تهجير من صفد للبنان وفرحة العودة لمجد الكروم

تقيمُ الحاجة صليحة خلايلة (86 عاما)، مهجّرة من مواليد صفد في العام 1930، في قرية مجد الكروم بمنطقة الشاغور، تحمل في ذاكرتها حكايات الطفولة الجميلة في المدينة الكنعانية الجميلة، وأخرى مؤلمة بسبب الاستعمار والاحتلال والنكبة.

تهجير من صفد للبنان وفرحة العودة لمجد الكروم

الحاجة صليحة خلايلة (تصوير "عرب 48")

تقيمُ الحاجة صليحة أحمد علي يوسف علي زهرة خلايلة (86 عامًا)، وهي مهجّرة من مواليد مدينة صفد- حارة الأكراد، في العام 1930، في قرية مجد الكروم بمنطقة الشاغور، تحمل في ذاكرتها حكايات الطفولة الجميلة في المدينة الكنعانية الجميلة، وأخرى مؤلمة بسبب الاستعمار والاحتلال والنكبة.

قالت الحاجة صليحة خلايلة، لـ'عرب 48': 'أذكر أننا في حينه خرجنا وتركنا كل شيء خلفنا، ذكرت لي أمي أنه صادف إعدام الشهداء فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير بتاريخ 17.6.1930، وفي اليوم نفسه كانت ولادتي، بقيت أوراق النفوس تحت الردم، ولا أعلم إذا كان التاريخ دقيقا أم لا'.

وتحدثت عن تفاصيل تذكرها أن 'الزوج كان يُدعى مخيمر مصطفى إبراهيم أبو سمرة خلايلة، أما الوالدة فاسمها قدرية حسين محمود المجدلاني'، والدتها ووالدها من صفد، تزوجت في العام 1950، وانتقلت للسكن في مجد الكروم، أمضت عامين في لبنان، ثم عادت إلى مجد الكروم.

وأضافت: 'عملت حين عودتنا في الأرض، تحت الزيتون والتين واللوز، في أرض الأم والخالة فأبي ابن خالة أمي'.

وقالت المسنة إنه 'في ذاكرتي مشاهد النكبة في صفد، ارتقى عدد من الشهداء، العدو كان أمامنا، كان هناك ابن خالة أمي يدعى فايز، جرى إطلاق النار عليه فسقط أرضًا، قمنا بدفنه قبل خروجنا بيومين، في حينه حدثت النكبة فخرجنا من الديار. قُتل وأصيب كثيرون بينهم ابنة في الرابعة عشرة من عمرها، تمّ قنصها كالعصافير، كانت تسير في الشارع، حين أطلقوا الرصاص باتجاهها فسقطت أرضًا. ولاحقًا انتقلنا من حارة الأكراد خوفًا، ثم انتقلنا إلى حارة الوطاة، كما كانوا يسمونها، ونتحدث عن السرايا العتيقة في صفد، وحين وصل جيشٌ من القرى لمساعدة أهالي صفد، في تلك الليلة سقطت صفد، إذ كانوا يمرون من أمام البيت، وسألنا: ماذا هناك؟ فقالوا: سنعود، بعد أن نتلقى الجبهة لمساعدتنا، كيف تركونا للذبح وذهبوا؟ هكذا سقطت صفد. أذكر أنه كانت لي شقيقة تدعى لطفية كانت تحمل كاميرا، أبلغتهم أنني متجهة نحو الأهل، أما أبي فكان في سخنين، وحين خروجه قالوا له ابنتك هنا، وكان الرجال يتجهون نحو وادي الطواحين، ومن لديه شخص ويمكنه اللحاق بهم لينضم إليهم، أبي وجد شقيقتي وخالتي خديجة، لم يستطع حملها فتركها، وأحضر شقيقتي، وبدأنا بالسير إلى بنت جبيل في لبنان، ثم عدنا مرّة أخرى إلى صفد لأخذ الملابس أنا وشقيقتي سروة، والتقينا مع خالي عبد السلام، لم نمكث طويلاً، لكن بسبب البرد الشديد ذهبنا إلى بنت جبيل، بقيت العائلة في المخيم، لكنني عدتُ مرة أخرى مع صديقتي مشيًا على الأقدام، أحضرنا من الملابس ما استطعنا حمله، وتابعنا طريقنا، فلحقتنا جدتي والدة أمي، وأبي وشقيقي يوسف، وكان الهدف إعادتنا، دخلنا إلى صفد، ما رأيناه في المدينة تقشعر له الأبدان. أخذنا ما يمكن حمله، فرشات، لحف لأشقائي، حتى وصلنا إلى وادي الليمون (وادي الطواحين)، ونمنا هناك، وخرجنا إلى الصفصاف، ثم إلى الجش، وعندما وجدنا أنفسنا وقد أهلكنا التعب، تركنا ما نقلناه في الجش، أبي وأخي وأنا أحضرنا أشقائي وأمي ومكثنا هناك في الجش، وبقينا من شهر نيسان/ أبريل حتى تشرين الأول/ أكتوبر في الجش، كان أهالي الجش كرماء وطيبون، ولاحقًا عاد اللاجئون من لبنان إلى الجش، وأذكر أنه حين حلت بنا النكبة خرجنا إلى لبنان بملابسنا لم ننقل معنا شيئا. وجاءت الجيوش العربية وسكنوا في التين وفي ساعات العصر حامت الطائرات وبدأت بالقصف، فبدأ الجيش العربي بالهروب، وعندها حملنا ما استطعنا ووصلنا إلى الوادي، حيثُ سكنّا هناك، وإذ بالقصف يلاحقنا حيُث كنّا في الوادي. وخرجنا ليلاً حتى وصلنا حدود لبنان، أو ما يسمى 'صف الهوى'، عند الكرانتينا. وصلنا لبنان، مكثتُ هناك سنة، وفي أواخرها جرت خطوبتي، جئت مع زوجي إلى هنا، وبقي أهلي في المخيم، وانتقلوا لاحقًا إلى نهر البارد، وغيره من المخيمات. تزوجت للاجئ من مجد الكروم، كنّا نقيم تحت الشوادر'.

وتابعت: 'التقيتُ بزوجي في مخيم صور، وطلب يدي، مكثتُ سنة، ثم عدت في العام 1950، عدنا قبل ذلك، فوجدنا البلد مطوّقة، وقاموا بإبعادنا قرب جنين، ووصلنا إلى عمّان ثم سورية، ثم لبنان (عنجر البقاع)، وبتنا هناك، ثم وصلنا إلى بيت سلفي في مخيم عين الحلوة، ومن هناك عدنا إلى مجد الكروم، والتقيتُ بأمي وأبي مرّة واحدة في قبرص، ولها شقيقان توفيا، التقت بأحدهما في الأردن، وشقيقها الآخر جاء في العام 1973 لمدة 10 أيام، وتفرق الأشقاء بين صيدا ونهر البارد وغيرها من المناطق، ولا يزال الأعمام في عين الحلوة'.

هكذا لجأت صليحة مع العائلة إلى لبنان وتحديدًا إلى بنت جبيل ثم إلى مارون الراس، ولاحقًا الى مخيم صور. والدتها تركت الذهب والمصاغ في فتحة البيت بصفد، وحين عادت صليحة فتشت فلم تجد شيئًا في المنزل، وعادت مرّة أخرى لترى البيت قد هُدم، واستبدل ببيتٍ حديث يسكنه اليهود، وتمّ اقتلاع كرم الزيتون واللوز والجوز.

وأنشدت: 'سقا الله نلتقى بين الدروب، نحكيلكم ما في القلوب، عسا الله ينوبنا صحن العشا'، وقالت: 'لا زلت أذكر نواح أم ماير، بكينا أثناء عودتي لبيتنا الذي وجدتُه فارغًا من أي شيء، بينما بقي المفتاح مع والدتي، بحثت عن الذهب فلم أجده، كان البيت فارغًا. ضناني الحال وخلى حالتي صعبة. هنا كان قبل أن ينسفوه، وهذه حاكورة بيتنا، كنا نمر من قربها، لم يبقَ في بيتنا سوى التين'.

اقرأ/ي أيضًا | بيسان المُهجرة في ذاكرة طفلتين... كبرتا!

وأقسى ما حدثتني عنه الحاجة صليحة خلايلة أن 'النكبة والتهجير إلى لبنان لم تكن أهون على الفلسطينيين مما اقترفته العصابات الصهيونية من عمليات اغتصاب يندى لها الجبين، هناك حقائق لا يمكن البوح بها بسبب صعوبتها، حيثُ استباحوا بعض النساء بينما قنصت الطائرات الشباب والعائلات العربيّة'.

التعليقات