ديوان السرايا: حكاية مكان جمع التحف الأثرية بالناصرة

عند دخولك ديوان السرايا في مدخل البلدة القديمة بالناصرة، تسحرك منذ اللحظةِ الأولى تفاصيل المكان بحذافيرهِ، لن يمنعك اكتظاظ المشهدِ بالألوان والتحف الجميلة عن الغوصِ في جزيئيات كلِّ قطعة منها مهما استغرقت المهمة من زمن،

ديوان السرايا: حكاية مكان جمع التحف الأثرية بالناصرة

مجموعة صور خاصة التقطت بعدسة "عرب 48"

عند دخولك ديوان السرايا في مدخل البلدة القديمة بالناصرة، تسحرك منذ اللحظةِ الأولى تفاصيل المكان بحذافيرهِ، لن يمنعك اكتظاظ المشهدِ بالألوان والتحف الجميلة عن الغوصِ في جزيئيات كلِّ قطعة منها مهما استغرقت المهمة من زمن، ببساطة هذا المكان لوحة فنية تمزج ما بين المتحف والمطعم.

 

المطعم المتواضع عمره 286 عامًا، كان قديمًا بيتًا لظاهر العمر الزيدانيّ وقد شيده في العام 1730، يحوي 3 طاولات عرضًا على الجهةِ اليمنى عند الدخول، سقفهُ عبارة عن عقد قديم تتدلى منه ثُّرَيَّا من الكريستال، وفي الجهةِ المقابلة يقفُ صاحبُ المطعم، علي حسن أبو أحمد، ليعدّ الطعام الفلسطينيّ التقليديّ للزبائن والسائحين.

عن المطعم الأثريّ

فضّل أبو أحمد، المُكنّى بأبي أشرف، أن يُعدّ الطعام للزبائن لوحده بابتسامةٍ دائمة، ورغم وقوفه على عتبةِ الـ65 من العمر إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من تحمّل كافة أعباء العمل في المطعم، الذي يقدم المأكولات الفلسطينيّة فقط، دون مساعدة أحد إلا نادرًا.

بنى ظاهر العمر الزيدانيّ هذا البيت، الذي يعتبرُ المطعم جزءً منه اليوم، من أجل زوجته التي اقترن بها من الناصرة في العام 1730، وكان هذا العقد عبارة عن الجزء الخارجيّ من منزلهِ، واستعمل كديوان، أي مكان الجلوس والاستضافة، وبسبب هذا اختار أبو أحمد تسمية المطعم "ديوان السرايا" نسبةً إلى ديوان الظاهر عمر.

افتتح أبو أحمد مطعم "ديوان السرايا" في العام 1980، بالتزامنِ مع بداية هوايته بجمعِ المقتنيات القديمة التي ترافقه منذ 35 عامًا، وقال لـ"عرب 48" إنني "أحبّ جمع الأدوات القديمة المتعلقة بحضارتنا وتراثنا، وأكثر ما جذبني من هذه الأغراض هي الأواني النحاسيّة ومعدات العمل بالمهن المختلفة وقد جمعتُها بشكلٍ شخصيّ، بالإضافة إلى العائلة والأصدقاء والمعارف الآخرين".

وشرح عن هوايته أنه "حين أجد قطعة أثريّة أشعر بمتعة لا توصف، فهي ترمز لتاريخ أجدادنا الذين بنوا الحياة وعملوا بمهنٍ يدويّة وإبداعيّة مختلفة واعتزّوا بموروثهم الحضاريّ الإسلاميّ والمسيحيّ معًا، ومنهم أبي الذي عمل في مهنة النجارة متخرجًا من مدرسة شنلّر الألمانيّة في القدس، وبسببه تولّدت لدي رغبة بجمع الأدوات المهنيّة والحرفيّة".

يجدُ الناظر في المكانِ كلّ ما قد يخطرُ في البال، حتى الأدوات الموسيقيّة متواجدة، ومنها آلة العود التي تركت ذكرى مؤلمة في قلب أبو أحمد حين كان طفلاً على مقاعد المدرسة الابتدائيّة، وقال: "أردتُ أن أتعلّم العزف على آلةِ العود لولعي بصوتها وكطفل ظننت أن ذلك أقصى أحلامي، وبالفعل بدأتُ بتلقي الدروس، إلّا أنّ عدم الاتفاق بين والدي وصانع العود حال دون صنع الآلة وانكسار طموحي مما شكل لي صدمة صعبة، وبهذا أقوم اليوم بجمع الآلات الموسيقيّة وعلى رأسها العود كي ينكشف العالم الموسيقيّ الخفيّ بداخلي عن طريق عرض الآلات".

الدلالات الثقافيّة والمجتمعيّة للمقتنيات

وضّح أبو أحمد أنّ أهم المقتنيات التي في مطعمهِ لا تعدّ ولا تحصى، وهي مقتنيات مرتبطة بالحضارة الإسلاميّة، كالأباريق والقناديل وميزان عربيّ أصليّ يقيس حتى 240 كيلوغرام عن طريق ربطه بشجرة، وعربة خيل مصنوعة يدويًا من الخشب، الجواريش لطحن القمح، مزهريات نحاسيّة من سورية منقوشة بالفضة، الهاون لطحن البهارات، الساعات، المكوى القديم المستعمل عن طريق الفحم وأقدار الطعام.

ونوّه إلى أنّ كل قطعة من القطع ترمز إلى مدى غنى أو فقر الإنسان، فالإنسان البسيط كان يضيء منزله عن طريق "القمبور"، وهو تنكة صغيرة بها فتلة تُضاء بالكاز، أما الثري فيقتني القنديل النحاسيّ أو الكريستاليّ، حتى الأباريق استعمل الأغنياء منها ما هو منقوش وضخم أما الفقراء فاستعملوا ما هو غير منقوش ومزخرف ومبهرج.

أما جرن الكُبة، فكان الأغنياء فقط من يقتنونه، لكنهم بالمقابل كانوا يعيرونه إلى جيرانهم الفقراء، ويتبادلون الطعام بالمقابل، فقد كانت الحياة بسيطة والاستعارة من الجار كانت عادة سائدة، فاستعاروا أطقم القهوة العربية (السادة) وأقدار الطعام، كان الجيران يتصرفون كعائلة وبهم نخوة، لكن اليوم انعدمت هذه العادات، وفق ما قاله أبو أحمد، وأكد أنه "للأسف هناك البعض من أبناء مجتمعنا يقومون بالتسلل إلى المطعم لسرقة المقتنيات لبيعها بأسعارٍ بخسة، عدا عن أنّ جيل اليوم لا يقدّر قيمة الآثار ويقومون بإلقاء الآثار في القمامة، في حين أن السائحين والأجانب يقومون بشرائها والاهتمام بها".

هل سيعود إلى الحياة؟

بالرغمِ من الوضع المتدهور الذي يعاني منه السوق، يؤمن أبو أحمد أنّ السوق سيعود يومًا ما مركزًا جميلاً، وقال إنه "لا يتحقق ذلك إلا بوجود برامج وخطط مساهمة، واقترح أن يعد تخطيطا إستراتيجيا لإعادة الحِرف اليدويّة إلى السوق، الفخار، الزجاج، النحاس والتطريز، يجب علينا إعادة إحياء هذه الحرف لو تطلب الأمر أن نعلّمها لأبنائنا في الأردن، لأنّها انقرضت من الناصرة. هناك العديد من الأفكار يمكننا تطبيقها، ولدي الأمل بتحقيقها، فحين افتتحت المطعم كان الوضع الماديّ سيء جدًا ولم أكن أملك ثمن فاتورة الكهرباء والضريبة، أما اليوم فالأوضاع في تحسن بسبب المثابرة على النجاح وأحاول أن أقدم أفضل ما لدي".

 

التعليقات