كنا 11 شخصًا، مع أختي التي هربت من حيفا، كانت قد انتقلت إلى حيفا بعد الزواج، فأتت أختي للجوء إلى بيسان معتقدةً أنّها منطقة أكثر أمانًا، وكان لديها ولدين، أصغرهما 40 يومًا، نزلنا من الباص في منطقة الجسر الذي جرى تفخيخه بالمتفجرات، وتدبرنا أمرنا بعدها بمساعدة باصات الناصرة التي أقلتنا من الجسر".

وأنهت بتعبيرٍ مرهف أنّها تتمنى أن تترك كل شيء لتعود وتعيش في بيسان، فـ"مياه بيسان لا يوجد أعذب منها"، وعن أهالي بيسان فهم على حد تعبيرها "شربة وحدة"، أو "روح وحدة"، وأكدت أنه "لم نكن فرق بين بعضنا البعض، لكن للأسف كبرنا وتغيرت الأوضاع، فأكثر ما أحنّ له هو منزلي القديم بجانب دير اللاتين، أتمنى لو بقي صامدًا، أتمنى لو أهلي ما زالوا موجودين".

يذكر أنّ هذه الزيارة إلى بيسان كانت بمبادرة من جمعيّة الدفاع عن حقوق المهجرين، جمعت أجيال متفاوتة، لتعرفهم وتعيدهم إلى بيسان بزيارة تذكاريّة رمزيّة.

التعليقات